ذكر وجوب رد المتاع المسروق إلى أهله وتضمين قيمة ما تلف منه
أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على أن السارق إذا وجب قطع يده فقطعت ووجد المتاع قائما بعينه، أن رد ذلك يجب على المسروق منه .
واختلفوا في السارق تقطع يده وقد استهلك المتاع، فقالت طائفة: إن كان للشيء المتلف مثل أخذ بمثله، وإن لم يكن له مثل ضمن قيمته، هكذا قال وبه قال الشافعي، وقال أبو ثور: أحمد، وإسحاق: يغرم .
وكان يقول: يضمن السرقة استهلكها أو لم يستهلكها، وعليه القطع. وهو قول النخعي وبه قال حماد بن أبي سليمان، وحكي ذلك عن الليث بن سعد، يحيى الأنصاري، . [ ص: 357 ] وعثمان البتي
وقالت طائفة: إن وجد صاحب المتاع متاعه بعينه أخذه، وإن استهلكه السارق أخذ صاحب المتاع قيمته، إن وجد له مالا يومئذ وأقيم عليه الحد، وإن لم يوجد له مال بطل ذلك عنه ولم يكن دينا عليه يتبع به، هذا قول . مالك
وقالت طائفة ثالثة: ليس على السارق غرم بعد أن تقطع يمينه إلا أن يوجد شيء بعينه فيؤخذ منه، هذا قول عطاء، والشعبي، وابن سيرين، وقال ومكحول، قول سفيان الثوري: أحب إلي، وقال الشعبي النعمان وأصحابه: كذلك إن السلعة المسروقة إذا استهلكت، وقد قطعت يده فلا ضمان عليه. وحكي ذلك عن وقال ابن شبرمة. النعمان في الرجل يسرق مرات ثم يؤتى به في آخر مرة: فإنه يقطع ويضمن كل السرقات إلا الآخرة، وقال أبو يوسف: لا أضمنه .
قال وبالقول الأول أقول، لأن الله حرم الأموال في كتابه تحريما عاما مطلقا فقال: ( أبو بكر: ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل وتدلوا بها إلى الحكام ) وحرم النبي صلى الله عليه وسلم الأموال في خطبته بمنى وعرفة فقال: مودعا بذلك أمته. وقد أجمع أهل العلم على تحريم أموال المسلمين إلا من حيث أبيح لهم أخذها. وأجمعوا على أن من [ ص: 358 ] أخذ مالا لأخيه المسلم من غير جهة السرقة من غير طيب نفسه، غرم ما أخذ. وأجمعوا كذلك أن السارق متعد بأخذ مال أخيه المسلم، وأجمعوا كذلك أن عليه رد ما سرق إن كان قائما بعينه قطعت يده أو لم تقطع. وفي هذا دليل على أن معنى القطع غير معنى المال، فإذا افترق معناهما في هذا الوجه ووجب رد الشيء بعينه وقطع اليد عقل أن قطع اليد معنى والمال غيره، وأن ملك مالكه لا يزول عن المال لقطع يد السارق، وإذا كان هكذا فالسارق مستهلك [مال] أخيه المسلم، وعليه الغرم فيما استهلك على سبيل ما ذكرناه، ولا يثبت الحديث الذي روي عن " إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا" إذا قطع يد السارق لم يغرم لضعف إسناده، ولأن عبد الرحمن بن عوف الحكم الأيلي رواه [و] الحكم عندهم ليس بشيء . [ ص: 359 ]