الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
          معلومات الكتاب

          الإحكام في أصول الأحكام

          الآمدي - علي بن محمد الآمدي

          [ ص: 249 ] المسألة التاسعة

          المقتضى وهو ما أضمر ضرورة صدق المتكلم لا عموم له ، وذلك كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " فإنه أخبر عن رفع الخطإ والنسيان ، ويتعذر حمله على حقيقته لإفضائه إلى الكذب في كلام الرسول ، ضرورة تحقق الخطأ والنسيان في حق الأمة ، فلا بد من إضمار حكم يمكن نفيه من الأحكام الدنيوية أو الأخروية ، ضرورة صدقه في كلامه .

          وإذا كانت أحكام الخطأ والنسيان متعددة فيمتنع إضمار الجميع إذ الإضمار على خلاف الأصل ، والمقصود حاصل بإضمار البعض ، فوجب الاكتفاء به ضرورة تقليل مخالفة الأصل .

          فإن قيل : ما ذكرتموه إنما يصح أن لو لم يكن لفظ الرفع دالا على رفع جميع أحكام الخطأ والنسيان ، وليس كذلك ، وبيانه أن قوله : " رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " يدل على رفعهما مستلزما لرفع أحكامها [1] .

          فإذا تعذر العمل به في نفي الحقيقة تعين العمل به في نفي الأحكام .

          سلمنا أنه لا دلالة عليها وضعا ، ولكن لم قلتم بأنه لا يدل عليها بعرف الاستعمال ؟ ولهذا يقال : ليس للبلد سلطان ، وليس له ناظر ولا مدبر ، والمراد به نفي الصفات .

          سلمنا أنه لا يدل عليها بعرف الاستعمال غير أن اللفظ دال على رفع الخطأ والنسيان .

          فإذا تعذر ذلك وجب إضمار جميع الأحكام لوجهين : الأول : أنه يجعل وجود الخطأ والنسيان كعدمه ، والثاني : أنه لا يخلو إما أن يقال بإضمار الكل أو البعض أو لا بإضمار شيء أصلا .

          والقول بعدم الإضمار خلاف الإجماع ، وليس إضمار البعض أولى من البعض ، ضرورة تساوي نسبة اللفظ إلى الكل ، فلم يبق سوى إضمار الجميع .

          والجواب عن الأول أن اللفظ إنما يستلزم نفي الأحكام بواسطة نفي حقيقة الخطأ والنسيان ، فإذا لم يكن الخطأ والنسيان منتفيا [2] فلا يكون مستلزما لنفي الأحكام .

          [ ص: 250 ] وعن الثاني أن الأصل إنما هو العمل بالوضع الأصلي وعدم العرف الطارئ ، فمن ادعاه يحتاج إلى بيانه .

          وما ذكروه من الاستشهاد بالصور فلا نسلم صحة حملها على جميع الصفات ، وإلا لما كان السلطان موجودا ولا عالما ولا قادرا ونحو ذلك من الصفات ، وهو محال .

          وعن الثالث قولهم : إضمار جميع الأحكام يكون أقرب إلى المقصود من نفي الحقيقة .

          قلنا : إلا أنه يلزم منه تكثير مخالفة الدليل المقتضي للأحكام ، وهو وجود الخطأ والنسيان .

          قولهم : ليس إضمار البعض أولى من البعض إنما يصح أن لو قلنا بإضمار حكم معين ، وليس كذلك ، بل بإضمار حكم ما ، والتعيين إلى الشارع .

          فإن قيل : فيلزم من ذلك الإجمال في مراد الشارع ، وهو على خلاف الأصل .

          قلنا : لو قيل بإضمار الكل لزم منه زيادة الإضمار ، وتكثير مخالفة الدليل كما سبق ، وكل واحد منهما على خلاف الأصل .

          ثم ما ذكرناه من الأصول إما أن تكون راجحة على ما ذكروه ، أو مساوية له أو مرجوحة .

          فإن كانت راجحة لزم العمل بها .

          وإن كانت مساوية فهو كاف لنا في هذا المقام في نفي زيادة الإضمار ، وهما تقديران ، وما ذكروه إنما يمكن التمسك به على تقدير كونه راجحا ، ولا يخفى أن ما يتم التمسك به على تقديرين أرجح مما لا يمكن التمسك به إلا على تقدير واحد .

          التالي السابق


          الخدمات العلمية