فإذا فرغ من السعي ، فإن كان محرما بالعمرة ، ولم يسق الهدي يحلق أو يقصر فيحل ; لأن أفعال العمرة هي الطواف والسعي فإذا أتى بهما لم يبق عليه شيء من أفعال العمرة فيحتاج إلى الخروج منها بالتحلل ، وذلك بالحلق أو التقصير كالتسليم في باب الصلاة ، والحلق أفضل لما ذكرنا فيما تقدم فإذا حلق أو قصر حل له جميع محظورات الإحرام ، وهذا الذي ذكرنا قول أصحابنا ، وقال يقع الشافعي ، ومن الحج بالرمي ، والمسألة قد مرت في بيان ، واجبات الحج . التحلل من العمرة بالسعي
وإن كان قد ساق الهدي لا يحلق ، ولا يقصر للعمرة بل يقيم حراما إلى يوم النحر : لا يحل له التحلل إلا يوم النحر عندنا ، وعند سوق الهدي لا يمنع من التحلل ، ونذكر المسألة في التمتع إن شاء الله تعالى ، وإن كان محرما بالحج ، فإن كان مفردا به يقيم على إحرامه ، ولا يتحلل ; لأن أفعال الحج عليه باقية فلا يجوز له التحلل إلى يوم النحر ، ومن الناس من قال يجوز له أن يفتتح إحرام الحج بفعل العمرة ، وهو الطواف والسعي ، والتحلل منها بالحلق أو التقصير لما روي عن الشافعي رضي الله عنه أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا أهلوا بالحج مفردين فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم { جابر البيت ، وبين الصفا ، والمروة ، وقصروا ثم أقيموا حلالا حتى إذا كان يوم التروية أهلوا بالحج } فالجواب أن ذلك كان ثم نسخ ، وعن أحلوا من إحرامكم بطواف رضي الله عنه أنه قال : أشهد أن فسخ الإحرام كان خاصا للركب الذين كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن كان قارنا فإنه يطوف طوافين ، ويسعى سعيين عندنا فيبدأ أولا بالطواف والسعي للعمرة فيطوف ، ويسعى للعمرة ثم يطوف ويسعى للحج كما وصفنا ، وعند أبي ذر يطوف لهما جميعا طوافا واحدا ، ويسعى لهما سعيا واحدا ، وهذا بناء على أن القارن عندنا محرم بإحرامين بإحرام العمرة ، وإحرام الحج ، ولا يدخل إحرام العمرة في إحرام الحج ، وعنده يحرم بإحرام واحد ، ويدخل إحرام العمرة في إحرام الحج ; لأن نفس العمرة لا تدخل في الحجة ، ولأن الإحرام على أصله ركن لما نذكر فكان من أفعال الحج ، والأفعال يجوز فيها التداخل كسجدة التلاوة والحدود وغيرها ، ولنا ما روي عن الشافعي ، علي ، وعبد الله بن مسعود رضي الله عنهم { وعمران بن حصين } ، ولأن القارن محرم بالعمرة ، ومحرم بالحجة حقيقة ; لأن قوله لبيك بعمرة وحجة معناه : لبيك بعمرة ولبيك بحجة كقوله : جاءني زيد ، وعمرو أن معناه جاءني زيد ، وجاءني عمرو ، وإذا كان محرما بكل واحد منهما يطوف ، ويسعى لكل واحد منهما طوافا على حدة وسعيا على حدة . أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق بين الحج والعمرة ، وطاف لهما طوافين ، وسعى لهما سعيين
وكذا تسمية القران يدل على ما قلنا ; إذ القران حقيقة يكون بين شيئين إذ هو ضم شيء إلى شيء ، ومعنى الضم حقيقة فيما قلنا لا فيما قاله ، واعتبار الحقيقة أصل في الشريعة وأما الحديث فمعناه دخل وقت العمرة في وقت الحج ; لأن سبب ذلك أنهم كانوا يعدون العمرة في وقت الحج من أفجر الفجور ثم [ ص: 150 ] رخص لهم النبي صلى الله عليه وسلم فقال { } أي دخل وقت العمرة في وقت الحجة ، وهو أشهر الحج ، ويحتمل ما قلنا ، ويحتمل ما قاله فلا يكون حجة مع الاحتمال ، دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة أجزأه وقد أساء ، أما الجواز فلأنه أتى بوظيفة من الطوافين ، والسعيين . ولو طاف القارن طوافين متواليين ، وسعى سعيين متواليين
وأما الإساءة فلتركه السنة ، وهي تقديم أفعال الحج على أفعال العمرة ، فنيته لغو ، وطوافه الأول وسعيه يكونان للعمرة لما مر أن أفعال العمرة تترتب على ما أوجبه إحرامه ، وإحرامه أوجب تقديم أفعال العمرة على أفعال الحج فلغت نيته ، ولو طاف أولا بحجته ، وسعى لها ثم طاف لعمرته وسعى لها ; لأنه بقي محرما بإحرام الحج ، وإن كان متمتعا فإذا قدم وإذا فرغ من أفعال العمرة لا يحلق ، ولا يقصر مكة فإنه يطوف ، ويسعى لعمرته ثم يحرم بالحج في أشهر الحج ، ويلبس الإزار ، والرداء ، ويلبي بالحج ; لأن هذا ابتداء دخوله في الحج للإحرام بالحج .