الكلام على
ما عندكم ينفد وما عند الله باق قوله تعالى :
يا كثير الخلاف يا عظيم الشقاق ، يا سيئ الآداب ، يا قبيح الأخلاق ، يا قليل الصبر يا عديم الوفاق ، يا من سيبكي كثيرا إذا انتبه وفاق ، والتفت الساق بالساق ، أين من أنس بالدنيا ونسي الزوال ، أين من عمر القصور وجمع المال ، تقلبت بالقوم أحوال الأهوال ، كم أراك عبرة وقد قال سنريهم آياتنا في الآفاق .
أين صديقك المؤانس ، أين رفيقك المجالس ، أين الماشي فقيرا وأين الفارس ، امتدت إلى الكل كف المخالس ، فنزلوا تحت الأطباق وكأن قد رحلت كما رحلوا ، ونزلت وشيكا حيث نزلوا ، وحملت إلى القبر كما حملوا ، إلى ربك يومئذ المساق .
من لك إذا ألم الألم ، وسكت الصوت وتمكن الندم ، ووقع بك الفوت ، وأقبل لأخذ الروح ملك الموت ، وجاءت جنوده وقيل من راق .
ونزلت منزلا ليس بمسكون ، وتعوضت بعد الحركات السكون ، فيا أسفا لك كيف [ ص: 183 ] تكون ، وأهوال القبر لا تطاق ، وفرق مالك وسكنت الدار ، ودار البلاء فما دار إذ دار ، وشغلك الوزر عمن هجر وزار ، ولم ينفعك ندم الرفاق .
أما أكثر عمرك قد مضى ، أما أعظم زمانك قد انقضى ، أفي أفعالك ما يصلح للرضا ، إذا التقينا يوم التلاق ، يا ساعيا في هواه تصور رمسك ، يا موسعا إلى خطاه تذكر محبسك ، يا مأسورا في سجن الشهوات خلص نفسك قبل أن تعز السلامة وتعتاق الأعناق ، وينصب الصراط ويوضع الميزان ، وينشر الكتاب يحوي ما قد كان ، ويشهد الجلد والملك والمكان والنار الحبس والحاكم الخلاق ، فحينئذ يشيب المولود ، وتخرس الألسن وتنطق الجلود وتظهر الوجوه بين بيض وسود ، يوم يكشف عن ساق ، فبادر قبل أن لا يمكن ، وحاذر قبل أن يفوت الممكن ، وأحسن قبل أن لا تحسن ، فاليوم البرهان وغدا السباق .
فانتهب عمرا يفنى بالمساء والصباح ، وعامل مولى يجزل العطايا والأرباح ، ولا تبخل فقد حث على السماع ما عندكم ينفد وما عند الله باق .