قال زعم بعض أبو عبد الله : المرجئة أنا إذا قلنا : إن الإيمان اسم لجميع الطاعات ، لزمنا أن نكفر العاصي عند أول معصية يفعلها ، لأنه إذا كان إنما يسمى إيمانا لاجتماع معاني ، فمتى ما نقص من تلك المعاني مثقال خردلة زال عنه الاسم ، وضربوا لذلك مثلا ، فقالوا : ومثل ذلك مثل قول القائل عشرة دراهم ، فإذا نقص [ ص: 703 ] دانق ، لم تسم عشرة إلا على النقصان ، فإن نقص درهم لم تسم عشرة أبدا .
فقيل لهم : إنكم ضربتم المثل على غير أصل ، وقد غلطتم علينا ، ولم تفهموا معنانا ، وذلك أنا نقول : إن الإيمان أصل ، من نقص منه مثال ذرة زال عنه اسم الإيمان ، ومن لم ينقص منه لم يزل عنه اسم الإيمان ، ولكنه يزداد بعده إيمانا إلى إيمانه ، فإن نقصت الزيادة التي بعد الأصل لم ينقص الأصل الذي هو إقرار بأن الله حق ، وما قاله صدق ، لأن النقص من ذلك شك في الله ، أحق هو أم لا ، وفي قوله : أصدق هو أم كذب ؟ ونقص من فروعه ، وذلك كنخلة قائمة ذات أغصان ، وورق ، فكلما قطع منها غصن لم يزل عنها اسم الشجرة ، وكانت دون ما كانت عليه من الكمال من غير أن ينقلب اسمها ، إلا أنها شجرة ناقصة من أغصانها ، وغيرها من النخل من أشكالها أكمل منها لتمامها بسعفها ، وقد قال الله عز وجل : ( مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء ) الآية . فجعلها مثلا لكلمة الإيمان ، وجعل لها أصلا ، وفرعا ، وثمرا تؤتيه ، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه عن معنى هذا المثل من الله عز وجل ، فوقعوا في شجر البوادي ، قال [ ص: 704 ] ابن عمر : فوقع في نفسي أنها النخلة ، فاستحييت ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هي النخلة " .