الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يوفقك، وأن يفتح قلبك للهدى، وأن يصرف عنك مضلات الفتن.
فإن القضية الكبرى التي يجب أن تعلهما وتفقهها هي أن سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- وحي من الله، واجبة الاتباع بكل حال، وأن من ردّ سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- الثابتة عنه اكتفاء بما في القرآن العظيم فهو في غاية الضلال، ونقل بعض العلماء الاتفاق على كفره. وإنكار ما جاءت به السنة الصحيحة مما لم يذكر في القرآن الكريم: ضلالة قديمة، وقد أخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بظهور هذه النابتة؛ فعن المقدام بن معدي كرب أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ألا يوشك رجل ينثني شبعان على أريكته يقول: عليكم بالقرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه. أخرجه أحمد. وفي لفظ له: يوشك أحدكم أن يكذبني وهو متكئ على أريكته يحدث بحديثي، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه من حلال استحللناه، وما وجدنا فيه من حرام حرمناه، ألا وإن ما حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مثل ما حرم الله. والحديث صححه ابن حبان، وابن تيمية، وغيرهم.
وقال ابن حزم: ونسأل قائل هذا القول الفاسد: في أي قرآن وجد أن الظهر أربع ركعات، وأن المغرب ثلاث ركعات، وأن الركوع على صفة كذا، والسجود على صفة كذا، وصفة القراءة فيها، والسلام، وبيان ما يجتنب في الصوم، وبيان كيفية زكاة الذهب والفضة والغنم والإبل والبقر، ومقدار الأعداد المأخوذ منها الزكاة، ومقدار الزكاة المأخوذة، وبيان أعمال الحج من وقت الوقوف بعرفة وصفة الصلاة بها وبمزدلفة، ورمي الجمار، وصفة الإحرام، وما يجتنب فيه، وقطع يد السارق، وصفة الرضاع المحرم، وما يحرم من المآكل، وصفة الذبائح، والضحايا، وأحكام الحدود، وصفة وقوع الطلاق، وأحكام البيوع، وبيان الربا، والأقضية، والتداعي، والأيمان، والأحباس، والعمرى، والصدقات، وسائر أنواع الفقه؟
وإنما في القرآن جمل لو تركنا وإياها لم ندر كيف نعمل فيها، وإنما المرجوع إليه في كل ذلك النقل عن النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكذلك الإجماع إنما هو على مسائل يسيرة، فلا بد من الرجوع إلى الحديث ضرورة.
ولو أن امرأ قال: لا نأخذ إلا ما وجدنا في القرآن. لكان كافرًا بإجماع الأمة، ولكان لا يلزمه إلا ركعة ما بين دلوك الشمس إلى غسق الليل، وأخرى عند الفجر؛ لأن ذلك هو أقل ما يقع عليه اسم صلاة، ولا حد للأكثر في ذلك، وقائل هذا كافر مشرك حلال الدم والمال، وإنما ذهب إلى هذا بعض غالية الرافضة ممن قد اجتمعت الأمة على كفرهم. اهـ. باختصار من الإحكام في أصول الأحكام.
وراجع في بيان منزلة السُّنة في الدِّين الفتويين: 8407، 199637.
ومما يتفرع على هذه القضية: أمر حد الرجم؛ فرجم الزاني المحصن ثابت بالسنة المتواترة، وإجماع علماء الإسلام على مرّ العصور، وقد أشبعنا الكلام عن حد الرجم، وبيّنّا أدلة ثبوته في فتاوى كثيرة، فانظر منها الفتوى رقم: 268741، والفتوى رقم: 210418، وإحالاتها.
وكذلك ما يتعلق بالمهدي؛ فإن الأحاديث الصحيحة قد دلت على أن المهدي سيظهر في آخر الزمان، وقد ذكرنا جملة من تلك الأحاديث، في فتاوى عدة، منها الفتاوى التالية أرقامها: 80609، 6573، 18939.
وأما عن حكم التكذيب بأحاديث المهدي: فقد بيناه في الفتوى رقم: 21791، فراجعها.
والله أعلم.