قال ويلزمكم أيضا ما ادعيتم أن كان ما أوجبه كفرا ، فكذلك ما أوجبته أضدادها إيمان ، لأن أضدادها معرفة بالله ، إنه الكريم ذو الإحسان ، والجود ، وإنه ليس كمثله شيء ، وإنه العادل الذي لا يجور ، ولا يظلم ، لأن ذلك ليس من صفاته ، وإنه متفضل على من أراد ، وعادل على من يستحق العدل ، لا ينصرف من عدل إلى جور أبدا ، فهذه الخلال الموجبة للحب لله ، فكذلك أبو عبد الله : كما كان البغض كفرا عن الكفر الذي أوجبه ، لا فرقان بين ذلك . الحب لله إيمان به ،
فإن قالوا : فإن الحب لله ليس بإيمان ، والبغض له ليس بكفر ، ولكنهما خلقان عن الكفر ، أو الإيمان ، ولا يكون البغض إلا من كافر ، ولا يكون الحب إلا من مؤمن .
قيل لهم : فمن أبغض الله لم يكفر لبغضه . فالبغض لله ليس بكفر في عينه ، ولكنه معصية ، لا كفر ،
فإن قالوا : إنه لا يكون إلا من كافر .
قيل لهم : لم نسألكم عن ما أوجبه ، ولا ممن يكون ، ولكن سألناكم عن البغض : هل هو في عينه كفر ، أو غير كفر ؟ ! [ ص: 736 ] فإن قالوا : ليس هو في عينه كفرا .
قيل لهم : فكل ما ليس بكفر ، فجائز لله أن يبيحه ، لأن كل معصية سوى الكفر فجائز أن يبيحها الله في بعض الأزمنة ، ويحله ، ويتعبد خلقه بما يشاء .
فإن قالوا : ليست كل المعاصي يجوز فيها النسخ .
قيل لهم : مثل ماذا ؟ !فإن قالوا : كالظلم من القتل ، وغيره .
قيل لهم : قد أكذبكم الكتاب ، فقد علمتم أن الله عز وجل قد سمى إخوة يوسف عصاة ، خاطئين ، بتغييبهم يوسف عن أبيه ، وكاد ليوسف عن أخيه بما احتال بالصواع ، إذ دس الصواع في وعاء أخيه ليقطعه عنهم ، ويحبسه عن أبيه ، ويرجعوا إليه ، وليس هو معهم ، فقال تبارك وتعالى : ( كذلك كدنا ليوسف ما كان ليأخذ أخاه في دين الملك إلا أن يشاء الله ) ، فأظهر عليه أنه قد سرق ، وفرق بينه وبين إخوته ، وحبسه عن أبيه ، فازداد لذلك حزنا ، ولم يسم الله يوسف بذلك عاصيا ، بل أخبر أنه ولي له كيد ذلك ، حق له بأن [ ص: 737 ] ضم أخاه ، وقد حرم الله علينا أن نقتل أنفسنا ، فقال : ( ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما ومن يفعل ذلك عدوانا وظلما فسوف نصليه نارا ) فحرم علينا أن نقتل أنفسنا ، وأن يقتل بعضنا بعضا ، ثم أخبرنا أنه جعل توبة بني إسرائيل التي يغفر لهم بها ، ويقبلهم قتل بعضهم بعضا ، فقال : ( فتوبوا إلى بارئكم فاقتلوا أنفسكم ) .