والمقصود هنا
[1] أنه ( * )
[2] يقال لهذا الإمامي
[3] : إخوانك هؤلاء يقولون : إن قولهم هو الحق دون قولك ، وأنت لم تحتج لقولك إلا بمجرد قولك : إنه ليس بجسم ، ( 7 وهؤلاء إخوانك يقولون : إنه جسم 7 )
[4] ، فناظرهم فإنهم إخوانك في الإمامة وخصومك في التوحيد .
وهكذا ينبغي لك أن تناظر
الخوارج الذين هم خصومك ، وأما
[5] أهل السنة فهم وسط بينك وبين خصومك ، وأنت لا تقدر على قطع [ خصومك لا ] هؤلاء ولا هؤلاء
[6] [ ص: 258 ] فإن قلت : حجتي على هؤلاء أن كل جسم محدث قال لك إخوانك : بل الجسم عندنا ينقسم إلى
[7] قسمين : قديم ومحدث ، كما أن القائم بنفسه والموجود
[8] والحي
[9] والعالم والقادر ينقسم إلى قديم ومحدث .
فإن قال النافي : الجسم لا يخلو عن الحوادث ، ( * وما لم يخل عن الحوادث فهو حادث .
قال له إخوانه : لا نسلم أنه لا يخلو عن
[10] الحوادث ، وإن سلمنا ذلك فلا نسلم أن ما لم يخل عن الحوادث فهو حادث .
فإن
[11] قال : الدليل على أنه لا يخلو من الحوادث * )
[12] أنه لا يخلو من الأعراض ، والأعراض حادثة
[13] [ فإن العرض لا يبقى زمانين .
وعلى هذا اعتمد كثير من
nindex.php?page=treesubj&link=33675الكلابية في حدوث العالم ، وعليه أيضا اعتمد
الآمدي [14] وطعن في كل دليل غيره ، وذكر أن هذه طريقة
الأشعرية .
وضعف ذلك من تعقب كلامه ، وقال : هذا يقتضي بناء هذا الأصل العظيم على هذه المقدمة الضعيفة ، ] وقد رأيت كلام
nindex.php?page=showalam&ids=13711الأشعري نفسه ،
[ ص: 259 ] فرأيته اعتمد على أن الأجسام لا تخلو من الاجتماع والافتراق بناء على أن الأجسام مركبة من الجواهر المنفردة ، فاحتج باستلزامها لهذا النوع من الأعراض ، وهذا النوع حادث ؛ لأنه من الأكوان لكنه مبني على الجوهر الفرد ، وجمهور العقلاء من المسلمين وغيرهم على نفيه .
والمقصود هنا ذكر ما يبين أصول الطوائف ، وأن قول هؤلاء
nindex.php?page=treesubj&link=28833الرافضة المعتزلة من أفسد أقوال طوائف الأمة ، فإنه ليس معهم حجة شرعية ولا عقلية يمكنهم الانتصاف بها من إخوانهم أهل البدع ، وإن كان أولئك ضالين مبتدعين أيضا
[15] ، وهم مناقضون لهم غاية المناقضة ، فكيف تكون لهم حجة على أهل السنة الذين هم وسط في الإسلام كما أن الإسلام وسط في الملل ؟ !
فإذا قال النافي : الدليل على حدوثها استلزامها للأعراض
[16] ]
nindex.php?page=showalam&ids=13711 [17] .
قالوا له
[18] : ليس هذا قولك و [ قول ] أئمتك
[19] المعتزلة وإنما هو
nindex.php?page=treesubj&link=28831قول [ ص: 260 ] الأشعرية [20] ، وأما
nindex.php?page=treesubj&link=28834المعتزلة فعندهم أنه قد يخلو عن كثير من الأعراض ، وإنما يقولون ذلك في الأكوان أو في الألوان
[21] .
وقالوا : لا نسلم أن الأعراض حادثة وأنها لا تبقى زمانين ، وهذا القول معلوم البطلان بالضرورة عند جمهور العقلاء ، مع أنه ليس قولك وقول شيوخك
المعتزلة والرافضة .
[ فإن ]
[22] قال الإمامي النافي : الدليل على أن الجسم لا يخلو من
[23] الحوادث أنه لا يخلو من الأكوان ، والأكوان حادثة ، ( * إذ لا يخلو
[24] عن الحركة والسكون ، وهما حادثان .
قالوا له : لا نسلم أن الأكوان كلها
[25] حادثة * )
[26] ، ولا نسلم أن السكون حادث ، بل يجوز أن يكون لنا جسم قديم أزلي ساكن ، ثم تحرك بعد أن لم يكن متحركا
[27] ; لأن السكون إن كان عدميا جاز أن يحدث أمر وجودي ، وإن كان وجوديا جاز أن يزول بحادث
[28] .
قال النافي : القديم لا يزول .
قال إخوانه : القديم إن كان معنى عدميا جاز زواله باتفاق
[29] [ العقلاء ]
[30] ، ( 11 فإنه ما من حادث إلا وعدمه قديم 11 )
[31] ، والسكون عند كثير
[ ص: 261 ] من الناس عدمي ، ونحن نختار أنه عدمي فيجوز زواله ، وإن كان وجوديا فلا نسلم أنه لا يجوز زواله .
[ فإن ] قال النافي
[32] : السكون [ وجودي ] ، وإذا كان
[33] وجوديا قديما ، فالمقتضي
[34] لقدمه قديم من لوازم الواجب ، فيكون واجبا بوجوب سببه
[35] .
قال إخوانه المجسمة : هذا الموضع يرد على جميع الطوائف المنازعين
[36] لنا من
الشيعة والمعتزلة والأشعرية وغيرهم ، فإنهم وافقونا على أن البارئ فعل بعد أن لم يكن فاعلا ، فعلم جواز حدوث الحوادث [ كلها ]
[37] بلا
[38] سبب حادث . [ وهم يصرحون بأنه يجوز - بل يجب
[39] - حدوث الحوادث كلها بغير
[40] سبب حادث ]
[41] ( 11 لامتناع حوادث لا أول لها عندهم 11 )
[42] ، وإذا جاز ذلك اخترنا
[43] أن يكون السكون عدميا ، والحادث هو
[44] الحركة التي هي وجودية ، فإذا جاز إحداث جرم بلا سبب حادث فإحداث حركة بلا سبب حادث أولى .
ولو قيل : إن السكون وجودي ، فإذا جاز وجود أعيان بعد أن لم تكن ،
[ ص: 262 ] وذلك تحول
[45] من أن لا يفعل إلى أن يفعل ; سواء سمي مثل هذا تغيرا وانتقالا
[46] أو لم يسم ، جاز أن يتحرك الساكن وينتقل
[47] من السكون إلى الحركة
[48] [ وإن كانا وجوديين
[49] .
وقول القائل : المقتضي لقدمه من لوازم الوجوب .
جوابه أن يقال : قد يكون بقاؤه مشروطا بعدم تعلق الإرادة بزواله أو بغير ذلك ، كما يقولونه في سبب الحوادث ، فإن الواجب انتقل من أن لا يفعل إلى أن يفعل ، فما كان جوابهم عن ذلك
[50] كان جوابا عن هذا ، وإن قالوا بدوام الفاعلية بطل قولهم وقولنا .
وبالجملة
[51] هل يجوز
[52] أن يحدث عن القديم أمر بلا سبب حادث ، وترجيح أحد طرفي الممكن بمجرد القدرة ؟ وحينئذ فيجوز أن يحدث القادر ما به يزيل السكون الماضي من الحركة ، سواء كان ذلك السكون وجوديا أو عدميا ]
[53] .
قال النافي : هذا يلزم منه أن يكون البارئ محلا للحركة وللحوادث
[54] أو للأعراض ، وهذا باطل .
[ ص: 263 ] قال إخوانه
الإمامية : قد صادرتنا على المطلوب فهذا صريح قولنا ، فإنا نقول
[55] : إنه يتحرك وتقوم به الحوادث والأعراض ، فما الدليل على بطلان قولنا ؟
قال النافي : لأن ما قامت به الحوادث لم يخل منها ، وما لا يخلو من الحوادث فهو حادث .
قال إخوانه : قولك : ما قامت به الحوادث لم يخل منها ، فهذا
[56] ليس قول
الإمامية ولا قول
المعتزلة ، وإنما هو قول
الأشعرية . وقد اعترف
الرازي والآمدي وغيرهما بضعفه وأنه لا دليل عليه ، وهم وأنتم تسلمون لنا أنه أحدث الأشياء بعد أن لم يكن هناك حادث بلا سبب حادث ، فإذا حدثت
[57] الحوادث من غير أن يكون لها أسباب حادثة ، جاز أن تقوم به بعد أن لم تكن قائمة به .
فهذا القول الذي يقوله هؤلاء
الإمامية ، ويقوله
[58] من يقوله من
الكرامية وغيرهم : من إثبات أنه جسم قديم ، وأنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا ، أو تحرك
[59] بعد أن لم يكن متحركا ، لا يمكن لهؤلاء
الإمامية [60] وموافقيهم من
المعتزلة [
والكلابية ]
[61] إبطاله ، فإن أصل قولهم بامتناع ( * الحوادث به ،
[ ص: 264 ] وهؤلاء قد جوزوا ذلك * )
[62] ، [ ثم
الكلابية [63] لا تنفي قيام الحوادث به لانتفاء
[64] الصفات ، فإنهم يقولون : بقيام أعيان الصفات القديمة به ، وإنما ينفون قدم النوع لتجدد أعيانه فإنها حوادث .
وعمدتهم في نفي ذلك أن ما قبل الحوادث لم يخل منها ، وهذه مقدمة باطلة عند العقلاء ، وقد اعترف بذلك غير واحد من حذاقهم ،
كالرازي والآمدي وغيرهما ، وأما
أبو المعالي وأمثاله فلم يقيموا حجة عقلية على هذا المطلوب ، وإنما اعتمدوا على تناقض
[65] أقوال من نازعهم من
الكرامية والفلاسفة وغيرهما .
وتناقض أقوال هذه الطوائف يدل على فساد قولها بمجموع الأمرين ، لا يدل على صحة أحدهما بعينه ، وحينئذ فإذا كان هناك قول ثالث يمكن القول به مع فساد أحدهما أو كليهما
[66] لم يلزم صحة قول
الكلابية وجميع الطوائف المختلفين المخالفين للكتاب والسنة ، وإنما عندهم إفساد بعضهم قول الآخرين وبيان تناقضه ، ليس عندهم قول صحيح يقال به .
ولهذا كانت الفائدة المستفادة من كلامهم نقض بعضهم كلام بعض فلا يعتقد شيء منها ، ثم إن عرف الحق الذي جاء به الرسول فهو الصواب الموافق لصريح المعقول ، وإلا استفيد من ذلك السلامة من
[ ص: 265 ] تلك الاعتقادات الباطلة ، وإن لم يعرف الحق فالجهل البسيط خير من الجهل المركب ، وعدم اعتقاد الأقوال الباطلة خير من اعتقاد شيء منها ]
[67] .
( 2 وأما
المعتزلة فتنفي 2 )
[68] قيام الحوادث به ؛ لأنها أعراض فلا تقوم به ، وهؤلاء يقولون : بل تقوم به الأعراض .
وعمدة
المعتزلة أنه لو قامت به لكان جسما ; وهؤلاء التزموا أنه جسم . وعمدة هؤلاء في نفي كونه جسما أن الجسم لا يخلو من الحوادث . وهؤلاء قد نازعوهم في هذا وقالوا : بل يخلو
[69] عن الحوادث ، وقالوا : إن البارئ جسم قديم ; كما تقولون أنتم : إنه
[70] ذات قديمة ، وإنه فعل بعد أن لم يكن فاعلا ، [ وتجعلون مفعوله هو فعله ]
[71] . لكن هؤلاء يقولون : له
[72] فعل قائم به ومنفصل عنه ; وهؤلاء يقولون : [ له ]
[73] مفعول منفصل عنه ، ولا يقوم به فعل .
وعمدة هؤلاء أنه في الأزل : إن كان ساكنا لم تجز عليه الحركة
[74] ; لأن السكون معنى وجودي أزلي فلا يزول ، وإن كان متحركا لزم حوادث لا تتناهى ، وهؤلاء يقولون : بل كان ساكنا في الأزل ، ويقولون : إن
[75] [ ص: 266 ] السكون عدم الحركة ، ( 1 أو عدم الحركة عما يمكن تحريكه 1 )
[76] ، أو عدمها
[77] عما من شأنه أن يتحرك ، فلا يسلمون أن السكون أمر وجودي ، كما يقولون مثل ذلك
[78] في العمى والصمم والجهل البسيط .
( * والقول بأن هذه الأمور عدمية ليس هو قول من يقوله من الفلاسفة وحدهم ، كما يظنه بعض المصنفين في الكلام ، بل هو قول كثير من النظار المتكلمين أهل القبلة [ والصلاة ]
[79] ، وتنازعهم في هذا كتنازعهم في نظائره ، مثل بقاء الأعراض وتماثل الأجسام وغير ذلك * )
[80] .
وإن قالوا : إنه وجودي ، فلا يسلمون أن
[81] كل أزلي يزول ، بل يقولون في تبدل
[82] السكون بالحركة ما يقوله مناظروهم في تبدل
[83] الامتناع بالإمكان ، فإن الطائفتين اتفقتا على أن الفعل كان ممتنعا في الأزل فصار ممكنا ، فهكذا يقوله هؤلاء في السكون الوجودي إن
[84] كان تبدله بالحركة في الأزل
[85] ممتنعا وهو - فيما لا يزال - ممكن فتبدل
[86] حيث أمكن التبدل
[87] ، كما يقولون جميعا : إنه حدث
[88] الفعل حيث كان الحدوث ممكنا .
[ ص: 267 ] فهذا بحث هؤلاء
الإمامية والكرامية مع هؤلاء
الإمامية ومن وافقهم من
المعتزلة [
والكلابية ]
[89] وأتباعهم
[90] في هذه الأمور التي يعتمدون فيها على العقل
[91] ، وقد أجابهم طائفة من
المعتزلة والشيعة [92] ومن وافقهم بأن الدليل [ الدال ]
[93] على حدوث العالم هو هذا الدليل الدال على حدوث الأجسام ، فإن لم يكن هذا صحيحا انسد طريق معرفة
[94] حدوث العالم وإثبات الصانع
[95] .
فقال
[96] المخالف لهؤلاء : لا نسلم أن هذا هو الطريق إلى معرفة
[97] حدوث العالم ولا إلى إثبات الصانع ، بل هذا طريق محدث في الإسلام ، لم يكن أحد من الصحابة ولا القرابة
[98] ولا التابعين يسلك هذه الطريق
[99] ، وإنما سلكها
nindex.php?page=showalam&ids=15658الجهم بن صفوان nindex.php?page=showalam&ids=11922وأبو الهذيل العلاف ومن وافقهما ، ولو كان العلم بإثبات الصانع وحدوث العالم
[100] لا يتم إلا بهذه الطريق لكان بيانها من الدين ، ولم يحصل الإيمان إلا بها .
ونحن نعلم بالاضطرار أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يذكر هذه الطريق لأمته ، ولا دعاهم بها ولا إليها
[101] ولا أحد من الصحابة . فالقول بأن
[102] الإيمان موقوف عليها مما يعلم بطلانه بالضرورة من دين الإسلام ،
[ ص: 268 ] وكل أحد يعلم أنها طريق محدثة لم يسلكها السلف ، والناس متنازعون في صحتها ، فكيف يقولون : إن العلم بالصانع والعلم بحدوث العالم موقوف عليها ؟
وقالوا :
[103] [ بل هذه الطريقة تنافي العلم بإثبات الصانع ، وكونه خالقا للعالم آمرا بالشرائع ، مرسلا للرسل ، فالذين ابتدعوها من
الجهمية والمعتزلة ومن وافقهم قالوا : إنها صحيحة في العقل ، وإن العلم بالنبوة وصحة دين الإسلام لا يتم إلا بها .
وقولهم : إن العلم بذلك لا يتم إلا بها ، مما أنكره عليهم جماهير الأمة من الأولين والآخرين ، لا سيما السلف والأئمة ، وكلامهم في
nindex.php?page=treesubj&link=29418_29615تبديع أهل هذا الكلام وذمه وذم أهله ونسبتهم إلى الجهل وعدم العلم من الأمور المتواترة عن السلف .
وكذلك القول بصحتها من جهة العقل هو مما أنكره جمهور أئمة الأمة
[104] ، لكن سلم ذلك طوائف من
الكرامية والكلابية وغيرهم ، ونازعوهم في موجب هذه الطريق ، ونازعوهم أيضا في توقف صحة دين الإسلام عليها ، كما ذكر ذلك غير واحد ; مثل ما ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري في " رسالته إلى أهل الثغر بباب الأبواب "
[105] ، وذكره
nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي [ ص: 269 ] وأبو عمر الطلمنكي الأندلسي [106] والقاضي
أبو يعلى [107] وغير واحد .
وأما أئمة السنة وطوائف من أهل الكلام فبينوا أن هذه طريقة باطلة في العقل أيضا ، وأنها تنافي صحة دين الإسلام ، فضلا عن أن تكون شرطا في العلم به ، وأين اللازم لدين الإسلام من المنافي له ؟ !
وبينوا أن تقدير ذات لم تزل غير فاعلة ولا متكلمة بمشيئتها وقدرتها ، ثم حدوث ما يحدث من مفعولات - مثل كلام مؤلف منظوم وأعيان وغير ذلك - بدون سبب حادث ، مما يعلم بطلانه بصريح المعقول ، وهو مناقض لكونه سبحانه خلق السماوات والأرض ، ولكون القرآن كلام الله ، وغير ذلك مما أخبر به الرسل ، بل حقيقته أن الرب لم يفعل شيئا ولم يتكلم بشيء لامتناع ما ذكروه من أن يكون فعالا أو مقالا له ، كما قد بسط في غير هذا الموضع ، إذ المقصود هنا التنبيه على مجامع الطرق والمقالات .
nindex.php?page=treesubj&link=29620قالت النفاة : فإذا كانت طرقنا في إثبات العلم بالصانع وحدوث السماوات والأرض وإثبات العلم بالنبوة طرقا باطلة ] [108] فما الطريق إلى ذلك ؟ [109]
قالوا : [ أولا ] : لا يجب
[110] علينا في هذا المقام بيان ذلك ، بل المقصود [ ههنا ]
[111] أن هذه طريق محدثة مبتدعة يعلم أنها ليست هي
[ ص: 270 ] الطريق
[112] التي جاء بها الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فيمتنع أن تكون واجبة أو يكون العلم الواجب أو الإيمان [ بصدقه ]
[113] موقوفا عليها .
وقالوا :
[114] كل من العلم بالصانع وحدوث العالم له طرق كثيرة متعددة .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا
[1] أَنَّهُ ( * )
[2] يُقَالُ لِهَذَا الْإِمَامِيِّ
[3] : إِخْوَانُكَ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : إِنَّ قَوْلَهُمْ هُوَ الْحَقُّ دُونَ قَوْلِكَ ، وَأَنْتَ لَمْ تَحْتَجْ لِقَوْلِكَ إِلَّا بِمُجَرَّدِ قَوْلِكَ : إِنَّهُ لَيْسَ بِجِسْمٍ ، ( 7 وَهَؤُلَاءِ إِخْوَانُكَ يَقُولُونَ : إِنَّهُ جِسْمٌ 7 )
[4] ، فَنَاظِرْهُمْ فَإِنَّهُمْ إِخْوَانُكَ فِي الْإِمَامَةِ وَخُصُومُكَ فِي التَّوْحِيدِ .
وَهَكَذَا يَنْبَغِي لَكَ أَنْ تُنَاظِرَ
الْخَوَارِجَ الَّذِينَ هُمْ خُصُومُكَ ، وَأَمَّا
[5] أَهْلُ السُّنَّةِ فَهُمْ وَسَطٌ بَيْنَكَ وَبَيْنَ خُصُومِكَ ، وَأَنْتَ لَا تَقْدِرُ عَلَى قَطْعِ [ خُصُومِكَ لَا ] هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ
[6] [ ص: 258 ] فَإِنْ قُلْتَ : حُجَّتِي عَلَى هَؤُلَاءِ أَنَّ كُلَّ جِسْمٍ مُحْدَثٌ قَالَ لَكَ إِخْوَانُكَ : بَلِ الْجِسْمُ عِنْدَنَا يَنْقَسِمُ إِلَى
[7] قِسْمَيْنِ : قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ ، كَمَا أَنَّ الْقَائِمَ بِنَفْسِهِ وَالْمَوْجُودَ
[8] وَالْحَيَّ
[9] وَالْعَالِمَ وَالْقَادِرَ يَنْقَسِمُ إِلَى قَدِيمٍ وَمُحْدَثٍ .
فَإِنْ قَالَ النَّافِي : الْجِسْمُ لَا يَخْلُو عَنِ الْحَوَادِثِ ، ( * وَمَا لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ .
قَالَ لَهُ إِخْوَانُهُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَخْلُو عَنْ
[10] الْحَوَادِثِ ، وَإِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَا لَمْ يَخْلُ عَنِ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ .
فَإِنْ
[11] قَالَ : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ * )
[12] أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْأَعْرَاضِ ، وَالْأَعْرَاضُ حَادِثَةٌ
[13] [ فَإِنَّ الْعَرَضَ لَا يَبْقَى زَمَانَيْنِ .
وَعَلَى هَذَا اعْتَمَدَ كَثِيرٌ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=33675الْكُلَّابِيَّةِ فِي حُدُوثِ الْعَالَمِ ، وَعَلَيْهِ أَيْضًا اعْتَمَدَ
الْآمِدِيُّ [14] وَطَعَنَ فِي كُلِّ دَلِيلٍ غَيْرِهِ ، وَذَكَرَ أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةُ
الْأَشْعَرِيَّةِ .
وَضَعَّفَ ذَلِكَ مَنْ تَعَقَّبَ كَلَامَهُ ، وَقَالَ : هَذَا يَقْتَضِي بِنَاءً هَذَا الْأَصْلِ الْعَظِيمِ عَلَى هَذِهِ الْمُقَدِّمَةِ الضَّعِيفَةِ ، ] وَقَدْ رَأَيْتُ كَلَامَ
nindex.php?page=showalam&ids=13711الْأَشْعَرِيِّ نَفْسِهِ ،
[ ص: 259 ] فَرَأَيْتُهُ اعْتَمَدَ عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ لَا تَخْلُو مِنَ الِاجْتِمَاعِ وَالِافْتِرَاقِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْأَجْسَامَ مُرَكَّبَةٌ مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ ، فَاحْتَجَّ بِاسْتِلْزَامِهَا لِهَذَا النَّوْعِ مِنَ الْأَعْرَاضِ ، وَهَذَا النَّوْعُ حَادِثٌ ؛ لِأَنَّهُ مِنَ الْأَكْوَانِ لَكِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْجَوْهَرِ الْفَرْدِ ، وَجُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ عَلَى نَفْيِهِ .
وَالْمَقْصُودُ هُنَا ذِكْرُ مَا يُبَيِّنُ أُصُولَ الطَّوَائِفِ ، وَأَنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ
nindex.php?page=treesubj&link=28833الرَّافِضَةِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ أَفْسَدِ أَقْوَالِ طَوَائِفِ الْأُمَّةِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مَعَهُمْ حُجَّةٌ شَرْعِيَّةٌ وَلَا عَقْلِيَّةٌ يُمْكِنُهُمُ الِانْتِصَافُ بِهَا مِنْ إِخْوَانِهِمْ أَهْلِ الْبِدَعِ ، وَإِنْ كَانَ أُولَئِكَ ضَالِّينَ مُبْتَدِعِينَ أَيْضًا
[15] ، وَهُمْ مُنَاقِضُونَ لَهُمْ غَايَةَ الْمُنَاقَضَةِ ، فَكَيْفَ تَكُونُ لَهُمْ حُجَّةٌ عَلَى أَهْلِ السُّنَّةِ الَّذِينَ هُمْ وَسَطٌ فِي الْإِسْلَامِ كَمَا أَنَّ الْإِسْلَامَ وَسَطٌ فِي الْمِلَلِ ؟ !
فَإِذَا قَالَ النَّافِي : الدَّلِيلُ عَلَى حُدُوثِهَا اسْتِلْزَامُهَا لِلْأَعْرَاضِ
[16] ]
nindex.php?page=showalam&ids=13711 [17] .
قَالُوا لَهُ
[18] : لَيْسَ هَذَا قَوْلَكَ وَ [ قَوْلَ ] أَئِمَّتِكِ
[19] الْمُعْتَزِلَةِ وَإِنَّمَا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28831قَوْلُ [ ص: 260 ] الْأَشْعَرِيَّةِ [20] ، وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28834الْمُعْتَزِلَةُ فَعِنْدَهُمْ أَنَّهُ قَدْ يَخْلُو عَنْ كَثِيرٍ مِنَ الْأَعْرَاضِ ، وَإِنَّمَا يَقُولُونَ ذَلِكَ فِي الْأَكْوَانِ أَوْ فِي الْأَلْوَانِ
[21] .
وَقَالُوا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَعْرَاضَ حَادِثَةٌ وَأَنَّهَا لَا تَبْقَى زَمَانَيْنِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَعْلُومُ الْبُطْلَانِ بِالضَّرُورَةِ عِنْدَ جُمْهُورِ الْعُقَلَاءِ ، مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ قَوْلَكَ وَقَوْلَ شُيُوخِكَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ .
[ فَإِنْ ]
[22] قَالَ الْإِمَامِيُّ النَّافِي : الدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو مِنَ
[23] الْحَوَادِثِ أَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنَ الْأَكْوَانِ ، وَالْأَكْوَانُ حَادِثَةٌ ، ( * إِذْ لَا يَخْلُو
[24] عَنِ الْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، وَهُمَا حَادِثَانِ .
قَالُوا لَهُ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْأَكْوَانَ كُلَّهَا
[25] حَادِثَةٌ * )
[26] ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ السُّكُونَ حَادِثٌ ، بَلْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَنَا جِسْمٌ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ سَاكِنٌ ، ثُمَّ تَحَرَّكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّكًا
[27] ; لِأَنَّ السُّكُونَ إِنْ كَانَ عَدَمِيًّا جَازَ أَنْ يَحْدُثَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا جَازَ أَنْ يَزُولَ بِحَادِثٍ
[28] .
قَالَ النَّافِي : الْقَدِيمُ لَا يَزُولُ .
قَالَ إِخْوَانُهُ : الْقَدِيمُ إِنْ كَانَ مَعْنًى عَدَمِيًّا جَازَ زَوَالُهُ بِاتِّفَاقِ
[29] [ الْعُقَلَاءِ ]
[30] ، ( 11 فَإِنَّهُ مَا مِنْ حَادِثٍ إِلَّا وَعَدَمُهُ قَدِيمٌ 11 )
[31] ، وَالسُّكُونُ عِنْدَ كَثِيرٍ
[ ص: 261 ] مِنَ النَّاسِ عَدَمِيٌّ ، وَنَحْنُ نَخْتَارُ أَنَّهُ عَدَمِيٌّ فَيَجُوزُ زَوَالُهُ ، وَإِنْ كَانَ وُجُودِيًّا فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ زَوَالُهُ .
[ فَإِنْ ] قَالَ النَّافِي
[32] : السُّكُونُ [ وُجُودِيٌّ ] ، وَإِذَا كَانَ
[33] وُجُودِيًّا قَدِيمًا ، فَالْمُقْتَضِي
[34] لِقِدَمِهِ قَدِيمٌ مِنْ لَوَازِمِ الْوَاجِبِ ، فَيَكُونُ وَاجِبًا بِوُجُوبِ سَبَبِهِ
[35] .
قَالَ إِخْوَانُهُ الْمُجَسِّمَةُ : هَذَا الْمَوْضِعُ يَرُدُّ عَلَى جَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمُنَازِعِينَ
[36] لَنَا مِنَ
الشِّيعَةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، فَإِنَّهُمْ وَافَقُونَا عَلَى أَنَّ الْبَارِئَ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا ، فَعُلِمَ جَوَازُ حُدُوثِ الْحَوَادِثِ [ كُلِّهَا ]
[37] بِلَا
[38] سَبَبٍ حَادِثٍ . [ وَهُمْ يُصَرِّحُونَ بِأَنَّهُ يَجُوزُ - بَلْ يَجِبُ
[39] - حُدُوثُ الْحَوَادِثِ كُلِّهَا بِغَيْرِ
[40] سَبَبٍ حَادِثٍ ]
[41] ( 11 لِامْتِنَاعِ حَوَادِثَ لَا أَوَّلَ لَهَا عِنْدَهُمْ 11 )
[42] ، وَإِذَا جَازَ ذَلِكَ اخْتَرْنَا
[43] أَنْ يَكُونَ السُّكُونُ عَدَمِيًّا ، وَالْحَادِثُ هُوَ
[44] الْحَرَكَةُ الَّتِي هِيَ وُجُودِيَّةٌ ، فَإِذَا جَازَ إِحْدَاثُ جُرْمٍ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ فَإِحْدَاثُ حَرَكَةٍ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ أَوْلَى .
وَلَوْ قِيلَ : إِنَّ السُّكُونَ وُجُودِيٌّ ، فَإِذَا جَازَ وُجُودُ أَعْيَانٍ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ ،
[ ص: 262 ] وَذَلِكَ تَحَوُّلٌ
[45] مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ إِلَى أَنْ يَفْعَلَ ; سَوَاءٌ سُمِّيَ مِثْلُ هَذَا تَغَيُّرًا وَانْتِقَالًا
[46] أَوْ لَمْ يُسَمَّ ، جَازَ أَنْ يَتَحَرَّكَ السَّاكِنُ وَيَنْتَقِلَ
[47] مِنَ السُّكُونِ إِلَى الْحَرَكَةِ
[48] [ وَإِنْ كَانَا وُجُودِيَّيْنِ
[49] .
وَقَوْلُ الْقَائِلِ : الْمُقْتَضِي لِقِدَمِهِ مِنْ لَوَازِمِ الْوُجُوبِ .
جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ : قَدْ يَكُونُ بَقَاؤُهُ مَشْرُوطًا بِعَدَمِ تَعَلُّقِ الْإِرَادَةِ بِزَوَالِهِ أَوْ بِغَيْرِ ذَلِكَ ، كَمَا يَقُولُونَهُ فِي سَبَبِ الْحَوَادِثِ ، فَإِنَّ الْوَاجِبَ انْتَقَلَ مِنْ أَنْ لَا يَفْعَلَ إِلَى أَنْ يَفْعَلَ ، فَمَا كَانَ جَوَابُهُمْ عَنْ ذَلِكَ
[50] كَانَ جَوَابًا عَنْ هَذَا ، وَإِنْ قَالُوا بِدَوَامِ الْفَاعِلِيَّةِ بِطَلَ قَوْلُهُمْ وَقَوْلُنَا .
وَبِالْجُمْلَةِ
[51] هَلْ يَجُوزُ
[52] أَنْ يَحْدُثَ عَنِ الْقَدِيمِ أَمْرٌ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ ، وَتَرْجِيحُ أَحَدِ طَرَفِيِ الْمُمْكِنِ بِمُجَرَّدِ الْقُدْرَةِ ؟ وَحِينَئِذٍ فَيَجُوزُ أَنْ يُحْدِثَ الْقَادِرُ مَا بِهِ يُزِيلُ السُّكُونَ الْمَاضِي مِنَ الْحَرَكَةِ ، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ السُّكُونُ وُجُودِيًّا أَوْ عَدَمِيًّا ]
[53] .
قَالَ النَّافِي : هَذَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ يَكُونَ الْبَارِئُ مَحَلًّا لِلْحَرَكَةِ وَلِلْحَوَادِثِ
[54] أَوْ لِلْأَعْرَاضِ ، وَهَذَا بَاطِلٌ .
[ ص: 263 ] قَالَ إِخْوَانُهُ
الْإِمَامِيَّةُ : قَدْ صَادَرْتَنَا عَلَى الْمَطْلُوبِ فَهَذَا صَرِيحُ قَوْلِنَا ، فَإِنَّا نَقُولُ
[55] : إِنَّهُ يَتَحَرَّكُ وَتَقُومُ بِهِ الْحَوَادِثُ وَالْأَعْرَاضُ ، فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى بُطْلَانِ قَوْلِنَا ؟
قَالَ النَّافِي : لِأَنَّ مَا قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا ، وَمَا لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ فَهُوَ حَادِثٌ .
قَالَ إِخْوَانُهُ : قَوْلُكَ : مَا قَامَتْ بِهِ الْحَوَادِثُ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا ، فَهَذَا
[56] لَيْسَ قَوْلَ
الْإِمَامِيَّةِ وَلَا قَوْلَ
الْمُعْتَزِلَةِ ، وَإِنَّمَا هُوَ قَوْلُ
الْأَشْعَرِيَّةِ . وَقَدِ اعْتَرَفَ
الرَّازِيُّ وَالْآمِدِيُّ وَغَيْرُهُمَا بِضَعْفِهِ وَأَنَّهُ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ ، وَهُمْ وَأَنْتُمْ تُسَلِّمُونَ لَنَا أَنَّهُ أَحْدَثَ الْأَشْيَاءَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ حَادِثٌ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ ، فَإِذَا حَدَثَتِ
[57] الْحَوَادِثُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ لَهَا أَسْبَابٌ حَادِثَةٌ ، جَازَ أَنْ تَقُومَ بِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ قَائِمَةً بِهِ .
فَهَذَا الْقَوْلُ الَّذِي يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ
الْإِمَامِيَّةُ ، وَيَقُولُهُ
[58] مَنْ يَقُولُهُ مِنَ
الْكَرَّامِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ : مِنْ إِثْبَاتِ أَنَّهُ جِسْمٌ قَدِيمٌ ، وَأَنَّهُ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا ، أَوْ تَحَرَّكَ
[59] بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَحَرِّكًا ، لَا يُمَكِنُ لِهَؤُلَاءِ
الْإِمَامِيَّةِ [60] وَمُوَافَقِيهِمْ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ [
وَالْكُلَّابِيَّةِ ]
[61] إِبْطَالُهُ ، فَإِنَّ أَصْلَ قَوْلِهِمْ بِامْتِنَاعِ ( * الْحَوَادِثِ بِهِ ،
[ ص: 264 ] وَهَؤُلَاءِ قَدْ جَوَّزُوا ذَلِكَ * )
[62] ، [ ثُمَّ
الْكُلَّابِيَّةُ [63] لَا تَنْفِي قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ لِانْتِفَاءِ
[64] الصِّفَاتِ ، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ : بِقِيَامِ أَعْيَانِ الصِّفَاتِ الْقَدِيمَةِ بِهِ ، وَإِنَّمَا يَنْفُونَ قِدَمَ النَّوْعِ لِتَجَدُّدِ أَعْيَانِهِ فَإِنَّهَا حَوَادِثُ .
وَعُمْدَتُهُمْ فِي نَفْيِ ذَلِكَ أَنَّ مَا قَبْلَ الْحَوَادِثَ لَمْ يَخْلُ مِنْهَا ، وَهَذِهِ مُقَدِّمَةٌ بَاطِلَةٌ عِنْدَ الْعُقَلَاءِ ، وَقَدِ اعْتَرَفَ بِذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ حُذَّاقِهِمْ ،
كَالرَّازِيِّ وَالْآمِدِيِّ وَغَيْرِهِمَا ، وَأَمَّا
أَبُو الْمَعَالِي وَأَمْثَالُهُ فَلَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً عَقْلِيَّةً عَلَى هَذَا الْمَطْلُوبِ ، وَإِنَّمَا اعْتَمَدُوا عَلَى تَنَاقُضِ
[65] أَقْوَالِ مَنْ نَازَعَهُمْ مِنَ
الْكَرَّامِيَّةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَغَيْرِهِمَا .
وَتَنَاقُضُ أَقْوَالِ هَذِهِ الطَّوَائِفِ يَدُلُّ عَلَى فَسَادِ قَوْلِهَا بِمَجْمُوعِ الْأَمْرَيْنِ ، لَا يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ أَحَدِهِمَا بِعَيْنِهِ ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ هُنَاكَ قَوْلٌ ثَالِثٌ يُمْكِنُ الْقَوْلُ بِهِ مَعَ فَسَادِ أَحَدِهِمَا أَوْ كِلَيْهِمَا
[66] لَمْ يَلْزَمْ صِحَّةُ قَوْلِ
الْكُلَّابِيَّةِ وَجَمِيعِ الطَّوَائِفِ الْمُخْتَلِفِينَ الْمُخَالِفِينَ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، وَإِنَّمَا عِنْدَهُمْ إِفْسَادُ بَعْضِهِمْ قَوْلَ الْآخَرِينَ وَبَيَانُ تَنَاقُضِهِ ، لَيْسَ عِنْدَهُمْ قَوْلٌ صَحِيحٌ يُقَالُ بِهِ .
وَلِهَذَا كَانَتِ الْفَائِدَةُ الْمُسْتَفَادَةُ مِنْ كَلَامِهِمْ نَقْضَ بَعْضِهِمْ كَلَامَ بَعْضٍ فَلَا يُعْتَقَدُ شَيْءٌ مِنْهَا ، ثُمَّ إِنْ عُرِفَ الْحَقُّ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ فَهُوَ الصَّوَابُ الْمُوَافِقُ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ ، وَإِلَّا اسْتُفِيدَ مِنْ ذَلِكَ السَّلَامَةُ مِنْ
[ ص: 265 ] تِلْكَ الْاعْتِقَادَاتِ الْبَاطِلَةٍ ، وَإِنْ لَمْ يُعْرَفِ الْحَقُّ فَالْجَهْلُ الْبَسِيطُ خَيْرٌ مِنَ الْجَهْلِ الْمُرَكَّبِ ، وَعَدَمُ اعْتِقَادِ الْأَقْوَالِ الْبَاطِلَةِ خَيْرٌ مِنِ اعْتِقَادِ شَيْءٍ مِنْهَا ]
[67] .
( 2 وَأَمَّا
الْمُعْتَزِلَةُ فَتَنْفِي 2 )
[68] قِيَامَ الْحَوَادِثِ بِهِ ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَاضٌ فَلَا تَقُومُ بِهِ ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : بَلْ تَقُومُ بِهِ الْأَعْرَاضُ .
وَعُمْدَةُ
الْمُعْتَزِلَةِ أَنَّهُ لَوْ قَامَتْ بِهِ لَكَانَ جِسْمًا ; وَهَؤُلَاءِ الْتَزَمُوا أَنَّهُ جِسْمٌ . وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ فِي نَفْيِ كَوْنِهِ جِسْمًا أَنَّ الْجِسْمَ لَا يَخْلُو مِنَ الْحَوَادِثِ . وَهَؤُلَاءِ قَدْ نَازَعُوهُمْ فِي هَذَا وَقَالُوا : بَلْ يَخْلُو
[69] عَنِ الْحَوَادِثِ ، وَقَالُوا : إِنَّ الْبَارِئَ جِسْمٌ قَدِيمٌ ; كَمَا تَقُولُونَ أَنْتُمْ : إِنَّهُ
[70] ذَاتٌ قَدِيمَةٌ ، وَإِنَّهُ فَعَلَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ فَاعِلًا ، [ وَتَجْعَلُونَ مَفْعُولَهُ هُوَ فِعْلَهُ ]
[71] . لَكِنَّ هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : لَهُ
[72] فِعْلٌ قَائِمٌ بِهِ وَمُنْفَصِلٌ عَنْهُ ; وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : [ لَهُ ]
[73] مَفْعُولٌ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ ، وَلَا يَقُومُ بِهِ فِعْلٌ .
وَعُمْدَةُ هَؤُلَاءِ أَنَّهُ فِي الْأَزَلِ : إِنْ كَانَ سَاكِنًا لَمْ تَجُزْ عَلَيْهِ الْحَرَكَةُ
[74] ; لِأَنَّ السُّكُونَ مَعْنًى وُجُودِيٌّ أَزَلِيٌّ فَلَا يَزُولُ ، وَإِنْ كَانَ مُتَحَرِّكًا لَزِمَ حَوَادِثَ لَا تَتَنَاهَى ، وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ : بَلْ كَانَ سَاكِنًا فِي الْأَزَلِ ، وَيَقُولُونَ : إِنَّ
[75] [ ص: 266 ] السُّكُونَ عَدَمُ الْحَرَكَةِ ، ( 1 أَوْ عَدَمُ الْحَرَكَةِ عَمَّا يُمْكِنُ تَحْرِيكُهُ 1 )
[76] ، أَوْ عَدُمُهَا
[77] عَمَّا مَنْ شَأْنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ ، فَلَا يُسَلِّمُونَ أَنَّ السُّكُونَ أَمْرٌ وُجُودِيٌّ ، كَمَا يَقُولُونَ مِثْلَ ذَلِكَ
[78] فِي الْعَمَى وَالصَّمَمِ وَالْجَهْلِ الْبَسِيطِ .
( * وَالْقَوْلُ بِأَنَّ هَذِهِ الْأُمُورَ عَدَمِيَّةٌ لَيْسَ هُوَ قَوْلَ مَنْ يَقُولُهُ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ وَحْدَهُمْ ، كَمَا يَظُنُّهُ بَعْضُ الْمُصَنِّفِينَ فِي الْكَلَامِ ، بَلْ هُوَ قَوْلُ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ الْمُتَكَلِّمِينَ أَهْلِ الْقِبْلَةِ [ وَالصَّلَاةِ ]
[79] ، وَتَنَازُعُهُمْ فِي هَذَا كَتَنَازُعِهِمْ فِي نَظَائِرِهِ ، مِثْلُ بَقَاءِ الْأَعْرَاضِ وَتَمَاثُلِ الْأَجْسَامِ وَغَيْرِ ذَلِكَ * )
[80] .
وَإِنْ قَالُوا : إِنَّهُ وُجُودِيٌّ ، فَلَا يُسَلِّمُونَ أَنَّ
[81] كُلَّ أَزَلِيٍّ يَزُولُ ، بَلْ يَقُولُونَ فِي تَبَدُّلِ
[82] السُّكُونِ بِالْحَرَكَةِ مَا يَقُولُهُ مُنَاظِرُوهُمْ فِي تَبَدُّلِ
[83] الِامْتِنَاعِ بِالْإِمْكَانِ ، فَإِنَّ الطَّائِفَتَيْنِ اتَّفَقَتَا عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ كَانَ مُمْتَنِعًا فِي الْأَزَلِ فَصَارَ مُمْكِنًا ، فَهَكَذَا يَقُولُهُ هَؤُلَاءِ فِي السُّكُونِ الْوُجُودِيِّ إِنْ
[84] كَانَ تَبَدُّلُهُ بِالْحَرَكَةِ فِي الْأَزَلِ
[85] مُمْتَنِعًا وَهُوَ - فِيمَا لَا يَزَالُ - مُمْكِنٌ فَتَبَدَّلَ
[86] حَيْثُ أَمْكَنَ التَّبَدُّلُ
[87] ، كَمَا يَقُولُونَ جَمِيعًا : إِنَّهُ حَدَثَ
[88] الْفِعْلُ حَيْثُ كَانَ الْحُدُوثُ مُمْكِنًا .
[ ص: 267 ] فَهَذَا بَحْثُ هَؤُلَاءِ
الْإِمَامِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ مَعَ هَؤُلَاءِ
الْإِمَامِيَّةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ [
وَالْكُلَّابِيَّةِ ]
[89] وَأَتْبَاعِهِمْ
[90] فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الَّتِي يَعْتَمِدُونَ فِيهَا عَلَى الْعَقْلِ
[91] ، وَقَدْ أَجَابَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ
الْمُعْتَزِلَةِ وَالشِّيعَةِ [92] وَمَنْ وَافَقَهُمْ بِأَنَّ الدَّلِيلَ [ الدَّالَّ ]
[93] عَلَى حُدُوثِ الْعَالَمِ هُوَ هَذَا الدَّلِيلُ الدَّالُّ عَلَى حُدُوثِ الْأَجْسَامِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ هَذَا صَحِيحًا انْسَدَّ طَرِيقُ مَعْرِفَةِ
[94] حُدُوثِ الْعَالَمِ وَإِثْبَاتِ الصَّانِعِ
[95] .
فَقَالَ
[96] الْمُخَالِفُ لِهَؤُلَاءِ : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الطَّرِيقُ إِلَى مَعْرِفَةِ
[97] حُدُوثِ الْعَالَمِ وَلَا إِلَى إِثْبَاتِ الصَّانِعِ ، بَلْ هَذَا طَرِيقٌ مُحْدَثٌ فِي الْإِسْلَامِ ، لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَلَا الْقَرَابَةِ
[98] وَلَا التَّابِعِينَ يَسْلُكُ هَذِهِ الطَّرِيقَ
[99] ، وَإِنَّمَا سَلَكَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=15658الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ nindex.php?page=showalam&ids=11922وَأَبُو الْهُذَيْلِ الْعَلَّافُ وَمَنْ وَافَقَهُمَا ، وَلَوْ كَانَ الْعِلْمُ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ
[100] لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَذِهِ الطَّرِيقِ لَكَانَ بَيَانُهَا مِنَ الدِّينِ ، وَلَمْ يَحْصُلِ الْإِيمَانُ إِلَّا بِهَا .
وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الطَّرِيقَ لِأُمَّتِهِ ، وَلَا دَعَاهُمْ بِهَا وَلَا إِلَيْهَا
[101] وَلَا أَحَدٌ مِنَ الصَّحَابَةِ . فَالْقَوْلُ بِأَنَّ
[102] الْإِيمَانَ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِالضَّرُورَةِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ ،
[ ص: 268 ] وَكُلُّ أَحَدٍ يَعْلَمُ أَنَّهَا طَرِيقٌ مُحْدَثَةٌ لَمْ يَسْلُكْهَا السَّلَفُ ، وَالنَّاسُ مُتَنَازِعُونَ فِي صِحَّتِهَا ، فَكَيْفَ يَقُولُونَ : إِنَّ الْعِلْمَ بِالصَّانِعِ وَالْعِلْمَ بِحُدُوثِ الْعَالَمِ مَوْقُوفٌ عَلَيْهَا ؟
وَقَالُوا :
[103] [ بَلْ هَذِهِ الطَّرِيقَةُ تُنَافِي الْعِلْمَ بِإِثْبَاتِ الصَّانِعِ ، وَكَوْنَهُ خَالِقًا لِلْعَالَمِ آمِرًا بِالشَّرَائِعِ ، مُرْسِلًا لِلرُّسُلِ ، فَالَّذِينَ ابْتَدَعُوهَا مِنَ
الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنْ وَافَقَهُمْ قَالُوا : إِنَّهَا صَحِيحَةٌ فِي الْعَقْلِ ، وَإِنَّ الْعِلْمَ بِالنُّبُوَّةِ وَصِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَا .
وَقَوْلُهُمْ : إِنَّ الْعِلْمَ بِذَلِكَ لَا يَتِمُّ إِلَّا بِهَا ، مِمَّا أَنْكَرَهُ عَلَيْهِمْ جَمَاهِيرُ الْأُمَّةِ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخَرِينَ ، لَا سِيَّمَا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ ، وَكَلَامُهُمْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29418_29615تَبْدِيعِ أَهْلِ هَذَا الْكَلَامِ وَذَمِّهِ وَذَمِّ أَهْلِهِ وَنِسْبَتِهِمْ إِلَى الْجَهْلِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ مِنَ الْأُمُورِ الْمُتَوَاتِرَةِ عَنِ السَّلَفِ .
وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ هُوَ مِمَّا أَنْكَرَهُ جُمْهُورُ أَئِمَّةِ الْأُمَّةِ
[104] ، لَكِنْ سَلَّمَ ذَلِكَ طَوَائِفُ مِنَ
الْكَرَّامِيَّةِ وَالْكُلَّابِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ ، وَنَازَعُوهُمْ فِي مُوجِبِ هَذِهِ الطَّرِيقِ ، وَنَازَعُوهُمْ أَيْضًا فِي تَوَقُّفِ صِحَّةِ دِينِ الْإِسْلَامِ عَلَيْهَا ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ ; مِثْلُ مَا ذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ فِي " رِسَالَتِهِ إِلَى أَهْلِ الثَّغْرِ بِبَابِ الْأَبْوَابِ "
[105] ، وَذَكَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14228الْخَطَّابِيُّ [ ص: 269 ] وَأَبُو عُمَرَ الطَّلَمَنْكِيُّ الْأَنْدَلُسِيُّ [106] وَالْقَاضِي
أَبُو يَعْلَى [107] وَغَيْرُ وَاحِدٍ .
وَأَمَّا أَئِمَّةُ السُّنَّةِ وَطَوَائِفُ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ فَبَيَّنُوا أَنَّ هَذِهِ طَرِيقَةٌ بَاطِلَةٌ فِي الْعَقْلِ أَيْضًا ، وَأَنَّهَا تُنَافِي صِحَّةَ دِينِ الْإِسْلَامِ ، فَضْلًا عَنْ أَنْ تَكُونَ شَرْطًا فِي الْعِلْمِ بِهِ ، وَأَيْنَ اللَّازِمُ لِدِينِ الْإِسْلَامِ مِنَ الْمُنَافِي لَهُ ؟ !
وَبَيَّنُوا أَنَّ تَقْدِيرَ ذَاتٍ لَمْ تَزَلْ غَيْرَ فَاعِلَةٍ وَلَا مُتَكَلِّمَةٍ بِمَشِيئَتِهَا وَقُدْرَتِهَا ، ثُمَّ حُدُوثُ مَا يَحْدُثُ مِنْ مَفْعُولَاتٍ - مِثْلِ كَلَامٍ مُؤَلَّفٍ مَنْظُومٍ وَأَعْيَانٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ - بِدُونِ سَبَبٍ حَادِثٍ ، مِمَّا يُعْلَمُ بُطْلَانُهُ بِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ ، وَهُوَ مُنَاقِضٌ لِكَوْنِهِ سُبْحَانَهُ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ، وَلِكَوْنِ الْقُرْآنِ كَلَامَ اللَّهِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا أَخْبَرَ بِهِ الرُّسُلُ ، بَلْ حَقِيقَتُهُ أَنَّ الرَّبَّ لَمْ يَفْعَلْ شَيْئًا وَلَمْ يَتَكَلَّمْ بِشَيْءٍ لِامْتِنَاعِ مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ فَعَّالًا أَوْ مُقَالًا لَهُ ، كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ ، إِذِ الْمَقْصُودُ هُنَا التَّنْبِيهُ عَلَى مَجَامِعِ الطُّرُقِ وَالْمَقَالَاتِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29620قَالَتِ النُّفَاةُ : فَإِذَا كَانَتْ طُرُقُنَا فِي إِثْبَاتِ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ وَحُدُوثِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِثْبَاتِ الْعِلْمِ بِالنُّبُوَّةِ طُرُقًا بَاطِلَةً ] [108] فَمَا الطَّرِيقُ إِلَى ذَلِكَ ؟ [109]
قَالُوا : [ أَوَّلًا ] : لَا يَجِبُ
[110] عَلَيْنَا فِي هَذَا الْمَقَامِ بَيَانُ ذَلِكَ ، بَلِ الْمَقْصُودُ [ هَهُنَا ]
[111] أَنَّ هَذِهِ طَرِيقٌ مُحْدَثَةٌ مُبْتَدَعَةٌ يُعْلَمُ أَنَّهَا لَيْسَتْ هِيَ
[ ص: 270 ] الطَّرِيقَ
[112] الَّتِي جَاءَ بِهَا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ تَكُونَ وَاجِبَةً أَوْ يَكُونَ الْعِلْمُ الْوَاجِبُ أَوِ الْإِيمَانُ [ بِصِدْقِهِ ]
[113] مَوْقُوفًا عَلَيْهَا .
وَقَالُوا :
[114] كُلٌّ مِنَ الْعِلْمِ بِالصَّانِعِ وَحُدُوثِ الْعَالَمِ لَهُ طُرُقٌ كَثِيرَةٌ مُتَعَدِّدَةٌ .