قال رضي الله عنه: العاقل إذا خطر بباله ضرب من الحسد لأخيه أبلغ المجهود في كتمانه، وترك إبداء ما خطر بباله. أبو حاتم
وأكثر ما يوجد الحسد بين الأقران، أو من تقارب الشكل، لأن الكتبة لا يحسدها إلا الكتبة، كما أن الحجبة لا يحسدها إلا الحجبة، ولن يبلغ المرء مرتبة من مراتب هذه الدنيا إلا وجد فيها من يبغضه عليها، أو يحسده فيها، والحاسد خصم معاند لا يجب للعاقل أن يجعله حكما عند نائبة تحدث، فإنه إن حكم لم يحكم إلا عليه، وإن قصد لم يقصد إلا له، وإن حرم لم يحرم إلا حظه، وإن [ ص: 137 ] أعطى أعطى غيره، وإن قعد لم يقعد إلا عنه، وإن نهض لم ينهض إلا إليه، وليس للمحسود عنده ذنب إلا النعم التي عنده.
فليحذر المرء ما وصفت من أشكاله وأقرانه وجيرانه وبني أعمامه.
وقد أنبأنا ، حدثنا عمرو بن محمد الغلابي ، حدثنا العباس بن بكار قال: قال رجل لشبيب بن شبة، إني لأحبك، قال: صدقت، قال: وما علمك؟ قال: لأنك لست بجار ولا ابن عم.
وأنشدني محمد بن عبد الله بن زنجي البغدادي :
أنت امرؤ قصرت عنه مروءته إلا من الغش للإخوان والحسد أأن تراني خيرا منك تحسدني؟
إن الفضيلة لا تخلو من الحسد
قال رضي الله عنه: أبو حاتم لأنه يورث الكمد، ويورث الحزن، وهو داء لا شفاء له. بئس الشعار للمرء الحسد،
والحاسد إذا رأى بأخيه نعمة بهت، وإن رأى به عثرة شمت، ودليل ما في قلبه كمين على وجهه مبين، وما رأيت حاسدا سالم أحدا.
والحسد داعية إلى النكد، ألا ترى إبليس؟ حسد آدم فكان حسده نكدا على نفسه، فصار لعينا بعدما كان مكينا، ويسهل على المرء ترضي كل ساخط في الدنيا حتى يرضى، إلا الحسود; فإنه لا يرضيه إلا زوال النعمة التي حسد من أجلها.
[ ص: 138 ] ولقد حدثني محمد بن عثمان العقدي ، حدثنا محمد بن زكريا الغلابي ، حدثنا قال: قال بعض الحكماء: ألزم الناس للكآبة أربعة: رجل حديد، ورجل حسود، وخليط للأدباء وهو غير أديب، وحكيم محتقر للأقوام، وأبعد الناس من الدخول في دين الحق والنصيحة لأهله: جاهل ورث الضلالة عن أهله، ورأس أهل ملته حظي فيهم بفضل الضلالة، ومعظم للدنيا يرى بهجتها دائمة محبوبة، ويرى ما رجي من خيرها قريبا، وما صرف من شرها بعيدا، ليس يعقد قلبه على الإيمان، ورجل خالط النساك فانصرف عنهم لحرصه وشرهه، ودامجهم على مكر وخديعة. ابن عائشة