والمثل
[1] الذي يذكرونه من قولهم حركت يدي ، فتحرك خاتمي ، أو كمي
[2] ، أو المفتاح
[3] ، ونحو ذلك حجة عليهم لا لهم ، فإن حركة اليد ليست هي العلة التامة ، ولا الفاعل لحركة الخاتم ، [ بل الخاتم ]
[4] مع الإصبع كالإصبع مع الكف ، فالخاتم متصل
[5] بالإصبع ، والإصبع متصلة بالكف لكن الخاتم يمكن نزعها بلا ألم بخلاف الإصبع ، وقد يعرض بين الإصبع والخاتم خلو يسير
[6] بخلاف أبعاض الكف .
ولكن حركة الإصبع شرط في حركة الخاتم ، كما أن حركة الكف شرط في حركة الإصبع أعني في الحركة المعينة التي مبدؤها من اليد بخلاف الحركة التي تكون للخاتم ، أو للإصبع ابتداء ، فإن هذه [ متصلة ]
[7] منها إلى الكف كمن يجر إصبع غيره ، فيجر معه كفه .
وما يذكرونه من أن
nindex.php?page=treesubj&link=29720_28627التقدم والتأخر يكون بالذات والعلة كحركة
[ ص: 171 ] الإصبع ، ويكون بالطبع كتقدم الواحد على الاثنين ، و [ يكون ] بالمكانة
[8] كتقدم العالم على الجاهل ، و [ يكون ] بالمكان
[9] كتقدم الصف الأول على الثاني : وتقدم مقدم المسجد على مؤخره ، ويكون بالزمان كلام مستدرك .
فإن التقدم والتأخر المعروف هو التقدم والتأخر بالزمان ، [ فإن قبل ]
[10] وبعد ومع ونحو ذلك ، معانيها لازمة للتقدم والتأخر الزماني ، وأما التقدم بالعلية
[11] ، أو الذات مع المقارنة في الزمان ، فهذا لا يعقل ألبتة ، ولا له مثال مطابق في الوجود ، بل هو مجرد تخيل لا حقيقة له .
وأما تقدم الواحد على الاثنين ، فإن عنى به الواحد المطلق ، ( 5 فهذا لا وجود له في الخارج ، ولكن في الذهن ، والذهن يتصور الواحد المطلق 5 )
[12] قبل الاثنين المطلق ، فيكون متقدما في التصور تقدما زمانيا ، وإن لم يعن به هذا فلا تقدم ، بل الواحد شرط في الاثنين مع كون الشرط لا يتأخر عن المشروط ، بل
[13] قد يقارنه وقد يكون معه ، فليس هنا تقدم واجب
[14] غير التقدم الزماني .
وأما التقدم بالمكان ، فذاك نوع آخر ، وأصله من التقدم بالزمان ، فإن
[ ص: 172 ] مقدم المسجد تكون فيه الأفعال المتقدمة بالزمان على مؤخره ، فالإمام يتقدم فعله بالزمان لفعل المأموم ، فسمي محل الفعل المتقدم متقدما ، وأصله هذا .
وكذلك التقدم بالرتبة ، فإن أهل الفضائل مقدمون في الأفعال الشريفة والأماكن
[15] ، وغير ذلك على من هو
[16] دونهم ، فسمي ذلك تقدما ، وأصله هذا .
وحينئذ فإن كان الرب هو الأول المتقدم على كل ما سواه
[17] كان كل شيء متأخرا عنه ، وإن قدر أنه لم يزل فاعلا فكل فعل معين ومفعول معين هو متأخر عنه .
وَالْمَثَلُ
[1] الَّذِي يَذْكُرُونَهُ مِنْ قَوْلِهِمْ حَرَّكْتُ يَدِيَ ، فَتَحَرَّكَ خَاتَمِي ، أَوْ كُمِّي
[2] ، أَوِ الْمِفْتَاحُ
[3] ، وَنَحْوُ ذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ ، فَإِنَّ حَرَكَةَ الْيَدِ لَيْسَتْ هِيَ الْعِلَّةُ التَّامَّةُ ، وَلَا الْفَاعِلُ لِحَرَكَةِ الْخَاتَمِ ، [ بَلِ الْخَاتَمُ ]
[4] مَعَ الْإِصْبَعِ كَالْإِصْبَعِ مَعَ الْكَفِّ ، فَالْخَاتَمُ مُتَّصِلٌ
[5] بِالْإِصْبَعِ ، وَالْإِصْبَعُ مُتَّصِلَةٌ بِالْكَفِّ لَكِنَّ الْخَاتَمَ يُمْكِنُ نَزْعُهَا بِلَا أَلَمٍ بِخِلَافِ الْإِصْبَعِ ، وَقَدْ يَعْرِضُ بَيْنَ الْإِصْبَعِ وَالْخَاتَمِ خُلُوٌّ يَسِيرٌ
[6] بِخِلَافِ أَبْعَاضِ الْكَفِّ .
وَلَكِنَّ حَرَكَةَ الْإِصْبَعِ شَرْطٌ فِي حَرَكَةِ الْخَاتَمِ ، كَمَا أَنَّ حَرَكَةَ الْكَفِّ شَرْطٌ فِي حَرَكَةِ الْإِصْبَعِ أَعْنِي فِي الْحَرَكَةِ الْمُعَيَّنَةِ الَّتِي مَبْدَؤُهَا مِنَ الْيَدِ بِخِلَافِ الْحَرَكَةِ الَّتِي تَكُونُ لِلْخَاتَمِ ، أَوْ لِلْإِصْبَعِ ابْتِدَاءً ، فَإِنَّ هَذِهِ [ مُتَّصِلَةٌ ]
[7] مِنْهَا إِلَى الْكَفِّ كَمَنْ يَجُرُّ إِصْبَعَ غَيْرِهِ ، فَيَجُرُّ مَعَهُ كَفَّهُ .
وَمَا يَذْكُرُونَهُ مِنْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29720_28627التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ يَكُونُ بِالذَّاتِ وَالْعِلَّةِ كَحَرَكَةِ
[ ص: 171 ] الْإِصْبَعِ ، وَيَكُونُ بِالطَّبْعِ كَتَقَدُّمِ الْوَاحِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ ، وَ [ يَكُونُ ] بِالْمَكَانَةِ
[8] كَتَقَدُّمِ الْعَالِمِ عَلَى الْجَاهِلِ ، وَ [ يَكُونُ ] بِالْمَكَانِ
[9] كَتَقَدُّمِ الصَّفِّ الْأَوَّلِ عَلَى الثَّانِي : وَتَقَدُّمِ مُقَدَّمِ الْمَسْجِدِ عَلَى مُؤَخَّرِهِ ، وَيَكُونُ بِالزَّمَانِ كَلَامٌ مُسْتَدْرَكٌ .
فَإِنَّ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ الْمَعْرُوفَ هُوَ التَّقَدُّمُ وَالتَّأَخُّرُ بِالزَّمَانِ ، [ فَإِنَّ قَبْلَ ]
[10] وَبَعْدَ وَمَعَ وَنَحْوَ ذَلِكَ ، مَعَانِيهَا لَازِمَةٌ لِلتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ الزَّمَانِيِّ ، وَأَمَّا التَّقَدُّمُ بِالْعِلِّيَّةِ
[11] ، أَوِ الذَّاتِ مَعَ الْمُقَارَنَةِ فِي الزَّمَانِ ، فَهَذَا لَا يُعْقَلُ أَلْبَتَّةَ ، وَلَا لَهُ مِثَالٌ مُطَابِقٌ فِي الْوُجُودِ ، بَلْ هُوَ مُجَرَّدُ تَخَيُّلٍ لَا حَقِيقَةَ لَهُ .
وَأَمَّا تَقَدُّمُ الْوَاحِدِ عَلَى الِاثْنَيْنِ ، فَإِنْ عَنَى بِهِ الْوَاحِدَ الْمُطْلَقَ ، ( 5 فَهَذَا لَا وُجُودَ لَهُ فِي الْخَارِجِ ، وَلَكِنْ فِي الذِّهْنِ ، وَالذِّهْنُ يَتَصَوَّرُ الْوَاحِدَ الْمُطْلَقَ 5 )
[12] قَبْلَ الِاثْنَيْنِ الْمُطْلَقِ ، فَيَكُونُ مُتَقَدِّمًا فِي التَّصَوُّرِ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا ، وَإِنْ لَمْ يَعْنِ بِهِ هَذَا فَلَا تَقَدُّمَ ، بَلِ الْوَاحِدُ شَرْطٌ فِي الِاثْنَيْنِ مَعَ كَوْنِ الشَّرْطِ لَا يَتَأَخَّرُ عَنِ الْمَشْرُوطِ ، بَلْ
[13] قَدْ يُقَارِنُهُ وَقَدْ يَكُونُ مَعَهُ ، فَلَيْسَ هُنَا تَقَدُّمٌ وَاجِبٌ
[14] غَيْرُ التَّقَدُّمِ الزَّمَانِيِّ .
وَأَمَّا التَّقَدُّمُ بِالْمَكَانِ ، فَذَاكَ نَوْعٌ آخَرُ ، وَأَصْلُهُ مِنَ التَّقَدُّمِ بِالزَّمَانِ ، فَإِنَّ
[ ص: 172 ] مُقَدَّمَ الْمَسْجِدِ تَكُونُ فِيهِ الْأَفْعَالُ الْمُتَقَدِّمَةُ بِالزَّمَانِ عَلَى مُؤَخَّرِهِ ، فَالْإِمَامُ يَتَقَدَّمُ فِعْلُهُ بِالزَّمَانِ لِفِعْلِ الْمَأْمُومِ ، فَسُمِّيَ مَحَلُّ الْفِعْلِ الْمُتَقَدِّمِ مُتَقَدِّمًا ، وَأَصْلُهُ هَذَا .
وَكَذَلِكَ التَّقَدُّمُ بِالرُّتْبَةِ ، فَإِنَّ أَهْلَ الْفَضَائِلِ مُقَدَّمُونَ فِي الْأَفْعَالِ الشَّرِيفَةِ وَالْأَمَاكِنِ
[15] ، وَغَيْرِ ذَلِكَ عَلَى مَنْ هُوَ
[16] دُونَهُمْ ، فَسُمِّيَ ذَلِكَ تَقَدُّمًا ، وَأَصْلُهُ هَذَا .
وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ الرَّبُّ هُوَ الْأَوَّلَ الْمُتَقَدِّمَ عَلَى كُلِّ مَا سِوَاهُ
[17] كَانَ كُلُّ شَيْءٍ مُتَأَخِّرًا عَنْهُ ، وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ لَمْ يَزَلْ فَاعِلًا فَكُلُّ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ وَمَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ هُوَ مُتَأَخِّرٌ عَنْهُ .