الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
      معلومات الكتاب

      معارج القبول بشرح سلم الوصول إلى علم الأصول

      الحكمي - حافظ بن أحمد الحكمي

      صفحة جزء
      ومنهم الموكل بحفظ عمل العبد من خير وشر ، وهم الكرام الكاتبون ، وهؤلاء يشملهم مع ما قبلهم قوله عز وجل : ( ويرسل عليكم حفظة ) ( الأنعام : 61 ) وقال تعالى فيهم : ( أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون ) ( الزخرف : 80 ) وقال تعالى : ( إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد ) ( ق : 17 - 18 ) فالذي عن اليمين يكتب الحسنات ، والذي عن الشمال يكتب السيئات . وقال تعالى : ( وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون ) ( الانفطار : 10 ) .

      عن علقمة عن بلال بن الحارث المزني رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الرجل ليتكلم بالكلمة من رضوان الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله عز وجل له بها رضوانه إلى يوم يلقاه ، وإن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله تعالى ما يظن أن تبلغ ما بلغت يكتب الله تعالى عليه بها سخطه إلى يوم يلقاه " . فكان علقمة يقول : كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث . ورواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجه . وقال الترمذي حسن صحيح .

      [ ص: 663 ] وروى البغوي عن أبي أمامة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يسار الرجل ، وكاتب الحسنات أمير على كاتب السيئات ، فإذا عمل حسنة كتبها صاحب اليمين عشرا ، وإن عمل سيئة قال صاحب اليمين لصاحب الشمال : دعه سبع ساعات لعله يسبح أو يستغفر " .

      وفي الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن الله تعالى تجاوز لي عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يتكلموا أو يعملوا به " وفي رواية : " ما لم تعمل أو تكلم به " . وفيه عنه رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قال الله عز وجل : إذا هم عبدي بسيئة فلا تكتبوها عليه فإن عملها فاكتبوها سيئة ، وإذا هم بحسنة فلم يعملها فاكتبوها حسنة ، فإن عملها فاكتبوها عشرا " . وفي رواية : " قال الله عز وجل : إذا هم عبدي بحسنة فلم يعملها كتبتها له حسنة ، فإن عملها كتبتها عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف . وإذا هم بسيئة ولم يعملها لم أكتبها عليه ، فإن عملها كتبتها سيئة واحدة " . وفي أخرى : " قال الله عز وجل : إذا تحدث عبدي بأن يعمل حسنة فأنا أكتبها له حسنة ما لم يعمل ، فإذا عملها فأنا أكتبها بعشر أمثالها ، وإذا تحدث بأن يعمل سيئة فأنا أغفرها له ما لم يعملها ، فإذا عملها فأنا أكتبها له بمثلها " . وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " قالت الملائكة رب ذاك [ ص: 664 ] عبدك يريد أن يعمل سيئة - وهو تعالى أبصر به - فقال : ارقبوه ، فإن عملها فاكتبوها له بمثلها ، وإن تركها فاكتبوها له حسنة ، إنما تركها من جراي " .

      وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا أحسن أحدكم إسلامه ، فكل حسنة يعملها تكتب بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ، وكل سيئة يعملها تكتب بمثلها حتى يلقى الله عز وجل " . وفيه عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل قال : " إن الله تبارك وتعالى كتب الحسنات والسيئات ثم بين ذلك ، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله عز وجل عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة . وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة ، وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة - زاد في رواية - أو محاها الله . ولا يهلك على الله إلا هالك " .

      وقال الحسن البصري رحمه الله تعالى وتلا هذه الآية : ( عن اليمين وعن الشمال قعيد ) ( ق : 17 ) يا ابن آدم ، بسطت لك صحيفة ووكل بك ملكان كريمان أحدهما عن يمينك والآخر عن شمالك ، فأما الذي عن يمينك فيحفظ حسناتك وأما الذي عن يسارك فيحفظ سيئاتك ، فاعمل ما شئت أقلل أو أكثر ، حتى إذا مت طويت صحيفتك ، وجعلت في عنقك معك في قبرك حتى تخرج يوم القيامة ، فعند ذلك يقول الله تعالى : ( وكل إنسان ألزمناه طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا ) ( الإسراء : 14 ) ثم يقول : عدل والله فيك من جعلك حسيب نفسك . اهـ .

      ويناسب ذكر المعقبات والحفظة ما روى البخاري رحمه الله تعالى في " باب [ ص: 665 ] قول الله عز وجل : ( تعرج الملائكة والروح إليه ) " قال : حدثنا إسماعيل حدثني مالك عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة العصر وصلاة الفجر ، ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم فيقول : كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون : تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون " . ورواه مسلم أيضا . وفيهما عن أبي موسى رضي الله عنه قال : قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بأربع كلمات فقال : " إن الله لا ينام ، ولا ينبغي له أن ينام ، يخفض القسط ويرفعه ، يرفع إليه عمل الليل قبل عمل النهار وعمل النهار قبل عمل الليل " . الحديث تقدم في العلو . والأحاديث في ذكر الحفظة كثيرة .

      التالي السابق


      الخدمات العلمية