بينما المرء غافل إذ أتاه من يد الموت سالب لا يصد فتأهب لما له كل نفس
عرضة الأسر إنما الأمر جد خاب من كان همه هذه الد
نيا فأضحى من نيلها يستمد فجناها إن أسعدت مستعار
ليس من رده لمن نال بد كم أدالت من أهلها وأزالت
ذا جلال من نعمة لا تحد بدلته من طيب مغناه فقرا
عادما ما حوى ولم يغن جد أين من كان ناعم الوجه أضحى
ما له من نهاية الحسن ضد قد محاه ثراه حين حواه
ووهى معصم وكف وزند وجفا أنسه أخ كان برا
وصديق دان وصحب وجند واستوى في البلى رئيس ومر
ؤوس وأعيا بالأسر حر وعبد
ولسنا بأبقى منهم غير أننا أقمنا قليلا بعدهم وتقدموا
تساوى الناس في طرق المنايا فما سلم الصريح ولا الهجين
تدينا البقاء من الليالي ومن أرواحنا توفى الديون
كأنا قد شككنا في المنايا وعند جميعنا الخبر اليقين
وحب دنياك طبع في المقيم بها وقد منيت بقرن منه غلاب
لما رأيت سجايا الدهر ترحضني رددت قدري إلى صبري فأغلى بي
والعقل يسعى لنفسي في مصالحها فما لطبع إلى الآفات جذاب
احذر من الناس أدناهم وأبعدهم وإن لقوك بتبجيل وترحاب
كلمت باللحن أهل اللحن أونسهم لأن عيبي عند القوم إعرابي
عند الفراقد أسراري مخبأة إذ لست أرضى لآرابي بآراب
واعلم أن الشيطان يراصدك ليفتنك وقوة الطبع له عليك ، والشباب شعبة من الجنون ، فاكسر عادية الهوى بوهن أسبابه .
وقال : أبو موسى وقال طوبى لمن وقي شر شبابه ، : وددت أنه صفح لي عما كان في الشباب وأن يدي قطعت ! . أبو بكر بن عياش
[ ص: 546 ] واعلم أنه لما كان جهاد الشباب ومخالفة الطبع صعبا صار الشاب التائب حبيب الله عز وجل .
إخواني : من رأى التناهي في المبادي سلم ، ومن لم ير العواقب شغله ما هو فيه عما بين يديه .
يا هذا : أما ما قد مضى من ذنوبك فليس فيه حيلة إلا التدارك ، فرب مدرك لما فات ، الأسى بالأسى ، وأنا أضرب لك مثلا لتحذر فيما بعد جنس ما كان قبل : إذا راقت الحلواء لمحموم اعترك الهوى والعقل فالهوى ينظر إلى العاجل والعقل يتلمح العواقب ، فإن آثر مشورة العقل منع نفسه عما تشتهي نظرا إلى ما إليه الصبر ينتهي ، فإذا زالت حماه تناول من غير أذى ما اشتهاه ، وإن اجتذبه رائق المشتهى فأنساه المنتهى تمتع يسيرا ببلوغ الغرض فزاد به ذلك المرض ، وربما ترقى إلى الموت ولا تدارك بعد الفوت ، فيا عجبا لمختار العاجل وهو يعلم ندمه في الآجل ، لقد ضيع موهبة العقل الذي به شرف الآدمي ، وزاحم البهائم في مقام النظر إلى الحاضر .