قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : فهذا الحديث حجة على أهل
[ ص: 1015 ] nindex.php?page=treesubj&link=30443_2650_28834_28835_28832الأهواء كلهم من الخوارج ، والمعتزلة ، وغيرهم ، لأنهم كلهم خلا المرجئة يزعمون أن مانع الزكاة إذا مات غير تائب أنه من أهل النار خالدا مخلدا لا يخرج منها أبدا ، وآيسوه من رحمة الله تعالى ، ومن شفاعة الشافعين .
فأما
الخوارج فشهدوا عليه بالكفر ، وأخرجوه من الملة ، وأما
المعتزلة فأخرجوه من الإيمان ، ولم يلحقوه بالكفر ، زعموا أنه فاسق ليس بمؤمن ، ولا كافر .
فأكذب النبي صلى الله عليه وسلم مقالتهم في الحديث ، فأخبره أن الله عز وجل يعاقب مانع الزكاة بالعقوبة التي ذكرها ، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة ، وإما إلى النار ، فأطمعه في دخول الجنة ، ولم يؤيسه من رحمة الله تعالى ، خوفه دخول النار ، ولم يؤمنه منها .
فدل ما ذكرنا أن مانع الزكاة ليس بكافر ، ولا مشرك ، إذ أطمعه في دخول الجنة لقول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) .
ودل ذلك أيضا على أنه مؤمن إذ أطمعه في دخول الجنة لقول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=671169 " لا يدخل الجنة إلا مؤمن " .
وقد ذكرنا هذا الباب ، ولم نقل فيه : قد كفر ، ونستتيبه من الكفر .
[ ص: 1016 ]
وقد اتفق أهل الفتوى ،
nindex.php?page=treesubj&link=27079_10023وعلماء أهل الأمصار على أن من أفطر في رمضان متعمدا أنه لا يكفر بذلك .
واختلفوا فيما يجب عليه عند ذلك ، فمنهم من أوجب عليه مكان كل يوم أفطره صوم يوم ، لم يوجب عليه أكثر من ذلك إلا التوبة والاستغفار .
ومنهم من أوجب عليه بدل كل يوم أفطره صيام شهر ، مع التوبة والاستغفار .
ومنهم من أوجب عليه الكفارة مع قضاء يوم .
فإن أفطر رمضان كله متعمدا ، فمنهم من أوجب عليه لكل يوم كفارة مع القضاء .
ومنهم من قال : تجزئه كفارة واحدة ما لم يكفر ، ثم يعود .
ولم يقل أحد من العلماء أنه قد كفر ، بل يجب أن يستتاب ، فإن تاب ، وإلا قتل .
فبهذه الدلائل فرقوا بين الصلاة وسائر الفرائض .
وأما تمثيلهم الأخبار التي جاءت في الإكفار بترك الصلاة بالأخبار التي جاءت في إكفار بسائر الذنوب نحو قوله صلى الله عليه وسلم : " سباب المسلم فسوق ، وقتاله كفر " .
[ ص: 1017 ]
وقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650118 " لا ترجعوا بعدي كفارا يضرب بعضكم رقاب بعض " ، وما أشبه ذلك .
فسنذكر ما حضرنا من الأخبار المروية في ذلك على وجهها ، ونبين الفرق بينها ، وبين الأخبار التي جاءت في الإكفار بترك الصلاة بالحجج النيرة ، والبراهين الواضحة إن شاء الله تعالى .
[ ص: 1018 ]
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : فَهَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ
[ ص: 1015 ] nindex.php?page=treesubj&link=30443_2650_28834_28835_28832الْأَهْوَاءِ كُلِّهِمْ مِنَ الْخَوَارِجِ ، وَالْمُعْتَزِلَةِ ، وَغَيْرِهِمْ ، لِأَنَّهُمْ كُلُّهُمْ خَلَا الْمُرْجِئَةِ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ إِذَا مَاتَ غَيْرَ تَائِبٍ أَنَّهُ مِنْ أَهْلِ النَّارِ خَالِدًا مُخَلَّدًا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدًا ، وَآيَسُوهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمِنْ شَفَاعَةِ الشَّافِعِينَ .
فَأَمَّا
الْخَوَارِجُ فَشَهِدُوا عَلَيْهِ بِالْكُفْرِ ، وَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْمِلَّةِ ، وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَأَخْرَجُوهُ مِنَ الْإِيمَانِ ، وَلَمْ يُلْحِقُوهُ بِالْكُفْرِ ، زَعَمُوا أَنَّهُ فَاسِقٌ لَيْسَ بِمُؤْمِنٍ ، وَلَا كَافِرٍ .
فَأَكْذَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَقَالَتَهُمْ فِي الْحَدِيثِ ، فَأَخْبَرَهُ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يُعَاقِبُ مَانِعَ الزَّكَاةِ بِالْعُقُوبَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا ، ثُمَّ يَرَى سَبِيلَهُ إِمَّا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِمَّا إِلَى النَّارِ ، فَأَطْمَعَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ ، وَلَمْ يُؤْيِسُهُ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، خَوَّفَهُ دُخُولَ النَّارِ ، وَلَمْ يُؤَمِّنْهُ مِنْهَا .
فَدَلَّ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَانِعَ الزَّكَاةِ لَيْسَ بِكَافِرٍ ، وَلَا مُشْرِكٍ ، إِذْ أَطْمَعَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) .
وَدَلَّ ذَلِكَ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ مُؤْمِنٌ إِذَ أَطْمَعَهُ فِي دُخُولِ الْجَنَّةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=671169 " لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ إِلَّا مُؤْمِنٌ " .
وَقَدْ ذَكَرْنَا هَذَا الْبَابَ ، وَلَمْ نَقُلْ فِيهِ : قَدْ كَفَرَ ، وَنَسْتَتِيبُهُ مِنَ الْكُفْرِ .
[ ص: 1016 ]
وَقَدِ اتَّفَقَ أَهْلُ الْفَتْوَى ،
nindex.php?page=treesubj&link=27079_10023وَعُلَمَاءُ أَهْلِ الْأَمْصَارِ عَلَى أَنَّ مَنْ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ مُتَعَمِّدًا أَنَّهُ لَا يُكَفَّرُ بِذَلِكَ .
وَاخْتَلَفُوا فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ مَكَانَ كُلَّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ صَوْمَ يَوْمٍ ، لَمْ يُوجِبْ عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِلَّا التَّوْبَةَ وَالِاسْتِغْفَارَ .
وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ بَدَلَ كُلِّ يَوْمٍ أَفْطَرَهُ صِيَامُ شَهْرٍ ، مَعَ التَّوْبَةِ وَالِاسْتِغْفَارِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةَ مَعَ قَضَاءِ يَوْمٍ .
فَإِنْ أَفْطَرَ رَمَضَانَ كُلَّهُ مُتَعَمِّدًا ، فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَ عَلَيْهِ لِكُلِّ يَوْمٍ كَفَّارَةً مَعَ الْقَضَاءِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ مَا لَمْ يَكْفُرْ ، ثُمَّ يَعُودُ .
وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ قَدْ كَفَرَ ، بَلْ يَجِبُ أَنْ يُسْتَتَابَ ، فَإِنْ تَابَ ، وَإِلَّا قُتِلَ .
فَبِهَذِهِ الدَّلَائِلِ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَسَائِرِ الْفَرَائِضِ .
وَأَمَّا تَمْثِيلُهُمُ الْأَخْبَارَ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِالْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي إِكْفَارٍ بِسَائِرِ الذُّنُوبِ نَحْوَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ " .
[ ص: 1017 ]
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650118 " لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ " ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
فَسَنَذْكُرُ مَا حَضَرَنَا مِنَ الْأَخْبَارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي ذَلِكَ عَلَى وَجْهِهَا ، وَنُبَيِّنُ الْفَرْقَ بَيْنَهَا ، وَبَيْنَ الْأَخْبَارِ الَّتِي جَاءَتْ فِي الْإِكْفَارِ بِتَرْكِ الصَّلَاةِ بِالْحُجَجِ النَّيِّرَةِ ، وَالْبَرَاهِينَ الْوَاضِحَةَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
[ ص: 1018 ]