152 - فصل
[ جواز نكاح الكتابية ] .
ويجوز بنص القرآن قال تعالى : ( نكاح الكتابية والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) ، والمحصنات هنا هن العفايف ، وأما المحصنات المحرمات في " سورة النساء " فهن المزوجات .
وقيل : المحصنات اللاتي أبحن هن الحرائر ، ولهذا لم تحل إماء أهل الكتاب ، والصحيح الأول لوجوه :
أحدها : أن الحرية ليست شرطا في نكاح المسلمة .
الثاني : أنه ذكر الإحصان في جانب الرجل كما ذكره في جانب المرأة ، فقال : ( إذا آتيتموهن أجورهن محصنين ) ، وهذا إحصان عفة بلا شك ، فكذلك الإحصان المذكور في جانب المرأة .
الثالث : أنه سبحانه ذكر الطيبات من المطاعم ، والطيبات من المناكح ، فقال تعالى : ( اليوم أحل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) .
[ ص: 795 ] والزانية خبيثة بنص القرآن ، والله - سبحانه وتعالى - حرم على عباده الخبائث من المطاعم والمشارب ، والمناكح ، ولم يبح لهم إلا الطيبات ، وبهذا يتبين بطلان قول من أباح تزويج الزواني ، وقد بينا بطلان هذا القول من أكثر من عشرين وجها في غير هذا الكتاب .
والمقصود أن الله سبحانه أباح لنا المحصنات من أهل الكتاب ، وفعله أصحاب نبينا - صلى الله عليه وسلم - فتزوج عثمان نصرانية ، وتزوج نصرانية ، وتزوج طلحة بن عبيد الله حذيفة يهودية .
قال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن المسلم يتزوج النصرانية ، أو اليهودية ؟ فقال : ما أحب أن يفعل ذلك ، فإن فعل فقد فعل ذلك بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .
[ ص: 796 ] وقال صالح بن أحمد : حدثني أبي ، حدثنا ، حدثنا محمد بن جعفر سعيد ، عن قتادة : أن ، حذيفة بن اليمان ، وطلحة بن عبيد الله والجارود بن المعلى - وذكر آخر - تزوجوا نساء من أهل الكتاب ، فقال لهم عمر : طلقوهن ، فطلقوا إلا حذيفة . فقال عمر : طلقها . فقال : تشهد أنها حرام ؟ قال : هي جمرة ، طلقها . فقال : تشهد أنها حرام ؟ فقال : هي جمرة ! قال حذيفة : قد علمت أنها جمرة ، ولكنها لي حلال . فأبى أن يطلقها ، فلما كان بعد ، طلقها ، فقيل له : ألا طلقتها حين أمرك عمر ؟ فقال : كرهت أن يظن الناس أني ركبت أمرا لا ينبغي .
وقد تأولت الشيعة الآية على غير تأويلها ، فقالوا : المحصنات من المؤمنات من كانت مسلمة في الأصل ، والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم من كانت كتابية ، ثم أسلمت .
قالوا : وحملنا على هذا التأويل قوله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، ، وأي شرك أعظم من قولها : " الله ثالث ثلاثة " ؟ ! وقوله تعالى : ( ولا تمسكوا بعصم الكوافر ) ، وأجاب الجمهور بجوابين :
[ ص: 797 ] أحدهما : أن المراد بالمشركات الوثنيات .
قالوا : وأهل الكتاب لا يدخلون في لفظ " المشركين " في كتاب الله تعالى .
قال تعالى : ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين ) ، وقال تعالى : ( إن الذين آمنوا والذين هادوا والصابئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا ) .
وكذلك الكوافر المنهي عن التمسك بعصمتهن إنما هن ، فإن الآية نزلت في قصة المشركات الحديبية ، ولم يكن للمسلمين زوجات من أهل الكتاب إذ ذاك ، وغاية ما في ذاك التخصيص ، ولا محذور فيه إذا دل عليه دليل .
الجواب الثاني : جواب ، قال في رواية ابنه الإمام أحمد صالح : قال الله تعالى : ( ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن ) ، وقال في سورة المائدة ، وهي آخر ما أنزل من القرآن : ( والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم ) .