فيما ورد من صحيح الأخبار ، ومشهورها بعظيم قدره عند ربه ، ومنزلته ، وما خصه به في الدارين من كرامته - صلى الله عليه وسلم -
وفيه خمسة عشر فصلا
مقدمة الباب الثالث
لا خلاف أنه أكرم البشر ، وسيد ولد آدم ، وأفضل الناس منزلة عند الله ، وأعلاهم درجة ، وأقربهم زلفى .
واعلم أن الأحاديث الواردة في ذلك كثيرة جدا ، وقد اقتصرنا منها على صحيحها ، ومنتشرها ، وحصرنا معاني ما ورد منها في اثني عشر فصلا .
الفصل الأول : - مكانته - صلى الله عليه وسلم
فيما ورد من ذكر مكانته عند ربه ، والاصطفاء ، ورفعة الذكر ، والتفضيل ، وسيادة ولد آدم ، وما خصه به في الدنيا من مزايا الرتب ، وبركة اسمه الطيب
أخبرنا الشيخ أبو محمد عبد الله بن أحمد العدل إذنا بلفظه .
[ حدثنا أبو الحسن الفرغاني ، حدثتنا أم القاسم بنت أبي بكر بن يعقوب ، عن أبيها ، حدثنا حاتم وهو ابن عقيل ، عن ، عن يحيى وهو ابن إسماعيل ، حدثنا يحيى الحماني قيس ، عن ، عن الأعمش عباية بن ربعي ] ، عن رضي الله عنهما ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ابن عباس أصحاب اليمين و أصحاب الشمال فأنا من أصحاب اليمين ، وأنا خير أصحاب اليمين .
ثم جعل القسمين أثلاثا ، فجعلني في خيرها ثلثا ، وذلك قوله - تعالى - : فأصحاب الميمنة . و أصحاب المشأمة و السابقون السابقون فأنا من السابقين ، وأنا خير السابقين ، ثم جعل الأثلاث قبائل ، فجعلني من خيرها قبيلة ، وذلك قوله : وجعلناكم شعوبا وقبائل [ الحجرات : 13 ] الآية .
فأنا أتقى ولد آدم ، وأكرمهم على الله ، ولا فخر . ثم جعل القبائل بيوتا ، فجعلني من خيرها بيتا ، فذلك قوله - تعالى - : إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا [ الأحزاب : 33 ] الآية . وعن إن الله قسم الخلق قسمين ، فجعلني من خيرهم قسما ، فذلك قوله : أبي سلمة ، [ ص: 216 ] عن ، قال : قالوا : أبي هريرة وآدم بين الروح ، والجسد . يا رسول الله ، متى وجبت لك النبوة ؟ قال :
وعن ، قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : واثلة بن الأسقع إبراهيم إسماعيل . واصطفى من ولد إسماعيل بني كنانة ، واصطفى من بني كنانة قريشا ، واصطفى من قريش بني هاشم ، واصطفاني من بني هاشم . إن الله اصطفى من ولد
ومن حديث أنس رضي الله عنه : آدم على ربي ، ولا فخر . أنا أكرم ولد
وفي حديث : ابن عباس أنا أكرم الأولين ، والآخرين ، ولا فخر .
وعن عائشة ، - رضي الله عنها - عنه - صلى الله عليه وسلم - : أتاني جبريل ، فقال : قلبت مشارق الأرض ، ومغاربها فلم أر رجلا أفضل من محمد ، ولم أر بني أب أفضل من بني هاشم .
وعن أنس : - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جبريل : بمحمد تفعل هذا ؟ فما ركبك أحد أكرم على الله منه ، فارفض عرقا أتي بالبراق ليلة أسري به ، فاستصعب عليه ، فقال له
وعن - رضي الله عنهما - ، عنه - صلى الله عليه وسلم - : ابن عباس لما خلق الله آدم أهبطني في صلبه إلى الأرض ، وجعلني في صلب نوح في السفينة ، وقذف بي في النار في صلب إبراهيم ، ثم لم يزل ينقلني في الأصلاب الكريمة إلى الأرحام الطاهرة حتى أخرجني بين أبوي لم يلتقيا على سفاح قط .
وإلى هذا أشار - رضي الله عنه - بقوله : [ ص: 217 ] العباس بن عبد المطلب
من قبلها طبت في الظلال ، وفي مستودع حيث يخصف الورق ثم هبطت البلاد لا بشر
أنت ، ولا مضغة ، ولا علق بل نطفة تركب السفين ، وقد
ألجم نسرا ، وأهله الغرق تنقل من صالب إلى رحم
إذا مضى عالم بدا طبق ثم احتوى بيتك المهيمن من
خندف علياء تحتها النطق ، وأنت لما ولدت أشرقت الأر
ض ، وضاءت بنورك الأفق فنحن في ذلك الضياء ، وفي النـ
، ور ، وسبل الرشاد نخترق يا برد نار الخليل يا سببا
لعصمة النار وهي تحترق
وروى عنه - صلى الله عليه وسلم - أبو ذر ، ، وابن عمر ، وابن عباس ، وأبو هريرة أنه قال : وجابر بن عبد الله أعطيت خمسا ، وفي بعضها ستا لم يعطهن نبي قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر ، وجعلت لي الأرض مسجدا ، وطهورا ، فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل ، وأحلت لي الغنائم ، ولم تحل لنبي قبلي ، وبعثت إلى الناس كافة ، وأعطيت الشفاعة .
وفي رواية بدل هذه الكلمة : وقيل لي : سل تعطه .
وفي رواية أخرى : وعرض علي أمتي فلم يخف علي التابع من المتبوع .
وفي رواية : قيل : [ ص: 218 ] السود : العرب ، لأن الغالب على ألوانهم الأدمة ، فهم من السود . والحمر : العجم ، وقيل : البيض ، والسود من الأمم ، وقيل : الحمر : الإنس . والسود : الجن . بعثت إلى الأحمر والأسود .
وفي الحديث الآخر عن : أبي هريرة نصرت بالرعب ، وأوتيت جوامع الكلم ، وبينا أنا نائم جيء بمفاتيح خزائن الأرض فوضعت في يدي .
وفي رواية عنه : وختم بي النبيون .
وعن أنه قال : قال - صلى الله عليه وسلم - : عقبة بن عامر إني فرط لكم ، وأنا شهيد عليكم . وإني والله لأنظر إلى حوضي الآن وإني قد أعطيت مفاتيح خزائن الأرض . وإني والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكني أخاف عليكم أن تنافسوا فيها .
وعن أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : عبد الله بن عمرو محمد النبي الأمي ، لا نبي بعدي ، أوتيت جوامع الكلم ، وخواتمه ، وعلمت خزنة النار ، وحملة العرش . أنا
وعن : ابن عمر بعثت بين يدي الساعة .
ومن رواية ابن وهب أنه - صلى الله عليه وسلم - قال : قال الله - تعالى - : سل يا محمد . فقلت : ما أسأل يا رب ؟ اتخذت إبراهيم خليلا ، وكلمت موسى تكليما ، واصطفيت نوحا ، وأعطيت سليمان ملكا لا ينبغي لأحد من بعده ، فقال الله - تعالى - : ما أعطيتك خير من ذلك ، أعطيتك الكوثر ، وجعلت اسمك مع اسمي ، ينادى به في جوف السماء ، وجعلت الأرض طهورا لك ، ولأمتك ، وغفرت لك ما [ ص: 219 ] تقدم من ذنبك ، وما تأخر ، فأنت تمشي في الناس مغفورا لك ، ولم أصنع ذلك لأحد قبلك ، وجعلت قلوب أمتك مصاحفها ، وخبأت لك شفاعتك ، ولم أخبئها لنبي غيرك .
وفي حديث آخر : رواه حذيفة : بشرني - يعني ربه عز وجل - أول من يدخل الجنة ، معي من أمتي سبعون ألفا ، مع كل ألف سبعون ألفا ليس عليهم حساب ، وأعطاني ألا تجوع أمتي ، ولا تغلب ، وأعطاني النصر ، والعزة ، والرعب يسعى بين يدي أمتي شهرا ، وطيب لي ولأمتي المغانم ، وأحل لنا كثيرا مما شدد على من قبلنا ، ولم يجعل علينا في الدين من حرج .
وعن ، عنه - صلى الله عليه وسلم - : أبي هريرة ما من نبي من الأنبياء إلا وقد أعطي من الآيات ما مثله آمن عليه البشر ، وإنما كان الذي أوتيت وحيا أوحى الله إلي ، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعا يوم القيامة .
معنى هذا عند المحققين بقاء معجزته ما بقيت الدنيا ، وسائر معجزات الأنبياء ذهبت للحين ، ولم يشاهدها إلا الحاضر لها ، ومعجزة القرآن يقف عليها قرن بعد قرن عيانا لا خبرا إلى القيامة . وفيه كلام يطول هذا نخبته . وقد بسطنا القول فيه ، وفيما ذكر فيه سوى هذا آخر باب المعجزات .
وعن علي - رضي الله عنه - : كل نبي أعطي سبعة نجباء وزراء رفقاء من أمته ، وأعطي نبيكم - صلى الله عليه وسلم - أربعة عشر نجيبا ، منهم أبو بكر ، وعمر ، ، وابن مسعود وعمار .
وقال - صلى الله عليه وسلم - : مكة الفيل ، وسلط عليها رسوله ، والمؤمنين ، وإنها لا تحل لأحد بعدي ، وإنما أحلت لي ساعة من نهار . إن [ ص: 220 ] الله قد حبس عن
وعن : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول : العرباض بن سارية آدم لمنجدل في طينته ، وعدة أبي إبراهيم ، وبشارة عيسى ابن مريم . إني عبد الله ، وخاتم النبيين ، وإن
وعن ، قال : إن الله فضل ابن عباس محمدا - صلى الله عليه وسلم - على أهل السماء ، وعلى الأنبياء - صلوات الله عليهم - ، قالوا : فما فضله على أهل السماء ؟ قال : إن الله - تعالى - قال لأهل السماء : ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم كذلك نجزي الظالمين [ الأنبياء : 29 ] الآية .
وقال لمحمد - صلى الله عليه وسلم - : إنا فتحنا لك فتحا مبينا [ الفتح : 1 ] الآية .
قالوا : فما قال : إن الله - تعالى - قال فضله على الأنبياء ؟ وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه [ إبراهيم : 4 ] الآية .
وقال لمحمد : وما أرسلناك إلا كافة للناس [ سبأ : 28 ] .
وعن أن نفرا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قالوا : يا رسول الله ، خالد بن معدان . أخبرنا عن نفسك
وقد روي نحوه عن أبي ذر ، ، وشداد بن أوس رضي الله عنهم ، فقال : وأنس بن مالك نعم ، أنا دعوة أبي إبراهيم يعني قوله : ربنا وابعث فيهم رسولا منهم [ البقرة : 129 ] . وبشر بي عيسى . ورأت أمي حين حملت بي أنه خرج منها نور أضاء له قصور بصرى من أرض الشام ، واسترضعت في بني سعد بن بكر ، فبينا أنا مع أخ لي خلف بيوتنا نرعى بهما لنا إذ جاءني رجلان عليهما ثياب بيض . وفي حديث آخر : قال في غير هذا الحديث : ثلاثة رجال بطست من ذهب مملوءة ثلجا ، وأخذاني فشقا [ ص: 221 ] بطني . من نحري إلى مزاق بطني ، ثم استخرجا منه قلبي ، فشقاه ، فاستخرجا منه علقة سوداء فطرحاها ، ثم غسلا قلبي ، وبطني بذلك الثلج حتى أنقياه .
قال في حديث آخر : ثم تناول أحدهما شيئا فإذا بخاتم في يده من نور يحار الناظر دونه ، فختم به قلبي ، فامتلأ إيمانا ، وحكمة ، ثم أعاده مكانه وأمر الآخر يده على مفرق صدري فالتأم .
وفي رواية : جبريل قال : قلب وكيع ، أي سديد ، فيه عينان تبصران وأذنان سميعتان ثم قال أحدهما لصاحبه : زنه بعشرة من أمته ، فوزنني فرجحتهم ، ثم قال : زنه بمائة من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : زنه بألف من أمته ، فوزنني بهم فوزنتهم ، ثم قال : دعه عنك ، فلو وزنته بأمته لوزنها . إن
قال في الحديث الآخر : ثم ضموني إلى صدورهم ، وقبلوا رأسي ، وما بين عيني ، ثم قالوا : يا حبيب ، كم ترع ، إنك لو تدري ما يراد بك من الخير لقرت عيناك .
وفي بقية هذا الحديث من قولهم : ما أكرمك على الله ! إن الله معك ، وملائكته .
قال في حديث أبي ذر : فما هو إلا أن وليا عني ، فكأنما أرى الأمر معاينة .
وحكى أبو محمد المكي ، ، وغيرهما أن أبو الليث السمرقندي آدم عند معصيته قال : [ اللهم بحق محمد اغفر لي خطيئتي ] .
ويروى : تقبل توبتي . فقال له الله : [ من أين عرفت محمدا ؟ فقال : رأيت في كل موضع من الجنة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ] .
ويروى : محمد عبدي ، ورسولي ، فعلمت أنه أكرم خلقك عليك ، فتاب الله عليه ، وغفر له .
وهذا عند قائله تأويل قوله - تعالى - : فتلقى آدم من ربه كلمات فتاب عليه [ البقرة : 37 ] .
وفي رواية أخرى فقال آدم : لما خلقتني رفعت رأسي إلى عرشك فإذا فيه مكتوب : لا إله إلا الله محمد رسول الله ، فعلمت أنه ليس أحد أعظم قدرا عندك ممن جعلت اسمه مع اسمك ، فأوحى الله إليه : وعزتي ، وجلالي ، إنه لآخر النبيين من ذريتك ، ولولاه ما خلقتك .
قال : وكان آدم يكنى بأبي محمد ، وقيل بأبي البشر .
وروي عن أنه قال : إن لله ملائكة سياحين عبادتها كل دار فيها أحمد ، أو محمد ، إكراما منهم سريج بن يونس لمحمد - صلى الله عليه وسلم - .
وروى [ ص: 222 ] القاضي ، عن ابن قانع أبي الحمراء قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ، أيدته بعلي .
وفي التفسير ، عن في قوله - تعالى - : ابن عباس وكان تحته كنز لهما [ الكهف : 82 ] . قال : لوح من ذهب فيه مكتوب : عجبا لمن أيقن بالقدر كيف ينصب ! عجبا لمن أيقن بالنار كيف يضحك ! عجبا لمن رأى الدنيا ، وتقبلها بأهلها كيف يطمئن إليها ! أنا الله ، لا إله إلا أنا ، محمد عبدي ، ورسولي .
وعن رضي الله عنهما : على باب الجنة مكتوب : إني أنا الله ، لا إله إلا أنا ، ابن عباس محمد رسول الله ، لا أعذب من قالها .
وذكر أنه وجد على الحجارة القديمة مكتوب : محمد تقي مصلح ، وسيد أمين .
وذكر السمنطاري أنه شاهد في بعض بلاد خراسان مولودا ولد على أحد جنبيه مكتوب : لا إله إلا الله ، وعلى الآخر : محمد رسول الله .
وذكر الأخباريون أن ببلاد الهند ، وردا أحمر مكتوبا عليه بالأبيض : لا إله إلا الله ، محمد رسول الله .
وروي عن ، عن أبيه : إذا كان يوم القيامة نادى مناد : ألا ليقم من اسمه جعفر بن محمد محمد ، فليدخل الجنة لكرامة اسمه - صلى الله عليه وسلم - .
وروى ابن القاسم في سماعه ، وابن وهب في جامعه ، عن مالك : سمعت أهل مكة يقولون : ما من بيت [ ص: 223 ] فيه اسم محمد إلا نما ورزقوا ورزق جيرانهم .
وعنه - صلى الله عليه وسلم - : ما ضر أحدكم أن يكون في بيته محمد ، ومحمدان وثلاثة .
وعن رضي الله عنه : إن الله نظر إلى قلوب العباد ، واختار منها قلب عبد الله بن مسعود محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فاصطفاه لنفسه ، فبعثه برسالته .
وحكى النقاش أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت : وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا [ الأحزاب : 53 ] قام خطيبا ، فقال يا معشر أهل الإيمان إن الله - تعالى - فضلني عليكم تفضيلا ، وفضل نسائي على نسائكم تفضيلا . . . الحديث .