بيان القدر الذي يجوز به الانتصار من الكلام :
اعلم أن كل ظلم صدر من شخص فلا يجوز مقابلته بمثله ، فلا تجوز ، ولا مقابلة الغيبة بالغيبة ولا السب بالسب ، وكذلك سائر المعاصي ، وقد نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن مقابلة التجسس بالتجسس ، فقال : " مقابلة التعيير " . إن امرؤ عيرك بما فيك فلا تعيره بما فيه
وقال قوم : " تجوز " ، قالوا : والنهي النبوي عن مقابلة التعيير بمثله نهي تنزيه ، والأفضل تركه ، ولكنه لا يعصى به ، قالوا : والذي يرخص فيه أن تقول : " من أنت ، ويا أحمق ، [ ص: 211 ] ويا جاهل " ، إذ ما أحد إلا وفيه حمق وجهل ، فقد آذاه بما ليس بكذب ، وكذلك قوله : " يا سيئ الخلق ، يا ثلابا للأعراض " ، وكان ذلك فيه ، وكذلك قوله : " لو كان فيك حياء لما تكلمت ، وما أحقرك في عيني بما فعلت " . واستدلوا بالحديث : " المقابلة بما لا كذب فيه . فأثبت للمظلوم انتصارا إلى أن يعتدي . المستبان ما قالا فعلى البادئ منهما حتى يعتدي المظلوم
فهذا القدر هو الذي أباحه هؤلاء ، وهو رخصة في الإيذاء جزاء على إيذائه السابق . قال " " : ولا تبعد الرخصة في هذا القدر ، ولكن الأفضل تركه ، فإنه يجره إلى ما وراءه ، ولا يمكنه الاقتصار على قدر الحق فيه ، والسكوت عن أصل الجواب لعله أيسر من الشروع في الجواب والوقوف على حد الشرع فيه ، ولكن من الناس من لا يقدر على ضبط نفسه في فورة الغضب ، ولكن يعود سريعا ، وفي الحديث : " الغزالي " . خير بني آدم البطيء الغضب ، السريع الفيء ، وشرهم السريع الغضب ، البطيء الفيء