قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز
فيه [ ثماني ] مسائل : الأولى :
nindex.php?page=treesubj&link=28993قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا من ديارهم هذا أحد ما ظلموا به ؛ وإنما أخرجوا لقولهم : ربنا الله وحده .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40إلا أن يقولوا ربنا الله استثناء منقطع ؛ أي لكن لقولهم ربنا الله ؛ قال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . وقال
الفراء يجوز أن تكون في موضع خفض ، يقدرها مردودة على الباء ؛ وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=14416أبي إسحاق الزجاج ، والمعنى عنده : الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا بأن يقولوا ربنا الله ؛ أي أخرجوا بتوحيدهم ، أخرجهم أهل الأوثان . و
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40الذين أخرجوا في موضع خفض بدلا من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39للذين يقاتلون .
الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : قال علماؤنا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بيعة العقبة لم يؤذن له في الحرب ولم تحل له الدماء ؛ إنما يؤمر بالدعاء إلى الله والصبر على الأذى والصفح عن الجاهل مدة عشرة أعوام ؛ لإقامة حجة الله تعالى عليهم ، ووفاء بوعده الذي امتن به بفضله في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا . فاستمر الناس في الطغيان وما استدلوا بواضح البرهان ، وكانت
قريش قد اضطهدت من اتبعه من قومه من
المهاجرين حتى فتنوهم عن دينهم ونفوهم عن بلادهم ؛ فمنهم من فر إلى أرض
الحبشة ، ومنهم من خرج إلى
المدينة ، [ ص: 66 ] ومنهم من صبر على الأذى . فلما عتت
قريش على الله تعالى وردوا أمره وكذبوا نبيه - عليه السلام - ، وعذبوا من آمن به ووحده وعبده ، وصدق نبيه - عليه السلام - واعتصم بدينه ، أذن الله لرسوله في القتال والامتناع والانتصار ممن ظلمهم ، وأنزل
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا إلى قوله : ( الأمور ) .
الثالثة : في هذه الآية دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=24889_24881نسبة الفعل الموجود من الملجأ المكره إلى الذي ألجأه وأكرهه ؛ لأن الله تعالى نسب الإخراج إلى الكفار ، لأن الكلام في معنى تقدير الذنب وإلزامه . وهذه الآية مثل قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40إذ أخرجه الذين كفروا والكلام فيهما واحد ؛ وقد تقدم في ( براءة ) والحمد لله .
الرابعة :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض أي لولا ما شرعه الله تعالى للأنبياء والمؤمنين من قتال الأعداء لاستولى أهل الشرك وعطلوا ما بينته أرباب الديانات من مواضع العبادات ، ولكنه دفع بأن أوجب القتال ليتفرغ أهل الدين للعبادة . فالجهاد أمر متقدم في الأمم ، وبه صلحت الشرائع ، واجتمعت المتعبدات ؛ فكأنه قال : أذن في القتال ، فليقاتل المؤمنون . ثم قوي هذا الأمر في القتال بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40ولولا دفع الله الناس الآية ؛ أي لولا القتال والجهاد لتغلب على الحق في كل أمة . فمن استبشع من
النصارى ، والصابئين الجهاد فهو مناقض لمذهبه ؛ إذ لولا القتال لما بقي الدين الذي يذب عنه . وأيضا هذه المواضع التي اتخذت قبل تحريفهم وتبديلهم وقبل نسخ تلك الملل بالإسلام إنما ذكرت لهذا المعنى ؛ أي لولا هذا الدفع لهدم في زمن
موسى الكنائس ، وفي زمن
عيسى الصوامع ، والبيع ، وفي زمن
محمد - عليه السلام - المساجد .
( لهدمت ) من هدمت البناء أي نقضته فانهدم . قال
ابن عطية : هذا أصوب ما قيل في تأويل الآية . وروي عن
علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - أنه قال : ولولا دفع الله بأصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - الكفار عن التابعين فمن بعدهم . وهذا وإن كان فيه دفع قوم بقوم إلا أن معنى القتال أليق ؛ كما تقدم . وقال
مجاهد لولا دفع الله ظلم قوم بشهادة العدول . وقالت فرقة : ولولا دفع الله ظلم الظلمة بعدل الولاة . وقال
أبو الدرداء : لولا أن الله - عز وجل - يدفع بمن في المساجد عمن ليس في المساجد ، وبمن يغزو عمن لا يغزو ، لأتاهم العذاب . وقالت فرقة : ولولا دفع الله العذاب بدعاء الفضلاء والأخيار إلى غير ذلك من التفصيل المفسر لمعنى الآية ؛ وذلك أن الآية ولا بد تقتضي مدفوعا من الناس ومدفوعا عنه ، فتأمله .
الخامسة : قال
ابن خويز منداد : تضمنت هذه الآية المنع من
nindex.php?page=treesubj&link=27755_32685_8662هدم كنائس أهل الذمة ، وبيعهم ، وبيوت نيرانهم ، ولا يتركون أن يحدثوا ما لم يكن ، ولا يزيدون في البنيان لا سعة ولا
[ ص: 67 ] ارتفاعا ، ولا ينبغي للمسلمين أن يدخلوها ولا يصلوا فيها ، ومتى أحدثوا زيادة وجب نقضها . وينقض ما وجد في بلاد الحرب من البيع والكنائس . وإنما لم ينقض ما في بلاد الإسلام لأهل الذمة ؛ لأنها جرت مجرى بيوتهم وأموالهم التي عاهدوا عليها في الصيانة . ولا يجوز أن يمكنوا من الزيادة لأن في ذلك إظهار أسباب الكفر . وجائز أن
nindex.php?page=treesubj&link=28388_1963ينقض المسجد ليعاد بنيانه ؛ وقد فعل ذلك
عثمان - رضي الله عنه - بمسجد النبي - صلى الله عليه وسلم - .
السادسة : قرئ ( لهدمت ) بتخفيف الدال وتشديدها . ( صوامع ) جمع صومعة ، وزنها فوعلة ، وهي بناء مرتفع حديد الأعلى ؛ يقال : صمع الثريدة أي رفع رأسها وحدده . ورجل أصمع القلب أي حاد الفطنة . والأصمع من الرجال الحديد القول . وقيل : هو الصغير الأذن من الناس ، وغيرهم . وكانت قبل الإسلام مختصة برهبان
النصارى وبعباد
الصابئين - قال
قتادة - ثم استعمل في مئذنة المسلمين . والبيع . جمع بيعة ، وهي كنيسة
النصارى . وقال
الطبري : قيل هي كنائس اليهود ؛ ثم أدخل عن
مجاهد ما لا يقتضي ذلك . ( وصلوات ) قال
الزجاج ، والحسن : هي كنائس اليهود ؛ وهي بالعبرانية صلوتا . وقال
أبو عبيدة : الصلوات بيوت تبنى
للنصارى في البراري يصلون فيها في أسفارهم ، تسمى صلوتا فعربت فقيل صلوات . وفي ( صلوات ) تسع قراءات ذكرها
ابن عطية : صلوات ، صلوات ، صلوات ، صلولي على وزن فعولي ، صلوب بالباء بواحدة جمع صليب ، صلوث بالثاء المثلثة على وزن فعول ، صلوات بضم الصاد واللام وألف بعد الواو ، صلوثا بضم الصاد واللام وقصر الألف بعد الثاء المثلثة ، . وذكر
النحاس : وروي عن
عاصم الجحدري أنه قرأ ( وصلوب ) . وروي عن
الضحاك ( وصلوث ) بالثاء معجمة بثلاث ؛ ولا أدري أفتح الصاد أم ضمها .
قلت : فعلى هذا تجيء هنا عشر قراءات . وقال
ابن عباس : ( الصلوات الكنائس ) .
أبو العالية : الصلوات مساجد الصابئين .
ابن زيد : هي صلوات المسلمين تنقطع إذا دخل عليهم العدو وتهدم المساجد ؛ فعلى هذا استعير الهدم للصلوات من حيث تعطل ، أو أراد موضع صلوات فحذف المضاف . وعلى قول
ابن عباس ، والزجاج ، وغيرهم يكون الهدم حقيقة . وقال
الحسن : هدم الصلوات تركها ، قطرب : هي الصوامع الصغار ولم يسمع لها واحد . وذهب
خصيف إلى أن القصد بهذه الأسماء تقسيم متعبدات الأمم . فالصوامع للرهبان ، والبيع للنصارى ، والصلوات لليهود ، والمساجد للمسلمين . قال
ابن عطية : والأظهر أنها قصد بها
[ ص: 68 ] المبالغة في ذكر المتعبدات . وهذه الأسماء تشترك الأمم في مسمياتها ، إلا البيعة فإنها مختصة
بالنصارى في لغة العرب . ومعاني هذه الأسماء هي في الأمم التي لها كتاب على قديم الدهر . ولم يذكر في هذه الآية المجوس ولا أهل الإشراك ؛ لأن هؤلاء ليس لهم ما يجب حمايته ، ولا يوجد ذكر الله إلا عند أهل الشرائع . وقال
النحاس :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40يذكر فيها اسم الله الذي يجب في كلام العرب على حقيقة النظر أن يكون
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40يذكر فيها اسم الله عائدا على المساجد لا على غيرها ؛ لأن الضمير يليها . ويجوز أن يعود على صوامع وما بعدها ؛ ويكون المعنى وقت شرائعهم وإقامتهم الحق .
السابعة : فإن قيل : لم قدمت مساجد أهل الذمة ومصلياتهم على مساجد المسلمين ؟ قيل : لأنها أقدم بناء . وقيل لقربها من الهدم وقرب المساجد من الذكر ؛ كما أخر السابق في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=32فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات .
الثامنة :
nindex.php?page=treesubj&link=28993قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40ولينصرن الله من ينصره أي من ينصر دينه ونبيه .
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40إن الله لقوي أي قادر . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : القوي يكون بمعنى القادر ، ومن قوي على شيء فقد قدر عليه . ( عزيز ) أي جليل شريف ؛ قال
الزجاج . وقيل الممتنع الذي لا يرام ؛ وقد بيناهما في الكتاب الأسنى في شرح أسماء الله الحسنى .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ولله عاقبة الأمور
قال
الزجاج : ( الذين ) في موضع نصب ردا على ( من ) ، يعني في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40ولينصرن الله من ينصره . وقال غيره : ( الذين ) في موضع خفض ردا على قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=39أذن للذين يقاتلون ويكون
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=41الذين إن مكناهم في الأرض أربعة من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يكن في الأرض غيرهم . وقال
ابن عباس : المراد المهاجرون والأنصار والتابعون بإحسان . وقال
قتادة : هم أصحاب
محمد - صلى الله عليه وسلم - . وقال
عكرمة : هم أهل الصلوات الخمس . وقال
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبو العالية : هم هذه الأمة إذا فتح الله عليهم أقاموا الصلاة . وقال
ابن أبي نجيح : يعني الولاة . وقال
الضحاك : هو شرط شرطه الله - عز وجل - على من آتاه الملك ؛ وهذا حسن . قال
سهل بن عبد الله :
nindex.php?page=treesubj&link=24661الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجب على السلطان وعلى العلماء الذين يأتونه .
[ ص: 69 ] وليس على الناس أن يأمروا السلطان ؛ لأن ذلك لازم له واجب عليه ، ولا يأمروا العلماء فإن الحجة قد وجبت عليهم .