كتاب الحج الكتاب يشتمل على فصلين : فصل في الحج ، وفصل في العمرة أما فصل الحج : فالكلام فيه يقع في مواضع في
nindex.php?page=treesubj&link=26614بيان فرضية الحج وفي بيان كيفية فرضه ، وفي بيان شرائط الفرضية وفي بيان أركان الحج ، وفي بيان واجباته ، وفي بيان سننه ، وفي بيان الترتيب في أفعاله من الفرائض ، والواجبات ، والسنن ، وفي بيان شرائط أركانه ، وفي بيان ما يفسده وبيان حكمه إذا فسد ، وفي بيان ما يفوت الحج بعد الشروع فيه وفي بيان حكمه إذا فات عن عمره أصلا ، ورأسا أما الأول : فالحج فريضة ثبتت فرضيته بالكتاب ، والسنة ، وإجماع الأمة والمعقول .
أما الكتاب : فقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } ، في الآية دليل وجوب الحج من وجهين : أحدهما أنه قال {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت } ، وعلى : كلمة إيجاب والثاني أنه قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن كفر } قيل في التأويل : ومن كفر بوجوب الحج حتى روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه أنه قال : أي ومن كفر بالحج فلم ير حجه برا ، ولا تركه مأثما وقوله تعالى
لإبراهيم عليه الصلاة والسلام : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27وأذن في الناس بالحج } أي : ادع الناس ونادهم إلى حج
البيت ، وقيل : أي أعلم الناس أن الله فرض عليهم الحج ، دليله قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27يأتوك رجالا وعلى كل ضامر } وأما السنة : فقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16430بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان وحج البيت من استطاع إليه سبيلا } .
وقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13570اعبدوا ربكم وصلوا خمسكم ، وصوموا شهركم ، وحجوا بيت ربكم ، وأدوا زكاة أموالكم طيبة بها أنفسكم تدخلوا جنة ربكم } .
وروي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37393من مات ولم يحج حجة الإسلام من غير أن يمنعه سلطان جائر ، أو مرض حابس ، أو عدو ظاهر ، فليمت إن شاء يهوديا ، وإن شاء نصرانيا ، أو مجوسيا } .
وروي أنه قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37441من ملك زادا وراحلة تبلغه إلى بيت الله الحرام فلم يحج ، فلا عليه أن يموت يهوديا أو نصرانيا } .
وأما الإجماع : فلأن الأمة أجمعت على فرضيته .
وأما المعقول : فهو أن العبادات وجبت لحق العبودية ، أو لحق شكر النعمة إذ كل ذلك لازم في المعقول وفي الحج إظهار العبودية ، وشكر النعمة ، أما إظهار العبودية ; فلأن إظهار العبودية هو إظهار التذلل للمعبود ، وفي الحج ذلك ; لأن الحاج في حال إحرامه يظهر الشعث ، ويرفض أسباب التزين ، والارتفاق ، ويتصور بصورة عبد سخط عليه مولاه ، فيتعرض بسوء حاله لعطف مولاه ، ومرحمته إياه ، وفي حال وقوفه
بعرفة بمنزلة عبد عصى مولاه فوقف بين يديه متضرعا حامدا له مثنيا عليه مستغفرا لزلاته مستقيلا لعثراته ، وبالطواف حول
البيت يلازم المكان المنسوب إلى ربه بمنزلة عبد معتكف على باب مولاه لائذ بجنابه .
وأما شكر النعمة ; فلأن العبادات بعضها بدنية ، وبعضها مالية ، والحج عبادة لا تقوم إلا بالبدن ، والمال ; ولهذا لا يجب إلا عند وجود المال وصحة البدن ، فكان فيه شكر النعمتين ، وشكر النعمة ليس إلا استعمالها
[ ص: 119 ] في طاعة المنعم ، وشكر النعمة واجب عقلا ، وشرعا ، والله أعلم .
كِتَابُ الْحَجِّ الْكِتَابُ يَشْتَمِلُ عَلَى فَصْلَيْنِ : فَصْلٌ فِي الْحَجِّ ، وَفَصْلٌ فِي الْعُمْرَةِ أَمَّا فَصْلُ الْحَجِّ : فَالْكَلَامُ فِيهِ يَقَعُ فِي مَوَاضِعَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=26614بَيَانِ فَرْضِيَّةِ الْحَجِّ وَفِي بَيَانِ كَيْفِيَّةِ فَرْضِهِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ الْفَرْضِيَّةِ وَفِي بَيَانِ أَرْكَانِ الْحَجِّ ، وَفِي بَيَانِ وَاجِبَاتِهِ ، وَفِي بَيَانِ سُنَنِهِ ، وَفِي بَيَانِ التَّرْتِيبِ فِي أَفْعَالِهِ مِنْ الْفَرَائِضِ ، وَالْوَاجِبَاتِ ، وَالسُّنَنِ ، وَفِي بَيَانِ شَرَائِطِ أَرْكَانِهِ ، وَفِي بَيَانِ مَا يُفْسِدُهُ وَبَيَانِ حُكْمِهِ إذَا فَسَدَ ، وَفِي بَيَانِ مَا يُفَوِّتُ الْحَجَّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ وَفِي بَيَانِ حُكْمِهِ إذَا فَاتَ عَنْ عُمْرِهِ أَصْلًا ، وَرَأْسًا أَمَّا الْأَوَّلُ : فَالْحَجُّ فَرِيضَةٌ ثَبَتَتْ فَرْضِيَّتُهُ بِالْكِتَابِ ، وَالسُّنَّةِ ، وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ وَالْمَعْقُولِ .
أَمَّا الْكِتَابُ : فَقَوْلَهُ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } ، فِي الْآيَةِ دَلِيلُ وُجُوبِ الْحَجِّ مِنْ وَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ } ، وَعَلَى : كَلِمَةُ إيجَابٍ وَالثَّانِي أَنَّهُ قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97وَمَنْ كَفَرَ } قِيلَ فِي التَّأْوِيلِ : وَمَنْ كَفَرَ بِوُجُوبِ الْحَجِّ حَتَّى رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : أَيْ وَمَنْ كَفَرَ بِالْحَجِّ فَلَمْ يَرَ حَجَّهُ بِرًّا ، وَلَا تَرْكَهُ مَأْثَمًا وقَوْله تَعَالَى
لِإِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ } أَيْ : اُدْعُ النَّاسَ وَنَادِهِمْ إلَى حَجِّ
الْبَيْتِ ، وَقِيلَ : أَيْ أَعْلِمْ النَّاسَ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ الْحَجَّ ، دَلِيلُهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=27يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ } وَأَمَّا السُّنَّةُ : فَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16430بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ وَحَجِّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إلَيْهِ سَبِيلًا } .
وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=13570اُعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَصَلُّوا خَمْسَكُمْ ، وَصُومُوا شَهْرَكُمْ ، وَحُجُّوا بَيْتَ رَبِّكُمْ ، وَأَدُّوا زَكَاةَ أَمْوَالِكُمْ طَيِّبَةً بِهَا أَنْفُسُكُمْ تَدْخُلُوا جَنَّةَ رَبِّكُمْ } .
وَرُوِيَ عَنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37393مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الْإِسْلَامِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَمْنَعَهُ سُلْطَانٌ جَائِرٌ ، أَوْ مَرَضٌ حَابِسٌ ، أَوْ عَدُوٌّ ظَاهِرٌ ، فَلْيَمُتْ إنْ شَاءَ يَهُودِيًّا ، وَإِنْ شَاءَ نَصْرَانِيًّا ، أَوْ مَجُوسِيًّا } .
وَرُوِيَ أَنَّهُ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37441مَنْ مَلَكَ زَادًا وَرَاحِلَةً تُبَلِّغُهُ إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ فَلَمْ يَحُجَّ ، فَلَا عَلَيْهِ أَنْ يَمُوتَ يَهُودِيًّا أَوْ نَصْرَانِيًّا } .
وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ : فَلِأَنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى فَرْضِيَّتِهِ .
وَأَمَّا الْمَعْقُولُ : فَهُوَ أَنَّ الْعِبَادَاتِ وَجَبَتْ لِحَقِّ الْعُبُودِيَّةِ ، أَوْ لِحَقِّ شُكْرِ النِّعْمَةِ إذْ كُلُّ ذَلِكَ لَازِمٌ فِي الْمَعْقُولِ وَفِي الْحَجِّ إظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ ، أَمَّا إظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ ; فَلِأَنَّ إظْهَارَ الْعُبُودِيَّةِ هُوَ إظْهَارُ التَّذَلُّلِ لِلْمَعْبُودِ ، وَفِي الْحَجِّ ذَلِكَ ; لِأَنَّ الْحَاجَّ فِي حَالِ إحْرَامِهِ يُظْهِرُ الشَّعَثَ ، وَيَرْفُضُ أَسْبَابَ التَّزَيُّنِ ، وَالِارْتِفَاقِ ، وَيَتَصَوَّرُ بِصُورَةِ عَبْدٍ سَخِطَ عَلَيْهِ مَوْلَاهُ ، فَيَتَعَرَّضُ بِسُوءِ حَالِهِ لِعَطْفِ مَوْلَاهُ ، وَمَرْحَمَتِهِ إيَّاهُ ، وَفِي حَالِ وُقُوفِهِ
بِعَرَفَةَ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ عَصَى مَوْلَاهُ فَوَقَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَضَرِّعًا حَامِدًا لَهُ مُثْنِيًا عَلَيْهِ مُسْتَغْفِرًا لِزَلَّاتِهِ مُسْتَقِيلًا لِعَثَرَاتِهِ ، وَبِالطَّوَافِ حَوْلَ
الْبَيْتِ يُلَازِمُ الْمَكَانَ الْمَنْسُوبَ إلَى رَبِّهِ بِمَنْزِلَةِ عَبْدٍ مُعْتَكِفٍ عَلَى بَابِ مَوْلَاهُ لَائِذٍ بِجَنَابِهِ .
وَأَمَّا شُكْرُ النِّعْمَةِ ; فَلِأَنَّ الْعِبَادَاتِ بَعْضُهَا بَدَنِيَّةٌ ، وَبَعْضُهَا مَالِيَّةٌ ، وَالْحَجُّ عِبَادَةٌ لَا تَقُومُ إلَّا بِالْبَدَنِ ، وَالْمَالِ ; وَلِهَذَا لَا يَجِبُ إلَّا عِنْدَ وُجُودِ الْمَالِ وَصِحَّةِ الْبَدَنِ ، فَكَانَ فِيهِ شُكْرُ النِّعْمَتَيْنِ ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ لَيْسَ إلَّا اسْتِعْمَالُهَا
[ ص: 119 ] فِي طَاعَةِ الْمُنْعِمِ ، وَشُكْرُ النِّعْمَةِ وَاجِبٌ عَقْلًا ، وَشَرْعًا ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .