[ ص: 235 ] مقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على محمد وآل محمد وسلم، رب يسر .
أخبرنا الشيخ ، الإمام ، ناصر السنة ، أبو الحسن علي بن عبيد الله بن نصر الزاغوني ، أحسن الله توفيقه ؛ قال : أخبرنا أبو القاسم علي بن أحمد بن محمد بن البسري ؛ قال : أخبرنا أبو عبد الله عبيد الله بن محمد بن محمد بن حمدان بن بطة إجازة ، قال : " الحمد لله ، أهل الحمد ووليه ، المنان ، الجواد ، الذي ثوابه جزل ، وعطاؤه فضل ، وأياديه متتابعة ، ونعماؤه سابغة ، وإحسانه متواتر ، وحكمه عدل ، وقوله فصل ، حصر الأشياء في قدرته ، وأحاط بها علمه ونفذت فيها مشيئته ، وصلى الله على خير خلقه محمد النبي وآله وسلم .
أما بعد يا إخواني ؛ وفقنا الله وإياكم لأقصد الطريق وأهداها ، وأرشد السبل وأسواها ، فهي طريق الحق التي اختارها وارتضاها ، واعلموا أن وهو الإقرار لله بالملك والقدرة والسلطان ، وأنه هو المستولي على الأمور ، سابق العلم بكل كائن ، ونافذ المشيئة فيما يريد ، كان الخلق كله وكل ما هو فيه بقضاء [ ص: 236 ] وتدبير ، ليس معه شريك ولا دونه مدبر ولا له مضاد ، بيده تصاريف الأمور ، وهو الآخذ بعقد النواصي ، والعالم بخفيات القلوب ومستورات الغيوب ، فمن هداه بطول منه ؛ اهتدى ، ومن خذله ؛ ضل بلا حجة ولا عذر ، خلق الجنة والنار وخلق لكل واحدة منهما أهلا هم ساكنوها ؛ أحصاهم عددا ، وعلم أعمالهم وأفعالهم ، وجعلهم شقيا وسعيدا ، وغويا ورشيدا ، وخلق طريق الحق أقصد الطرق ، ومناهجه أوضح المناهج ، وهي ما أنزله الله في كتابه وجاءت به رسله ، ولم يكن رأيا متبعا ولا هوى مبتدعا ولا إفكا مخترعا ، آدم عليه السلام وأخذ من ظهره كل ذرية هو خالقها إلى يوم القيامة ، وقدر أعمالهم ، وقسم أرزاقهم ، وأحصى آجالهم ، وعلم أعمالهم ، فكل أحد يسعى في رزق مقسوم وعمل محتوم إلى أجل معلوم ، قد علم ما تكسب كل نفس قبل أن يخلقها ؛ فلا محيص لها عما علمه منها ، وقدر حركات العباد وهممهم وهواجس قلوبهم وخطرات نفوسهم ، فليس أحد يتحرك حركة ولا يهم همة إلا بإذنه ، وخلق الخير والشر ، وخلق لكل واحد منهما عاملا يعمل به ، فلا يقدر أحد أن يعمل إلا لما خلق له ، وأراد قوما للهدى ، فشرح صدورهم للإيمان وحببه إليهم وزينه في قلوبهم ، وأراد آخرين للضلال ؛ فجعل صدورهم ضيقة حرجة ، وجعل الرجاسة عليهم ، وأمر عباده بأوامر ، وفرض عليهم فرائض ؛ فلن يؤدوها إليه إلا بتوفيقه ومعونته ، وحرم محارم وحد حدودا ؛ فلن يكفوا عنها إلا بعصمته ؛ فالحول والقوة له ، وواقعة [ ص: 237 ] عليهم حجته ، غير معذورين فيما بينهم وبينه ، يضل من يشاء ويهدي من يشاء ، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ، فلم يزل الصدر الأول على هذا جميعا على ألفة القلوب واتفاق المذاهب ، كتاب الله عصمتهم ، وسنة المصطفى إمامهم ، لا يستعملون الآراء ولا يفزعون إلى الأهواء ، فلم يزل الناس على ذلك ، والقلوب بعصمة مولاها محروسة ، والنفوس عن أهوائها بعنايته محبوسة حتى حان حين من سبقت له الشقوة وحلت عليه السخطة ، وظهر الذين كانوا في علمه مخذولين ، وفي كتابه السابق أنهم إلى أعدائهم من الشياطين مسلمون ، ومن الشياطين عليهم مسلطون ، فحينئذ دب الشيطان بوسوسته ، فوجد مساغا لبغيته ، ومركبا وطيا إلى ظفره بحاجته ، فسكن إليه المنقاد إلى الشبهات والسالك في بليات الطرقات ، فاتخذها دليلا وقائدا ، وعن الواضحة حائدا ، طالب رياسة ، وباغي فتنة ، معجب برأيه وعابد لهواه ، عليه يرد وعنه يصدر ، قد نبذ الكتاب وراء ظهره ، فلم يستشهده ولم يستشره ، ففي آذانهم وقر وهو عليهم عمى ، كأنهم إلى كتاب الله لم يندبوا ، وعن طاعة الشيطان لم يزجروا ، فهم عن سبيل من أرشده الله متباعدون ، ولأهوائهم في كل ما يأتون ويذرون متبعون ، واستحوذ الشيطان على من لم يشرح الله صدره للإسلام ، وأورده بحار العمى ؛ فهم في حيرة يترددون ، فجاروا عن سواء السبيل ؛ فقالوا [ ص: 238 ] بيد الشيطان من أمر الخلق ما لا يجوز أن يكون بيد الله ، ومشيئته فيهم حائلة تدون مشيئة الله لهم ؛ فضعفوا أمر الله ووهنوه ، وردوا كتاب الله وكذبوه ، وقووا من أمر الشيطان ما ضعفه الله حين قال إن كيد الشيطان كان ضعيفا ، وقد ويتبعون في ذلك السنة وآثار المصطفى صلى الله عليه وسلم . كان سلفنا وأئمتنا رحمة الله عليهم يكرهون الكلام في القدر ، وينهون عن خصومة أهله ومواضعتهم القول أشد النهي ،