بين : البين في كلام العرب جاء على وجهين : يكون البين الفرقة ، ويكون الوصل ، بان يبين بينا وبينونة ، وهو من الأضداد ، وشاهد البين الوصل قول الشاعر :
لقد فرق الواشين بيني وبينها فقرت بذاك الوصل عيني وعينها .
وقال : قيس بن ذريح
[ ص: 196 ]
لعمرك لولا البين لا يقطع الهوى ولولا الهوى ما حن للبين آلف .
فالبين هنا الوصل ، وأنشد أبو عمرو في رفع بين قول الشاعر :
كأن رماحنا أشطان بئر بعيد بين جاليها جرور .
وأنشد أيضا :
ويشرق بين الليت منها إلى الصقل .
قال : ويكون البين اسما وظرفا متمكنا . وفي التنزيل العزيز : ابن سيده لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون ; قرئ ( بينكم ) بالرفع والنصب ، فالرفع على الفعل أي : تقطع وصلكم ، والنصب على الحذف ، يريد ما بينكم ، قرأ نافع وحفص عن عاصم ( بينكم ) نصبا ، وقرأ والكسائي ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة ( بينكم ) رفعا ، وقال أبو عمرو : لقد تقطع بينكم أي : وصلكم ، ومن قرأ ( بينكم ) فإن أبا العباس روى عن أنه قال : معناه تقطع الذي كان بينكم ، وقال ابن الأعرابي فيمن فتح المعنى : لقد تقطع ما كنتم فيه من الشركة بينكم ، وروي عن الزجاج أنه قرأ ( لقد تقطع ما بينكم ) واعتمد ابن مسعود الفراء وغيره من النحويين قراءة لمن قرأ ( بينكم ) وكان ابن مسعود أبو حاتم ينكر هذه القراءة ويقول : من قرأ ( بينكم ) لم يجز إلا بموصول كقولك : ما بينكم ، قال : ولا يجوز حذف الموصول وبقاء الصلة ، لا تجيز العرب : إن قام زيد بمعنى إن الذي قام زيد ، قال أبو منصور : وهذا الذي قاله أبو حاتم خطأ ; لأن الله - جل ثناؤه - خاطب بما أنزل في كتابه قوما مشركين فقال : ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم ; أراد لقد تقطع الشرك بينكم أي : فيما بينكم ، فأضمر الشرك لما جرى من ذكر الشركاء ، فافهمه ، قال : من قرأ بالنصب احتمل أمرين : أحدهما أن يكون الفاعل مضمرا أي : لقد تقطع الأمر أو العقد أو الود بينكم ، والآخر ما كان يراه ابن سيده الأخفش من أن يكون ( بينكم ) وإن كان منصوب اللفظ مرفوع الموضع بفعله ، غير أنه أقرت عليه نصبة الظرف ، وإن كان مرفوع الموضع لاطراد استعمالهم إياه ظرفا ، إلا أن استعمال الجملة التي هي صفة للمبتدإ مكانه أسهل من استعمالها فاعلة ; لأنه ليس يلزم أن يكون المبتدأ اسما محضا كلزوم ذلك في الفاعل ، ألا ترى إلى قولهم : تسمع بالمعيدي خير من أن تراه ، أي : سماعك به خير من رؤيتك إياه . وقد بان الحي بينا وبينونة ، وأنشد ثعلب :
فهاج جوى في القلب ضمنه الهوى ببينونة ، ينأى بها من يوادع .
والمباينة : المفارقة . وتباين القوم : تهاجروا . وغراب البين : هو الأبقع ، قال عنترة :
ظعن الذين فراقهم أتوقع وجرى ببينهم الغراب الأبقع
حرق الجناح كأن لحيي رأسه جلمان ، بالأخبار هش مولع .
وقال أبو الغوث : غراب البين هو الأحمر المنقار والرجلين ، فأما الأسود فإنه الحاتم لأنه يحتم بالفراق . وتقول : ضربه فأبان رأسه من جسده وفصله ، فهو مبين . وفي حديث الشرب : أي : افصله عنه عند التنفس لئلا يسقط فيه شيء من الريق ، وهو من البين البعد والفراق . وفي الحديث في صفته - صلى الله عليه وسلم - : " أبن القدح عن فيك " أي : المفرط طولا الذي بعد عن قد الرجال الطوال ، وبان الشيء بينا وبيونا . وحكى ليس بالطويل البائن الفارسي عن أبي زيد : طلب إلى أبويه البائنة . وذلك إذا طلب إليهما أن يبيناه بمال فيكون له على حدة ، ولا تكون البائنة إلا من الأبوين أو أحدهما ، ولا تكون من غيرهما ، وقد أبانه أبواه إبانة حتى بان هو بذلك يبين بيونا . وفي حديث قال : " سمعت الشعبي يقول : سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - النعمان بن بشير " قوله : هل أبنت كل واحد أي : هل أعطيت كل واحد مالا تبينه به أي : تفرده ، والاسم البائنة . وفي حديث وطلبت عمرة إلى بشير بن سعد أن ينحلني نحلا من ماله وأن ينطلق بي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيشهده فقال : هل لك معه ولد غيره ؟ قال : نعم ، قال : فهل أبنت كل واحد منهم بمثل الذي أبنت هذا ؟ فقال : لا ، قال : فإني لا أشهد على هذا ، هذا جور ، أشهد على هذا غيري ، اعدلوا بين أولادكم في النحل كما تحبون أن يعدلوا بينكم في البر واللطف : قال الصديق لعائشة - رضي الله عنهما - : إني كنت أبنتك بنحل أي : أعطيتك . وحكى الفارسي عن أبي زيد : بان وبانه ، وأنشد :
كأن عيني ، وقد بانوني غربان فوق جدول مجنون .
وتباين الرجلان : بان كل واحد منهما عن صاحبه ، وكذلك في الشركة إذا انفصلا . وبانت المرأة عن الرجل ، وهي بائن : انفصلت عنه بطلاق . وتطليقة بائنة ، بالهاء لا غير ، وهي فاعلة بمعنى مفعولة ، أي : تطليقة ذات بينونة ، ومثله : ( عيشة راضية ) أي : ذات رضا . وفي حديث فيمن طلق امرأته ثماني تطليقات : فقيل له إنها قد بانت منك ، فقال : صدقوا ، بانت المرأة من زوجها أي : انفصلت عنه ووقع عليها طلاقه . والطلاق البائن : هو الذي لا يملك الزوج فيه استرجاع المرأة إلا بعقد جديد ، وقد تكرر ذكرها في الحديث . ويقال : بانت يد الناقة عن جنبها تبين بيونا ، وبان الخليط يبين بينا وبينونة ، قال ابن مسعود الطرماح :
أآذن الثاوي ببينونة .
: يقال للجارية إذا تزوجت قد بانت ، وهن قد بن إذا تزوجن . وبين فلان بنته وأبانها إذا زوجها وصارت إلى زوجها ، وبانت هي إذا تزوجت ، وكأنه من البئر البعيدة أي : بعدت عن بيت أبيها . وفي الحديث : " ابن شميل " يبن ، بفتح الياء ، أي : يتزوجن . وفي الحديث الآخر : " من عال ثلاث بنات حتى يبن أو يمتن " . وبئر بيون : واسعة ما بين الجالين ، وقال حتى بانوا أو ماتوا أبو مالك : هي التي لا يصيبها رشاؤها ، وذلك لأن جراب البئر مستقيم ، وقيل : البيون البئر [ ص: 197 ] الواسعة الرأس الضيقة الأسفل ، وأنشد أبو علي الفارسي :
إنك لو دعوتني ، ودوني زوراء ذات منزع بيون
لقلت : لبيه لمن يدعوني .
فجعلها زوراء ، وهي التي في جرابها عوج ، والمنزع : الموضع الذي يصعد فيه الدلو إذا نزع من البئر ، فذلك الهواء هو المنزع . وقال بعضهم : بئر بيون وهي التي يبين المستقي الحبل في جرابها لعوج في جولها ، قال جرير يصف خيلا وصهيلها :
يشنفن للنظر البعيد ، كأنما إرنانها ببوائن الأشطان .
أراد كأنها تصهل في ركايا تبان أشطانها عن نواحيها لعوج فيها إرنانها ذوات الأذن والنشاط منها ، أراد أن في صهيلها خشنة وغلظا كأنها تصهل في بئر دحول ، وذلك أغلظ لصهيلها . قال ابن بري - رحمه الله - : البيت لا للفرزدق لجرير ، قال : والذي في شعره يصهلن . والبائنة : البئر البعيدة القعر الواسعة ، والبيون مثله ؛ لأن الأشطان تبين عن جرابها كثيرا . وأبان الدلو عن طي البئر : حاد بها عنه لئلا يصيبها فتنخرق ، قال :
دلو عراك لج بي منينها لم تر قبلي ماتحا يبينها .
وتقول : هو بيني وبينه ، ولا يعطف عليه إلا بالواو ؛ لأنه لا يكون إلا من اثنين ، وقالوا : بينا نحن كذلك إذ حدث كذا ، قال أنشده : سيبويه
فبينا نحن نرقبه ، أتانا معلق وفضة ، وزناد راع .
إنما أراد بين نحن نرقبه أتانا ، فأشبع الفتحة فحدثت بعدها ألف ، فإن قيل : فلم أضاف الظرف الذي هو " بين " ، وقد علمنا أن هذا الظرف لا يضاف من الأسماء إلا لما يدل على أكثر من الواحد أو ما عطف عليه غيره بالواو دون سائر حروف العطف نحو : المال بين القوم والمال بين زيد وعمرو ، وقوله : نحن نرقبه جملة ، والجملة لا يذهب لها بعد هذا الظرف ؟ فالجواب : أن ههنا واسطة محذوفة وتقدير الكلام بين أوقات نحن نرقبه أتانا أي : أتانا بين أوقات رقبتنا إياه ، والجمل مما يضاف إليها أسماء الزمان نحو أتيتك زمن الحجاج أمير ، وأوان الخليفة عبد الملك ، ثم إنه حذف المضاف الذي هو أوقات وولي الظرف الذي كان مضافا إلى المحذوف الجملة التي أقيمت مقام المضاف إليها كقوله تعالى : واسأل القرية ; أي أهل القرية ، وكان يخفض بعد بينا إذا صلح في موضعه بين وينشد قول الأصمعي أبي ذؤيب ، بالكسر :
بينا تعنقه الكماة وروغه يوما ، أتيح له جريء سلفع .
وغيره يرفع ما بعد بينا وبينما على الابتداء والخبر ، والذي ينشد برفع تعنقه وبخفضها قال : ومثله في جواز الرفع والخفض بعدها قول الآخر : ابن بري
كن كيف شئت ، فقصرك الموت لا مزحل عنه ولا فوت
بينا غنى بيت وبهجته زال الغنى وتقوض البيت .
قال : وقد تأتي إذ في جواب بينا كما قال ابن بري حميد الأرقط :
بينا الفتى يخبط في غيساته إذ انتمى الدهر إلى عفراته
وقال آخر :
بينا كذلك إذ هاجت همرجة تسبي وتقتل
حتى يسأم الناس
وقال القطامي :
فبينا عمير طامح الطرف يبتغي عبادة ، إذ واجهت أصحم ذا ختر .
قال : وهذا الذي قلناه يدل على فساد قول من يقول : إن إذ لا تكون إلا في جواب بينما بزيادة ما ، وهذه بعد بينا كما ترى ، ومما يدل على فساد هذا القول أنه قد جاء بينما وليس في جوابها إذ كقول ابن بري في باب النسيب من الحماسة : ابن هرمة
بينما نحن بالبلاكث فالقا ع سراعا ،
والعيس تهوي هويا خطرت خطرة على القلب من ذك راك وهنا
فما استطعت مضيا
ومثله قول الأعشى :
بينما المرء كالرديني ذي الجب بة سواه مصلح التثقيف
رده دهره المضلل ، حتى عاد من بعد مشيه التدليف .
ومثله قول أبي دواد :
بينما المرء آمن ، راعه را ئع حتف لم يخش منه انبعاقه .
وفي الحديث : ، أصل بينا بين ، فأشبعت الفتحة فصارت ألفا ، ويقال : بينا وبينما ، وهما ظرفا زمان بمعنى المفاجأة ، ويضافان إلى جملة من فعل وفاعل ومبتدإ وخبر ، ويحتاجان إلى جواب يتم به المعنى ، قال : والأفصح في جوابهما أن لا يكون فيه إذ وإذا ، وقد جاءا في الجواب كثيرا ، تقول : بينا زيد جالس دخل عليه عمرو ، وإذ دخل عليه ، وإذا دخل عليه ، ومنه قول بينا نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذ جاءه رجل الحرقة بنت النعمان :
بينا نسوس الناس ، والأمر أمرنا إذا نحن فيهم سوقة نتنصف .
وأما قوله تعالى : وجعلنا بينهم موبقا ; فإن قال : معناه جعلنا بينهم من العذاب ما يوبقهم أي : يهلكهم . وقال الزجاج الفراء : معناه جعلنا بينهم أي : تواصلهم في الدنيا موبقا لهم يوم القيامة أي : هلكا ، وتكون بين صفة بمنزلة " وسط " " وخلال " . الجوهري : وبين بمعنى وسط ، تقول : [ ص: 198 ] جلست بين القوم ، كما تقول : وسط القوم ، بالتخفيف ، وهو ظرف ، وإن جعلته اسما أعربته ، تقول : لقد تقطع بينكم ، برفع النون ، كما قال أبو خراش الهذلي يصف عقابا :
فلاقته ببلقعة براح فصادف بين عينيه الجبوبا .
الجبوب : وجه الأرض . الأزهري في أثناء هذه الترجمة : روي عن أبي الهيثم أنه قال : الكواكب الببانيات هي التي لا ينزلها شمس ولا قمر إنما يهتدى بها في البر والبحر ، وهي شامية ، ومهب الشمال منها ، أولها القطب وهو كوكب لا يزول ، والجدي والفرقدان ، وهو بين القطب ، وفيه بنات نعش الصغرى ، وقال أبو عمرو : سمعت يقول : إذا كان الاسم الذي يجيء بعد بينا اسما حقيقيا رفعته بالابتداء ، وإن كان اسما مصدريا خفضته ، ويكون بينا في هذا الحال بمعنى بين ، قال : فسألت المبرد عنه ولم أعلمه قائله فقال : هذا الدر ، إلا أن من الفصحاء من يرفع الاسم الذي بعد بينا وإن كان مصدريا فيلحقه بالاسم الحقيقي ; وأنشد بيتا أحمد بن يحيى للخليل بن أحمد :
بينا غنى بيت وبهجته ذهب الغنى وتقوض البيت .
وجائز : وبهجته ، قال : وأما بينما فالاسم الذي بعده مرفوع ، وكذلك المصدر . ابن سيده : وبينا وبينما من حروف الابتداء ، وليست الألف في بينا بصلة ، وبينا فعلى أشبعت الفتحة فصارت ألفا ، وبينما بين زيدت عليه ما ، والمعنى واحد ، وهذا الشيء بين بين أي : بين الجيد والرديء ، وهما اسمان جعلا واحدا وبنيا على الفتح ، والهمزة المخففة تسمى همزة بين بين ، وقالوا : بين بين يريدون التوسط كما قال عبيد بن الأبرص :
نحمي حقيقتنا ، وبع ض القوم يسقط بين بينا .
وكما يقولون : همزة بين بين أي : أنها همزة بين الهمزة ، وبين حرف اللين ، وهو الحرف الذي منه حركتها إن كانت مفتوحة ، فهي بين الهمزة والألف مثل سأل ، وإن كانت مكسورة فهي بين الهمزة والياء مثل سئم ، وإن كانت مضمومة فهي بين الهمزة والواو مثل لؤم ، إلا أنها ليس لها تمكين الهمزة المحققة ، ولا تقع الهمزة المخففة أبدا أولا لقربها بالضعف من الساكن ، إلا أنها وإن كانت قد قربت من الساكن ولم يكن لها تمكين الهمزة المحققة فهي متحركة في الحقيقة ، فالمفتوحة نحو قولك في سأل سأل ، والمكسورة نحو قولك في سئم سئم ، والمضمومة نحو قولك في لؤم لؤم ، ومعنى قول بين بين أنها ضعيفة ليس لها تمكين المحققة ولا خلوص الحرف الذي منه حركتها ، قال سيبويه الجوهري : وسميت بين بين لضعفها ، وأنشد بيت عبيد بن الأبرص :
وبعض القوم يسقط بين بينا .
أي : يتساقط ضعيفا غير معتد به ، قال : قال ابن بري : كأنه قال بين هؤلاء وهؤلاء كأنه رجل يدخل بين فريقين في أمر من الأمور فيسقط ولا يذكر فيه ، قال الشيخ : ويجوز عندي أن يريد بين الدخول في الحرب والتأخر عنها كما يقال : فلان يقدم رجلا ويؤخر أخرى . ولقيته بعيدات بين إذا لقيته بعد حين ثم أمسكت عنه ثم أتيته ، وقوله : السيرافي
وما خفت حتى بين الشرب والأذى بقانئه ، إني من الحي أبين .
أي : بائن : والبيان : ما بين به الشيء من الدلالة وغيرها . وبان الشيء بيانا : اتضح فهو بين ، والجمع أبيناء ، مثل هين وأهيناء ، وكذلك أبان الشيء فهو مبين ، قال الشاعر :
لو دب ذر فوق ضاحي جلدها لأبان من آثارهن حدور .
قال عند قول ابن بري الجوهري والجمع أبيناء مثل هين وأهيناء ، قال : صوابه مثل هين وأهوناء ؛ لأنه من الهوان . وأبنته أنا أي : أوضحته . واستبان الشيء : ظهر . واستبنته أنا : عرفته . وتبين الشيء : ظهر وتبينته أنا . تتعدى هذه الثلاثة ولا تتعدى . وقالوا : بان الشيء واستبان وتبين وأبان وبين بمعنى واحد ، ومنه قوله تعالى : آيات مبينات ، بكسر الياء وتشديدها ، بمعنى متبينات ، ومن قرأ ( مبينات ) بفتح الياء فالمعنى أن الله بينها . وفي المثل : قد بين الصبح لذي عينين أي : تبين ، وقال ابن ذريح :
وللحب آيات تبين للفتى شحوبا ، وتعرى من يديه الأشاحم .
قال : هكذا أنشده ابن سيده ثعلب ويروى : تبين بالفتى شحوب . والتبيين : الإيضاح . والتبيين أيضا : الوضوح ، قال النابغة :
إلا الأواري لأيا ما أبينها والنؤي كالحوض بالمظلومة الجلد .
يعني أتبينها . والتبيان : مصدر ، وهو شاذ ؛ لأن المصادر إنما تجيء على التفعال ، بفتح التاء ، مثل التذكار والتكرار والتوكاف ، ولم يجئ بالكسر إلا حرفان وهما التبيان والتلقاء . ومنه حديث آدم وموسى - على نبينا محمد وعليهما الصلاة والسلام - : " " أي : كشفه وإيضاحه ، وهو مصدر قليل ؛ لأن مصادر أمثاله بالفتح . وقوله - عز وجل - : أعطاك الله التوراة فيها تبيان كل شيء وهو في الخصام غير مبين ، يريد النساء أي : الأنثى لا تكاد تستوفي الحجة ولا تبين ، وقيل في التفسير : إن المرأة لا تكاد تحتج بحجة إلا عليها ، وقد قيل : إنه يعني به الأصنام ، والأول أجود . وقوله - عز وجل - : لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ; أي : ظاهرة متبينة . قال ثعلب : يقول إذا طلقها لم يحل لها أن تخرج من بيته ، ولا أن يخرجها هو إلا بحد يقام عليها ، ولا تبين عن الموضع الذي طلقت فيه حتى تنقضي العدة ثم تخرج حيث شاءت ، وبنته أنا وأبنته واستبنته وبينته ، وروي بيت : ذي الرمة
تبين نسبة المرئي لؤما كما بينت في الأدم العوارا .
أي : تبينها ، ورواه علي بن حمزة : تبين نسبة ، بالرفع ، على قوله قد [ ص: 199 ] بين الصبح لذي عينين . ويقال : بان الحق يبين بيانا ، فهو بائن ، وأبان يبين إبانة ، فهو مبين بمعناه ، ومنه قوله تعالى : حم والكتاب المبين ; أي : والكتاب البين ، وقيل : معنى المبين الذي أبان طرق الهدى من طرق الضلالة وأبان كل ما تحتاج إليه الأمة ، وقال : بان الشيء وأبان بمعنى واحد . ويقال : بان الشيء وأبنته ، فمعنى مبين أنه مبين خيره وبركته ، أو مبين الحق من الباطل والحلال من الحرام ، ومبين أن نبوة سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حق ، ومبين قصص الأنبياء . قال الزجاج أبو منصور : ويكون المستبين أيضا بمعنى المبين ، قال أبو منصور : والاستبانة يكون واقعا . ويقال : استبنت الشيء إذا تأملته حتى تبين لك . قال الله - عز وجل - : وكذلك نفصل الآيات ولتستبين سبيل المجرمين ; المعنى : ولتستبين أنت يا محمد سبيل المجرمين أي : لتزداد استبانة ، وإذا بان سبيل المجرمين فقد بان سبيل المؤمنين ، وأكثر القراء قرءوا : ولتستبين سبيل المجرمين ; والاستبانة حينئذ يكون غير واقع . ويقال : تبينت الأمر أي : تأملته وتوسمته ، وقد تبين الأمر يكون لازما وواقعا ، وكذلك بينته فبين أي : تبين ، لازم ومتعد . وقوله - عز وجل - : ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ; أي : بين لك فيه كل ما تحتاج إليه أنت وأمتك من أمر الدين ، وهذا من اللفظ العام الذي أريد به الخاص ، والعرب تقول : بينت الشيء تبيينا وتبيانا ، بكسر التاء ، وتفعال بكسر التاء يكون اسما ، فأما المصدر فإنه يجيء على تفعال بفتح التاء مثل التكذاب والتصداق وما أشبهه ، وفي المصادر حرفان نادران : وهما تلقاء الشيء والتبيان ، قال : ولا يقاس عليهما . وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - : " ألا إن التبيين من الله والعجلة من الشيطان فتبينوا " ، قال أبو عبيد : قال وغيره : التبيين التثبت في الأمر والتأني فيه ، وقرئ قوله - عز وجل - : الكسائي إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ، وقرئ ( فتثبتوا ) والمعنيان متقاربان . وقوله - عز وجل - : إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا ، وفتثبتوا ، قرئ بالوجهين جميعا . وقال في قوله : سيبويه الكتاب المبين قال : وهو التبيان ، وليس على الفعل ، إنما هو بناء على حدة ، ولو كان مصدرا لفتحت كالتقتال ، فإنما هو من بينت كالغارة من أغرت . وقال كراع : التبيان مصدر ولا نظير له إلا التلقاء ، وهو مذكور في موضعه . وبينهما بين أي : بعد ، لغة في بون ، والواو أعلى ، وقد بانه بينا . والبيان : الفصاحة واللسن وكلام بين فصيح . والبيان : الإفصاح مع ذكاء . والبين من الرجال : الفصيح . : البين من الرجال السمح اللسان الفصيح الظريف العالي الكلام القليل الرتج . وفلان أبين من فلان أي : أفصح منه وأوضح كلاما . ورجل بين : فصيح ، والجمع أبيناء ، صحت الياء لسكون ما قبلها ; وأنشد ابن شميل شمر :
قد ينطق الشعر الغبي ويلتئي على البين السفاك ، وهو خطيب .
قوله يلتئي أي : يبطئ ، من اللأي ، وهو الإبطاء . وحكى اللحياني في جمعه أبيان وبيناء ، فأما أبيان فكميت وأموات ، قال : شبهوا فيعلا بفاعل حين قالوا : شاهد وأشهاد ، قال : ومثله يعني ميتا وأمواتا ، قيل وأقيال ، وكيس وأكياس ، وأما بيناء فنادر ، والأقيس في ذلك جمعه بالواو ، وهو قول سيبويه . روى سيبويه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : " ابن عباس " ، قال : البيان إظهار المقصود بأبلغ لفظ ، وهو الفهم وذكاء القلب مع اللسن ، وأصله الكشف والظهور ، وقيل : معناه إن الرجل يكون عليه الحق ، وهو أقوم بحجته من خصمه ، فيقلب الحق ببيانه إلى نفسه ; لأن معنى السحر قلب الشيء في عين الإنسان وليس بقلب الأعيان ، وقيل : معناه إنه يبلغ من بيان ذي الفصاحة أنه يمدح الإنسان فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله وحبه ، ثم يذمه فيصدق فيه حتى يصرف القلوب إلى قوله وبغضه ، فكأنه سحر السامعين بذلك ، وهو وجه قوله : إن من البيان لسحرا . وفي الحديث عن إن من البيان لسحرا وإن من الشعر لحكما أبي أمامة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " " ، أراد أنهما خصلتان منشؤهما النفاق ، أما البذاء وهو الفحش فظاهر ، وأما البيان فإنما أراد منه بالذم التعمق في النطق والتفاصح وإظهار التقدم فيه على الناس وكأنه نوع من العجب والكبر ، ولذلك قال في رواية أخرى : البذاء وبعض البيان ; لأنه ليس كل البيان مذموما . وقال الحياء والعي شعبتان من الإيمان ، والبذاء والبيان شعبتان من النفاق في قوله تعالى : الزجاج خلق الإنسان علمه البيان ، قيل : إنه عنى بالإنسان ههنا النبي - صلى الله عليه وسلم - علمه البيان أي : علمه القرآن الذي فيه بيان كل شيء ، وقيل : الإنسان هنا آدم - عليه السلام - ويجوز في اللغة أن يكون الإنسان اسما لجنس الناس جميعا ويكون على هذا علمه البيان جعله مميزا حتى انفصل الإنسان ببيانه وتمييزه من جميع الحيوان . ويقال : بين الرجلين بين بعيد وبون بعيد ، قال أبو مالك : البين الفصل بين الشيئين ، يكون إما حزنا أو بقربه رمل ، وبينهما شيء ليس بحزن ولا سهل . والبون : الفضل والمزية . يقال : بانه يبونه ويبينه ، والواو أفصح ، فأما في البعد فيقال : إن بينهما لبينا لا غير . وقوله في الحديث : أي : يعرب ويشهد عليه . ونخلة بائنة : فاتت كبائسها الكوافير وامتدت عراجينها وطالت ، حكاه أول ما يبين على أحدكم فخذه أبو حنيفة وأنشد لحبيب القشيري :
من كل بائنة تبين عذوقها عنها ، وحاضنة لها ميقار .
قوله : تبين عذوقها يعني أنها تبين عذوقها عن نفسها . والبائن والبائنة من القسي : التي بانت من وترها ، وهي ضد البانية ، إلا أنها عيب ، والباناة مقلوبة عن البانية . الجوهري : البائنة القوس التي بانت عن وترها كثيرا ، وأما التي قربت من وترها حتى كادت تلصق به فهي البانية ، بتقديم النون ، قال : وكلاهما عيب . والباناة : النبل الصغار ، حكاه السكري عن أبي الخطاب . وللناقة حالبان : أحدهما يمسك العلبة من الجانب الأيمن والآخر يحلب من الجانب الأيسر ، والذي يحلب يسمى المستعلي والمعلي ، والذي يمسك يسمى البائن . والبين : الفراق . التهذيب : ومن أمثال العرب : است البائن أعرف ، وقيل : أعلم ، أي : من ولي أمرا ومارسه فهو أعلم به ممن لم يمارسه ، قال : والبائن الذي يقوم على يمين الناقة إذا حلبها ، والجمع البين ، [ ص: 200 ] وقيل : البائن والمستعلي هما الحالبان اللذان يحلبان الناقة أحدهما حالب ، والآخر محلب ، والمعين هو المحلب ، والبائن عن يمين الناقة يمسك العلبة ، والمستعلي الذي عن شمالها ، وهو الحالب يرفع البائن العلبة إليه ، قال : الكميت
يبشر مستعليا بائن من الحالبين ، بأن لا غرارا .
قال الجوهري : والبائن الذي يأتي الحلوبة من قبل شمالها ، والمعلي الذي يأتي من قبل يمينها . والبين ، بالكسر : القطعة من الأرض قدر مد البصر من الطريق ، وقيل : هو ارتفاع في غلظ ، وقيل : هو الفصل بين الأرضين . والبين أيضا : الناحية ، قال الباهلي : الميل قدر ما يدرك بصره من الأرض ، وفصل بين كل أرضين يقال له : بين ، قال : وهي التخوم ، والجمع بيون ، قال ابن مقبل يخاطب الخيال :
لم تسر ليلى ولم تطرق لحاجتها من أهل ريمان ، إلا حاجة فينا
بسرو حمير أبوال البغال به أنى تسديت وهنا ذلك البينا .
ومن كسر التاء والكاف ذهب بالتأنيث إلى ابنة البكري صاحبة الخيال ، قال : والتذكير أصوب . ويقال : سرنا ميلا أي : قدر مد البصر ، وهو البين . وبين : موضع قريب من الحيرة ، ومبين : موضع أيضا ، وقيل : اسم ماء ، قال حنظلة بن مصبح :
يا ريها اليوم على مبين على مبين جرد القصيم
التارك المخاض كالأروم وفحلها أسود كالظليم .
جمع بين النون والميم ، وهذا هو الإكفاء ، قال الجوهري : وهو جائز للمطبوع على قبحه ، يقول يا ري ناقتي على هذا الماء ، فأخرج الكلام مخرج النداء ، وهو تعجب . وبينونة : موضع ; قال :
يا ريح بينونة لا تذمينا جئت بألوان المصفرينا .
وهما بينونتان بينونة القصوى وبينونة الدنيا ، وكلتاهما في شق بني سعد بين عمان ويبرين . التهذيب : بينونة موضع بين عمان والبحرين وبيء . وعدن أبين وإبين : موضع ، وحكى : السيرافي عدن أبين ، وقال : أبين موضع ، ومثل بأبين ولم يفسره ، وقيل : سيبويه عدن أبين اسم قرية على سيف البحر ناحية اليمن . الجوهري : أبين اسم رجل ينسب إليه عدن ، يقال : عدن أبين . والبان : شجر يسمو ويطول في استواء مثل نبات الأثل وورقه أيضا هدب كهدب الأثل وليس لخشبه صلابة ، واحدته بانة ، قال أبو زياد : من العضاه البان وله هدب طوال شديد الخضرة ، وينبت في الهضب ، وثمرته تشبه قرون اللوبياء إلا أن خضرتها شديدة ، ولها حب ومن ذلك الحب يستخرج دهن البان . التهذيب : البانة شجرة لها ثمرة تربب بأفاويه الطيب ثم يعتصر دهنها طيبا ، وجمعها البان ، ولاستواء نباتها ونبات أفنانها وطولها ونعمتها شبه الشعراء الجارية الناعمة ذات الشطاط بها فقيل : كأنها بانة ، وكأنها غصن بان ، قال قيس بن الخطيم :
حوراء جيداء يستضاء بها كأنها خوط بانة قصف .
: قضينا على ألف البان بالياء ، وإن كانت عينا لغلبة ( ب ي ن ) على ( ب و ن ) . ابن سيده