وإن قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=32431كلامه متناقض ونحن نحتج بما يوافق قولنا ، إذ مقصودنا بيان تناقضه .
قيل لهم عن هذا أجوبة :
أحدها : أنه في الكتب المتقدمة مما يظن أنه متعارض أضعاف ما في القرآن وأقرب إلى التناقض ، فإذا كانت تلك الكتب متفقة لا تناقض فيها ، وإنما يظن تناقضها من يجهل معانيها ومراد الرسل فيكون كما قيل :
[ ص: 379 ] وكم من عائب قولا صحيحا وآفته من الفهم السقيم
فكيف القرآن الذي هو أفضل الكتب ؟
الثاني : أنهم متمسكون بالمتشابه في تلك الكتب ، ومخالفون المحكم منها كما فعلوه بالقرآن وأبلغ .
الثالث : أنه إذا كان ما جاء به متناقضا لم يكن رسول الله ، فإن ما جاء به من عند الله لا يكون مختلفا متناقضا ، وإنما يتناقض ما جاء من عند غير الله ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا .
nindex.php?page=treesubj&link=34095_29434فكل كتاب ليس من عند الله لا بد أن يكون فيه تناقض ، وما كان من عند الله لا يتناقض ، وحينئذ فإن كان متناقضا لم يجز لهم الاحتجاج بشيء منه ; فإنه ليس من عند الله ، وإن لم يكن متناقضا ثبت أن ما فيه من عموم رسالته ، وأنه رسول إليهم ، فليس فيه شيء يناقضه ، فإن ما جاء من عند الله لا يتناقض .
الرابع : أنا نبين أن ما فيه من عموم رسالته لا ينافي ما فيه من أنه أرسل إلى العرب ، كما أن ما فيه من إنذار عشيرته الأقربين ، وأمر
قريش لا ينافي ما فيه من دعوة سائر العرب ; فإن تخصيص بعض العام بالذكر
[ ص: 380 ] إذا كان له سبب يقتضي التخصيص لم يدل على أن ما سوى المذكور مخالفة ، وهذا الذي يسمى مفهوم المخالفة ودليل الخطاب .
والناس كلهم متفقون على أن
nindex.php?page=treesubj&link=34077التخصيص بالذكر متى كان له سبب يوجب الذكر غير الاختصاص بالحكم لم يكن للاسم اللقب مفهوم ، بل ولا للصفة كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق .
[ ص: 381 ] فإنه نهاهم عن ذلك ; لأنه هو الذي كانوا يفعلونه ، وقد حرم في موضع آخر قتل النفس بغير الحق ، سواء كان ولدا ، أو غيره ، ولم يكن ذلك مناقضا لتخصيص الولد بالذكر .
الخامس : أنه في ذلك أسوة
بالمسيح عليه السلام فإن
المسيح خص أولا بالدعوة ، ثم عم ، كما قيل في الإنجيل : ما بعثت وأرسلت إلا
لبني إسرائيل . وقال أيضا في الإنجيل : ما بعثت إلا
[ ص: 382 ] لهذا الشعب الخبيث . ثم عم ، فقال لتلامذته حين أرسلهم كما في الإنجيل : كما بعثني أبي أبعث بكم ، فمن قبلكم فقد قبلني . وقال : أرسلني أبي ، وأنا أرسلكم . وقال : كما أفعل أنا بكم ، كذلك افعلوا أنتم بعباد الله فسيروا في البلاد ، وعمدوا الناس باسم الأب والابن والروح القدس ، ولا يكون لأحدكم ثوبان ، ولا يحمل معه فضة ولا ذهبا ولا عصا ولا حرابة ونحو ذلك مما هو في الأناجيل التي بين أيديهم من تخصيص الدعوة ثم تعميمها ، وهو صادق في ذلك كله ، فكيف يسوغ لهم إنكار ما في الإنجيل عن
المسيح نظيره ؟ ثم يقال في بيان الحال : إن الله تعالى بعث
محمدا [ ص: 383 ] صلى الله عليه وسلم ، كما بعث
المسيح وغيره ، وإن كانت رسالته أكمل وأشمل كما نذكر في موضعه ، فأمره بتبليغ رسالته بحسب الإمكان إلى طائفة بعد طائفة ، وأمر بتبليغ الأقرب منه مكانا ونسبا ، ثم بتبليغ طائفة بعد طائفة ; حتى تبلغ النذارة إلى جميع أهل الأرض ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19وأوحي إلي هذا القرآن لأنذركم به ومن بلغ .
أي من بلغه القرآن
nindex.php?page=treesubj&link=8336فكل من بلغه القرآن فقد أنذره محمد صلى الله عليه وسلم .
ونبين هنا أن النذارة ليست مختصة بمن شافههم بالخطاب ، بل ينذرهم به وينذر من بلغهم القرآن ، فأمره الله تبارك وتعالى أولا بإنذار عشيرته الأقربين وهو
قريش ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين .
ولما أنزل الله عليه هذه الآية انطلق صلى الله عليه وسلم إلى مكان عال فعلا عليه ، ثم جعل ينادي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657314يا بني عبد مناف إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى العدو فانطلق يريد أهله فخشي أن يسبقوه ، فجعل يهتف يا صباحاه يا صباحاه .
[ ص: 384 ] وهذه القصة رواها
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وأبو هريرة nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة وغيرهم في الصحيحين وغيرهما من كتب السنن والمسانيد والتفسير .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : لما
nindex.php?page=hadith&LINKID=654589نزلت هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين . ورهطك منهم المخلصين ، خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى صعد الصفا ، فجعل ينادي : يا بني فهر ، يا بني عدي لبطون قريش حتى اجتمعوا فجعل الرجل إذا لم يستطع أن يخرج [ ص: 385 ] أرسل رسولا لينظر ما هو ؟ فاجتمعوا إليه فقال : أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلا تريد أن تغير عليكم أكنتم مصدقي ؟ قالوا : نعم ، ما جربنا عليك إلا صدقا ، ما جربنا عليك كذبا . قال : فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=689217لما نزلت هذه الآية : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين . دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشا ، فاجتمعوا ، فعم وخص ، فقال : يا بني كعب بن لؤي أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني مرة بن كعب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد شمس أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد مناف أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني هاشم أنقذوا أنفسكم من النار ، يا بني عبد المطلب أنقذوا أنفسكم من النار ، يا nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت محمد أنقذي نفسك من النار ، [ ص: 386 ] فإني لا أملك لكم من الله شيئا غير أن لكم رحما سأبلها ببلالها .
وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها لما نزلت هذه الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وأنذر عشيرتك الأقربين .
nindex.php?page=hadith&LINKID=654398قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على الصفا ، فقال : يا nindex.php?page=showalam&ids=129فاطمة بنت محمد ، يا nindex.php?page=showalam&ids=252صفية عمة رسول الله ، يا nindex.php?page=showalam&ids=18عباس عم رسول الله لا أملك لكم من الله شيئا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق :
لما نزلت هذه الآية جعل النبي صلى الله عليه وسلم ينادي : يا بني عبد المطلب ، يا بني عبد مناف ، يا بني زهرة حتى عدد الأفخاذ من قريش ، ثم قال : إن الله أمرني أن أنذر عشيرتي الأقربين ، وإني لا أملك لكم من الله شيئا إلا أن تقولوا لا إله إلا الله ، فقال
أبو لهب : ألهذا جمعتنا ؟
[ ص: 387 ] تبا لك سائر اليوم ، فأنزل الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تبت يدا أبي لهب وتب nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2ما أغنى عنه ماله وما كسب nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سيصلى نارا ذات لهب nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4وامرأته حمالة الحطب nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=5في جيدها حبل من مسد .
ودعا
قريشا إلى الله ، وأمرهم بعبادة الله وحده لا شريك له ، وأنزل تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لإيلاف قريش nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2إيلافهم رحلة الشتاء والصيف nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فليعبدوا رب هذا البيت nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف .
وقد أنزل الله عليه في غير موضع أمر جميع الخلق بعبادته ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21ياأيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون .
وقريش هم قومه الذين كذبه جمهورهم أولا ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=66وكذب به قومك وهو الحق .
[ ص: 388 ] كما أن جمهور
بني إسرائيل وهم قوم
المسيح كذبوه أولا .
ثم أمره الله تعالى أن يدعو سائر العرب ، فكان يخرج بنفسه ومعه
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر صديقه إلى قبائل العرب قبيلة قبيلة ، وكانت العرب لم تزل تحج البيت من عهد
إبراهيم الخليل عليه السلام ، فكان صلى الله عليه وسلم يأتيهم في منازلهم
بمنى ،
وعكاظ ،
ومجنة ،
وذي المجاز ، فلا يجد أحدا إلا دعاه إلى الله ، ويقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=938516يا أيها الناس ، إني رسول الله آمركم أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ، وأن تخلعوا ما يعبد من دونه من هذه الأنداد ، وأن تؤمنوا بي وتصدقوني وتمنعوني ; حتى أبين عن الله ما بعثني به ، يا أيها الناس إن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي فمن يمنعني أن أبلغ كلام ربي إلا رجل [ ص: 389 ] يحملني إلى قومه ، فإن قريشا منعوني أن أبلغ كلام ربي ، يا أيها الناس ، قولوا لا إله إلا الله تفلحوا ، وتملكوا بها العرب ، وتذل لكم بها العجم فيقولون : يا
محمد أتريد أن تجعل الآلهة إلها واحدا ؟ إن أمرك هذا لعجب .
وما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلن دعوته ، ويظهر رسالته ، ويدعو الخلق إليها ، وهم يؤذونه ويجادلونه ويكلمونه ، ويردون عليه بأقبح الرد ، وهو صابر على أذاهم ، ويقول :
اللهم لك الحمد لو شئت لم يكونوا هكذا .
فلما اشتد عليه أمر
قريش خرج إلى
الطائف وهي مدينة معروفة
[ ص: 390 ] شرقي
مكة بينهما نحو ليلتين ومعه زيد بن حارثة ، ومكث بها عشرة أيام لا يدع أحدا من أشرافهم إلا جاءه في منزله وكلمه ودعاه إلى التوحيد ، فلم يجبه أحد منهم ، وخافوه على أحداثهم ، وأغروا به سفهاءهم فجعلوا يرمونه بالحجارة إذا مشى حتى أن رجليه لتدميان ،
وزيد مولاه يقيه بنفسه حتى ألجئوا إلى ظل كرمة في حائط
لعتبة وشيبة ابني ربيعة فرجع عنه ما كان تبعه من سفهائهم ، فدعا ، فقال :
اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين ، أنت رب المستضعفين وأنت ربي ، إلى من تكلني ، إلى بعيد يتجهمني ، أم إلى عدو ملكته أمري ، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات ، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل بي غضبك ، أو يحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك .
فلما رأى ابنا
ربيعة ما صنع به رثيا له ، وقالا لغلام لهما يقال له
[ ص: 391 ] عداس - وكان نصرانيا - : خذ قطفا من عنب ، ثم اجعله في طبق ، ثم اذهب إلى ذلك الرجل يأكله ، ففعل
عداس وأقبل به حتى وضعه بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ، قال : بسم الله ، ثم أكل فنظر
عداس إلى وجهه ، ثم قال له : والله إن هذا الكلام ما يقوله أهل هذه البلدة ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : من أي البلاد أنت ؟ وما دينك ؟ فقال
عداس : أنا نصراني ، وأنا رجل من أهل
نينوى ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : أمن قرية الرجل الصالح
يونس بن متى ؟ فقال له
عداس : وما يدريك ما
يونس بن متى ؟ والله لقد خرجت من
نينوى ، وما فيها عشرة يعرفون
متى ، من أين عرفت أنت
متى وأنت أمي وفي أمة أمية ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : هو أخي كان نبيا وأنا نبي ، فأكب
عداس على رسول الله صلى الله
[ ص: 392 ] عليه وسلم يقبل رأسه ويديه ورجليه ، فلما رجع
عداس فقالا : ويلك يا
عداس ، مالك تقبل رأس هذا الرجل ويديه ورجليه ، فقال : يا سيدي ، ما في الأرض خير من هذا الرجل ، لقد خبرني بأمر لا يعلمه إلا نبي .
ثم انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من
الطائف راجعا إلى
مكة وهو محزون ، إذ لم يستجب له رجل واحد ولا امرأة ، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد بن حارثة : كيف تدخل عليهم يا رسول الله وقد فعلوا وفعلوا ، فقال : يا
nindex.php?page=showalam&ids=138زيد ، إن الله عز وجل جاعل لما ترى فرجا ومخرجا ، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه .
[ ص: 393 ] ثم ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق دخوله إلى
مكة ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لما لقي من أهل
مكة والطائف ما لقي ودعا بالدعاء المتقدم نزل عليه
جبريل ومعه ملك الجبال - كما في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652992هل أتى عليك يوم كان أشد من يوم أحد ؟ فقال : لقد لقيت من قومك ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي فلم أستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي فإذا أنا بسحابة قد أظلتني فنظرت ، فإذا فيها [ ص: 394 ] جبريل فناداني : إن الله قد سمع قول قومك وما ردوا عليك ، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم . قال : فناداني ملك الجبال وسلم علي ، ثم قال : يا محمد إن الله قد سمع قول قومك لك ، وأنا ملك الجبال قد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا شريك له .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661712nindex.php?page=treesubj&link=30961ادع الله على المشركين ، فقال : إني لم أبعث لعانا ، وإنما بعثت رحمة .
وفي الصحيحين : عن
nindex.php?page=showalam&ids=211خباب بن الأرت ، أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653343لما اشتد البلاء [ ص: 395 ] علينا من المشركين أتينا النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا : ألا تدعو الله لنا ؟ ألا تستنصر الله لنا ؟ فقال : لقد كان من قبلكم يؤخذ الرجل فيحفر له في الأرض ، ثم يجاء بالمنشار فيجعل فوق رأسه حتى يجعل فرقتين ، ما يصرفه ذلك عن دينه ، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه من عظم وعصب ، ما يصرفه عن دينه ، وليتمن الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخشى إلا الله ولكنكم تستعجلون .
وذكر ما لقي النبي صلى الله عليه وسلم من قومه من الأذى والاستهزاء والإغراء وهو صابر محتسب ، مظهر لأمر الله بتبليغ رسالته ، لا تأخذه في الله لومة لائم ، مواجه لقومه بما يكرهون من عيب دينهم وآلهتهم ، وتضليل آبائهم ، وتسفيه أحلامهم ، وإظهار عداوته ، وقتاله إياهم ما بلغ مبلغ القطع .
[ ص: 396 ] قال
عكرمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=938537ولما رجع النبي صلى الله عليه وسلم إلى مكة فلما حضر الموسم حج نفر من الأنصار ، فانتهى النبي صلى الله عليه وسلم إلى فريق منهم ، فقرأ عليهم القرآن ، ودعاهم إلى الله ، وأخبرهم بالذي آتاه الله فأيقنوا واطمأنت قلوبهم إلى دعوته ، وعرفوا ما كانوا يسمعون من أهل الكتاب من ذكرهم إياه بصفته ، وما يدعوهم إليه فصدقوه وآمنوا به ، وكان من أسباب الخير الذي ساق الله للأنصار إلى ما كانوا يسمعون من الأخبار في صفته ، فلما رجعوا إلى قومهم جعلوا يدعونهم سرا ، ويخبرونهم بأقوال رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والذي بعثه الله به من النور والهدى والقرآن ، فأسلموا حتى قل أن يوجد دار من دورهم إلا أسلم فيها ناس لا محالة .
وقد ذكر الله ذلك في القرآن ، وأخبر أن
nindex.php?page=treesubj&link=30588أهل الكتاب كانوا يخبرون العرب به ويستفتحون به عليهم ، فكان أهل الكتاب مقرين بنبوته مخبرين بها مبشرين بها قبل أن يبعث ، فقال تعالى فيما يخاطب به أهل الكتاب :
[ ص: 397 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87ولقد آتينا موسى الكتاب وقفينا من بعده بالرسل وآتينا عيسى ابن مريم البينات وأيدناه بروح القدس أفكلما جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم استكبرتم ففريقا كذبتم وفريقا تقتلون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88وقالوا قلوبنا غلف بل لعنهم الله بكفرهم فقليلا ما يؤمنون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89ولما جاءهم كتاب من عند الله مصدق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الذين كفروا فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بئسما اشتروا به أنفسهم أن يكفروا بما أنزل الله بغيا أن ينزل الله من فضله على من يشاء من عباده فباءوا بغضب على غضب وللكافرين عذاب مهين nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه وهو الحق مصدقا لما معهم قل فلم تقتلون أنبياء الله من قبل إن كنتم مؤمنين .
فقد أخبر تعالى أن أهل الكتاب كانوا يستفتحون على العرب
بمحمد صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث - أي يستنصرون به - وكانوا هم والعرب يقتتلون فيغلبهم العرب ، فيقولون : سوف يبعث
[ ص: 398 ] النبي الأمي من ولد إسماعيل فنتبعه ونقتلكم معه شر قتلة ، وكانوا ينعتونه بنعوته .
وأخبارهم بذلك كثيرة متواترة ، وكما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فلما جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين .
وأخبر بما كانت عليه
اليهود من أنه كلما جاءهم رسول الله بما لا تهوى أنفسهم كذبوا بعضهم وقتلوا بعضهم ، وأخبر أنهم باءوا بغضب على غضب ; فإنهم ما زالوا يفعلون ما يغضب الله عليهم ، فإما أن يراد بالتثنية تأكيد غضب الله عليهم ، وإما أن يراد به مرتان ، والغضب الأول : تكذيبهم
المسيح والإنجيل ، والغصب الثاني :
لمحمد والقرآن .
وَإِنْ قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=32431كَلَامُهُ مُتَنَاقِضٌ وَنَحْنُ نَحْتَجُّ بِمَا يُوَافِقُ قَوْلَنَا ، إِذْ مَقْصُودُنَا بَيَانُ تَنَاقُضِهِ .
قِيلَ لَهُمْ عَنْ هَذَا أَجْوِبَةٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ فِي الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ مِمَّا يُظَنُّ أَنَّهُ مُتَعَارِضٌ أَضْعَافُ مَا فِي الْقُرْآنِ وَأَقْرَبُ إِلَى التَّنَاقُضِ ، فَإِذَا كَانَتْ تِلْكَ الْكُتُبُ مُتَّفِقَةً لَا تَنَاقُضَ فِيهَا ، وَإِنَّمَا يَظُنُّ تَنَاقُضَهَا مَنْ يَجْهَلُ مَعَانِيَهَا وَمُرَادَ الرُّسُلِ فَيَكُونُ كَمَا قِيلَ :
[ ص: 379 ] وَكَمْ مِنْ عَائِبٍ قَوْلًا صَحِيحًا وَآفَتُهُ مِنَ الْفَهْمِ السَّقِيمِ
فَكَيْفَ الْقُرْآنُ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْكُتُبِ ؟
الثَّانِي : أَنَّهُمْ مُتَمَسِّكُونَ بِالْمُتَشَابِهِ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ ، وَمُخَالِفُونَ الْمُحْكَمَ مِنْهَا كَمَا فَعَلُوهُ بِالْقُرْآنِ وَأَبْلَغَ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَا جَاءَ بِهِ مُتَنَاقِضًا لَمْ يَكُنْ رَسُولَ اللَّهِ ، فَإِنَّ مَا جَاءَ بِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَكُونُ مُخْتَلِفًا مُتَنَاقِضًا ، وَإِنَّمَا يَتَنَاقَضُ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=82أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا .
nindex.php?page=treesubj&link=34095_29434فَكُلُّ كِتَابٍ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهِ تَنَاقُضٌ ، وَمَا كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَتَنَاقَضُ ، وَحِينَئِذٍ فَإِنْ كَانَ مُتَنَاقِضًا لَمْ يَجُزْ لَهُمُ الِاحْتِجَاجُ بِشَيْءٍ مِنْهُ ; فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُتَنَاقِضًا ثَبَتَ أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ رِسَالَتِهِ ، وَأَنَّهُ رَسُولٌ إِلَيْهِمْ ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ يُنَاقِضُهُ ، فَإِنَّ مَا جَاءَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لَا يَتَنَاقَضُ .
الرَّابِعُ : أَنَّا نُبَيِّنُ أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ عُمُومِ رِسَالَتِهِ لَا يُنَافِي مَا فِيهِ مِنْ أَنَّهُ أُرْسِلَ إِلَى الْعَرَبِ ، كَمَا أَنَّ مَا فِيهِ مِنْ إِنْذَارِ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ ، وَأَمْرِ
قُرَيْشٍ لَا يُنَافِي مَا فِيهِ مِنْ دَعْوَةِ سَائِرِ الْعَرَبِ ; فَإِنَّ تَخْصِيصَ بَعْضِ الْعَامِّ بِالذِّكْرِ
[ ص: 380 ] إِذَا كَانَ لَهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّخْصِيصَ لَمْ يَدُلَّ عَلَى أَنَّ مَا سِوَى الْمَذْكُورِ مُخَالَفَةٌ ، وَهَذَا الَّذِي يُسَمَّى مَفْهُومَ الْمُخَالَفَةِ وَدَلِيلَ الْخِطَابِ .
وَالنَّاسُ كُلُّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34077التَّخْصِيصَ بِالذِّكْرِ مَتَى كَانَ لَهُ سَبَبٌ يُوجِبُ الذِّكْرَ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ بِالْحُكْمِ لَمْ يَكُنْ لِلِاسْمِ اللَّقَبِ مَفْهُومٌ ، بَلْ وَلَا لِلصِّفَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=31وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلَاقٍ .
[ ص: 381 ] فَإِنَّهُ نَهَاهُمْ عَنْ ذَلِكَ ; لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي كَانُوا يَفْعَلُونَهُ ، وَقَدْ حَرَّمَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ قَتْلَ النَّفْسِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ، سَوَاءٌ كَانَ وَلَدًا ، أَوْ غَيْرَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مُنَاقِضًا لِتَخْصِيصِ الْوَلَدِ بِالذِّكْرِ .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ فِي ذَلِكَ أُسْوَةٌ
بِالْمَسِيحِ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ
الْمَسِيحَ خَصَّ أَوَّلًا بِالدَّعْوَةِ ، ثُمَّ عَمَّ ، كَمَا قِيلَ فِي الْإِنْجِيلِ : مَا بُعِثْتُ وَأُرْسِلْتُ إِلَّا
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ . وَقَالَ أَيْضًا فِي الْإِنْجِيلِ : مَا بُعِثْتُ إِلَّا
[ ص: 382 ] لِهَذَا الشَّعْبِ الْخَبِيثِ . ثُمَّ عَمَّ ، فَقَالَ لِتَلَامِذَتِهِ حِينَ أَرْسَلَهُمْ كَمَا فِي الْإِنْجِيلِ : كَمَا بَعَثَنِي أَبِي أَبْعَثُ بِكُمْ ، فَمَنْ قَبِلَكُمْ فَقَدْ قَبِلَنِي . وَقَالَ : أَرْسَلَنِي أَبِي ، وَأَنَا أُرْسِلُكُمْ . وَقَالَ : كَمَا أَفْعَلُ أَنَا بِكُمْ ، كَذَلِكَ افْعَلُوا أَنْتُمْ بِعِبَادِ اللَّهِ فَسِيرُوا فِي الْبِلَادِ ، وَعَمِّدُوا النَّاسَ بِاسْمِ الْأَبِ وَالِابْنِ وَالرُّوحِ الْقُدُسِ ، وَلَا يَكُونُ لِأَحَدِكُمْ ثَوْبَانِ ، وَلَا يَحْمِلُ مَعَهُ فِضَّةً وَلَا ذَهَبًا وَلَا عَصًا وَلَا حَرَّابَةً وَنَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ فِي الْأَنَاجِيلِ الَّتِي بَيْنَ أَيْدِيهِمْ مِنْ تَخْصِيصِ الدَّعْوَةِ ثُمَّ تَعْمِيمِهَا ، وَهُوَ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ ، فَكَيْفَ يَسُوغُ لَهُمْ إِنْكَارُ مَا فِي الْإِنْجِيلِ عَنِ
الْمَسِيحِ نَظِيرَهُ ؟ ثُمَّ يُقَالُ فِي بَيَانِ الْحَالِ : إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى بَعَثَ
مُحَمَّدًا [ ص: 383 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، كَمَا بَعَثَ
الْمَسِيحَ وَغَيْرَهُ ، وَإِنْ كَانَتْ رِسَالَتُهُ أَكْمَلَ وَأَشْمَلَ كَمَا نَذْكُرُ فِي مَوْضِعِهِ ، فَأَمَرَهُ بِتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ إِلَى طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ ، وَأُمِرَ بِتَبْلِيغِ الْأَقْرَبِ مِنْهُ مَكَانًا وَنَسَبًا ، ثُمَّ بِتَبْلِيغِ طَائِفَةٍ بَعْدَ طَائِفَةٍ ; حَتَّى تَبْلُغَ النِّذَارَةُ إِلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=19وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ .
أَيْ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ
nindex.php?page=treesubj&link=8336فَكُلُّ مَنْ بَلَغَهُ الْقُرْآنُ فَقَدْ أَنْذَرَهُ مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَنُبَيِّنُ هُنَا أَنَّ النِّذَارَةَ لَيْسَتْ مُخْتَصَّةً بِمَنْ شَافَهَهُمْ بِالْخِطَابِ ، بَلْ يُنْذِرُهُمْ بِهِ وَيُنْذِرُ مَنْ بَلَغَهُمُ الْقُرْآنُ ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَوَّلًا بِإِنْذَارِ عَشِيرَتِهِ الْأَقْرَبِينَ وَهُوَ
قُرَيْشٌ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ .
وَلَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ هَذِهِ الْآيَةَ انْطَلَقَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَانٍ عَالٍ فَعَلَا عَلَيْهِ ، ثُمَّ جَعَلَ يُنَادِي :
nindex.php?page=hadith&LINKID=657314يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ إِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ، إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَجُلٍ رَأَى الْعَدُوَّ فَانْطَلَقَ يُرِيدُ أَهْلَهُ فَخَشِيَ أَنْ يَسْبِقُوهُ ، فَجَعَلَ يَهْتِفُ يَا صَبَاحَاهُ يَا صَبَاحَاهُ .
[ ص: 384 ] وَهَذِهِ الْقِصَّةُ رَوَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةُ وَغَيْرُهُمْ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا مِنْ كُتُبِ السُّنَنِ وَالْمَسَانِيدِ وَالتَّفْسِيرِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَمَّا
nindex.php?page=hadith&LINKID=654589نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ . وَرَهْطَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ، خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى صَعِدَ الصَّفَا ، فَجَعَلَ يُنَادِي : يَا بَنِي فَهْرٍ ، يَا بَنِي عَدِيٍّ لِبُطُونِ قُرَيْشٍ حَتَّى اجْتَمَعُوا فَجَعَلَ الرَّجُلُ إِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَخْرُجَ [ ص: 385 ] أَرْسَلَ رَسُولًا لِيَنْظُرَ مَا هُوَ ؟ فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ فَقَالَ : أَرَأَيْتَكُمْ لَوْ أَخْبَرْتُكُمْ أَنَّ خَيْلًا تُرِيدُ أَنْ تُغِيرَ عَلَيْكُمْ أَكُنْتُمْ مُصَدِّقِيَّ ؟ قَالُوا : نَعَمْ ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ إِلَّا صِدْقًا ، مَا جَرَّبْنَا عَلَيْكَ كَذِبًا . قَالَ : فَإِنِّي نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=689217لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ . دَعَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قُرَيْشًا ، فَاجْتَمَعُوا ، فَعَمَّ وَخَصَّ ، فَقَالَ : يَا بَنِي كَعْبِ بْنِ لُؤَيٍّ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي مُرَّةَ بْنِ كَعْبٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ شَمْسٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي هَاشِمٍ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَنْقِذُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ النَّارِ ، يَا nindex.php?page=showalam&ids=129فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ أَنْقِذِي نَفْسَكِ مِنَ النَّارِ ، [ ص: 386 ] فَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا غَيْرَ أَنَّ لَكُمْ رَحِمًا سَأَبُلُّهَا بِبَلَالِهَا .
وَقَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=214وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=654398قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الصَّفَا ، فَقَالَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=129فَاطِمَةُ بِنْتَ مُحَمَّدٍ ، يَا nindex.php?page=showalam&ids=252صَفِيَّةُ عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ ، يَا nindex.php?page=showalam&ids=18عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ :
لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُنَادِي : يَا بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ ، يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، يَا بَنِي زُهْرَةَ حَتَّى عَدَّدَ الْأَفْخَاذَ مِنْ قُرَيْشٍ ، ثُمَّ قَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنِي أَنْ أُنْذِرَ عَشِيرَتِيَ الْأَقْرَبِينَ ، وَإِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَقَالَ
أَبُو لَهَبٍ : أَلِهَذَا جَمَعْتَنَا ؟
[ ص: 387 ] تَبًّا لَكَ سَائِرَ الْيَوْمِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=1تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=2مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=3سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=4وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ nindex.php?page=tafseer&surano=111&ayano=5فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ .
وَدَعَا
قُرَيْشًا إِلَى اللَّهِ ، وَأَمَرَهُمْ بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَنْزَلَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=1لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=2إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=3فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ nindex.php?page=tafseer&surano=106&ayano=4الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ .
وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ أَمْرَ جَمِيعِ الْخَلْقِ بِعِبَادَتِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَاأَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ .
وَقُرَيْشٌ هُمْ قَوْمُهُ الَّذِينَ كَذَّبَهُ جُمْهُورُهُمْ أَوَّلًا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=66وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ .
[ ص: 388 ] كَمَا أَنَّ جُمْهُورَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهُمْ قَوْمُ
الْمَسِيحِ كَذَّبُوهُ أَوَّلًا .
ثُمَّ أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنْ يَدْعُوَ سَائِرَ الْعَرَبِ ، فَكَانَ يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ وَمَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ صِدِّيقُهُ إِلَى قَبَائِلِ الْعَرَبِ قَبِيلَةً قَبِيلَةً ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ لَمْ تَزَلْ تَحُجُّ الْبَيْتَ مِنْ عَهْدِ
إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلِ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِيهِمْ فِي مَنَازِلِهِمْ
بِمِنًى ،
وَعُكَاظَ ،
وَمَجَنَّةَ ،
وَذِي الْمَجَازِ ، فَلَا يَجِدُ أَحَدًا إِلَّا دَعَاهُ إِلَى اللَّهِ ، وَيَقُولُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=938516يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ آمُرُكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَأَنْ تَخْلَعُوا مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ مِنْ هَذِهِ الْأَنْدَادِ ، وَأَنْ تُؤْمِنُوا بِي وَتُصَدِّقُونِي وَتَمْنَعُونِي ; حَتَّى أُبَيِّنَ عَنِ اللَّهِ مَا بَعَثَنِي بِهِ ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ قُرَيْشًا مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي فَمَنْ يَمْنَعُنِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي إِلَّا رَجُلٌ [ ص: 389 ] يَحْمِلُنِي إِلَى قَوْمِهِ ، فَإِنَّ قُرَيْشًا مَنَعُونِي أَنْ أُبَلِّغَ كَلَامَ رَبِّي ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ ، قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا ، وَتَمْلِكُوا بِهَا الْعَرَبَ ، وَتَذِلَّ لَكُمْ بِهَا الْعَجَمُ فَيَقُولُونَ : يَا
مُحَمَّدُ أَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا ؟ إِنَّ أَمْرَكَ هَذَا لَعَجَبٌ .
وَمَا زَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْلِنُ دَعْوَتَهُ ، وَيُظْهِرُ رِسَالَتَهُ ، وَيَدْعُو الْخَلْقَ إِلَيْهَا ، وَهُمْ يُؤْذُونَهُ وَيُجَادِلُونَهُ وَيُكَلِّمُونَهُ ، وَيَرُدُّونَ عَلَيْهِ بِأَقْبَحِ الرَّدِّ ، وَهُوَ صَابِرٌ عَلَى أَذَاهُمْ ، وَيَقُولُ :
اللَّهُمَّ لَكَ الْحَمْدُ لَوْ شِئْتَ لَمْ يَكُونُوا هَكَذَا .
فَلَمَّا اشْتَدَّ عَلَيْهِ أَمْرُ
قُرَيْشٍ خَرَجَ إِلَى
الطَّائِفِ وَهِيَ مَدِينَةٌ مَعْرُوفَةٌ
[ ص: 390 ] شَرْقَيْ
مَكَّةَ بَيْنَهُمَا نَحْوُ لَيْلَتَيْنِ وَمَعَهُ زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ ، وَمَكَثَ بِهَا عَشَرَةَ أَيَّامٍ لَا يَدَعُ أَحَدًا مِنْ أَشْرَافِهِمْ إِلَّا جَاءَهُ فِي مَنْزِلِهِ وَكَلَّمَهُ وَدَعَاهُ إِلَى التَّوْحِيدِ ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ ، وَخَافُوهُ عَلَى أَحْدَاثِهِمْ ، وَأَغْرَوْا بِهِ سُفَهَاءَهُمْ فَجَعَلُوا يَرْمُونَهُ بِالْحِجَارَةِ إِذَا مَشَى حَتَّى أَنَّ رِجْلَيْهِ لَتُدْمِيَانِ ،
وَزَيْدٌ مَوْلَاهُ يَقِيهِ بِنَفْسِهِ حَتَّى أُلْجِئُوا إِلَى ظِلِّ كَرْمَةٍ فِي حَائِطٍ
لِعُتْبَةَ وَشَيْبَةَ ابْنَيْ رَبِيعَةَ فَرَجَعَ عَنْهُ مَا كَانَ تَبِعَهُ مِنْ سُفَهَائِهِمْ ، فَدَعَا ، فَقَالَ :
اللَّهُمَّ إِلَيْكَ أَشْكُو ضَعْفَ قُوَّتِي وَقِلَّةَ حِيلَتِي وَهَوَانِي عَلَى النَّاسِ ، يَا أَرْحَمَ الرَّاحِمِينَ ، أَنْتَ رَبُّ الْمُسْتَضْعَفِينَ وَأَنْتَ رَبِّي ، إِلَى مَنْ تَكِلُنِي ، إِلَى بِعِيدٍ يَتَجَهَّمُنِي ، أَمْ إِلَى عَدُوٍّ مَلَّكْتَهُ أَمْرِي ، إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي ، وَلَكِنَّ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي ، أَعُوذُ بِنُورِ وَجْهِكَ الَّذِي أَشْرَقَتْ لَهُ الظُّلُمَاتُ ، وَصَلَحَ عَلَيْهِ أَمْرُ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ أَنْ يَنْزِلَ بِي غَضَبُكَ ، أَوْ يَحِلَّ عَلَيَّ سَخَطُكَ ، لَكَ الْعُتْبَى حَتَّى تَرْضَى ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِكَ .
فَلَمَّا رَأَى ابْنَا
رَبِيعَةَ مَا صُنِعَ بِهِ رَثَيَا لَهُ ، وَقَالَا لِغُلَامٍ لَهُمَا يُقَالُ لَهُ
[ ص: 391 ] عَدَّاسٌ - وَكَانَ نَصْرَانِيًّا - : خُذْ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ ، ثُمَّ اجْعَلْهُ فِي طَبَقٍ ، ثُمَّ اذْهَبْ إِلَى ذَلِكَ الرَّجُلِ يَأْكُلُهُ ، فَفَعَلَ
عَدَّاسٌ وَأَقْبَلَ بِهِ حَتَّى وَضَعَهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا وَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ ، قَالَ : بِسْمِ اللَّهِ ، ثُمَّ أَكَلَ فَنَظَرَ
عَدَّاسٌ إِلَى وَجْهِهِ ، ثُمَّ قَالَ لَهُ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذَا الْكَلَامَ مَا يَقُولُهُ أَهْلُ هَذِهِ الْبَلْدَةِ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مِنْ أَيِّ الْبِلَادِ أَنْتَ ؟ وَمَا دِينُكَ ؟ فَقَالَ
عَدَّاسٌ : أَنَا نَصْرَانِيٌّ ، وَأَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ
نِينَوَى ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَمِنْ قَرْيَةِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ
يُونُسَ بْنِ مَتَّى ؟ فَقَالَ لَهُ
عَدَّاسٌ : وَمَا يُدْرِيكَ مَا
يُونُسُ بْنُ مَتَّى ؟ وَاللَّهِ لَقَدْ خَرَجْتُ مِنْ
نِينَوَى ، وَمَا فِيهَا عَشَرَةٌ يَعْرِفُونَ
مَتَّى ، مِنْ أَيْنَ عَرَفْتَ أَنْتَ
مَتَّى وَأَنْتَ أُمِّيٌّ وَفِي أُمَّةٍ أُمِّيَّةٍ ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : هُوَ أَخِي كَانَ نَبِيًّا وَأَنَا نَبِيٌّ ، فَأَكَبَّ
عَدَّاسٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
[ ص: 392 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُقَبِّلُ رَأْسَهُ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ
عَدَّاسٌ فَقَالَا : وَيْلَكَ يَا
عَدَّاسُ ، مَالَكَ تُقَبِّلُ رَأْسَ هَذَا الرَّجُلِ وَيَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ ، فَقَالَ : يَا سَيِّدِي ، مَا فِي الْأَرْضِ خَيْرٌ مِنْ هَذَا الرَّجُلِ ، لَقَدْ خَبَّرَنِي بِأَمْرٍ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا نَبِيٌّ .
ثُمَّ انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ
الطَّائِفِ رَاجِعًا إِلَى
مَكَّةَ وَهُوَ مَحْزُونٌ ، إِذْ لَمْ يَسْتَجِبْ لَهُ رَجُلٌ وَاحِدٌ وَلَا امْرَأَةٌ ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ : كَيْفَ تَدْخُلُ عَلَيْهِمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَقَدْ فَعَلُوا وَفَعَلُوا ، فَقَالَ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=138زَيْدُ ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ جَاعِلٌ لِمَا تَرَى فَرَجًا وَمَخْرَجًا ، وَإِنَّ اللَّهَ نَاصِرٌ دِينَهُ وَمُظْهِرٌ نَبِيَّهُ .
[ ص: 393 ] ثُمَّ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابْنُ إِسْحَاقَ دُخُولَهُ إِلَى
مَكَّةَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا لَقِيَ مِنْ أَهْلِ
مَكَّةَ وَالطَّائِفِ مَا لَقِيَ وَدَعَا بِالدُّعَاءِ الْمُتَقَدِّمِ نَزَلَ عَلَيْهِ
جِبْرِيلُ وَمَعَهُ مَلَكُ الْجِبَالِ - كَمَا فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ - أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652992هَلْ أَتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كَانَ أَشَدَّ مِنْ يَوْمِ أُحُدٍ ؟ فَقَالَ : لَقَدْ لَقِيتُ مِنْ قَوْمِكِ ، وَكَانَ أَشَدَّ مَا لَقِيتُ مِنْهُمْ يَوْمُ الْعَقَبَةِ إِذْ عَرَضْتُ نَفْسِي عَلَى ابْنِ عَبْدِ يَالِيلَ بْنِ عَبْدِ كَلَالٍ فَلَمْ يُجِبْنِي إِلَى مَا أَرَدْتُ ، فَانْطَلَقْتُ وَأَنَا مَهْمُومٌ عَلَى وَجْهِي فَلَمْ أَسْتَفِقْ إِلَّا وَأَنَا بِقَرْنِ الثَّعَالِبِ ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي فَإِذَا أَنَا بِسَحَابَةٍ قَدْ أَظَلَّتْنِي فَنَظَرْتُ ، فَإِذَا فِيهَا [ ص: 394 ] جِبْرِيلُ فَنَادَانِي : إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ وَمَا رَدُّوا عَلَيْكَ ، وَقَدْ بَعَثَ إِلَيْكَ مَلَكَ الْجِبَالِ لِتَأْمُرَهُ بِمَا شِئْتَ فِيهِمْ . قَالَ : فَنَادَانِي مَلَكُ الْجِبَالِ وَسَلَّمَ عَلَيَّ ، ثُمَّ قَالَ : يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ ، وَأَنَا مَلَكُ الْجِبَالِ قَدْ بَعَثَنِي رَبُّكَ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِي بِأَمْرِكَ ، إِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمُ الْأَخْشَبَيْنِ ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بَلْ أَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّهُ قِيلَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661712nindex.php?page=treesubj&link=30961ادْعُ اللَّهَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ، فَقَالَ : إِنِّي لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا ، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=211خَبَّابِ بْنِ الْأَرَتِّ ، أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=653343لَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ [ ص: 395 ] عَلَيْنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَتَيْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقُلْنَا : أَلَا تَدْعُو اللَّهَ لَنَا ؟ أَلَا تَسْتَنْصِرُ اللَّهَ لَنَا ؟ فَقَالَ : لَقَدْ كَانَ مَنْ قَبْلَكُمْ يُؤْخَذُ الرَّجُلُ فَيُحْفَرُ لَهُ فِي الْأَرْضِ ، ثُمَّ يُجَاءُ بِالْمِنْشَارِ فَيُجْعَلُ فَوْقَ رَأْسِهِ حَتَّى يُجْعَلَ فِرْقَتَيْنِ ، مَا يَصْرِفُهُ ذَلِكَ عَنْ دِينِهِ ، وَيُمْشَطُ بِأَمْشَاطِ الْحَدِيدِ مَا دُونَ لَحْمِهِ مِنْ عَظْمٍ وَعَصَبٍ ، مَا يَصْرِفُهُ عَنْ دِينِهِ ، وَلَيُتِمَّنَّ اللَّهُ هَذَا الْأَمْرَ حَتَّى يَسِيرَ الرَّاكِبُ مِنْ صَنْعَاءَ إِلَى حَضْرَمَوْتَ لَا يَخْشَى إِلَّا اللَّهَ وَلَكِنَّكُمْ تَسْتَعْجِلُونَ .
وَذِكْرُ مَا لَقِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ قَوْمِهِ مِنَ الْأَذَى وَالِاسْتِهْزَاءِ وَالْإِغْرَاءِ وَهُوَ صَابِرٌ مُحْتَسِبٌ ، مُظْهِرٌ لِأَمْرِ اللَّهِ بِتَبْلِيغِ رِسَالَتِهِ ، لَا تَأْخُذُهُ فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ ، مُوَاجِهٌ لِقَوْمِهِ بِمَا يَكْرَهُونَ مِنْ عَيْبِ دِينِهِمْ وَآلِهَتِهِمْ ، وَتَضْلِيلِ آبَائِهِمْ ، وَتَسْفِيهِ أَحْلَامِهِمْ ، وَإِظْهَارِ عَدَاوَتِهِ ، وَقِتَالِهِ إِيَّاهُمْ مَا بَلَغَ مَبْلَغَ الْقَطْعِ .
[ ص: 396 ] قَالَ
عِكْرِمَةُ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=938537وَلَمَّا رَجَعَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى مَكَّةَ فَلَمَّا حَضَرَ الْمَوْسِمُ حَجَّ نَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَانْتَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى فَرِيقٍ مِنْهُمْ ، فَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، وَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ ، وَأَخْبَرَهُمْ بِالَّذِي آتَاهُ اللَّهُ فَأَيْقَنُوا وَاطْمَأَنَّتْ قُلُوبُهُمْ إِلَى دَعْوَتِهِ ، وَعَرَفُوا مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ ذِكْرِهِمْ إِيَّاهُ بِصِفَتِهِ ، وَمَا يَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ فَصَدَّقُوهُ وَآمَنُوا بِهِ ، وَكَانَ مِنْ أَسْبَابِ الْخَيْرِ الَّذِي سَاقَ اللَّهُ لِلْأَنْصَارِ إِلَى مَا كَانُوا يَسْمَعُونَ مِنَ الْأَخْبَارِ فِي صِفَتِهِ ، فَلَمَّا رَجَعُوا إِلَى قَوْمِهِمْ جَعَلُوا يَدْعُونَهُمْ سِرًّا ، وَيُخْبِرُونَهُمْ بِأَقْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالَّذِي بَعَثَهُ اللَّهُ بِهِ مِنَ النُّورِ وَالْهُدَى وَالْقُرْآنِ ، فَأَسْلَمُوا حَتَّى قَلَّ أَنْ يُوجَدَ دَارٌ مِنْ دُورِهِمْ إِلَّا أَسْلَمَ فِيهَا نَاسٌ لَا مَحَالَةَ .
وَقَدْ ذَكَرَ اللَّهُ ذَلِكَ فِي الْقُرْآنِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30588أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا يُخْبِرُونَ الْعَرَبَ بِهِ وَيَسْتَفْتِحُونَ بِهِ عَلَيْهِمْ ، فَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ مُقِرِّينَ بِنُبُوَّتِهِ مُخْبِرِينَ بِهَا مُبَشِّرِينَ بِهَا قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ ، فَقَالَ تَعَالَى فِيمَا يُخَاطِبُ بِهِ أَهْلَ الْكِتَابِ :
[ ص: 397 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=87وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=88وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=90بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ أَنْ يَكْفُرُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَنْ يُنَزِّلَ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ عَلَى مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُهِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ .
فَقَدْ أَخْبَرَ تَعَالَى أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الْعَرَبِ
بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ - أَيْ يَسْتَنْصِرُونَ بِهِ - وَكَانُوا هُمْ وَالْعَرَبُ يَقْتَتِلُونَ فَيَغْلِبُهُمُ الْعَرَبُ ، فَيَقُولُونَ : سَوْفَ يُبْعَثُ
[ ص: 398 ] النَّبِيُّ الْأُمِّيُّ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ فَنَتَّبِعُهُ وَنَقْتُلُكُمْ مَعَهُ شَرَّ قِتْلَةٍ ، وَكَانُوا يَنْعَتُونَهُ بِنُعُوتِهِ .
وَأَخْبَارُهُمْ بِذَلِكَ كَثِيرَةٌ مُتَوَاتِرَةٌ ، وَكَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=89فَلَمَّا جَاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ .
وَأَخْبَرَ بِمَا كَانَتْ عَلَيْهِ
الْيَهُودُ مِنْ أَنَّهُ كُلَّمَا جَاءَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُهُمْ كَذَّبُوا بَعْضَهُمْ وَقَتَلُوا بَعْضَهُمْ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُمْ بَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ ; فَإِنَّهُمْ مَا زَالُوا يَفْعَلُونَ مَا يُغْضِبُ اللَّهَ عَلَيْهِمْ ، فَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِالتَّثْنِيَةِ تَأْكِيدُ غَضَبِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ مَرَّتَانِ ، وَالْغَضَبُ الْأَوَّلُ : تَكْذِيبُهُمُ
الْمَسِيحَ وَالْإِنْجِيلَ ، وَالْغَصْبُ الثَّانِي :
لِمُحَمَّدٍ وَالْقُرْآنِ .