( فصل ) : التقدير ( الثالث ) العمري عند تخليق النطفة في الرحم ، فيكتب إذ ذاك ذكوريتها وأنوثتها والأجل والعمل والشقاوة والسعادة والرزق وجميع ما هو لاق ، فلا يزاد فيه ولا ينقص منه . قال الله - تبارك وتعالى : ( يا أيها الناس إن كنتم في ريب من البعث فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مخلقة وغير مخلقة لنبين لكم ونقر في الأرحام ما نشاء إلى أجل مسمى ثم لتبلغوا أشدكم ومنكم من يتوفى ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكيلا يعلم من بعد علم شيئا ) ، ( الحج 5 ) الآيات ، وقال تعالى : ( والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجا وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا في كتاب إن ذلك على الله يسير ) ، ( فاطر 11 ) ، وقال تعالى : ( هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون ) ، ( غافر 67 ) ، وقال - تبارك وتعالى : ( إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم ) [ ص: 935 ] ( النجم 32 ) وغيرها من الآيات .
وروى البخاري ومسلم بإسناديهما إلى قال : سمعت سليمان الأعمش ، عن زيد بن وهب - رضي الله عنه - قال : حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الصادق المصدوق قال عبد الله - يعني : ابن مسعود وهذا لفظ إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات تكتب : رزقه ، وأجله ، وعمله ، وشقي أو سعيد . فوالذي لا إله غيره ، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها . وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع ، فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها مسلم .
ولهما من حديث ، عن حماد بن زيد عبيد الله بن أبي بكر بن أنس بن مالك - رضي الله عنه ، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : . وكل الله تعالى بالرحم ملكا ، فيقول : أي رب نطفة ، أي رب علقة ، أي رب مضغة ، فإذا أراد الله أن يقضي خلقها ، قال : أي رب ذكر أم أنثى ؟ أشقي أم سعيد ؟ فما الرزق ؟ فما الأجل ؟ فيكتب كذلك في بطن أمه
وقال مسلم - رحمه الله تعالى : حدثني ، أخبرنا أبو الطاهر أحمد بن عمرو بن سرح ابن وهب ، أخبرني ، عن عمرو بن الحارث أن أبي الزبير المكي حدثه أنه عامر بن واثلة - رضي الله عنه - يقول : الشقي من شقي في بطن أمه ، والسعيد من وعظ بغيره ، فأتى رجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقال [ ص: 936 ] له عبد الله بن مسعود حذيفة بن أسيد الغفاري ، فحدثه بذلك من قول فقال : وكيف يشقى رجل بغير عمل ؟ فقال له الرجل : أتعجب من ذلك ؟ فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : إذا مر بالنطفة اثنتان وأربعون ليلة بعث الله تعالى إليها ملكا ، فصورها وخلق سمعها وبصرها وجلدها ولحمها وعظامها ، ثم قال : يا رب ، ذكر أم أنثى ؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب أجله ؟ فيقول ربك ما شاء ويكتب الملك ، ثم يقول : يا رب ما رزقه ؟ فيقضي ربك ما شاء ويكتب الملك ، ثم يخرج الملك بالصحيفة في يده ، فلا يزيد على أمر ولا ينقص ابن مسعود . وفي رواية له من طريق أخرى " سمع . فيقول : يا رب أذكر أو أنثى ؟ فيجعله الله ذكرا أو أنثى ، ثم يقول : يا رب ، أسوي أو غير سوي ؟ فيجعله الله تعالى سويا أو غير سوي ، ثم يقول : يا رب ، ما رزقه ما أجله ما خلقه ؟ ثم يجعله الله تعالى شقيا أو سعيدا
وفي رواية لأحمد : فيقول : . يا رب ، ماذا أشقي أم سعيد ؟ فيقول الله - تبارك وتعالى - فيكتبان ، فيقول : ماذا أذكر أم أنثى ؟ فيقول الله - عز وجل - فيكتبان ، فيكتب عمله وأثره ومصيبته ورزقه ، ثم تطوى الصحيفة ، فلا يزاد على ما فيها ولا ينقص
وله عن جابر - رضي الله عنه - قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم : . تفرد به وإسناده حسن . إذا استقرت النطفة في الرحم أربعين يوما أو أربعين ليلة ، بعث الله إليه ملكا ، فيقول : يا رب ما رزقه ؟ فيقال له . فيقول : يا رب ما أجله ؟ فيقال له . فيقول : يا رب ذكر أم أنثى ؟ فيعلمه . فيقول : يا رب شقي أو سعيد ؟ فيعلمه
وله عن - رضي الله عنه - قال : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : أبي الدرداء . والأحاديث في ذلك كثير . فرغ الله إلى كل عبد من خمس : من أجله ، ورزقه ، وأثره ، وشقي أم سعيد