الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى

ابن القيم - أبو عبد الله محمد بن أبي بكر ابن قيم الجوزية

صفحة جزء
قول حبقوق في كتابه : إن الله جاء من اليمن ، والقدوس من جبال فاران ، لقد أضاءت السماء من بهاء محمد ، وامتلأت الأرض من حمده ، شعاع منظره مثل النور ، يحوط بلاده بعزة ، تسير المنايا أمامه ، وتصحب سباع الطير أجناده ، قام فمسح الأرض فتضعضعت له الجبال القديمة ، وانخفضت الروابي فتزعزعت أسوار مدين ، ولقد [ ص: 373 ] حاز المساعي القديمة ، ثم قال : زجرك في الأنهار ، واحتذام صوتك في البحار ، ركبت الخيول ، وعلوت مراكب الأتقياء ، وستنزع في قسيك أعراقا ، وترتوي الهام بأمرك يا محمد ارتواء ، ولقد رأتك الجبال فارتاعت ، وانحرف عنك شؤبوب السيل ، وتضيمت المهاري تضورا ، ورفعت أيديها وجلا وخوفا ، وسارت العساكر في بريق سهامك ، ولمعان نيازكك ، وتدوخ الأرض وتدوس الأمم أنك ظهرت بخلاص أمتك ، وإنقاذ تراب آبائك .

فمن رام صرف هذه البشارة عن محمد فقد رام ستر الشمس بالنهار ، وتغطية البحار ، وأنى يقدر على ذلك ، وقد وصفه بصفات عينت شخصه ، وأزالت عن الحيران لبسه ؟ ! بل قد صرح باسمه مرتين ، حتى انكشف الصبح لمن كان ذا عينين ، وأخبر بقوة أمته ، وتسيير المنايا أمامهم ، واتباع جوارح الطير آثارهم ، وهذه النبوة لا تليق إلا بمحمد صلى الله عليه وسلم ولا تصلح إلا له ، ولا تنزل إلا عليه ، فمن حاول صرف الأنهار العظيمة عن مجاريها ، وحبسها عن غايتها ومنتهاها ، فهيهات ما يروم المبطلون والجاحدون ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون .

فمن الذي امتلأت الأرض من حمده وحمد أمته في صلواتهم وخطبهم ، وإدبار صلواتهم ، وعلى السراء والضراء ، وجميع الأحوال سواهم ! حتى سماهم الله تعالى قبل ظهورهم الحمادين ! ومن ذا الذي كان وجهه كأن الشمس والقمر يجريان فيه من ضيائه ونوره ؟ .

[ ص: 374 ] قد عود الطير عادات وثقن به فهن يتبعنه في كل مرتحل لو لم يقل إني رسول أما أتى شاهده في وجهه ينطق ومن الذي سارت المنايا أمامه ، وصحبت سباع الطير جنوده لعلمهما بقرب من ذبح الكفار لله الواحد القهار .

يتطايرون بقربه قربانهم بدماء من علقوا من الكفار ومن الذي تضعضعت له الجبال وانخفضت له الروابي ، وداس الأمم وروع العالم ، وانتقضت لنبوته الممالك ، وخلص الأمة من الشرك والكفر والجهل والظلم سواء ؟ .

التالي السابق


الخدمات العلمية