آداب المسافر من أول نهوضه إلى آخر رجوعه
الأدب الأول : أن ، وبرد الودائع إن كانت عنده ، ولا يأخذ لزاده إلا الحلال الطيب ، وليأخذ قدرا يوسع به على رفقائه . ولا بد في السفر من طيب الكلام ، وإطعام الطعام ، ومن إظهار مكارم الأخلاق ، والسفر من أسباب الضجر ، ومن أحسن خلقه في الضجر فهو الحسن الخلق ، وتمام حسن خلق المسافر بالإحسان إلى المكاري ، ومعاونة الرفقة بكل ممكن ، وإعانة المنقطع بمركوب أو زاد ، وتمام ذلك مع الرفقاء بمزاح ومطايبة في بعض الأوقات من غير فحش ومعصية ليكون ذلك شفاء لضجر السفر ومشاقه . يبدأ برد المظالم وقضاء الديون وإعداد النفقة لمن تلزمه نفقته
الثاني : أن ، فالرفيق ثم الطريق ، وليكن رفيقه ممن يعينه على الدين فيذكره إذا نسي ويعينه ويساعده إذا ذكر ، فإن المرء على دين خليله ، ولا يعرف الرجل إلا برفيقه ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسافر الرجل وحده وقال : " يختار رفيقا فلا يخرج وحده إذا كنتم ثلاثة في السفر فأمروا أحدكم " وليؤمروا أحسنهم أخلاقا وأرفقهم بالأصحاب وأسرعهم إلى الإيثار وطلب الموافقة . وإنما يحتاج إلى الأمير لأن الآراء تختلف في مصالح السفر ، ولا نظام إلا في [ ص: 156 ] الوحدة ولا فساد إلا من الكثرة ، وإنما انتظم أمر العالم لأن مدبر الكل واحد و ( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ) [ الأنبياء : 22 ] .
الثالث : أن ، وليدع عند الوداع بقوله لمودعه : " يودع رفقاء الحضر والأهل والأصدقاء " وليدع المقيم له بقوله : " أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك " . زودك الله التقوى وغفر ذنبك ووجهك للخير حيث توجهت . وإذا حصل على باب الدار فليقل : " وليصل المسافر قبل سفره ركعتين صلاة الاستخارة " فإذا ركب فليقل : ( بسم الله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله ، رب أعوذ بك أن أضل أو أضل أو أزل أو أزل أو أظلم أو أظلم أو أجهل أو يجهل علي سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون ) [ الزخرف : 13 و 14 ] .
الرابع : أن إن كان راكبا فلا يحملها ما لا تطيق ولا يضربها في وجهها فإنه منهي عنه ، ويستحب أن ينزل عن الدابة أحيانا يروحها بذلك ويدخل السرور على المكاري ويروض بدنه حذرا من خدر الأعضاء بطول الركوب ، وليحذر أن يحمل فوق المشروط شيئا وإن خف ، فإن القليل يجر إلى الكثير ، قال رجل " يرفق بالدابة " وهو على دابة " : احمل لي هذه الرقعة إلى فلان " فقال : " حتى أستأذن المكاري فإني لم أشارطه على هذه الرقعة " فانظر كيف لم يلتفت إلى قول الفقهاء : " إن هذا مما يتسامح فيه " ولكن سلك طريق الورع . لابن المبارك
الخامس : أن لأنه ربما يغتال أو ينقطع ، ويكون بالليل متحفظا عند النوم ، وينبغي أن يتناوب الرفقاء في الحراسة بالليل ، وأن يستصحب مرآة ومقراضا ومسواكا ومشطا . وليحذر التنطع في الطهارة ، فقد كان الأولون يكتفون بالتيمم ويغنون أنفسهم عن نقل الماء ولا يبالون بالوضوء من الغدران ومن المياه كلها ما لم يتيقنوا نجاستها ، حتى توضأ " عمر " رضي الله عنه من ماء في جرة نصرانية . يحتاط إن كان في قافلة فلا يمشي منفردا
السادس : في : كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا قفل من غزو أو حج أو عمرة يكبر على كل شرف من الأرض ثلاث تكبيرات ويقول : " آداب الرجوع من السفر " ، ثم يرسل إلى لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ، آيبون تائبون عابدون ساجدون لربنا حامدون ، صدق الله وعده ونصر عبده وهزم الأحزاب وحده المدينة من يبشر بقدومه . وكان - صلى الله عليه وسلم - ينهى أن يطرق المرء أهله ليلا فيقدم عليهم بغتة فيرى ما يكرهه . وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا قدم دخل المسجد أولا وصلى ركعتين ثم دخل البيت . وينبغي أن يحمل لأهل بيته وأقاربه تحفة من مطعوم أو غيره على قدر إمكانه ، فإن الأعين تمتد إلى القادم من السفر ، والقلوب تفرح به فيتأكد الاستحباب في تأكيد فرحهم وإظهار التفات القلب في السفر إلى ذكرهم بما يستصحب في الطريق لهم .
[ ص: 157 ] هذه جملة من الآداب الظاهرة ، وأما الآداب الباطنة : ففي الفصل الأول بيان جملة منها ، وجملته أن لا يسافر إلا إذا كان زيادة في علمه في السفر ، وينوي في دخول كل بلدة أن يرى شيوخها الحكماء ويجتهد أن يستفيد من كل واحد أدبا أو كلمة لينتفع بها وينفع بها . وإذا قصد زيارة أخ له فلا يقم عنده أكثر من ثلاثة أيام ، فذلك حد الضيافة إلا إذا شق على أخيه مفارقته ، ولا يشغل نفسه بما لا فائدة فيه فإن ذلك يقطع بركة سفره .