[ ص: 111 ] كتاب آداب الكسب والمعاش
: فضل الكسب والحث عليه
أما من الكتاب فقوله تعالى : ( وجعلنا النهار معاشا ) [ النبأ : 11 ] فذكره في معرض الامتنان ، وقال تعالى : ( وجعلنا لكم فيها معايش قليلا ما تشكرون ) [ الأعراف : 10 ] فجعلها ربك نعمة وطلب الشكر عليها ، وقال تعالى : ( فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله ) [ الجمعة : 10 ] .
وأما الأخبار فمنها قوله صلى الله عليه وسلم : ، لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره خير من أن يأتي رجلا أعطاه الله من فضله فيسأله أعطاه أو منعه . وكان صلى الله عليه وسلم جالسا مع أصحابه ذات يوم فنظروا إلى شاب ذي جلد وقوة وقد بكر يسعى فقالوا : " ويح هذا لو كان شبابه وجلده في سبيل الله تعالى " فقال صلى الله عليه وسلم : لا تقولوا هذا فإنه إن كان خرج يسعى على ولده صغارا فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله ، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان
وقيل : " ، وقال صلى الله عليه وسلم : يا رسول الله أي الكسب أطيب ؟ قال : عمل الرجل بيده وكل بيع مبرور أي بأن أتقن وتجنب الغش وقام بحق الصنعة . خير الكسب كسب العامل إذا نصح
وقال " عمر " رضي الله عنه : " لا يقعد أحدكم عن طلب الرزق ويقول اللهم ارزقني فقد علمتم أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة " .
وقال " " رضي الله عنه : " إني لأكره أن أرى الرجل فارغا لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته " . ابن مسعود
وقيل : " " رضي الله عنه : ما تقول فيمن جلس في بيته أو مسجده وقال : لا أعمل شيئا حتى يأتيني رزقي " ؟ فقال : " لأحمد بن حنبل أحمد " : هذا رجل جهل العلم أما سمع قول النبي صلى الله عليه وسلم : . وقوله عليه السلام حين ذكر الطير فقال : إن الله جعل رزقي [ ص: 112 ] تحت ظل رمحي فذكر أنها تغدو في طلب الرزق . تغدو خماصا وتروح بطانا
وكان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يتجرون في البر والبحر ويعملون في نخيلهم ، والقدوة بهم .
ومن ليس له مال موروث فلا ينجيه من ذلك إلا الكسب والتجارة ; نعم ترك الكسب أفضل لعالم مشتغل بتربية علم الظاهر مما ينتفع الناس به في دينهم كالمفتي - أي الفقيه والمفسر والمحدث وأمثالهم - أو رجل مشتغل بمصالح المسلمين كالسلطان والقاضي والشاهد ، فهؤلاء إذا كان يكفون من الأموال المرصدة للمصالح أو الأوقاف المسبلة على الفقراء أو العلماء فإقبالهم على ما هم فيه أفضل من اشتغالهم بالكسب ، ولهذا أشار الصحابة على " أبي بكر " رضي الله عنهم بترك التجارة لما ولي الخلافة إذ كان ذلك يشغله عن المصالح ، وكان يأخذ كفايته من مال المصالح ، ورأى ذلك أولى ، ثم لما توفي أوصى برده إلى بيت المال ولكنه رآه في الابتداء أولى .