[ ص: 284 ] وأما إن قيل : لا بد من دليل شرعي يدل على حلها ، سواء كان عاما أو خاصا ، فعنه جوابان :
أحدهما : المنع كما تقدم . والثاني : أن نقول : قد دلت الأدلة الشرعية العامة على
nindex.php?page=treesubj&link=27608حل العقود والشروط جملة ، إلا ما استثناه الشارع . وما عارضوا به سنتكلم عنه إن شاء الله ، فلم يبق إلا القول الثالث وهو المقصود .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004097أيما شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ، وإن كان مائة شرط ، كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق ، فالشرط يراد به المصدر تارة ، والمفعول أخرى . وكذلك الوعد والخلف . ومنه قولهم : درهم ضرب الأمير ، والمراد به هنا - والله أعلم - المشروط ، لا نفس التكلم . ولهذا قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004098وإن كان مائة شرط ، أي : وإن كان قد شرط مائة شرط ، وليس المراد تعديد التكلم بالشرط ، وإنما المراد تعديد المشروط . والدليل على ذلك قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004092كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق ، أي : كتاب الله أحق من هذا الشرط ، وشرط الله أوثق منه ، وهذا إنما يكون إذا خالف ذلك الشرط كتاب الله وشرطه ، بأن يكون المشروط مما حرمه الله تعالى .
وأما إذا كان المشروط مما لم يحرمه الله ، فلم يخالف كتاب الله وشرطه ، حتى يقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004092كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق " فيكون المعنى : من اشترط أمرا ليس في حكم الله ولا في كتابه ، بواسطة وبغير واسطة فهو باطل ؛ لأنه لا بد أن يكون المشروط مما يباح فعله بدون الشرط ، حتى يصح اشتراطه ويجب بالشرط ، ولما لم يكن في كتاب الله أن الولاء لغير المعتق أبدا كان هذا المشروط - وهو
[ ص: 285 ] ثبوت الولاء لغير المعتق - شرطا ليس في كتاب الله . فانظر إلى المشروط إن كان [ فعلا ] أو حكما . فإن كان الله قد أباحه : جاز اشتراطه ووجب ، وإن كان الله لم يبحه : لم يجز اشتراطه . فإذا شرط الرجل أن لا يسافر بزوجته ، فهذا المشروط في كتاب الله ؛ لأن كتاب الله يبيح أن لا يسافر بها . فإذا شرط عدم السفر فقد شرط مشروطا مباحا في كتاب الله .
فمضمون الحديث : أن
nindex.php?page=treesubj&link=27668المشروط إذا لم يكن من الأفعال المباحة ، أو يقال : ليس في كتاب الله ، أي : [ في ] كتاب الله نفيه ، كما قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004099سيكون أقوام يحدثونكم بما لم تعرفوا أنتم ولا آباؤكم " أي : بما تعرفون خلافه ، وإلا فما لا يعرف كثير .
ثم نقول : إذا لم يرد النبي صلى الله عليه وسلم أن العقود والشروط التي لم يبحها الشارع تكون باطلة ، بمعنى : أنه لا يلزم بها شيء ، لا إيجاب ولا تحريم ، فإن هذا خلاف الكتاب والسنة ، بل العقود والشروط المحرمة قد يلزم بها أحكام ، فإن الله قد حرم
nindex.php?page=treesubj&link=23271عقد الظهار في نفس كتابه ، وسماه (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2منكرا من القول وزورا ) ، ثم إنه أوجب به ، على من عاد : الكفارة ، ومن لم يعد : جعل في حقه مقصود التحريم من ترك الوطء أو ترك العقد . وكذا النذر ، فإن
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004100النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن النذر ، كما ثبت ذلك عنه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004101إنه لا يأتي بخير " ثم أوجب الوفاء به إذا كان طاعة في قوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004102من nindex.php?page=treesubj&link=4180نذر [ ص: 286 ] أن يطيع الله فليطعه ، ومن nindex.php?page=treesubj&link=4181نذر أن يعصي الله فلا يعصه " .
فالعقد المحرم قد يكون سببا لإيجاب أو تحريم . نعم لا يكون سببا لإباحة ، كما أنه لما نهي عن
nindex.php?page=treesubj&link=4803بيوع الغرر ، وعن عقد الربا ، وعن نكاح ذوات المحارم ، ونحو ذلك ، لم يستفد المنهي بفعله لما نهي عنه الاستباحة ؛ لأن المنهي عنه معصية . والأصل في المعاصي أنها لا تكون سببا لنعمة الله ورحمته ، والإباحة من نعمة الله ورحمته ، وإن كانت قد تكون سببا للإملاء ، ولفتح أبواب الدنيا ، لكن ذلك قدر ليس بشرع . بل قد يكون سببا لعقوبة الله والإيجاب ، والتحريم قد يكون عقوبة كما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم ) [ النساء : 160 ] ، وإن كان قد يكون رحمة أيضا ، كما جاءت شريعتنا الحنيفية .
والمخالفون في هذه القاعدة من أهل الظاهر ونحوهم قد يجعلون كل ما لم يؤذن فيه إذن خاص : فهو عقد حرام ، وكل عقد حرام فوجوده كعدمه ، وكلا المقدمتين ممنوعة ، كما تقدم .
وقد يجاب عن هذه الحجة بطريقة ثانية ، إن كان النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن الشروط التي لم يبحها [ الله ] ، وإن كان لم يحرمها باطلة . فنقول :
قد ذكرنا ما في الكتاب والسنة والآثار من الأدلة الدالة على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=30945الوفاء بالعهود والشروط عموما ، وأن المقصود هو وجوب الوفاء بها . وعلى هذا التقدير ، فوجوب الوفاء بها يقتضي أن تكون
[ ص: 287 ] مباحة ، فإنه إذا وجب الوفاء بها لم تكن باطلة ، وإذا لم تكن باطلة كانت مباحة ، وذلك لأن قوله : " ليس في كتاب الله " ، إنما يشمل ما ليس في كتاب الله لا بعمومه ولا بخصوصه ، وإنما دل كتاب الله على إباحته بعمومه فإنه في كتاب الله ؛ لأن قولنا : هذا في كتاب الله ، يعم ما هو فيه بالخصوص أو بالعموم . وعلى هذا معنى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111ولكن تصديق الذي بين يديه ) [ يوسف : 111 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38ما فرطنا في الكتاب من شيء ) [ الأنعام : 38 ] على قول من جعل الكتاب هو القرآن ، وأما على قول من جعله اللوح المحفوظ : فلا يجيء هاهنا .
يدل على ذلك : أن الشرط الذي بينا جوازه بسنة أو إجماع صحيح بالاتفاق ، فيجب أن يكون في كتاب الله . وقد لا يكون في كتاب الله بخصوصه ، لكن في كتاب الله الأمر باتباع السنة واتباع سبيل المؤمنين ، فيكون في كتاب الله بهذا الاعتبار ؛ لأن جامع الجامع جامع ، ودليل الدليل دليل بهذا الاعتبار .
يبقى أن يقال على هذا الجواب : فإذا كان كتاب الله أوجب الوفاء بالشروط عموما ، فشرط الولاء داخل في العموم .
[ فيقال ] : العموم إنما يكون دالا إذا لم ينفه دليل خاص ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=21162_28099_27847الخاص يفسر العام . وهذا المشروط قد نفاه النبي صلى الله عليه وسلم بنهيه عن
nindex.php?page=treesubj&link=7626_7627بيع الولاء وعن هبته . وقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004103من ادعى إلى غير أبيه ، أو تولى غير مواليه ، فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين . ودل الكتاب على ذلك بقوله تعالى :
[ ص: 288 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه وما جعل أزواجكم اللائي تظاهرون منهن أمهاتكم وما جعل أدعياءكم أبناءكم ذلكم قولكم بأفواهكم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم ) [ الأحزاب : 4 - 5 ] ، فأوجب علينا دعاءه لأبيه الذي ولده ، دون من تبناه . وحرم
nindex.php?page=treesubj&link=28410التبني ، ثم أمر عند عدم العلم بالأب بأن يدعى أخاه في الدين ومولاه ، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=138لزيد بن حارثة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004104أنت أخونا ومولانا ، وقال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004105إخوانكم خولكم ، جعلهم الله تحت أيديكم ، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل ، وليكسه مما يلبس .
فجعل سبحانه
nindex.php?page=treesubj&link=7625الولاء نظير النسب ، وبين سبب الولاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ) ، فبين أن
nindex.php?page=treesubj&link=7595سبب الولاء : هو الإنعام بالإعتاق ، كما أن سبب النسب هو الإنعام بالإيلاد . فإذا كان قد حرم الانتقال عن المنعم بالإيلاد ، فكذلك يحرم الانتقال عن المنعم بالإعتاق لأنه في معناه ، فمن اشترط على المشتري أن يعتق ويكون الولاء لغيره فهو كمن اشترط على المستنكح أنه إذا أولد كان النسب لغيره .
وإلى هذا المعنى أشار النبي صلى الله عليه وسلم في قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004106إنما nindex.php?page=treesubj&link=26204الولاء لمن أعتق .
وإذا كان كتاب الله قد دل على تحريم هذا المشروط بخصوصه وعمومه ، لم يدخل في العهود التي أمر الله بالوفاء بها ؛ لأنه سبحانه لا يأمر بما حرمه ، مع أن الذي يغلب على القلب
[ ص: 289 ] أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يرد إلا المعنى الأول ، وهو إبطال الشروط التي تنافي كتاب الله . والتقدير : من اشترط شيئا لم يبحه الله فيكون المشروط قد حرمه ؛ لأن كتاب الله قد أباح عموما لم يحرمه ، أو من اشترط ما ينافي كتاب الله ، بدليل قوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004092كتاب الله أحق ، وشرط الله أوثق . فإذا ظهر أن لعدم تحريم العقود والشروط جملة وصحتها [ أصلين ] : الأدلة الشرعية العامة ، والأدلة العقلية التي هي الاستصحاب ، وانتفاء المحرم ، فلا يجوز القول بموجب هذه القاعدة في أنواع المسائل وأعيانها إلا بعد الاجتهاد في خصوص ذلك النوع أو المسألة : هل ورد من الأدلة الشرعية ما يقتضي التحريم أم لا ؟ .
أما إذا كان المدرك الاستصحاب ونفي الدليل الشرعي : فقد أجمع المسلمون وعلم بالاضطرار من دين الإسلام أنه لا يجوز لأحد أن يعتقد ويفتي بموجب هذا الاستصحاب والنفي إلا بعد البحث عن الأدلة الخاصة إذا كان من أهل ذلك . فإن جميع ما أوجبه الله ورسوله ، وحرمه الله ورسوله ، [ مغير ] لهذا الاستصحاب ، فلا يوثق به إلا بعد النظر في أدلة الشرع لمن هو من أهل ذاك . وأما إذا كان المدرك هو النصوص العامة : فالعام الذي كثرت تخصيصاته المنتشرة أيضا لا يجوز التمسك به ، إلا بعد البحث عن تلك المسألة : هل هي من المستخرج أو من المستبقى ؟ وهذا أيضا لا خلاف فيه ، وإنما اختلف العلماء في
nindex.php?page=treesubj&link=21141العموم الذي لم يعلم تخصيصه ، أو علم تخصيص صور معينة فيه : هل يجوز استعماله فيما عدا ذلك قبل البحث عن
[ ص: 290 ] المخصص المعارض له ؟ فقد اختلف في ذلك أصحاب الشافعي وأحمد وغيرهما . وذكروا عن أحمد فيه روايتين ، وأكثر نصوصه على أنه لا يجوز لأهل زمانه ونحوهم استعمال ظواهر الكتاب قبل البحث عما يفسرها من السنة ، وأقوال الصحابة والتابعين وغيرهم . وهذا هو الصحيح الذي اختاره
أبو الخطاب وغيره ، فإن الظاهر الذي لا يغلب على الظن انتفاء ما يعارضه لا يغلب على الظن مقتضاه ، فإذا غلب على الظن انتفاء معارضه غلب على الظن مقتضاه . وهذه الغلبة لا تحصل للمتأخرين في أكثر العمومات إلا بعد البحث عن المعارض ، سواء جعل عدم المعارض جزءا من الدليل ، فيكون الدليل هو الظاهر المجرد عن القرينة - كما يختاره من لا يقول بتخصيص الدليل ولا العلة من أصحابنا وغيرهم - أو جعل المعارض [ المانع ] للدليل ، فيكون الدليل هو الظاهر ، لكن القرينة مانعة لدلالته ، كما يقوله من يقول بتخصيص الدليل والعلة من أصحابنا وغيرهم ، وإن كان الخلاف في ذلك إنما يعود إلى اعتبار عقلي ، أو إطلاق لفظي ، أو اصطلاح جدلي ، لا [ يرجع ] إلى أمر علمي أو فقهي .
فإذا كان كذلك فالأدلة النافية لتحريم العقود والشروط والمثبتة لحلها : مخصوصة بجميع ما حرمه الله ورسوله من العقود والشروط ، فلا ينتفع بهذه القاعدة في أنواع المسائل إلا مع العلم بالحجج الخاصة في ذلك النوع ، فهي بأصول الفقه - التي هي الأدلة العامة - أشبه منها بقواعد الفقه ، التي هي الأحكام العامة .
[ ص: 284 ] وَأَمَّا إِنْ قِيلَ : لَا بُدَّ مِنْ دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ يَدُلُّ عَلَى حِلِّهَا ، سَوَاءٌ كَانَ عَامًّا أَوْ خَاصًّا ، فَعَنْهُ جَوَابَانِ :
أَحَدُهُمَا : الْمَنْعُ كَمَا تَقَدَّمَ . وَالثَّانِي : أَنْ نَقُولَ : قَدْ دَلَّتِ الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=27608حِلِّ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ جُمْلَةً ، إِلَّا مَا اسْتَثْنَاهُ الشَّارِعُ . وَمَا عَارَضُوا بِهِ سَنَتَكَلَّمُ عَنْهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا الْقَوْلُ الثَّالِثُ وَهُوَ الْمَقْصُودُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004097أَيُّمَا شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ، فَالشَّرْطُ يُرَادُ بِهِ الْمَصْدَرُ تَارَةً ، وَالْمَفْعُولُ أُخْرَى . وَكَذَلِكَ الْوَعْدُ وَالْخَلْفُ . وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ : دِرْهَمٌ ضَرْبُ الْأَمِيرِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ هُنَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - الْمَشْرُوطُ ، لَا نَفْسُ التَّكَلُّمِ . وَلِهَذَا قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004098وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ ، أَيْ : وَإِنْ كَانَ قَدْ شَرَطَ مِائَةَ شَرْطٍ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ تَعْدِيدُ التَّكَلُّمِ بِالشَّرْطِ ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَعْدِيدُ الْمَشْرُوطِ . وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004092كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ ، أَيْ : كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ مِنْ هَذَا الشَّرْطِ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ مِنْهُ ، وَهَذَا إِنَّمَا يَكُونُ إِذَا خَالَفَ ذَلِكَ الشَّرْطُ كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ ، بِأَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ ، فَلَمْ يُخَالِفْ كِتَابَ اللَّهِ وَشَرْطَهُ ، حَتَّى يُقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004092كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ " فَيَكُونُ الْمَعْنَى : مَنِ اشْتَرَطَ أَمْرًا لَيْسَ فِي حُكْمِ اللَّهِ وَلَا فِي كِتَابِهِ ، بِوَاسِطَةٍ وَبِغَيْرِ وَاسِطَةٍ فَهُوَ بَاطِلٌ ؛ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ الْمَشْرُوطُ مِمَّا يُبَاحُ فِعْلُهُ بِدُونِ الشَّرْطِ ، حَتَّى يَصِحَّ اشْتِرَاطُهُ وَيَجِبَ بِالشَّرْطِ ، وَلَمَّا لَمْ يَكُنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَنَّ الْوَلَاءَ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ أَبَدًا كَانَ هَذَا الْمَشْرُوطُ - وَهُوَ
[ ص: 285 ] ثُبُوتُ الْوَلَاءِ لِغَيْرِ الْمُعْتِقِ - شَرْطًا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . فَانْظُرْ إِلَى الْمَشْرُوطِ إِنْ كَانَ [ فِعْلًا ] أَوْ حُكْمًا . فَإِنْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَبَاحَهُ : جَازَ اشْتِرَاطُهُ وَوَجَبَ ، وَإِنْ كَانَ اللَّهُ لَمْ يُبِحْهُ : لَمْ يَجُزِ اشْتِرَاطُهُ . فَإِذَا شَرَطَ الرَّجُلُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِزَوْجَتِهِ ، فَهَذَا الْمَشْرُوطُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ يُبِيحُ أَنْ لَا يُسَافِرَ بِهَا . فَإِذَا شَرَطَ عَدَمَ السَّفَرِ فَقَدْ شَرَطَ مَشْرُوطًا مُبَاحًا فِي كِتَابِ اللَّهِ .
فَمَضْمُونُ الْحَدِيثِ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=27668الْمَشْرُوطَ إِذَا لَمْ يَكُنْ مِنَ الْأَفْعَالِ الْمُبَاحَةِ ، أَوْ يُقَالُ : لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ ، أَيْ : [ فِي ] كِتَابِ اللَّهِ نَفْيُهُ ، كَمَا قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004099سَيَكُونُ أَقْوَامٌ يُحَدِّثُونَكُمْ بِمَا لَمْ تَعْرِفُوا أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ " أَيْ : بِمَا تَعْرِفُونَ خِلَافَهُ ، وَإِلَّا فَمَا لَا يُعْرَفُ كَثِيرٌ .
ثُمَّ نَقُولُ : إِذَا لَمْ يُرِدِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْعُقُودَ وَالشُّرُوطَ الَّتِي لَمْ يُبِحْهَا الشَّارِعُ تَكُونُ بَاطِلَةً ، بِمَعْنَى : أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ بِهَا شَيْءٌ ، لَا إِيجَابٌ وَلَا تَحْرِيمٌ ، فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ ، بَلِ الْعُقُودُ وَالشُّرُوطُ الْمُحَرَّمَةُ قَدْ يَلْزَمُ بِهَا أَحْكَامٌ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ حَرَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=23271عَقْدَ الظِّهَارِ فِي نَفْسِ كِتَابِهِ ، وَسَمَّاهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا ) ، ثُمَّ إِنَّهُ أَوْجَبَ بِهِ ، عَلَى مَنْ عَادَ : الْكَفَّارَةَ ، وَمَنْ لَمْ يَعُدْ : جُعِلَ فِي حَقِّهِ مَقْصُودُ التَّحْرِيمِ مِنْ تَرْكِ الْوَطْءِ أَوْ تَرْكِ الْعَقْدِ . وَكَذَا النَّذْرُ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004100النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ النَّذْرِ ، كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ عَنْهُ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ nindex.php?page=showalam&ids=12وَابْنِ عُمَرَ وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004101إِنَّهُ لَا يَأْتِي بِخَيْرٍ " ثُمَّ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِهِ إِذَا كَانَ طَاعَةً فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004102مَنْ nindex.php?page=treesubj&link=4180نَذَرَ [ ص: 286 ] أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ nindex.php?page=treesubj&link=4181نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَ اللَّهَ فَلَا يَعْصِهِ " .
فَالْعَقْدُ الْمُحَرَّمُ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِإِيجَابٍ أَوْ تَحْرِيمٍ . نَعَمْ لَا يَكُونُ سَبَبًا لِإِبَاحَةٍ ، كَمَا أَنَّهُ لَمَّا نُهِيَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=4803بُيُوعِ الْغَرَرِ ، وَعَنْ عَقْدِ الرِّبَا ، وَعَنْ نِكَاحِ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ ، وَنَحْوِ ذَلِكَ ، لَمْ يَسْتَفِدِ الْمَنْهِيُّ بِفِعْلِهِ لِمَا نُهِيَ عَنْهُ الِاسْتِبَاحَةَ ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ مَعْصِيَةٌ . وَالْأَصْلُ فِي الْمَعَاصِي أَنَّهَا لَا تَكُونُ سَبَبًا لِنِعْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَالْإِبَاحَةُ مِنْ نِعْمَةِ اللَّهِ وَرَحْمَتِهِ ، وَإِنْ كَانَتْ قَدْ تَكُونُ سَبَبًا لِلْإِمْلَاءِ ، وَلِفَتْحِ أَبْوَابِ الدُّنْيَا ، لَكِنَّ ذَلِكَ قَدَرٌ لَيْسَ بِشَرْعٍ . بَلْ قَدْ يَكُونُ سَبَبًا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ وَالْإِيجَابِ ، وَالتَّحْرِيمُ قَدْ يَكُونُ عُقُوبَةً كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ ) [ النِّسَاءِ : 160 ] ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ رَحْمَةً أَيْضًا ، كَمَا جَاءَتْ شَرِيعَتُنَا الْحَنِيفِيَّةُ .
وَالْمُخَالِفُونَ فِي هَذِهِ الْقَاعِدَةِ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَنَحْوِهِمْ قَدْ يَجْعَلُونَ كُلَّ مَا لَمْ يُؤْذَنْ فِيهِ إِذْنٌ خَاصٌّ : فَهُوَ عَقْدٌ حَرَامٌ ، وَكُلُّ عَقْدٍ حَرَامٍ فَوُجُودُهُ كَعَدَمِهِ ، وَكِلَا الْمُقَدِّمَتَيْنِ مَمْنُوعَةٌ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
وَقَدْ يُجَابُ عَنْ هَذِهِ الْحُجَّةِ بِطَرِيقَةٍ ثَانِيَةٍ ، إِنْ كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنَّ الشُّرُوطَ الَّتِي لَمْ يُبِحْهَا [ اللَّهُ ] ، وَإِنْ كَانَ لَمْ يُحَرِّمْهَا بَاطِلَةٌ . فَنَقُولُ :
قَدْ ذَكَرْنَا مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْآثَارِ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=30945الْوَفَاءِ بِالْعُهُودِ وَالشُّرُوطِ عُمُومًا ، وَأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ وُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهَا . وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ ، فَوُجُوبُ الْوَفَاءِ بِهَا يَقْتَضِي أَنْ تَكُونَ
[ ص: 287 ] مُبَاحَةً ، فَإِنَّهُ إِذَا وَجَبَ الْوَفَاءُ بِهَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً ، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ بَاطِلَةً كَانَتْ مُبَاحَةً ، وَذَلِكَ لِأَنَّ قَوْلَهُ : " لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ " ، إِنَّمَا يَشْمَلُ مَا لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ لَا بِعُمُومِهِ وَلَا بِخُصُوصِهِ ، وَإِنَّمَا دَلَّ كِتَابُ اللَّهِ عَلَى إِبَاحَتِهِ بِعُمُومِهِ فَإِنَّهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ ؛ لِأَنَّ قَوْلَنَا : هَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ، يَعُمُّ مَا هُوَ فِيهِ بِالْخُصُوصِ أَوْ بِالْعُمُومِ . وَعَلَى هَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=89وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=111وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ) [ يُوسُفَ : 111 ] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=38مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) [ الْأَنْعَامِ : 38 ] عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَ الْكِتَابَ هُوَ الْقُرْآنُ ، وَأَمَّا عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ اللَّوْحَ الْمَحْفُوظَ : فَلَا يَجِيءُ هَاهُنَا .
يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ : أَنَّ الشَّرْطَ الَّذِي بَيَّنَّا جَوَازَهُ بِسُنَّةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ صَحِيحٌ بِالِاتِّفَاقِ ، فَيَجِبُ أَنْ يَكُونَ فِي كِتَابِ اللَّهِ . وَقَدْ لَا يَكُونُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِخُصُوصِهِ ، لَكِنْ فِي كِتَابِ اللَّهِ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَاتِّبَاعِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ، فَيَكُونُ فِي كِتَابِ اللَّهِ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ؛ لِأَنَّ جَامِعَ الْجَامِعِ جَامِعٌ ، وَدَلِيلَ الدَّلِيلِ دَلِيلٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ .
يَبْقَى أَنْ يُقَالَ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ : فَإِذَا كَانَ كِتَابُ اللَّهِ أَوْجَبَ الْوَفَاءَ بِالشُّرُوطِ عُمُومًا ، فَشَرْطُ الْوَلَاءِ دَاخِلٌ فِي الْعُمُومِ .
[ فَيُقَالُ ] : الْعُمُومُ إِنَّمَا يَكُونُ دَالًّا إِذَا لَمْ يَنْفِهِ دَلِيلٌ خَاصٌّ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=21162_28099_27847الْخَاصَّ يُفَسِّرُ الْعَامَّ . وَهَذَا الْمَشْرُوطُ قَدْ نَفَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِنَهْيِهِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=7626_7627بَيْعِ الْوَلَاءِ وَعَنْ هِبَتِهِ . وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004103مَنِ ادَّعَى إِلَى غَيْرِ أَبِيهِ ، أَوْ تَوَلَّى غَيْرَ مَوَالِيهِ ، فَعَلَيْهِ لَعْنَةُ اللَّهُ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ . وَدَلَّ الْكِتَابُ عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 288 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=4مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=5ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ ) [ الْأَحْزَابِ : 4 - 5 ] ، فَأَوْجَبَ عَلَيْنَا دُعَاءَهُ لِأَبِيهِ الَّذِي وَلَدَهُ ، دُونَ مَنْ تَبَنَّاهُ . وَحَرَّمَ
nindex.php?page=treesubj&link=28410التَّبَنِّي ، ثُمَّ أَمَرَ عِنْدَ عَدَمِ الْعِلْمِ بِالْأَبِ بِأَنْ يُدْعَى أَخَاهُ فِي الدِّينِ وَمَوْلَاهُ ، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=showalam&ids=138لِزَيْدِ بْنِ حَارِثَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004104أَنْتَ أَخُونَا وَمَوْلَانَا ، وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004105إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ ، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ ، وَلْيَكْسُهُ مِمَّا يَلْبَسُ .
فَجَعَلَ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=7625الْوَلَاءَ نَظِيرَ النِّسَبِ ، وَبَيَّنَ سَبَبَ الْوَلَاءِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=37وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ ) ، فَبَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=7595سَبَبَ الْوَلَاءِ : هُوَ الْإِنْعَامُ بِالْإِعْتَاقِ ، كَمَا أَنَّ سَبَبَ النَّسَبِ هُوَ الْإِنْعَامُ بِالْإِيلَادِ . فَإِذَا كَانَ قَدْ حَرُمَ الِانْتِقَالُ عَنِ الْمُنْعِمِ بِالْإِيلَادِ ، فَكَذَلِكَ يَحْرُمُ الِانْتِقَالُ عَنِ الْمُنْعِمِ بِالْإِعْتَاقِ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَاهُ ، فَمَنِ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُشْتَرِي أَنْ يُعْتِقَ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِغَيْرِهِ فَهُوَ كَمَنِ اشْتَرَطَ عَلَى الْمُسْتَنْكِحِ أَنَّهُ إِذَا أَوْلَدَ كَانَ النَّسَبُ لِغَيْرِهِ .
وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004106إِنَّمَا nindex.php?page=treesubj&link=26204الْوَلَاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ .
وَإِذَا كَانَ كِتَابُ اللَّهِ قَدْ دَلَّ عَلَى تَحْرِيمِ هَذَا الْمَشْرُوطِ بِخُصُوصِهِ وَعُمُومِهِ ، لَمْ يَدْخُلْ فِي الْعُهُودِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِالْوَفَاءِ بِهَا ؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَا يَأْمُرُ بِمَا حَرَّمَهُ ، مَعَ أَنَّ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى الْقَلْبِ
[ ص: 289 ] أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُرِدْ إِلَّا الْمَعْنَى الْأَوَّلَ ، وَهُوَ إِبْطَالُ الشُّرُوطِ الَّتِي تُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ . وَالتَّقْدِيرُ : مَنِ اشْتَرَطَ شَيْئًا لَمْ يُبِحْهُ اللَّهُ فَيَكُونُ الْمَشْرُوطُ قَدْ حَرَّمَهُ ؛ لِأَنَّ كِتَابَ اللَّهِ قَدْ أَبَاحَ عُمُومًا لَمْ يُحَرِّمْهُ ، أَوْ مَنِ اشْتَرَطَ مَا يُنَافِي كِتَابَ اللَّهِ ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16004092كِتَابُ اللَّهِ أَحَقُّ ، وَشَرْطُ اللَّهِ أَوْثَقُ . فَإِذَا ظَهَرَ أَنَّ لِعَدَمِ تَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ جُمْلَةٌ وَصِحَّتُهَا [ أَصْلَيْنِ ] : الْأَدِلَّةُ الشَّرْعِيَّةُ الْعَامَّةُ ، وَالْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ الَّتِي هِيَ الِاسْتِصْحَابُ ، وَانْتِفَاءُ الْمُحَرِّمِ ، فَلَا يَجُوزُ الْقَوْلُ بِمُوجَبِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَنْوَاعِ الْمَسَائِلِ وَأَعْيَانِهَا إِلَّا بَعْدَ الِاجْتِهَادِ فِي خُصُوصِ ذَلِكَ النَّوْعِ أَوِ الْمَسْأَلَةِ : هَلْ وَرَدَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ مَا يَقْتَضِي التَّحْرِيمَ أَمْ لَا ؟ .
أَمَّا إِذَا كَانَ الْمُدْرَكُ الِاسْتِصْحَابُ وَنَفْيُ الدَّلِيلِ الشَّرْعِيِّ : فَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ وَعُلِمَ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِ الْإِسْلَامِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ أَنَّ يَعْتَقِدَ وَيُفْتِيَ بِمُوجَبِ هَذَا الِاسْتِصْحَابِ وَالنَّفْيِ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنِ الْأَدِلَّةِ الْخَاصَّةِ إِذَا كَانَ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ . فَإِنَّ جَمِيعَ مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، وَحَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ ، [ مُغَيِّرٌ ] لِهَذَا الِاسْتِصْحَابِ ، فَلَا يُوثَقُ بِهِ إِلَّا بَعْدَ النَّظَرِ فِي أَدِلَّةِ الشَّرْعِ لِمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ ذَاكَ . وَأَمَّا إِذَا كَانَ الْمُدْرَكُ هُوَ النُّصُوصُ الْعَامَّةُ : فَالْعَامُّ الَّذِي كَثُرَتْ تَخْصِيصَاتُهُ الْمُنْتَشِرَةُ أَيْضًا لَا يَجُوزُ التَّمَسُّكُ بِهِ ، إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنْ تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ : هَلْ هِيَ مِنَ الْمُسْتَخْرَجِ أَوْ مِنَ الْمُسْتَبْقَى ؟ وَهَذَا أَيْضًا لَا خِلَافَ فِيهِ ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=21141الْعُمُومِ الَّذِي لَمْ يُعْلَمْ تَخْصِيصُهُ ، أَوْ عُلِمَ تَخْصِيصُ صُوَرٍ مُعَيَّنَةٍ فِيهِ : هَلْ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ فِيمَا عَدَا ذَلِكَ قَبْلَ الْبَحْثِ عَنِ
[ ص: 290 ] الْمُخَصِّصِ الْمُعَارِضِ لَهُ ؟ فَقَدِ اخْتَلَفَ فِي ذَلِكَ أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرُهُمَا . وَذَكَرُوا عَنْ أَحْمَدَ فِيهِ رِوَايَتَيْنِ ، وَأَكْثَرُ نُصُوصِهِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُ لِأَهْلِ زَمَانِهِ وَنَحْوِهِمُ اسْتِعْمَالَ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ قَبْلَ الْبَحْثِ عَمَّا يُفَسِّرُهَا مِنَ السُّنَّةِ ، وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعَيْنِ وَغَيْرِهِمْ . وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ
أبو الخطاب وَغَيْرُهُ ، فَإِنَّ الظَّاهِرَ الَّذِي لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ مَا يُعَارِضُهُ لَا يَغْلِبُ عَلَى الظَّنِّ مُقْتَضَاهُ ، فَإِذَا غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ انْتِفَاءُ مُعَارِضِهِ غَلَبَ عَلَى الظَّنِّ مُقْتَضَاهُ . وَهَذِهِ الْغَلَبَةُ لَا تَحْصُلُ لِلْمُتَأَخِّرِينَ فِي أَكْثَرِ الْعُمُومَاتِ إِلَّا بَعْدَ الْبَحْثِ عَنِ الْمَعَارِضِ ، سَوَاءٌ جُعِلَ عَدَمُ الْمَعَارِضِ جُزْءًا مِنَ الدَّلِيلِ ، فَيَكُونُ الدَّلِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ الْمُجَرَّدُ عَنِ الْقَرِينَةِ - كَمَا يَخْتَارُهُ مَنْ لَا يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الدَّلِيلِ وَلَا الْعِلَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ - أَوْ جُعِلَ الْمُعَارِضُ [ الْمَانِعَ ] لِلدَّلِيلِ ، فَيَكُونُ الدَّلِيلُ هُوَ الظَّاهِرُ ، لَكِنَّ الْقَرِينَةَ مَانِعَةٌ لِدَلَالَتِهِ ، كَمَا يَقُولُهُ مَنْ يَقُولُ بِتَخْصِيصِ الدَّلِيلِ وَالْعِلَّةِ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ ، وَإِنْ كَانَ الْخِلَافُ فِي ذَلِكَ إِنَّمَا يَعُودُ إِلَى اعْتِبَارٍ عَقْلِيٍّ ، أَوْ إِطْلَاقٍ لَفْظِيٍّ ، أَوِ اصْطِلَاحٍ جَدَلِيٍّ ، لَا [ يَرْجِعُ ] إِلَى أَمْرٍ عِلْمِيٍّ أَوْ فِقْهِيٍّ .
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْأَدِلَّةُ النَّافِيَةُ لِتَحْرِيمِ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ وَالْمُثْبِتَةُ لِحِلِّهَا : مَخْصُوصَةٌ بِجَمِيعِ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ مِنَ الْعُقُودِ وَالشُّرُوطِ ، فَلَا يُنْتَفَعُ بِهَذِهِ الْقَاعِدَةِ فِي أَنْوَاعِ الْمَسَائِلِ إِلَّا مَعَ الْعِلْمِ بِالْحُجَجِ الْخَاصَّةِ فِي ذَلِكَ النَّوْعِ ، فَهِيَ بِأُصُولِ الْفِقْهِ - الَّتِي هِيَ الْأَدِلَّةُ الْعَامَّةُ - أَشْبَهُ مِنْهَا بِقَوَاعِدِ الْفِقْهِ ، الَّتِي هِيَ الْأَحْكَامُ الْعَامَّةُ .