الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فلا يتأتى لنا الجزم لأحد بدخول النار أو حبوط العمل! ولكن ما ينبغي أن ننبه عليه في جواب السؤال الأول هو التفريق بين البحث عن الحق بسبب جهله أو الشك فيه، وبين البحث عن الحق لطلب اليقين وزيادة الإيمان. فهذا الثاني يتأتى من المؤمن الصادق، بل إن بعض أهل الإيمان المطلق يطلبون الزيادة منه، للوصول لعين اليقين، كما قال الخليل - عليه السلام - في قول الله -تعالى- عنه: رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي [البقرة: 260] وراجع في ذلك الفتوى: 258277.
والشك - الذي هو تردد بين شيئين دون الجزم بصحة أحدهما، فكلاهما عند الشاكِّ محتمل - لا ريب في أنه مناقض للإيمان، فلا يجتمعان معا في آن واحد، بخلاف التصديق الجازم الذي يطلب صاحبه زيادة فيه، ويبحث عن أدلته التي تقويه، فهذا لا يناقض الإيمان بل يستدعيه. وراجعي في بيان الفرق بين الشك والوسوسة الفتويين: 128213، 120582.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى ينبغي التفريق بين المسلم الذي وقع في الشك المخرج من الملة، ثم هو يبحث عن وجه الصواب فيما يشك فيه، فهذا يبقى له حكم الشاكّ إلى أن يزول شكه، فإن مات في شكه فهو على غير سبيل المؤمنين، وقد مَدَّ إلى العذاب بسبب، وتعلق من الهلاك بصلة، والعياذ بالله؛ لأنه كان على الحق ثم تركه، وعرف الصواب ثم حاد عنه ولم يستمسك به. بخلاف غير المسلم الذي يبحث عن الحق، ويطلبه جهده، فسمع عن الإسلام فجاء يبحث عنه وينظر فيه كي يعتنقه إن عرف أنه الحق، كحال سلمان الفارسي في هجرته في طلب الدين الحق، وبحثه عن الحقيقة، ونظره في علامات النبوة، فمثل هذا إن مات حال طلبه معرفة الحق قبل أن يعرفه، فأقل أحواله أن يكون له حكم أهل الفترة، إن لم يكن من الناجين؛ لأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه. وعذابه سبحانه إنما يُستحق بسببين:
أحدهما: الإعراض عن الحجة، وعدم إرادة العلم بها وبموجبها.
الثاني: العناد لها بعد قيامها، وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض، والثاني كفر عناد.
وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة، وعدم التمكن من معرفتها، فهذا الذي نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل، كما قال ابن القيم رحمه الله، وراجع في ذلك الفتويين: 311626، 158921.
وأما السؤال الثاني فراجعي في جوابه الفتاوى: 227845، 244225، 142323.
والله أعلم.