( فصل ) :
وأما بيان ما يرفع الحجر ( أما ) الصبي فالذي يرفع الحجر عنه شيئان : أحدهما : إذن الولي إياه بالتجارة ، والثاني : بلوغه إلا أن
nindex.php?page=treesubj&link=14948_24255الإذن بالتجارة يزيل الحجر عن التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع .
( وأما ) التصرفات الضارة المحضة فلا يزول الحجر عنها إلا بالبلوغ وهذا عندنا ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله
nindex.php?page=treesubj&link=14946_14940_14944_14943_14942_14938_14937_14936_14933_24771_14948لا يزول الحجر عن الصبي إلا بالبلوغ وقد مرت المسألة ثم عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه يزول الحجر عن التصرفات بالبلوغ سواء بلغ رشيدا أو سفيها ، وكذا عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف إلا أن يحجر عليه القاضي بعد البلوغ فينحجر بحجره ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رحمه الله لا ينحجر الصبي عن التصرف بحجر القاضي لكن يمنع ماله إلى خمس وعشرين سنة ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد .
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي لا يزول إلا ببلوغه رشيدا ، ثم البلوغ في الغلام يعرف بالاحتلام والإحبال والإنزال ، وفي الجارية يعرف بالحيض والاحتلام والحبل ، فإن لم يوجد شيء من ذلك فيعتبر بالسن .
( أما ) معرفة البلوغ بالاحتلام فلما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19572رفع القلم عن ثلاثة منها الصبي حتى يحتلم } جعل عليه الصلاة والسلام الاحتلام غاية لارتفاع الخطاب ، والخطاب بالبلوغ دل أن البلوغ يثبت بالاحتلام ; ولأن البلوغ والإدراك عبارة عن بلوغ المرء كمال الحال وذلك بكمال القدرة والقوة ، والقدرة
[ ص: 172 ] من حيث سلامة الأسباب والآلات هي إمكان استعمال سائر الجوارح السليمة ، وذلك لا يتحقق على الكمال إلا عند الاحتلام ، فإن قيل الإدراك إمكان استعمال سائر الجوارح إن كان ثابتا ، فأما إمكان استعمال الآلة المخصوصة وهو قضاء الشهوة على سبيل الكمال فليس بثابت ; لأن كمالها بالإنزال والاحتلام سبب لنزول الماء على الأغلب فجعل علما على البلوغ ; ولأن الله تعالى أمر بابتغاء الولد وأخبر أنه مكتوب له بقوله تبارك وتعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وابتغوا ما كتب الله لكم } والتكليف بابتغاء الولد إنما يتوجه في وقت لو ابتغى الولد لوجد ، ولا يكون ذلك إلا في خروج الماء للشهوة وذلك في حق الصبي بالاحتلام في المتعارف ، ولأن عند الاحتلام يخرج عن حيز الأولاد ويدخل في حيز الآباء حتى يسمى أبا فلان لا ولد فلان في المتعارف ; لأن عنده يصير من أهل العلوق فكان الاحتلام علما على البلوغ ، وإذا ثبت أن البلوغ يثبت بالاحتلام يثبت بالإنزال ; لأن ما ذكرنا من المعاني يتعلق بالنزول لا بنفس الاحتلام إلا أن الاحتلام سبب لنزول الماء عادة فعلق الحكم به ، وكذا الإحبال ; لأنه لا يتحقق بدون الإنزال عادة فإن لم يوجد شيء مما ذكرنا فيعتبر البلوغ بالسن ، وقد اختلف العلماء في أدنى السن التي يتعلق بها البلوغ قال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة رضي الله عنه : ثماني عشرة سنة في الغلام وسبع عشرة في الجارية ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهم الله خمس عشرة سنة في الجارية والغلام جميعا وجه قولهم : أن المؤثر في الحقيقة هو العقل ، وهو الأصل في الباب إذ به قوام الأحكام ، وإنما الاحتلام جعل حدا في الشرع لكونه دليلا على كمال العقل ، والاحتلام لا يتأخر عن خمس عشرة سنة عادة فإذا لم يحتلم إلى هذه المدة علم أن ذلك لآفة في خلقته ، والآفة في الخلقة لا توجب آفة في العقل فكان العقل قائما بلا آفة فوجب اعتباره في لزوم الأحكام ، وقد روي عن سيدنا
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21565عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم غلام وهو ابن أربع عشرة سنة فرده وعرض وهو ابن خمس عشرة فأجازه } فقد جعل عليه الصلاة والسلام خمس عشرة حدا للبلوغ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة رضي الله عنه أن الشرع لما علق الحكم والخطاب بالاحتلام بالدلائل التي ذكرناها فيجب بناء الحكم عليه ، ولا يرتفع الحكم عنه ما لم يتيقن بعدمه ، ويقع اليأس عن وجوده ، وإنما يقع اليأس بهذه المدة ; لأن الاحتلام إلى هذه المدة متصور في الجملة ، فلا يجوز إزالة الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع الاحتمال ، على هذا أصول الشرع ، فإن حكم الحيض لما كان لازما في حق الكبيرة لا يزول بامتداد الطهر ما لم يوجد اليأس ، ويجب الانتظار لمدة اليأس لاحتمال عود الحيض ، وكذا التفريق في حق العنين لا يثبت ما دام طمع الوصول ثابتا ، بل يؤجل سنة لاحتمال الوصول في فصول السنة ، فإذا مضت السنة ووقع اليأس الآن يحكم بالتفريق ، وكذا أمر الله سبحانه وتعالى بإظهار الحجج في حق الكفار والدعاء إلى الإسلام إلى أن يقع اليأس عن قبولهم ، فما لم يقع اليأس لا يباح لنا القتال ، فكذلك ههنا مادام الاحتلام يرجى يجب الانتظار ولا يأس بعد مدة خمس عشرة إلى هذه المدة ، بل هو مرجو فلا يقطع الحكم الثابت بالاحتلام عنه مع رجاء وجوده بخلاف ما بعد هذه المدة ، فإنه لا يحتمل وجوده بعدها فلا يجوز اعتباره في زمان اليأس عن وجوده .
( وأما ) الحديث فلا حجة فيه ; لأنه يحتمل أنه أجاز ذلك لما علم عليه الصلاة والسلام أنه احتلم في ذلك الوقت ، ويحتمل أيضا أنه أجاز ذلك لما رآه صالحا للحرب محتملا له على سبيل الاعتياد للجهاد ، كما أمرنا باعتبار سائر القرب في أول أوقات الإمكان والاحتمال لها ، فلا يكون حجة مع الاحتمال ، وإذا أشكل أمر الغلام المراهق في البلوغ فقال : قد بلغت يقبل قوله ويحكم ببلوغه ، وكذلك الجارية المراهقة ; لأن الأصل في البلوغ هو الاحتلام على ما بينا ، وأنه لا يعرف إلا من جهته فألزمت الضرورة قبول قوله ، كما في الإخبار عن الطهر والحيض والله سبحانه وتعالى أعلم .
( وأما )
nindex.php?page=treesubj&link=14902_27493المجنون فلا يزول الحجر عنه إلا بالإفاقة فإذا أفاق رشيدا أو سفيها فحكمه في ذلك حكم الصبي ، وقد ذكرناه .
( وأما )
nindex.php?page=treesubj&link=14905_14906الرقيق فالحجر يزول عنه بالإعتاق مرة وبالإذن بالتجارة أخرى إلا أن الإعتاق يزيل الحجر عنه على الإطلاق ، والإذن بالتجارة لا يزيل إلا في التصرفات الدائرة بين الضرر والنفع .
( وأما )
nindex.php?page=treesubj&link=14928_14921السفيه فلا حجر عليه عن التصرف أصلا عند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه فلا يتصور الزوال .
( وأما ) على مذهبهم فزواله عند
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف بضده وهو الإطلاق من القاضي فكما لا ينحجر إلا بحجره
[ ص: 173 ] لا ينطلق إلا بإطلاقه ، وعند
nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي رحمهما الله زوال الحجر على السفيه بظهور رشده ; لأن الحجارة كان بسفهه ، فانطلاقه يكون بضده وهو رشده والله سبحانه وتعالى أعلم .
( فَصْلٌ ) :
وَأَمَّا بَيَانُ مَا يَرْفَعُ الْحَجْرَ ( أَمَّا ) الصَّبِيُّ فَاَلَّذِي يَرْفَعُ الْحَجْرَ عَنْهُ شَيْئَانِ : أَحَدُهُمَا : إذْنُ الْوَلِيِّ إيَّاهُ بِالتِّجَارَةِ ، وَالثَّانِي : بُلُوغُهُ إلَّا أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=14948_24255الْإِذْنَ بِالتِّجَارَةِ يُزِيلُ الْحَجْرَ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ .
( وَأَمَّا ) التَّصَرُّفَاتُ الضَّارَّةُ الْمَحْضَةُ فَلَا يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهَا إلَّا بِالْبُلُوغِ وَهَذَا عِنْدَنَا ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ رَحِمَهُ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=14946_14940_14944_14943_14942_14938_14937_14936_14933_24771_14948لَا يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْ الصَّبِيِّ إلَّا بِالْبُلُوغِ وَقَدْ مَرَّتْ الْمَسْأَلَةُ ثَمَّ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْ التَّصَرُّفَاتِ بِالْبُلُوغِ سَوَاءٌ بَلَغَ رَشِيدًا أَوْ سَفِيهًا ، وَكَذَا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ إلَّا أَنْ يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْقَاضِي بَعْدَ الْبُلُوغِ فَيَنْحَجِرُ بِحَجْرِهِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ لَا يَنْحَجِرُ الصَّبِيُّ عَنْ التَّصَرُّفِ بِحَجْرِ الْقَاضِي لَكِنْ يَمْنَعُ مَالَهُ إلَى خَمْسٍ وَعِشْرِينَ سَنَةً ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ .
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ لَا يَزُولُ إلَّا بِبُلُوغِهِ رَشِيدًا ، ثُمَّ الْبُلُوغُ فِي الْغُلَامِ يُعْرَفُ بِالِاحْتِلَامِ وَالْإِحْبَالِ وَالْإِنْزَالِ ، وَفِي الْجَارِيَةِ يُعْرَفُ بِالْحَيْضِ وَالِاحْتِلَامِ وَالْحَبَلِ ، فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ فَيُعْتَبَرُ بِالسِّنِّ .
( أَمَّا ) مَعْرِفَةُ الْبُلُوغِ بِالِاحْتِلَامِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=19572رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ مِنْهَا الصَّبِيُّ حَتَّى يَحْتَلِمَ } جَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ الِاحْتِلَامَ غَايَةً لِارْتِفَاعِ الْخِطَابِ ، وَالْخِطَابُ بِالْبُلُوغِ دَلَّ أَنَّ الْبُلُوغَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِلَامِ ; وَلِأَنَّ الْبُلُوغَ وَالْإِدْرَاكَ عِبَارَةٌ عَنْ بُلُوغِ الْمَرْءِ كَمَالَ الْحَالِ وَذَلِكَ بِكَمَالِ الْقُدْرَةِ وَالْقُوَّةِ ، وَالْقُدْرَةُ
[ ص: 172 ] مِنْ حَيْثُ سَلَامَةِ الْأَسْبَابِ وَالْآلَاتِ هِيَ إمْكَانُ اسْتِعْمَالِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ السَّلِيمَةِ ، وَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ عَلَى الْكَمَالِ إلَّا عِنْدَ الِاحْتِلَامِ ، فَإِنْ قِيلَ الْإِدْرَاكُ إمْكَانُ اسْتِعْمَالِ سَائِرِ الْجَوَارِحِ إنْ كَانَ ثَابِتًا ، فَأَمَّا إمْكَانُ اسْتِعْمَالِ الْآلَةِ الْمَخْصُوصَةِ وَهُوَ قَضَاءُ الشَّهْوَةِ عَلَى سَبِيلِ الْكَمَالِ فَلَيْسَ بِثَابِتٍ ; لِأَنَّ كَمَالَهَا بِالْإِنْزَالِ وَالِاحْتِلَامِ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْمَاءِ عَلَى الْأَغْلَبِ فَجُعِلَ عَلَمًا عَلَى الْبُلُوغِ ; وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ بِابْتِغَاءِ الْوَلَدِ وَأَخْبَرَ أَنَّهُ مَكْتُوبٌ لَهُ بِقَوْلِهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ } وَالتَّكْلِيفُ بِابْتِغَاءِ الْوَلَدِ إنَّمَا يَتَوَجَّهُ فِي وَقْتٍ لَوْ ابْتَغَى الْوَلَدَ لَوُجِدَ ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ إلَّا فِي خُرُوجِ الْمَاءِ لِلشَّهْوَةِ وَذَلِكَ فِي حَقِّ الصَّبِيِّ بِالِاحْتِلَامِ فِي الْمُتَعَارَفِ ، وَلِأَنَّ عِنْدَ الِاحْتِلَامِ يَخْرُجُ عَنْ حَيِّزِ الْأَوْلَادِ وَيَدْخُلُ فِي حَيِّزِ الْآبَاءِ حَتَّى يُسَمَّى أَبَا فُلَانٍ لَا وَلَدَ فُلَانٍ فِي الْمُتَعَارَفِ ; لِأَنَّ عِنْدَهُ يَصِيرُ مِنْ أَهْلِ الْعَلُوقِ فَكَانَ الِاحْتِلَامُ عَلَمًا عَلَى الْبُلُوغِ ، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ الْبُلُوغَ يَثْبُتُ بِالِاحْتِلَامِ يَثْبُتُ بِالْإِنْزَالِ ; لِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْمَعَانِي يَتَعَلَّقُ بِالنُّزُولِ لَا بِنَفْسِ الِاحْتِلَامِ إلَّا أَنَّ الِاحْتِلَامَ سَبَبٌ لِنُزُولِ الْمَاءِ عَادَةً فَعُلِّقَ الْحُكْمُ بِهِ ، وَكَذَا الْإِحْبَالُ ; لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ بِدُونِ الْإِنْزَالِ عَادَةً فَإِنْ لَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِمَّا ذَكَرْنَا فَيُعْتَبَرُ الْبُلُوغُ بِالسِّنِّ ، وَقَدْ اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَدْنَى السِّنِّ الَّتِي يَتَعَلَّقُ بِهَا الْبُلُوغُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبُو حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : ثَمَانِيَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْغُلَامِ وَسَبْعَ عَشْرَةَ فِي الْجَارِيَةِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبُو يُوسُفَ nindex.php?page=showalam&ids=16908وَمُحَمَّدٌ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ رَحِمَهُمُ اللَّهُ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً فِي الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ جَمِيعًا وَجْهُ قَوْلِهِمْ : أَنَّ الْمُؤَثِّرَ فِي الْحَقِيقَةِ هُوَ الْعَقْلُ ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِي الْبَابِ إذْ بِهِ قِوَامُ الْأَحْكَامِ ، وَإِنَّمَا الِاحْتِلَامُ جُعِلَ حَدًّا فِي الشَّرْعِ لِكَوْنِهِ دَلِيلًا عَلَى كَمَالِ الْعَقْلِ ، وَالِاحْتِلَامُ لَا يَتَأَخَّرُ عَنْ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً عَادَةً فَإِذَا لَمْ يَحْتَلِمْ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ لِآفَةٍ فِي خِلْقَتِهِ ، وَالْآفَةُ فِي الْخِلْقَةِ لَا تُوجِبُ آفَةً فِي الْعَقْلِ فَكَانَ الْعَقْلُ قَائِمًا بِلَا آفَةٍ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فِي لُزُومِ الْأَحْكَامِ ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَيِّدِنَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=21565عُرِضَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غُلَامٌ وَهُوَ ابْنُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ سَنَةً فَرَدَّهُ وَعُرِضَ وَهُوَ ابْنُ خَمْسَ عَشْرَةَ فَأَجَازَهُ } فَقَدْ جَعَلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ خَمْسَ عَشْرَةَ حَدًّا لِلْبُلُوغِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11990وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ الشَّرْعَ لَمَّا عَلَّقَ الْحُكْمَ وَالْخِطَابَ بِالِاحْتِلَامِ بِالدَّلَائِلِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فَيَجِبُ بِنَاءُ الْحُكْمِ عَلَيْهِ ، وَلَا يَرْتَفِعُ الْحُكْمُ عَنْهُ مَا لَمْ يَتَيَقَّنْ بِعَدَمِهِ ، وَيَقَعُ الْيَأْسُ عَنْ وُجُودِهِ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ الْيَأْسُ بِهَذِهِ الْمُدَّةِ ; لِأَنَّ الِاحْتِلَامَ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ مُتَصَوَّرٌ فِي الْجُمْلَةِ ، فَلَا يَجُوزُ إزَالَةُ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالِاحْتِلَامِ عَنْهُ مَعَ الِاحْتِمَالِ ، عَلَى هَذَا أُصُولُ الشَّرْعِ ، فَإِنَّ حُكْمَ الْحَيْضِ لَمَّا كَانَ لَازِمًا فِي حَقِّ الْكَبِيرَةِ لَا يَزُولُ بِامْتِدَادِ الطُّهْرِ مَا لَمْ يُوجَدْ الْيَأْسُ ، وَيَجِبُ الِانْتِظَارُ لِمُدَّةِ الْيَأْسِ لِاحْتِمَالِ عَوْدِ الْحَيْضِ ، وَكَذَا التَّفْرِيقُ فِي حَقِّ الْعِنِّينِ لَا يَثْبُتُ مَا دَامَ طَمَعُ الْوُصُولِ ثَابِتًا ، بَلْ يُؤَجَّلُ سَنَةً لِاحْتِمَالِ الْوُصُولِ فِي فُصُولِ السَّنَةِ ، فَإِذَا مَضَتْ السَّنَةُ وَوَقَعَ الْيَأْسُ الْآنَ يُحْكَمُ بِالتَّفْرِيقِ ، وَكَذَا أَمَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِإِظْهَارِ الْحُجَجِ فِي حَقِّ الْكُفَّارِ وَالدُّعَاءِ إلَى الْإِسْلَامِ إلَى أَنْ يَقَعَ الْيَأْسُ عَنْ قَبُولِهِمْ ، فَمَا لَمْ يَقَعْ الْيَأْسُ لَا يُبَاحُ لَنَا الْقِتَالُ ، فَكَذَلِكَ هَهُنَا مَادَامَ الِاحْتِلَامُ يُرْجَى يَجِبُ الِانْتِظَارُ وَلَا يَأْسَ بَعْدَ مُدَّةِ خَمْسَ عَشْرَةَ إلَى هَذِهِ الْمُدَّةِ ، بَلْ هُوَ مَرْجُوٌّ فَلَا يُقْطَعُ الْحُكْمُ الثَّابِتُ بِالِاحْتِلَامِ عَنْهُ مَعَ رَجَاءِ وُجُودِهِ بِخِلَافِ مَا بَعْدَ هَذِهِ الْمُدَّةِ ، فَإِنَّهُ لَا يُحْتَمَلُ وُجُودُهُ بَعْدَهَا فَلَا يَجُوزُ اعْتِبَارُهُ فِي زَمَانِ الْيَأْسِ عَنْ وُجُودِهِ .
( وَأَمَّا ) الْحَدِيثُ فَلَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ لَمَّا عَلِمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ احْتَلَمَ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ ، وَيُحْتَمَلُ أَيْضًا أَنَّهُ أَجَازَ ذَلِكَ لَمَّا رَآهُ صَالِحًا لِلْحَرْبِ مُحْتَمِلًا لَهُ عَلَى سَبِيلِ الِاعْتِيَادِ لِلْجِهَادِ ، كَمَا أَمَرَنَا بِاعْتِبَارِ سَائِرِ الْقُرَبِ فِي أَوَّلِ أَوْقَاتِ الْإِمْكَانِ وَالِاحْتِمَالِ لَهَا ، فَلَا يَكُونُ حُجَّةً مَعَ الِاحْتِمَالِ ، وَإِذَا أَشْكَلَ أَمْرُ الْغُلَامِ الْمُرَاهِقِ فِي الْبُلُوغِ فَقَالَ : قَدْ بَلَغْتُ يُقْبَلُ قَوْلُهُ وَيُحْكَمُ بِبُلُوغِهِ ، وَكَذَلِكَ الْجَارِيَةُ الْمُرَاهِقَةُ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الْبُلُوغِ هُوَ الِاحْتِلَامُ عَلَى مَا بَيَّنَّا ، وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ إلَّا مِنْ جِهَتِهِ فَأَلْزَمَتْ الضَّرُورَةُ قَبُولَ قَوْلِهِ ، كَمَا فِي الْإِخْبَارِ عَنْ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .
( وَأَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=14902_27493الْمَجْنُونُ فَلَا يَزُولُ الْحَجْرُ عَنْهُ إلَّا بِالْإِفَاقَةِ فَإِذَا أَفَاقَ رَشِيدًا أَوْ سَفِيهًا فَحُكْمُهُ فِي ذَلِكَ حُكْمُ الصَّبِيِّ ، وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ .
( وَأَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=14905_14906الرَّقِيقُ فَالْحَجْرُ يَزُولُ عَنْهُ بِالْإِعْتَاقِ مَرَّةً وَبِالْإِذْنِ بِالتِّجَارَةِ أُخْرَى إلَّا أَنَّ الْإِعْتَاقَ يُزِيلُ الْحَجْرَ عَنْهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ ، وَالْإِذْنُ بِالتِّجَارَةِ لَا يُزِيلُ إلَّا فِي التَّصَرُّفَاتِ الدَّائِرَةِ بَيْنَ الضَّرَرِ وَالنَّفْعِ .
( وَأَمَّا )
nindex.php?page=treesubj&link=14928_14921السَّفِيهُ فَلَا حَجْرَ عَلَيْهِ عَنْ التَّصَرُّفِ أَصْلًا عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَلَا يُتَصَوَّرُ الزَّوَالُ .
( وَأَمَّا ) عَلَى مَذْهَبِهِمْ فَزَوَالُهُ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أَبِي يُوسُفَ بِضِدِّهِ وَهُوَ الْإِطْلَاقُ مِنْ الْقَاضِي فَكَمَا لَا يَنْحَجِرُ إلَّا بِحَجْرِهِ
[ ص: 173 ] لَا يَنْطَلِقُ إلَّا بِإِطْلَاقِهِ ، وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16908مُحَمَّدٍ nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ زَوَالُ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ بِظُهُورِ رُشْدِهِ ; لِأَنَّ الْحِجَارَةَ كَانَ بِسَفَهِهِ ، فَانْطِلَاقُهُ يَكُونُ بِضِدِّهِ وَهُوَ رُشْدُهُ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ .