قال ونظير ما ذكرنا من الأخبار قول النبي صلى الله عليه وسلم : أبو عبد الله : " ليس الصيام من الطعام ، والشراب فقط ، ولكن الصيام من اللغو ، والرفث " يقول : كما قال في حديث آخر : الصيام التام الكامل المتقبل الإمساك عن هذه المعاني ، لأن الله قد عفى عن هذه الأشياء ، فإذا ارتكب في صومه بعض ما نهي عنه كان تاركا لبعض الصيام ، وإذا ترك بعض الصيام جاز أن يقال : ليس بصائم ، يراد ليس بصائم صوما كاملا ، وذلك تأويل قوله : " ما صام من ظل يأكل لحوم الناس " يقول : لم يصم صياما كاملا . " من لم يدع قول الزور ، والعمل به ، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه ، [ ص: 584 ] وشرابه " ،
ومما يشبه ذلك قوله : يريد أن [ ص: 585 ] من كان ذا مال كثير ليس بغني النفس لا يسمى غنيا في اللغة ، ولا يجب عليه ما أوجب الله على الأغنياء في أموالهم من الزكوات وغير ذلك ، ولا أن الذي ترده اللقمة ، واللقمتان لا يجوز أن يسمى مسكينا في اللغة ، ولا يجوز أن يحكم له بحكم المساكين في التصدق عليه من الزكوات ، وكفارات الإيمان ، وغير ذلك ، ولكنه يريد أن الغنى الممدوح ، والمسكنة الممدوحة ، المرغوب فيهما ليسا بهذين ، ولكنهما اللذان وصفهما . " ليس المسكين بالطواف الذي ترده اللقمة ، واللقمتان ، ولكن المسكين المتعفف الذي لا يسأل الناس ، ولا يتفطن له ، فيتصدق عليه "
ومن ذلك قول بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لبعضهم : لا جمعة لك ، لأنه تكلم ، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب ، فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : صدق ، ولم يأمره بأن يصلي [ ص: 586 ] الظهر ، وقد اتفق أهل العلم أن صلاته جائزة ، وليس عليه أن يصلي الظهر .