قال والذي عندنا أن أبو عبد الله : الذي نعت الله تبارك وتعالى بها أهله في مواضع من كتابه ، منها قوله : ( المعاصي لا تزيل الإيمان ، ولا توجب الكفر ، ولكنها تنفي حقائق الإيمان إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم ) إلى قوله : ( أولئك هم المؤمنون حقا ) .
وقوله : ( قد أفلح المؤمنون ) إلى قوله : ( أولئك هم الوارثون ) .
وقوله : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم ، وأموالهم ) الآية .
قال : فهذه الآيات التي هي شرحت الإيمان ، وأبانت سبله التي وصف الله أهله بها ، ونفى عنه المعاصي التي نزهه الإيمان عنه ، فلما خالطت ذلك الإيمان المنعوت [ ص: 578 ] عند الله عز وجل ، وعند رسوله صلى الله عليه وسلم بالبعد من الأدناس ، والذنوب ، والمعاصي ، قيل لأهله : ليست هذه الخلال من الشرائط التي نعت الله بها المؤمنين ، ولا الأمارات التي يعرف بها أهلها ، فنفت عنهم حقيقته ، ولم يزائلهم اسمه .
فإن قيل : كيف يقال : ليس بمؤمن ، واسم الإيمان لازم له ؟ !قيل : هذا كلام العرب المستفيض عنها غير المستنكر عندها ، قد وجدناه في الآثار وغيرها .
من ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم للذي لم يتم صلاته : فأخبره أنه لم يصل ، وقد رآه يصليها ، ولكنه لما لم يكملها ، جعله غير مصل ، وكذلك [ ص: 579 ] حين سئل عن من صام الدهر ؟ فقال : " ما صام ، ولا أفطر " فجعله غير صائم ، وقد زاد على صيام الناس ، ولكنه لما أخطأ به موضعه جعله غير صائم . " ارجع فصل ، فإنك لم تصل " ،
قال : وكذلك كلام العرب ، ألا تراهم يقولون للصانع إذا كان غير حاذق بعمله ، ولا متقن له : فلان ليس بصانع ، وهم يعلمون أنه يعالج ذلك العلاج ، وأنه من أهله ، غير أنهم إنما نفوا عنه تجويد العمل ، لا الصناعة برمتها ، وكذلك يقول الرجل لصاحبه إذا عمل عملا غير إحكام ، أو تكلم بكلام لم يقم فيه بحجته : ما صنعت شيئا ، ولو سئلوا عنه : لكان تاركا للعمل ، أو الكلام ؟ ! لقالوا : لا ، ولكنه ترك موضع الإصابة فيه ، فكثر هذا في ألفاظهم حتى تكلموا بهذه [ ص: 580 ] المعاني فيما هو أعجب مما ذكرنا .