حدثنا أبو بكر بن مالك ، ثنا ، حدثني عبد الله بن أحمد بن حنبل الحسن بن عبد العزيز الجروي ، ثنا محمد بن أبي عثمان ، قال : سمعت ، يقول : " الفضيل بن عياض هارون ، ولا أحد أحب إلي بقاء منه [ ص: 105 ] لو قيل : انتقص من عمرك ويزاد في عمره لفعلت ، ولو خيرت بين موته أو موت هذا - يريد ما على ظهر الأرض أبغض إلي من ابنه أبا عبيدة - وإنى لأحبه - يعني أبا عبيدة - قال : وأحبه لأنه جاءني على الكبر لاخترت موت هذا ، فسبحان الذي جمع بين هاتين الخصلتين في قلبي " قالمحمد : يريد لما يحدث بعد هارون من البلاء .
حدثنا إبراهيم بن عبد الله ، ثنا محمد بن إسحاق ، قال : حدثني إسماعيل بن عبد الله أبو النضر ، ثنا ، عن يحيى بن يوسف الزمي ، قال : " لما دخل على الفضيل بن عياض قال : أيكم هو ؟ قال : فأشاروا إلى أمير المؤمنين فقال : أنت هو يا حسن الوجه ، لقد وليت أمرا عظيما إني ما رأيت أحدا هو أحسن وجها منك ، فإن قدرت أن لا تسود هذا الوجه بلفحة من النار فافعل ، فقال لي : عظني ، فقلت : ماذا أعظك ؟ هارون أمير المؤمنين ، وقال : إني رأيت الناس يغوصون على النار غوصا شديدا ، ويطلبونها طلبا حثيثا ، أما والله لو طلبوا الجنة بمثلها أو أيسر لنالوها ، فقال : عد إلي ، فقال : لو لم تبعث إلي لم آتك ، وإن انتفعت بما سمعت مني عدت إليك " . هذا كتاب الله تعالى بين الدفتين انظر ماذا عمل بمن أطاعه ، وماذا عمل بمن عصاه
حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن زكريا الغلابي ، ثنا ، ثنا أبو عمر الحرمي النحوي ، قال : " حج أمير المؤمنين فأتاني فخرجت مسرعا ، فقلت : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك ، فقال : ويحك قد حاك في نفسي شيء فانظر لي رجلا أسأله ، فقلت : هاهنا الفضل بن الربيع ، فقال : امض بنا إليه فأتيناه فقرعنا الباب ، فقال : من ذا ؟ قلت : أجب أمير المؤمنين فخرج مسرعا ، فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك ، فقال : خذ لما جئناك له رحمك الله فحدثه ساعة ، ثم قال له : عليك دين ؟ فقال : نعم ، قال : سفيان بن عيينة أبا عباس اقض دينه فلما خرجنا قال : ما أغنى عني صاحبك شيئا انظر لي رجلا أسأله ، قلت : هاهنا قال : امض بنا إليه فأتيناه فقرعنا الباب فخرج مسرعا ، فقال : من هذا ؟ قلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : يا أمير المؤمنين لو أرسلت إلي أتيتك ، فقال : خذ لما جئناك له فحادثه ساعة [ ص: 106 ] ثم قال له : عليك دين ؟ قال : نعم ، قال : عبد الرزاق بن همام أبا عباس اقض دينه ، فلما خرجنا قال : ما أغنى عني صاحبك شيئا ، انظر لي رجلا أسأله قلت : هاهنا قال : امض بنا إليه ، فأتيناه فإذا هو قائم يصلي يتلو آية من القرآن يرددها ، فقال : اقرع الباب ، فقرعت الباب فقال : من هذا ؟ قلت : أجب أمير المؤمنين ، فقال : ما لي ولأمير المؤمنين ، فقلت : سبحان الله أما عليك طاعة ؟ أليس قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " الفضيل بن عياض ليس للمؤمن بذل نفسه " ؟ فنزل ففتح الباب ، ثم ارتقى إلى الغرفة فأطفأ السراج ، ثم التجأ إلى زاوية من زوايا البيت فدخلنا فجعلنا نجول بأيدينا فسبقت كف هارون قبلي إليه ، فقال : يا لها من كف ما ألينها إن نجت غدا من عذاب الله عز وجل ، فقلت في نفسي : ليكلمنه الليلة بكلام من تقى قلب تقي فقال له : خذ لما جئناك له رحمك الله ، فقال : " إن لما ولي الخلافة دعا عمر بن عبد العزيز ، سالم بن عبد الله ، ومحمد بن كعب القرظي ، فقال لهم : إني قد ابتليت بهذا البلاء فأشيروا علي ، فعد الخلافة بلاء وعددتها أنت وأصحابك نعمة ، فقال له ورجاء بن حيوة : إن أردت النجاة من عذاب الله فصم الدنيا وليكن إفطارك منها الموت ، وقال له سالم بن عبد الله : إن أردت محمد بن كعب فليكن كبير المؤمنين عندك أبا وأوسطهم عندك أخا ، وأصغرهم عندك ولدا فوقر أباك ، وأكرم أخاك ، وتحنن على ولدك ، وقال له النجاة من عذاب الله : إن أردت النجاة غدا من عذاب الله فأحب للمسلمين ما تحب لنفسك واكره لهم ما تكره لنفسك ، ثم مت إذا شئت ، وإني أقول لك : فإني أخاف عليك أشد الخوف يوما تزل فيه الأقدام فهل معك رحمك الله مثل هذا أو من يشير عليك بمثل هذا ؟ فبكى رجاء بن حيوة هارون بكاء شديدا حتى غشي عليه ، فقلت له : ارفق بأمير المؤمنين فقال : يا ابن الربيع تقتله أنت وأصحابك ، وأرفق به أنا ، ثم أفاق ، فقال له : زدني رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين بلغني أن عاملا شكي فكتب إليه لعمر بن عبد العزيز عمر : يا أخي أذكرك طول سهر أهل النار مع خلود الأبد ، وإياك أن ينصرف بك من عند الله فيكون آخر العهد وانقطاع الرجاء ، قال : فلما قرأ الكتاب طوى البلاد حتى [ ص: 107 ] قدم على ، فقال له : ما أقدمك ؟ قال : خلعت قلبي بكتابك لا أعود إلى ولاية حتى ألقى الله عز وجل ، قال : فبكى عمر بن عبد العزيز هارون بكاء شديدا ، ثم قال له : زدني رحمك الله ، فقال : يا أمير المؤمنين ، إن جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال : يا رسول الله أمرني على إمارة ، قال له النبي صلى الله عليه وسلم : " إن الإمارة حسرة وندامة يوم القيامة ، فإن استطعت أن لا تكون أميرا فافعل " فبكى العباس عم المصطفى صلى الله عليه وسلم هارون بكاء شديدا ، فقال له : زدني رحمك الله ، قال : يا حسن الوجه أنت الذي يسألك الله عز وجل عن هذا الخلق يوم القيامة ، فإن استطعت أن تقي هذا الوجه من النار فإياك أن تصبح وتمسي وفي قلبك غش لأحد من رعيتك فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " من أصبح لهم غاشا لم يرح رائحة الجنة " فبكى هارون ، وقال له : عليك دين ؟ قال : نعم ، دين لربي لم يحاسبني عليه فالويل لي إن سألني ، والويل لي إن ناقشني ، والويل لي إن لم ألهم حجتي ، قال : إنما أعني من دين العباد قال : إن ربي لم يأمرني بهذا إنما أمرني أن أصدق وعده ، وأطيع أمره فقال جل وعز : ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين ) . فقال له : هذه ألف دينار خذها فأنفقها على عيالك ، وتقو بها على عبادتك ، فقال : سبحان الله أنا أدلك على طريق النجاة ، وأنت تكافئني بمثل هذا سلمك الله ووفقك ، ثم صمت فلم يكلمنا ، فخرجنا من عنده فلما صرنا على الباب ، قال هارون : إذا دللتني على رجل فدلني على مثل هذا ، هذا سيد المسلمين ، فدخلت عليه امرأة من نسائه ، فقالت : يا هذا قد ترى ما نحن فيه من ضيق الحال فلو قبلت هذا المال فتفرجنا به ، فقال لها : مثلي ومثلكم كمثل قوم كان لهم بعير يأكلون من كسبه فلما كبر نحروه ، فأكلوا لحمه ، فلما سمع هارون هذا الكلام ، قال : ندخل فعسى أن يقبل المال فلما علم الفضيل خرج فجلس في السطح على باب الغرفة ، فجاء هارون فجلس إلى جنبه ، فجعل يكلمه فلا يجيبه فبينا نحن كذلك إذ خرجت جارية سوداء ، فقالت : يا هذا قد آذيت الشيخ منذ الليلة فانصرف [ ص: 108 ] رحمك الله فانصرفنا " .
حدثنا سليمان بن أحمد ، ثنا محمد بن النصر الأزدي ، قال : سمعت عبد الصمد بن يزيد ، يقول : سمعت فضيل بن عياض يقول : " " . إني لأستحي من الله أن أشبع حتى أرى العدل قد بسط ، وأرى الحق قد قام