الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذا اللفظ: "المرابطون" يطلق في بعض البلاد الإسلامية كبعض بلاد المغرب العربي، على من يُظن فيهم الصلاح والتقوى وأنهم من أولياء الله، من الأحياء أو من الأموات.
وقد لا يكون الشخص الذي يسمى بذلك وليا، فقد أطلق على هذا اللفظ على مبتدعة ودراويش، فاقدين لعقولهم، ولا يتقون النجاسات، ولا يحافظون على الصلوات.
والواجب أن يعلم المسلم أن الخوارق -كالمشي على الماء- إذا حصلت على يد شخص، فإنها لا تستلزم صلاحه وتقواه. فالخوارق قد تجري على أيدي المشعوذين والدجالين، كما أن الخوارق قد تقع كرامة لأولياء الله المؤمنين.
فالعبرة في الحكم بصلاح الشخص إنما هو بما يظهر عليه من علامات الإيمان وأمارات التقوى، واتباع الكتاب والسنة، لا بمجرد حصول الخوارق أو عدم حصولها.
قال القرطبي: قال علماؤنا -رحمهم الله-: ومن أظهر الله على يديه ممن ليس بنبي كرامات، وخوارق للعادات، فليس ذلك دالاً على ولايته، خلافاً لبعض الصوفية والرافضة. اهـ.
ومثله قول ابن كثير في البداية والنهاية، في شأن أحد هؤلاء: وكان كثير من العوام وغيرهم يعتقدون صلاحه وولايته، وذلك لأنهم لا يعلمون شرائط الولاية ولا الصلاح، ولا يعلمون أن الكشوف قد تصدر من البر والفاجر، والمؤمن والكافر. اهــ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: وَتَجِدُ كَثِيرًا مِنْ هَؤُلَاءِ عُمْدَتُهُمْ فِي اعْتِقَادِ كَوْنِهِ وَلِيًّا لِلَّهِ أَنَّهُ قَدْ صَدَرَ عَنْهُ مُكَاشَفَةٌ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ أَوْ بَعْضِ التَّصَرُّفَاتِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ، مِثْلِ أَنْ يُشِيرَ إلَى شَخْصٍ فَيَمُوتَ، أَوْ يَطِيرَ فِي الْهَوَاءِ إلَى مَكَّةَ أَوْ غَيْرِهَا، أَوْ يَمْشِيَ عَلَى الْمَاءِ أَحْيَانًا؛ أَوْ يَمْلَأَ إبْرِيقًا مِنْ الْهَوَاءِ؛ أَوْ يُنْفِقَ بَعْضَ الْأَوْقَاتِ مِن الْغَيْبِ، أَوْ أَنْ يَخْتَفِيَ أَحْيَانًا عَنْ أَعْيُنِ النَّاسِ؛ أَوْ أَنَّ بَعْضَ النَّاسِ اسْتَغَاثَ بِهِ وَهُوَ غَائِبٌ أَوْ مَيِّتٌ، فَرَآهُ قَدْ جَاءَهُ فَقَضَى حَاجَتَهُ؛ أَوْ يُخْبِرَ النَّاسَ بِمَا سُرِقَ لَهُمْ؛ أَوْ بِحَالِ غَائِبٍ لَهُمْ أَوْ مَرِيضٍ أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ مِن الْأُمُورِ.
وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ مَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ صَاحِبَهَا وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ بَلْ قَدْ اتَّفَقَ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ لَوْ طَارَ فِي الْهَوَاءِ، أَوْ مَشَى عَلَى الْمَاءِ لَمْ يُغْتَرَّ بِهِ حَتَّى يَنْظُرَ مُتَابَعَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمُوَافَقَتَهُ لِأَمْرِهِ وَنَهْيِهِ.
وَكَرَامَاتُ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ؛ وَهَذِهِ الْأُمُورِ الْخَارِقَةِ لِلْعَادَةِ وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ صَاحِبُهَا وَلِيًّا لِلَّهِ، فَقَدْ يَكُونُ عَدُوًّا لِلَّهِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْخَوَارِقَ تَكُونُ لِكَثِيرِ مِن الْكُفَّارِ وَالْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُنَافِقِينَ، وَتَكُونُ لِأَهْلِ الْبِدَعِ، وَتَكُونُ مِن الشَّيَاطِينِ. فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُظَنَّ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ لَهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمُورِ أَنَّهُ وَلِيٌّ لِلَّهِ؛ بَلْ يُعْتَبَرُ أَوْلِيَاءُ اللَّهِ بِصِفَاتِهِمْ وَأَفْعَالِهِمْ وَأَحْوَالِهِمْ الَّتِي دَلَّ عَلَيْهَا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ، وَيُعْرَفُونَ بِنُورِ الْإِيمَانِ وَالْقُرْآنِ وَبِحَقَائِقِ الْإِيمَانِ الْبَاطِنَةِ وَشَرَائِعِ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَةِ .اهـ من مجموع الفتاوى.
وقد قدمنا في فتاوى سابقة أن الغيب نوعان: غيب مطلق، وهذا لا يعلمه إلا الله، وغيب نسبي: يعلمه بعض الخلق دون بعض كالذي تتسمعه الشياطين حين تسترق السمع، فتلقيه على شيطان الإنس، فيخبر به، ويظن الناس فيه أنه يعلم الغيب.
وانظر الفتويين: 122526، 327052.
واستجابة الدعاء لا يلزم منه أن يكون العبد صالحا، وراجع الفتوى: 217456.
وأما التبرك بذوات الصالحين وآثارهم، ففي مشروعيته خلاف مشهور بين أهل العلم، وقد رجحنا في فتاوى سابقة، القول بعدم مشروعيته، كما في الفتوى: 172953.
والله أعلم.