الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                  معلومات الكتاب

                                                                  موعظة المؤمنين من إحياء علوم الدين

                                                                  القاسمي - محمد جمال الدين القاسمي

                                                                  درجات الحلال والحرام :

                                                                  اعلم أن الحرام كله خبيث لكن بعضه أخبث من بعض ، والحلال كله طيب ولكن بعضه أطيب من بعض ، وأصفى من بعض ، ولذا كان الورع عن الحرام على درجات ، فمنه الورع عن كل ما تحرمه فتاوى الفقهاء ، ومنه الورع عما يتطرق إليه احتمال التحريم ، ومنه ما لا شبهة في حله ولكن يخاف منه أداؤه إلى محرم وهو ترك ما لا بأس له مخافة مما به بأس ، ومنه ما لا يخاف منه أن يؤدي إلى ما به بأس ولكنه يتناول لغير الله ، ولا على نية التقوي به على عبادة الله أو تتطرق إلى أسبابه المسهلة له كراهية أو معصية .

                                                                  وقد حكي عن " ابن سيرين " أنه ترك لشريكه أربعة آلاف درهم لأنه حاك في قلبه شيء مع اتفاق العلماء على أنه لا بأس به .

                                                                  وكان لبعضهم مائة درهم على إنسان فحملها إليه فأخذ تسعة وتسعين وتورع عن استيفاء الكل خيفة الزيادة .

                                                                  وكان بعضهم يتجر فكل ما يستوفيه يأخذه بنقصان حبة وما يعطيه يزنه بزيادة حبة .

                                                                  ومن ذلك الاحتراز عما يتسامح به الناس فإن ذلك حلال في الفتوى ولكن يخاف من فتح بابه أن ينجر إلى غيره وتألف النفس الاسترسال وتترك الورع كما تورع بعضهم من أخذ تراب من حائط بيت كان يسكنه بكراء .

                                                                  وكما روي أن " عمر بن عبد العزيز " كان يوزن بين يديه مسك للمسلمين فأخذ بأنفه حتى لا تصيبه الرائحة ، وقال لما استبعد ذلك منه : " وهل ينتفع منه إلا بريحه " ؟ ومنه أن بعضهم كان عند محتضر فمات ليلا [ ص: 122 ] فقال : " أطفئوا السراج فقد حدث للورثة حق في الدهن " ، وأخذ " الحسن " رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة وكان صغيرا فقال صلى الله عليه وسلم : " كخ ، كخ " أي ألقها .

                                                                  وتقيأ الصديق رضي الله عنه من اللبن الذي سقاه إياه رفيقه - وكان تكهن فأعطي اللبن أجرة له - وذلك خيفة من أن يحدث الحرام فيه قوة مع أنه شربه عن جهل وكان لا يجب إخراجه ولكن تخلية البطن عن الخبيث من ورع الصديقين .

                                                                  وبالجملة فكلما كان العبد أشد تشديدا على نفسه كان أخف ظهرا يوم القيامة وأبعد عن أن تترجح كفة سيئاته على كفة حسناته .

                                                                  وإذا علمت حقيقة الأمر فإليك الخيار ، فإن شئت فاستكثر من الاحتياط ، وإن شئت فرخص فلنفسك تحتاط وعلى نفسك ترخص والسلام .

                                                                  التالي السابق


                                                                  الخدمات العلمية