الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
معلومات الكتاب

حاشية الدسوقي على الشرح الكبير

الدسوقي - محمد بن أحمد بن عرفة الدسوقي

صفحة جزء
( أو ) ( ترك سر بفرض ) كظهر لا نفل وإتيان بما زاد على أقل الجهر بفاتحة أو مع سورة فيسجد بعد السلام فإن أبدله بأدنى الجهر فلا سجود ( أو ) ( استنكحه الشك ) أي كثر منه بأن يعتريه كل يوم ولو مرة فإنه يسجد بعد السلام ولكن لا إصلاح عليه بل يبني على التمام وجوبا وإليه أشار بقوله ( ولهي ) بكسر الهاء وفتح الياء كعمي أي أعرض ( عنه ) إذ لا دواء له مثل الإعراض عنه فإن أصلح بأن أتى بما شك فيه لم تبطل وسجد بعد السلام ثم شبه بما يسجد له بعد السلام قوله ( كطول ) عمدا ( بمحل لم يشرع به ) الطول كالقيام بعد الركوع والجلوس بين [ ص: 277 ] السجدتين والمستوفز للقيام على يديه وركبتيه بأن زاد على الطمأنينة الواجبة والسنة زيادة بينة ( على الأظهر ) من الأقوال عند ابن رشد وأما التطويل سهوا فهو جار على القاعدة فالسجود له باتفاق فإن طول بمحل يشرع فيه كقيام وركوع وسجود وجلوس فلا سجود عليه ويسجد البعدي ( وإن ) ذكره ( بعد شهر ) أو أكثر لأنه لترغيم الشيطان ( بإحرام ) أي نية وجوبا شرطا ( وتشهد ) استنانا كتكبير هوي ورفع ( وسلام ) وجوبا غير شرط ( جهرا ) استنانا وأما القبلي فإن أتى به في محله فالسلام للصلاة ولا يحتاج لنية لأنه داخلها بخلاف لو أخر [ ص: 278 ] ( وصح ) السجود من حيث هو ( إن ) ( قدم ) بعدية ( أو أخر ) قبلية فعل ذلك عمدا أو سهوا إلا أن تعمد التقديم حرام وتعمد التأخير مكروه ( لا إن استنكحه السهو ) بأن يأتيه كل يوم ولو مرة فلا سجود عليه لما حصل له من زيادة أو مع نقص عند انقلاب ركعاته للمشقة ( ويصلح ) إن أمكنه الإصلاح كسهو عن سجدة بركعة أولى مثلا تذكرها قبل عقد ركوع التي تليها فليرجع جالسا للإتيان بها ثم إذا قام أعاد القراءة وجوبا فإن لم يمكنه الإصلاح بأن عقد الركوع من التي تليها انقلبت الثانية أولى ولا سجود عليه هذا في الفرض وأما في السنن فإن أمكن الإصلاح كأن كان عادته ترك التشهد الوسط وتذكر قبل مفارقته الأرض بيديه وركبتيه رجع للإتيان كغير المستنكح وإلا فقد فات ولا سجود عليه

التالي السابق


. ( قوله أو ترك سر ) أي بفاتحة فقط ولو في ركعة وأولى مع السورة أو في سورة فقط في ركعتين لا في ركعة لأنها فيها سنة خفيفة فلا يسجد لها .

( قوله بأدنى الجهر ) أي وهو إسماع نفسه ومن يليه .

( قوله فإنه يسجد بعد السلام ) قال عبد الوهاب استحبابا قال شب وهو خلاف ظاهر المصنف إلا أن البغداديين ومنهم عبد الوهاب يطلقون المستحب على ما يشمل السنة فليس هذا جاريا على طريقة المصنف من التفرقة بين السنة والمستحب ا هـ شيخنا عدوي .

( قوله بل يبني على التمام ) أي فإذا شك هل صلى ثلاثا أو أربعا بنى على أربعة وجوبا ويسجد بعد السلام ترغيما للشيطان فاندفع ما يقال حيث بنى على الأكثر فلا موجب للسجود وحاصل الجواب أن السجود إنما هو لترغيم الشيطان واعلم أن الشك مستنكح وغير مستنكح والسهو كذلك فالشك المستنكح هو أن يعتري المصلي كثيرا بأن يشك كل يوم ولو مرة هل زاد أو نقص أو لا أو هل صلى ثلاثا أو أربعا ولا يتيقن شيئا يبني عليه وحكمه أن يلهى عنه ولا إصلاح عليه بل يبني على الأكثر ولكن يسجد بعد السلام استحبابا كما في عبارة عبد الوهاب وإلى هذا أشار المصنف بقوله أو استنكحه الشك ولهي عنه والشك غير المستنكح هو الذي لا يأتي كل يوم كمن شك في بعض الأوقات أصلى ثلاثا أم أربعا أو هل زاد أو نقص أو لا فهذا يصلح بالبناء على الأقل والإتيان بما شك فيه ويسجد ، وإليه أشار بقوله كمتم لشك ومقتصر على شفع إلخ فإن بنى على الأكثر بطلت ولو ظهر الكمال حيث سلم عن غير يقين والسهو المستنكح هو الذي يعتري المصلي كثيرا وهو أن يسهو ويتيقن أنه سها وحكمه أنه يصلح ولا سجود عليه وإليه أشار المصنف بقوله لا إن استنكحه السهو ويصلح ; والسهو غير المستنكح هو الذي لا يعتري المصلي كثيرا وحكمه أن يصلح ويسجد حسبما سها من زيادة أو نقص وإليه أشار بقوله سن لسهو والفرق بين الساهي والشاك أن الأول يضبط ما تركه بخلاف الثاني .

( قوله فإن أصلح ) أي عمدا أو جهلا كما في ح لم تبطل وذلك لأن بناءه على الأكثر وإعراضه عن شكه ترخيص له وقد رجع للأصل .

( قوله كطول عمدا ) إنما قيد به لأن استظهار ابن رشد إنما هو فيه وأما التطويل سهوا فالسجود باتفاق من ابن رشد وغيره فلا يصح حمل المصنف عليه قال في المنتقى من شك في [ ص: 277 ] صلاته لزمه أن يتمهل ليتذكر ما سها عنه فإن تذكر سهوا أكمل على ما سبق من أن المستنكح يبني على الكمال وغيره يبني على اليقين وإن تبين أنه لم يسه فلا شيء عليه إذا لم يطول في تمهله فإن طال فابن القاسم لا يرى السجود مطلقا وسحنون يراه مطلقا وفرق أشهب فرأى عليه السجود حيث طول بمحل لم يشرع فيه التطويل ، وعدمه حيث طول بمحل يشرع فيه التطويل ابن رشد وهو أصح الأقوال ا هـ وهذا إذا طول متفكرا لأجل شك حصل عنده فيما يتعلق بصلاته وأما لو طول فيما لا يشرع فيه التطويل عبثا أو للتذكر في شيء لم يتعلق بصلاته فانظر ما حكمه والظاهر عدم البطلان والسجود بالطريق الأولى ما لم يخرج عن الحد قاله شيخنا واعلم أن محل السجود إذا طول بمحل لم يشرع فيه التطويل حيث ترتب على الطول ترك سنة كما إذا طول في الرفع من الركوع أو بين السجدتين لأنه يسن ترك التطويل في الرفع من الركوع ومن السجود زيادة على الطمأنينة وعلى الزائد عليها استنانا فإن ترتب على الطول ترك مستحب فقط فلا سجود عليه كتطويل الجلسة الأولى فإن ترك التطويل فيها مستحب ولا سجود لترك مستحب فإن قلت حيث كان السجود مقيدا بأن يترتب على الطول ترك سنة يكون السجود قبل السلام لا بعده والجواب أن السجود منوط بالطول بالمحل الذي لم يشرع فيه بشرط أن يتضمن ترك سنة فتضمن ترك السنة شرط في كون الطول بمحل لم يشرع فيه مقتضيا للسجود وليس السجود لترك السنة كذا أجاب عبق وأجاب بن بأن السجود القبلي إنما يترتب على ترك سنة وجودية لأنه حينئذ نقص والسنة هنا عدمية فتركها زيادة لا نقص فلذا كان السجود بعديا .

( قوله بأن زاد ) تصوير للطول المذكور .

( قوله فلا سجود عليه ) أي إلا أن يخرج عن الحد فيسجد ا هـ خش والمراد أنه طول بمحل شرع فيه للتقرب إلى الله تعالى فلو طول فيه عبثا أو لتذكر شيء في غير صلاته فانظر ما الحكم قاله عج قال شيخنا والظاهر عدم البطلان ويسجد .

( قوله ويسجد البعدي ) أشار بهذا إلى أن قوله وإن بعد شهر راجع لقوله وإلا فبعده أي وإلا فيسجد بعده وإن ذكره بعد شهر ولا يتقيد التأخير بالشهر لكن المصنف تبع المدونة في التعبير بالشهر وهو كناية عن المدة الطويلة أو إن في الكلام حذفا أو مع ما عطفت أي أو أكثر كما أشار له الشارح وانظر ما حكم تأخيره مدة ما عن الصلاة هل هو مكروه أم لا والحاصل أنه يفعله متى ما ذكره ولو كان الوقت وقت نهي ما لم يكن في صلاة نافلة أو فريضة وإلا مضى على صلاته فإذا كملها سجد ولا يفسد واحدة منهما ولو كانت صاحبة ذلك السجود جمعة .

( قوله لأنه لترغيم الشيطان ) جواب عما يقال لأي شيء كان السجود القبلي المترتب على سنتين أو سنة مؤكدة لا يؤتى به مع الطول والبعدي يؤتى به مطلقا وحاصل الجواب أن البعدي لترغيم أنف الشيطان والقبلي جابر والترغيم لا يتقيد بزمان والجابر حقه أن يتصل بالمجبور أو يتأخر عنه قليلا .

( قوله غير شرط ) وحينئذ فلا يبطل السجود بتركه وأحرى ترك التشهد أو تكبير الهوي أو الرفع بل لو أتى بالنية وسجد وترك ما عدا ذلك من تكبير وتشهد وسلام فالظاهر الصحة كما في خش .

( قوله لأنه داخلها ) أي فنية الصلاة المعينة منسحبة عليه فلو اتفق أنه أتى بالسجدتين ذاهلا عن كونه ساجدا للسهو لصحت وما في عبق من احتياج القبلي لنية عند تكبيرة [ ص: 278 ] الهوي فهو خلاف النقل كما قال شيخنا .

( قوله وصح إن قدم بعدية ) أي ولو كان المقدم له المأموم دون إمامه والفرض أنه مأموم لا مسبوق وقوله أو أخر قبلية أي ولو كان ذلك المؤخر للقبلي مأموما بأن يسجد الإمام القبلي في محله ويؤخره المأموم ولو أخر الإمام القبلي فهل يقدمه المأموم ولا يؤخره تبعا لإمامه أو يؤخره تبعا قولان الأول منهما لابن عرفة والثاني لغيره .

( قوله وصح إن قدم بعدية ) أي مراعاة لقول القائل إن السجود دائما قبلي وقوله أو أخر قبلية أي مراعاة لقول القائل ببعدية السجود دائما والحاصل أنه رفع خلاف في المذهب في محل السجود فقيل محله بعد السلام مطلقا وقيل قبله مطلقا وقيل بالتخيير وقيل إن كان النقص خفيفا كالسر فيما يجهر فيه سجد بعده كالزيادة وإلا فقبله وقيل إن كان عن زيادة فبعده وإن كان عن نقص فقط أو نقص وزيادة فقبله وهذا هو المشهور الذي مشى عليه المصنف وعليه لو قدم البعدي أو أخر القبلي صح مراعاة لما ذكر من الأقوال .

( قوله إلا أن تعمد التقديم حرام ) أي لإدخاله في الصلاة ما ليس منها .

( قوله بأن يأتيه كل يوم مرة ) أي وتبين له أنه سها .

( قوله فلا سجود عليه ) أي مطلقا أمكنه الإصلاح أم لا وانظر ما حكم سجوده هل هو حرام أو مكروه أو الأول إن كان قبليا والثاني إن كان بعديا كذا في بعض الشراح قال عج فلو سجد في هذه الحالة وكان قبل السلام فهل تبطل صلاته حيث كان معتمدا أو جاهلا لأنه غير مخاطب بالسجود فهو بمثابة من سجد للسهو ولم يسه أولا لأن هناك من يقول بسجوده قال شيخنا العدوي والظاهر الصحة .

( قوله هذا في الفرض ) أي هذا بيان لإمكان الإصلاح وعدم إمكانه فيما إذا كان المتروك سهوا فرضا .

( قوله وأما في السنن ) أي وأما بيان إمكان الإصلاح وعدم إمكانه فيما إذا كان المتروك سنة .

( قوله كغير المستنكح ) ظاهر كلام أبي الحسن على الرسالة أنه يصلح ولا يفوت الإصلاح بمفارقته الأرض بيديه وركبتيه ولو استقل قائما وليس هو كغير المستنكح الذي يفوت إصلاحه بذلك




الخدمات العلمية