أخبرنا
جعفر بن محمد - في كتابه - وحدثني عنه
أحمد بن محمد بن مقسم ، قال : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=14020الجنيد بن محمد ، يقول : سمعت
الحارث بن أسد ، يقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28685اعلم بأنك لست بشيء إلا بالله ، وليس لك شيء إلا ما نلت من رضوان الله ، وأنك إن اتقيته في حقه وقاك شر من دونه ، ولا يصلح عبد إلا أصلح الله بصلاحه سواه ، ولا يفسد عبد إلا أفسد الله بفساده غيره ، فأعداؤك من نفسك طبائعك السيئة ، وأولياؤك من نفسك طبائعك الحسنة ، فقاتل ما فيك من ذلك ببغض ،
[ ص: 90 ] وقاتل أعداءك بأوليائك ، وغضبك بحلمك ، وغفلتك بتفكرك ، وسهوك بتنبهك ، فإنك قد منيت وابتليت من معاني طبائعك ، ومكابدة هواك ، وعليك بالتواضع فالزمه ، واعلم أن لك من العون عليه أن تذكر الذي أنت فيه ، والذي تعود إليه ،
nindex.php?page=treesubj&link=19538والتواضع له وجوه شتى ، فأشرفها وأفضلها أن لا ترى لك على أحد فضلا ، وكل من رأيت كن له بالضمير والقلب مفضلا ، ومن رأيت من أهل الخير رجوت بركته والتمست دعوته ، وظننت أنه إنما يدفع عنك به ، فهذا التواضع الأكبر ، والتواضع الذي يليه أن يكون العبد متواضعا بقلبه ، متحببا إلى من عرفه ، غير محتقر لمن خالفه ، ولا مستطيلا على من هو بحضرته ، وليس بقريب منه ، وأما التواضع الثالث فهو اللازم للعباد ، الواجب عليهم ، الذي لو تركوه كفروا ، فالسجود لله ، وبذلك جاء الحديث : "
إنه nindex.php?page=treesubj&link=18689من وضع جبهته لله فقد برئ من الكبر " وقد من الله تعالى به علينا وعليكم ، أبلغنا الله وإياكم التواضع الأكبر " .
أخبرنا
محمد بن أحمد - في كتابه - وحدثني عنه أولا
عثمان بن محمد ، ثنا
أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن ميمون ، قال : سمعت
الحارث بن أسد ، يقول : " افهم ما أقول لك ، وفرغ للفكرة فيه عقلك ، وأدم له توهمك ، وتوهمه بذهنك ، وأحضر لبك ، واشتغل بذكره وبقطع كل مذكور سواه ، ومتوهم غيره ، فإنا خلقنا للبلوى والاختبار ، وأعد لنا الجنة أو النار ، فعظم ذلك الخطر ، وطال به الحزن لمن عقل ،
nindex.php?page=treesubj&link=18300_1970_19795واذكر حتى تعلم أين يكون المصير والمستقر ، ذلك بأنه قد عصى الرب وخالف المولى ، وأصبح وأمسى بين الغضب والرضا لا يدري أيهما قد حل به ووقع ، فعظم لذلك غمه ، واشتد به كربه ، وطال له حزنه ، حتى يعلم كيف عند الله حاله ، فإليه فارغب في التوفيق ، وإياه فسل العفو عن الذنوب ، واستعن بالله في كل الأمور ، فالعجب كيف تقر عينك أو يزول الوجل عن قلبك ، وقد عصيت ربك والموت نازل بك لا محالة بكربه وغصصه ونزعه وسكراته ، فكأنه قد نزل بك وشيكا ، فتوهم نفسك وقد صرعت للموت صرعة لا تقوم منها إلا إلى الحشر إلى ربك ، فتوهم ذلك بقلب فارغ وهمة
[ ص: 91 ] هائجة من قلبك بالرحمة لبدنك الضعيف ، وارجع عما يكره مولاك وترضا عسى أن يرضى عنك ، واعتبه ، واستقله عثراتك ، وابك من خشيته عسى أن يرحم عبراتك ، فإن الخطب عظيم ، والموت منك قريب ، ومولاك مطلع على سرك وعلانيتك ، واحذر نظره إليك بالمقت والغضب وأنت لا تشعر ، فأجل مقامه ، ولا تستخف بنظره ، ولا تتهاون باطلاعه ، واحذره ولا تتعرض لمقته ، فإنه لا طاقة لك بغضبه ، ولا قوة لك بعذابه " .
أخبرنا
محمد بن أحمد ، وحدثني عنه
عثمان ، ثنا
أحمد بن محمد بن مسروق ، قال : سئل
الحارث بن أسد عن مقام ذكر الموت : ما هو عندك ؟ مقام عارف أو مستأنف ؟ فقال : " ذكر الموت أولا مقام المستأنف وآخرا مقام العارف ، قيل له : بين من أين قلت ذلك ؟ قال : نعم أما المستأنف فهو المبتدئ الذي يغلب على قلبه الذكر ، فيترك الزلل مخافة العقاب ، فكلما هاج ذكر الموت من قلبه ماتت الشهوات عنده ، وأما العارف فذكره للموت محبة له اختيارا على الحياة ، وتبرما بالدنيا التي قد سلا قلبه عنها شوقا إلى الله ولقائه ، رجاء أمل النظر إلى وجهه ، والنزول في جواره لما غلب على قلبه من حسن الظن بربه ، كما قيل :
طال شوق الأبرار إلى الله والله إلى لقائهم أشوق
قيل له : فكيف
nindex.php?page=treesubj&link=1969_29411نعت ذكر الموت في قلب المستأنف وقلب العارف ؟ قال : المستأنف إذا حل بقلبه ذكر الموت كرهه وتخير البقاء ليصلح الزاد ، ويرم الشعث ، ويهيئ الجهاز للعرض والقدوم على الله ، ويكره أن يفاجئه الموت ، ولم يقض نهمته في التوبة والاجتهاد والتمحيص ، فهو يحب أن يلقى الله على غاية الطهارة ، وأما نعته في قلب العارف فإنه إذا خطر ذكر ورود الموت بقلبه صادفت منه موافقة مراده ، وكره التخلف في دار العاصين ، وتخير سرعة انقضاء الأجل وقصر الأمل ، فقيرة إليه نفسه ، مشتاق إليه قلبه ، كما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان حين حضره الموت ، قال : " حبيب جاء على فاقة لا أفلح من ندم ، اللهم إن كنت تعلم أن الموت أحب إلي من الحياة فسهل علي الموت حتى ألقاك " قال : وسئل
الحارث عن قول
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبي سليمان الداراني :
nindex.php?page=treesubj&link=29411ما رجع [ ص: 92 ] من وصل ، ولو وصلوا ما رجعوا ، فقال : قول
أبي سليمان يحتمل أجوبة كثيرة ، قيل : اشرح منها شيئا ، قال : يمكن أن يكون هذا من
أبي سليمان على طريق التحريض للمريدين لئلا يميلوا إلى الفتور ، ويحترزوا من الانقطاع ، ويجدوا في طلب الاتصال والقربة إلى الله - عز وجل - ويحتمل أن يكون أراد عاليا : ما رجع إلى الزلل من وصل إلى صافي العمل ، ويحتمل : ما رجع إلى وحشة الفتور من تقحم في المقامات السنية من الأمور ، ويحتمل : ما رجع إلى ذل عبودية المخلوقين من وصل إلى طيب روح اليقين ، واستند إلى كفاية الواثقين ، واعتمد على الثقة بما وعد رب العالمين ، فعلى هذه المعاني يحتمل الجواب في هذه المسألة على سائر المقامات ، فبات السائل تلك الليلة عند
الحارث ، فلما أصبح قال
الحارث : رأيت فيما يرى النائم كأن راكبا وقف وأنا أتكلم في هذه المسألة ، فقال - وهو يشير بيده - :
nindex.php?page=treesubj&link=19695ما رجع إلى الانتقاص من وصل إلى الإخلاص .
قال : وسئل
الحارث ، فقيل له : رحمك الله ، البلاء من الله للمؤمنين كيف سببه ؟ قال : البلاء على ثلاث جهات : على المخلطين نقم وعقوبات ، وعلى المستأنفين تمحيص الجنايات ، وعلى العارفين من طريق الاختبارات ، فقيل له : صف تفاوتهم فيما تعبدوا به ، قال : أما المخلطون فذهب الجزع بقلوبهم ، وأسرتهم الغفلة ، فوقعوا في السخط ، وأما المستأنفون فأقاموا لله بالصبر في مواطن البلاء حتى تخلصوا ونجوا منه بعد مكابدة ومؤنة ، وأما العارفون فتلقوا البلاء بالرضا عن الله - عز وجل - فيما قضى ، وعلموا أن الله عدل في القضاء فسروا بحلول المكروه لمعرفة عواقب اختيار الله لهم ، قيل له : فما معنى هذه الآية ؟ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=29018ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلو أخباركم ) أو لم يعلم ؟ قال : بلى قد علم ما يكون قبل أن يكون ، ولكن معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31حتى نعلم ) حتى نرى المجاهدين في جهادهم والصابرين في صبرهم ، وقد روي أن الله تعالى أوحى إلى نبي من أنبياء
بني إسرائيل : إني لحفي بالمريدين لي ، وإن بعيني ما تحمل المتحملون من أجلي ، وما يكابد المكابدون في طلب رضائي ، أتراني أضيع لهم عملا ، أو أنسى لهم أثرا ؟ كيف وأنا ذو الجود أجود بفضلي على المولين عني ،
[ ص: 93 ] فكيف بالمقبلين إلي ؟ قيل : رحمك الله ما الذي أفاد قلوب العارفين وأهل العقل عنه في مخاطبة الآية ؟ قال : تلقوا المخاطبة من الله بقوة الفهم عن الله حتى كأنهم يسمعون منه وأنه أقرب إليهم في وقت البلاء من أنفسهم إلى أبدانهم ، فعلموا أنهم بعينه فقووا على إقامة الصبر والرضا في حالة المحن إذ كانوا بعين الله ، والله تعالى يراهم ، فحين أسقطوا عن قلوبهم الاختيار والتملك باحتيال قوة ، ولجوا إليه وطرحوا الكنف بين يديه ، واستبسلت جوارحهم في رق عبوديته بين يدي مليك مقتدر ، فشال عند ذلك صرعتهم ، وأقال عثرتهم ، وأحاطهم من دواعي الفتور ، ومن عارض خيانة الجزع ، وأدخلهم في سرادق حسن الإحاطة من ملمات العدو ونزعاته وتسويله وغروره ، فأسعفهم بمواد الصبر منه ، ومنحهم حسن المعرفة والتفويض ، ففوضوا أمورهم إليه ، وألجئوا إليه همومهم ، واستندوا بوثيق حصن النجاة رجاء روح نسيم الكفاية ، وطيب عيش الطمأنينة ، وهدوء سكون الثقة ، ومنتهى سرور تواتر معونات المحنة ، وعظيم جسيم قدر الفائدة ، وزيادات قدر البصيرة ، وعلموا أنه قد علم منهم مكنون سرهم ، وخفي مرادهم ، ويكون ما حصل في القلوب من يقينهم ، وما أشارت إليه في بواطن أوهامها ، وسر غيبها ، فعظم منهم حرص الطلب ، وغاب منهم مكامن فتور الجد لمعرفة المعذرة فيهم ، فهؤلاء في مقامات حسن المعرفة وحالات اتساع الهداية ، وحسن بهاء البصيرة ، فاعتزوا بعزة الاعتماد على الله ، فقال له السائل : حسبي رحمك الله ، فقد عرفتني ما لم أكن أعرف ، وبصرتني ما لم أكن أبصر ، وكشفت عن قلبي ظلمة الجهل بنور العلم ، وفائدة الفهم ، وزيادات اليقين ، وثبتني في مقامي ، وزدتني في قدر رغبتي ، وروحتني من ضيق خاطري ، فأرشدك الله إلى سبيل النجاة ، ووفقك للصواب بمنه ورأفته ، إنه ولي حميد " .
أخبرنا
جعفر بن محمد بن نصير - في كتابه - وحدثني عنه
عثمان بن محمد العثماني ، قال : سمعت
الجنيد ، يقول : سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=15166أبا عبد الله الحارث بن أسد ، يقول - وسئل عن المراقبة لله وعن المراقب لربه - فقال : " إن
nindex.php?page=treesubj&link=19668_19669_19670_18300المراقبة تكون على ثلاث خلال [ ص: 94 ] على قدر عقل العاقلين ومعرفتهم بربهم ، يفترقون في ذلك ، فإحدى الثلاث الخوف من الله ، والخلة الثانية الحياء من الله ، والخلة الثالثة الحب لله ، فأما الخائف فمراقب بشدة حذر من الله تعالى ، وغلبة فزع ، وأما المستحيي من الله فمراقب بشدة انكسار وغلبة إخبات ، وأما المحب فمراقب بشدة سرور وغلبة نشاط وسخاء نفس مع إشفاق ، لا يفارقه ، ولن تكاد أن تخلو قلوب المراقبين من ذكر اطلاع الرقيب بشدة حذر من قلوبهم أن يراهم غافلين عن مراقبته ،
nindex.php?page=treesubj&link=19661_19662_18300والمراقبة ثلاث خلال في ثلاثة أحوال : أولها التثبيت بالحذر قبل العمل بما أوجب الله ، والترك لما نهى الله عنه مخافة الخطأ ، فإذا تبين له الصواب بالمبادرة إلى العمل بما أوجب الله والترك لما نهى الله مخافة التفريط ، فإذا دخل في العمل فالتكميل للعمل مخافة التقصير ، فمن لم يثبت قبل العمل مخافة الخطأ فغير مراقب لمن يعمل له إذ كان لا يأمن من أن يعمل على غير ما أحب وأمر به ، ومن لم يبادر ويسارع إلى عمل ما يحب الله بعد ما تبين له الصواب ، فما راقب إذا بطأ عن العمل ، لمحبة من يراقبه ، إذ يراه متثبطا عن القيام بما أمر به ، ومن لم يجتهد في تكميل عمله فضعيف مقصر في مراقبة من يراقبه ، إذا قصر عن إحكام العمل لمن يعمل ، وقد علم أن الله جل ثناؤه يحب تكميله وإحكامه ، وقال :
nindex.php?page=treesubj&link=24625_32514_18300سبع خلال يكمل لها عمل المريد وحكمته : حضور العقل ، ونفاذ الفطنة ، وسعة العمل بغير غلط ، وقهر العقل للهوى ، وعظم الهم كيف يرضي الرب تعالى ، والتثبت قبل القول والعمل ، وشدة الحذر للآفات التي تشوب الطاعات ، وأقل المريدين غفلة أدومهم مراقبة مع تعظيم الرقيب ، والدليل على صدق المراقبة بإجلال الرقيب شدة العناية بالفطنة لدواعي العقل من دواعي الهوى ، والتثبيت بالنظر بنور العلم ، والتمييز بين الطاعة وما شابهها من الآفات ، وقوة العزم على تكميل المراقبة في الحظوة في عين المليك المطلع ، وشدة الفزع مما يكره خوف المقت ، والدليل على قوة الخوف شدة الإشفاق مما مضى من السيئات أن لا تغفر ، وما تقدم من الإحسان أن لا يقبل ، ودوام الحذر فيما يستقبل أن لا يسلم ، وعظم الهم من عظيم الرغبة ، وعظيم الرغبة من كبر المعرفة بعظيم قدر المرغوب فيه
[ ص: 95 ] وإليه ، وسمو الهمة يخفف التعب والنصب ، ويهون الشدائد في طلب الرضوان ، ويستقل معه بذل المجهود بعظيم ما ارتفع إليه الهم ، والنشاط بالدوب دائم ، والسرور بالمناجاة هائج ، والصبر زمام النفس عن المهالك ، وإمساك لها على النجاة ، فاليقين راحة للقلوب من هموم الدنيا ، وكاسب لمنافع الدين كلها ، وحسن الأدب زين للعالم وستر للجاهل ، من قصر أمله حذر الموت ، ومن حذر الموت خاف الفوت ، ومن خاف الفوت قطع الشوق ، ومن قطع الشوق بادر قبل زوال إمكان الظفر ، فاجعل التيقظ واعظك ، والتثبت وكيلك ، والحذر منبهك ، والمعرفة دليلك ، والعلم قائدك ، والصبر زمامك ، والفزع إلى الله - عز وجل - عونك . ومن لم توسعه الدنيا غنى ، ولا رفعة أهلها شرفا ، ولا الفقر فيها صفة ، فقد ارتفعت همته ، وعزفت عن الدنيا نفسه ، من كانت نعمته السلامة من الآثام ، ورغب إلى الله في حوادث فوائد لمريد نقل عن الدنيا بقلبه ، ومن اشتد تفقده ما يضره في دينه وينفعه في آخرته ، وذكر اطلاع الله إليه ، ومثل عظيم هول المطلع ، وأشفق مما يأتي به الخير فقد صدق الله في معاملته ، وحقق استعمال ما عرفه ربه ، ومن قدم العزم لله على العمل بمحبته ، ووفاء لله بعزمه وجانب ما يعترض بقلبه من خطرات السوء ونوازع الفتن فقد حقق ما علم وراقب الله في أحواله .
كهف المريد ، وحرزه التقوى ، والاستعداد عونه وجنته التي يدفع بها آفات العوارض ، وصور النوازل ، والحذر يورثه النجاة والسلامة ، والصبر يورثه الرغبة والرهبة ، وذكر كثرة سوالف الذنوب يورثه شدة الغم وطول الحزن ، وعظم معرفته بكثرة آفات العوارض في الطاعات تورثه شدة الإشفاق من رد الإحسان " .
أَخْبَرَنَا
جعفر بن محمد - فِي كِتَابِهِ - وَحَدَّثَنِي عَنْهُ
أحمد بن محمد بن مقسم ، قَالَ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=14020الْجُنَيْدَ بْنَ مُحَمَّدٍ ، يَقُولُ : سَمِعْتُ
الحارث بن أسد ، يَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28685اعْلَمْ بِأَنَّكَ لَسْتَ بِشَيْءٍ إِلَّا بِاللَّهِ ، وَلَيْسَ لَكَ شَيْءٌ إِلَّا مَا نِلْتَ مِنْ رِضْوَانِ اللَّهِ ، وَأَنَّكَ إِنِ اتَّقَيْتَهُ فِي حَقِّهِ وَقَاكَ شَرَّ مَنْ دُونَهُ ، وَلَا يَصْلُحُ عَبْدٌ إِلَّا أَصْلَحَ اللَّهُ بِصَلَاحِهِ سِوَاهُ ، وَلَا يَفْسُدُ عَبْدٌ إِلَّا أَفْسَدَ اللَّهُ بِفَسَادِهِ غَيْرَهُ ، فَأَعْدَاؤُكَ مِنْ نَفْسِكَ طَبَائِعُكَ السَّيِّئَةُ ، وَأَوْلِيَاؤُكَ مِنْ نَفْسِكَ طَبَائِعُكَ الْحَسَنَةُ ، فَقَاتِلْ مَا فِيكَ مِنْ ذَلِكَ بِبُغْضٍ ،
[ ص: 90 ] وَقَاتِلْ أَعْدَاءَكَ بِأَوْلِيَائِكَ ، وَغَضَبَكَ بِحِلْمِكَ ، وَغَفْلَتَكَ بِتَفَكُّرِكَ ، وَسَهْوِكَ بِتَنَبُّهِكَ ، فَإِنَّكَ قَدْ مُنِيتَ وَابْتُلِيتَ مِنْ مَعَانِي طَبَائِعِكَ ، وَمُكَابَدَةِ هَوَاكَ ، وَعَلَيْكَ بِالتَّوَاضُعِ فَالْزَمْهُ ، وَاعْلَمْ أَنَّ لَكَ مِنَ الْعَوْنِ عَلَيْهِ أَنْ تَذْكُرَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ ، وَالَّذِي تَعُودُ إِلَيْهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19538وَالتَّوَاضُعُ لَهُ وُجُوهٌ شَتَّى ، فَأَشْرَفُهَا وَأَفْضَلُهَا أَنْ لَا تَرَى لَكَ عَلَى أَحَدٍ فَضْلًا ، وَكُلُّ مَنْ رَأَيْتَ كُنْ لَهُ بِالضَّمِيرِ وَالْقَلْبِ مُفَضِّلًا ، وَمَنْ رَأَيْتَ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ رَجَوْتَ بَرَكَتَهُ وَالْتَمَسْتَ دَعْوَتَهُ ، وَظَنَنْتَ أَنَّهُ إِنَّمَا يُدْفَعُ عَنْكَ بِهِ ، فَهَذَا التَّوَاضُعُ الْأَكْبَرُ ، وَالتَّوَاضُعُ الَّذِي يَلِيهِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُتَوَاضِعًا بِقَلْبِهِ ، مُتَحَبِّبًا إِلَى مَنْ عَرَفَهُ ، غَيْرَ مُحْتَقِرٍ لِمَنْ خَالَفَهُ ، وَلَا مُسْتَطِيلًا عَلَى مَنْ هُوَ بِحَضْرَتِهِ ، وَلَيْسَ بِقَرِيبٍ مِنْهُ ، وَأَمَّا التَّوَاضُعُ الثَّالِثُ فَهُوَ اللَّازِمُ لِلْعِبَادِ ، الْوَاجِبُ عَلَيْهِمُ ، الَّذِي لَوْ تَرَكُوهُ كَفَرُوا ، فَالسُّجُودُ لِلَّهِ ، وَبِذَلِكَ جَاءَ الْحَدِيثُ : "
إِنَّهُ nindex.php?page=treesubj&link=18689مَنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ لِلَّهِ فَقَدْ بَرِئَ مِنَ الْكِبْرِ " وَقَدْ مَنَّ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ عَلَيْنَا وَعَلَيْكُمْ ، أَبْلَغَنَا اللَّهُ وَإِيَّاكُمُ التَّوَاضُعَ الْأَكْبَرَ " .
أَخْبَرَنَا
محمد بن أحمد - فِي كِتَابِهِ - وَحَدَّثَنِي عَنْهُ أَوَّلًا
عثمان بن محمد ، ثَنَا
أبو عبد الله أحمد بن عبد الله بن ميمون ، قَالَ : سَمِعْتُ
الحارث بن أسد ، يَقُولُ : " افْهَمْ مَا أَقُولُ لَكَ ، وَفَرِّغْ لِلْفِكْرَةِ فِيهِ عَقْلَكَ ، وَأَدِمْ لَهُ تَوَهُّمَكَ ، وَتَوَهَّمْهُ بِذِهْنِكَ ، وَأَحْضِرْ لُبَّكَ ، وَاشْتَغِلْ بِذِكْرِهِ وَبِقَطْعِ كُلِّ مَذْكُورٍ سِوَاهُ ، وَمُتَوَهَّمٍ غَيْرِهِ ، فَإِنَّا خُلِقْنَا لِلْبَلْوَى وَالِاخْتِبَارِ ، وَأُعِدَّ لَنَا الْجَنَّةُ أَوِ النَّارُ ، فَعَظُمَ ذَلِكَ الْخَطَرُ ، وَطَالَ بِهِ الْحُزْنُ لِمَنْ عَقَلَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=18300_1970_19795وَاذْكُرْ حَتَّى تَعْلَمَ أَيْنَ يَكُونُ الْمَصِيرُ وَالْمُسْتَقَرُّ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُ قَدْ عَصَى الرَّبَّ وَخَالَفَ الْمَوْلَى ، وَأَصْبَحَ وَأَمْسَى بَيْنَ الْغَضَبِ وَالرِّضَا لَا يَدْرِي أَيَّهُمَا قَدْ حَلَّ بِهِ وَوَقَعَ ، فَعَظُمَ لِذَلِكَ غَمُّهُ ، وَاشْتَدَّ بِهِ كَرْبُهُ ، وَطَالَ لَهُ حُزْنُهُ ، حَتَّى يَعْلَمَ كَيْفَ عِنْدَ اللَّهِ حَالُهُ ، فَإِلَيْهِ فَارْغَبْ فِي التَّوْفِيقِ ، وَإِيَّاهُ فَسَلِ الْعَفْوَ عَنِ الذُّنُوبِ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ فِي كُلِّ الْأُمُورِ ، فَالْعَجَبُ كَيْفَ تَقَرُّ عَيْنُكَ أَوْ يَزُولُ الْوَجَلُ عَنْ قَلْبِكَ ، وَقَدْ عَصَيْتَ رَبَّكَ وَالْمَوْتُ نَازِلٌ بِكَ لَا مَحَالَةَ بِكُرَبِهِ وَغَصَصِهِ وَنَزْعِهِ وَسَكَرَاتِهِ ، فَكَأَنَّهُ قَدْ نَزَلَ بِكَ وَشِيكًا ، فَتَوَهَّمْ نَفْسَكَ وَقَدْ صُرِعَتْ لِلْمَوْتِ صَرْعَةً لَا تَقُومُ مِنْهَا إِلَّا إِلَى الْحَشْرِ إِلَى رَبِّكَ ، فَتَوَهَّمْ ذَلِكَ بِقَلْبٍ فَارِغٍ وَهِمَّةٍ
[ ص: 91 ] هَائِجَةٍ مِنْ قَلْبِكَ بِالرَّحْمَةِ لِبَدَنِكَ الضَّعِيفِ ، وَارْجِعْ عَمَّا يَكْرَهُ مَوْلَاكَ وَتَرَضَّا عَسَى أَنْ يَرْضَى عَنْكَ ، وَاعْتِبْهُ ، وَاسْتَقِلْهُ عَثَرَاتِكَ ، وَابْكِ مِنْ خَشْيَتِهِ عَسَى أَنْ يَرْحَمَ عَبَرَاتِكَ ، فَإِنَّ الْخَطْبَ عَظِيمٌ ، وَالْمَوْتَ مِنْكَ قَرِيبٌ ، وَمَوْلَاكَ مُطَّلِعٌ عَلَى سِرِّكَ وَعَلَانِيَتِكَ ، وَاحْذَرْ نَظَرَهُ إِلَيْكَ بِالْمَقْتِ وَالْغَضَبِ وَأَنْتَ لَا تَشْعُرُ ، فَأَجِلَّ مَقَامَهُ ، وَلَا تَسْتَخِفَّ بِنَظَرِهِ ، وَلَا تَتَهَاوَنْ بِاطِّلَاعِهِ ، وَاحْذَرْهُ وَلَا تَتَعَرَّضْ لِمَقْتِهِ ، فَإِنَّهُ لَا طَاقَةَ لَكَ بِغَضَبِهِ ، وَلَا قُوَّةَ لَكَ بِعَذَابِهِ " .
أَخْبَرَنَا
محمد بن أحمد ، وَحَدَّثَنِي عَنْهُ
عثمان ، ثَنَا
أحمد بن محمد بن مسروق ، قَالَ : سُئِلَ
الحارث بن أسد عَنْ مَقَامِ ذِكْرِ الْمَوْتِ : مَا هُوَ عِنْدَكَ ؟ مَقَامُ عَارِفٍ أَوْ مُسْتَأْنِفٍ ؟ فَقَالَ : " ذِكْرُ الْمَوْتِ أَوَّلًا مَقَامُ الْمُسْتَأْنِفِ وَآخِرًا مَقَامُ الْعَارِفِ ، قِيلَ لَهُ : بَيِّنْ مِنْ أَيْنَ قُلْتَ ذَلِكَ ؟ قَالَ : نَعَمْ أَمَّا الْمُسْتَأْنِفُ فَهُوَ الْمُبْتَدِئُ الَّذِي يَغْلِبُ عَلَى قَلْبِهِ الذِّكْرُ ، فَيَتْرُكُ الزَّلَلَ مَخَافَةَ الْعِقَابِ ، فَكُلَّمَا هَاجَ ذِكْرُ الْمَوْتِ مِنْ قَلْبِهِ مَاتَتِ الشَّهَوَاتُ عِنْدَهُ ، وَأَمَّا الْعَارِفُ فَذِكْرُهُ لِلْمَوْتِ مَحَبَّةٌ لَهُ اخْتِيَارًا عَلَى الْحَيَاةِ ، وَتَبَرُّمًا بِالدُّنْيَا الَّتِي قَدْ سَلَا قَلْبُهُ عَنْهَا شَوْقًا إِلَى اللَّهِ وَلِقَائِهِ ، رَجَاءَ أَمَلِ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِهِ ، وَالنُّزُولِ فِي جِوَارِهِ لِمَا غَلَبَ عَلَى قَلْبِهِ مِنْ حُسْنِ الظَّنِّ بِرَبِّهِ ، كَمَا قِيلَ :
طَالَ شَوْقُ الْأَبْرَارِ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ إِلَى لِقَائِهِمْ أَشْوَقُ
قِيلَ لَهُ : فَكَيْفَ
nindex.php?page=treesubj&link=1969_29411نَعْتُ ذِكْرِ الْمَوْتِ فِي قَلْبِ الْمُسْتَأْنِفِ وَقَلْبِ الْعَارِفِ ؟ قَالَ : الْمُسْتَأْنِفُ إِذَا حَلَّ بِقَلْبِهِ ذِكْرُ الْمَوْتِ كَرِهَهُ وَتَخَيَّرَ الْبَقَاءَ لِيُصْلِحَ الزَّادَ ، وَيَرُمَّ الشَّعَثَ ، وَيُهَيِّئَ الْجِهَازَ لِلْعَرْضِ وَالْقُدُومِ عَلَى اللَّهِ ، وَيَكْرَهُ أَنْ يُفَاجِئَهُ الْمَوْتُ ، وَلَمْ يَقْضِ نَهْمَتَهُ فِي التَّوْبَةِ وَالِاجْتِهَادِ وَالتَّمْحِيصِ ، فَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَلْقَى اللَّهَ عَلَى غَايَةِ الطِّهَارَةِ ، وَأَمَّا نَعْتُهُ فِي قَلْبِ الْعَارِفِ فَإِنَّهُ إِذَا خَطَرَ ذِكْرُ وُرُودِ الْمَوْتِ بِقَلْبِهِ صَادَفَتْ مِنْهُ مُوَافَقَةَ مُرَادِهِ ، وَكَرِهَ التَّخَلُّفَ فِي دَارِ الْعَاصِينَ ، وَتَخَيَّرَ سُرْعَةَ انْقِضَاءِ الْأَجَلِ وَقِصَرِ الْأَمَلِ ، فَقِيرَةٌ إِلَيْهِ نَفْسُهُ ، مُشْتَاقٌ إِلَيْهِ قَلْبُهُ ، كَمَا رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ حِينَ حَضَرَهُ الْمَوْتُ ، قَالَ : " حَبِيبٌ جَاءَ عَلَى فَاقَةٍ لَا أَفْلَحَ مَنْ نَدِمَ ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْمَوْتَ أَحَبَّ إِلَيَّ مِنَ الْحَيَاةِ فَسَهِّلْ عَلَيَّ الْمَوْتَ حَتَّى أَلْقَاكَ " قَالَ : وَسُئِلَ
الحارث عَنْ قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12032أَبِي سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيِّ :
nindex.php?page=treesubj&link=29411مَا رَجَعَ [ ص: 92 ] مَنْ وَصَلَ ، وَلَوْ وَصَلُوا مَا رَجَعُوا ، فَقَالَ : قَوْلُ
أبي سليمان يَحْتَمِلُ أَجْوِبَةً كَثِيرَةً ، قِيلَ : اشْرَحْ مِنْهَا شَيْئًا ، قَالَ : يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مِنْ
أبي سليمان عَلَى طَرِيقِ التَّحْرِيضِ لِلْمُرِيدِينَ لِئَلَّا يَمِيلُوا إِلَى الْفُتُورِ ، وَيَحْتَرِزُوا مِنَ الِانْقِطَاعِ ، وَيَجِدُّوا فِي طَلَبِ الِاتِّصَالِ وَالْقُرْبَةِ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ عَالِيًا : مَا رَجَعَ إِلَى الزَّلَلِ مَنْ وَصَلَ إِلَى صَافِي الْعَمَلِ ، وَيَحْتَمِلُ : مَا رَجَعَ إِلَى وَحْشَةِ الْفُتُورِ مَنْ تَقَحَّمَ فِي الْمَقَامَاتِ السَّنِيَّةِ مِنَ الْأُمُورِ ، وَيَحْتَمِلُ : مَا رَجَعَ إِلَى ذُلِّ عُبُودِيَّةِ الْمَخْلُوقِينَ مَنْ وَصَلَ إِلَى طِيبِ رُوحِ الْيَقِينِ ، وَاسْتَنَدَ إِلَى كِفَايَةِ الْوَاثِقِينَ ، وَاعْتَمَدَ عَلَى الثِّقَةِ بِمَا وَعَدَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ، فَعَلَى هَذِهِ الْمَعَانِي يُحْتَمَلُ الْجَوَابُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلَى سَائِرِ الْمَقَامَاتِ ، فَبَاتَ السَّائِلُ تِلْكَ اللَّيْلَةَ عِنْدَ
الحارث ، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَالَ
الحارث : رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّ رَاكِبًا وَقَفَ وَأَنَا أَتَكَلَّمُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ ، فَقَالَ - وَهُوَ يُشِيرُ بِيَدِهِ - :
nindex.php?page=treesubj&link=19695مَا رَجَعَ إِلَى الِانْتِقَاصِ مَنْ وَصَلَ إِلَى الْإِخْلَاصِ .
قَالَ : وَسُئِلَ
الحارث ، فَقِيلَ لَهُ : رَحِمَكُ اللَّهُ ، الْبَلَاءُ مِنَ اللَّهِ لِلْمُؤْمِنِينَ كَيْفَ سَبَبُهُ ؟ قَالَ : الْبَلَاءُ عَلَى ثَلَاثِ جِهَاتٍ : عَلَى الْمُخَلِّطِينَ نِقَمٌ وَعُقُوبَاتٌ ، وَعَلَى الْمُسْتَأْنِفِينَ تَمْحِيصُ الْجِنَايَاتِ ، وَعَلَى الْعَارِفِينَ مِنْ طَرِيقِ الِاخْتِبَارَاتِ ، فَقِيلَ لَهُ : صِفْ تَفَاوُتَهُمْ فِيمَا تَعَبَّدُوا بِهِ ، قَالَ : أَمَّا الْمُخَلِّطُونَ فَذَهَبَ الْجَزَعُ بِقُلُوبِهِمْ ، وَأَسَرَتْهُمُ الْغَفْلَةُ ، فَوَقَعُوا فِي السُّخْطِ ، وَأَمَّا الْمُسْتَأْنِفُونَ فَأَقَامُوا لِلَّهِ بِالصَّبْرِ فِي مَوَاطِنِ الْبَلَاءِ حَتَّى تَخَلَّصُوا وَنَجَوْا مِنْهُ بَعْدَ مُكَابَدَةٍ وَمُؤْنَةٍ ، وَأَمَّا الْعَارِفُونَ فَتَلَقَّوُا الْبَلَاءَ بِالرِّضَا عَنِ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - فِيمَا قَضَى ، وَعَلِمُوا أَنَّ اللَّهَ عَدْلٌ فِي الْقَضَاءِ فَسُرُّوا بِحُلُولِ الْمَكْرُوهِ لِمَعْرِفَةِ عَوَاقِبِ اخْتِيَارِ اللَّهِ لَهُمْ ، قِيلَ لَهُ : فَمَا مَعْنَى هَذِهِ الْآيَةِ ؟ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31nindex.php?page=treesubj&link=29018وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ ) أَوَ لَمْ يَعْلَمْ ؟ قَالَ : بَلَى قَدْ عَلِمَ مَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ ، وَلَكِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=31حَتَّى نَعْلَمَ ) حَتَّى نَرَى الْمُجَاهِدِينَ فِي جِهَادِهِمْ وَالصَّابِرِينَ فِي صَبْرِهِمْ ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْحَى إِلَى نَبِيٍّ مِنْ أَنْبِيَاءِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ : إِنِّي لَحَفِيٌّ بِالْمُرِيدِينَ لِي ، وَإِنَّ بِعَيْنِي مَا تَحَمَّلَ الْمُتَحَمِّلُونَ مِنْ أَجْلِي ، وَمَا يُكَابِدُ الْمُكَابِدُونَ فِي طَلَبِ رِضَائِي ، أَتُرَانِي أُضِيعُ لَهُمْ عَمَلًا ، أَوْ أَنْسَى لَهُمْ أَثَرًا ؟ كَيْفَ وَأَنَا ذُو الْجُودِ أَجُودُ بِفَضْلِي عَلَى الْمُوَلِّينَ عَنِّي ،
[ ص: 93 ] فَكَيْفَ بِالْمُقْبِلِينَ إِلَيَّ ؟ قِيلَ : رَحِمَكَ اللَّهُ مَا الَّذِي أَفَادَ قُلُوبَ الْعَارِفِينَ وَأَهْلَ الْعَقْلِ عَنْهُ فِي مُخَاطَبَةِ الْآيَةِ ؟ قَالَ : تَلَقَّوُا الْمُخَاطَبَةَ مِنَ اللَّهِ بِقُوَّةِ الْفَهْمِ عَنِ اللَّهِ حَتَّى كَأَنَّهُمْ يَسْمَعُونَ مِنْهُ وَأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَيْهِمْ فِي وَقْتِ الْبَلَاءِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ إِلَى أَبْدَانِهِمْ ، فَعَلِمُوا أَنَّهُمْ بِعَيْنِهِ فَقَوُوا عَلَى إِقَامَةِ الصَّبْرِ وَالرِّضَا فِي حَالَةِ الْمِحَنِ إِذْ كَانُوا بِعَيْنِ اللَّهِ ، وَاللَّهُ تَعَالَى يَرَاهُمْ ، فَحِينَ أَسْقَطُوا عَنْ قُلُوبِهِمُ الِاخْتِيَارَ وَالتَّمَلُّكَ بِاحْتِيَالِ قُوَّةٍ ، وَلَجُوا إِلَيْهِ وَطَرَحُوا الْكَنَفَ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَاسْتَبْسَلَتْ جَوَارِحُهُمْ فِي رِقِّ عُبُودِيَّتِهِ بَيْنَ يَدَيْ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ، فَشَالَ عِنْدَ ذَلِكَ صَرْعَتَهُمْ ، وَأَقَالَ عَثْرَتَهُمْ ، وَأَحَاطَهُمْ مِنْ دَوَاعِي الْفُتُورِ ، وَمِنْ عَارِضِ خِيَانَةِ الْجَزَعِ ، وَأَدْخَلَهُمْ فِي سُرَادِقٍ حَسَنِ الْإِحَاطَةِ مِنْ مُلِمَّاتِ الْعَدُوِّ وَنَزَعَاتِهِ وَتَسْوِيلِهِ وَغُرُورِهِ ، فَأَسْعَفَهُمْ بِمَوَادِّ الصَّبْرِ مِنْهُ ، وَمَنَحَهُمْ حُسْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالتَّفْوِيضِ ، فَفَوَّضُوا أُمُورَهُمْ إِلَيْهِ ، وَأَلْجَئُوا إِلَيْهِ هُمُومَهُمْ ، وَاسْتَنَدُوا بِوَثِيقِ حِصْنِ النَّجَاةِ رَجَاءَ رُوحِ نَسِيمِ الْكِفَايَةِ ، وَطِيبِ عَيْشِ الطُّمَأْنِينَةِ ، وَهُدُوءِ سُكُونِ الثِّقَةِ ، وَمُنْتَهَى سُرُورِ تَوَاتُرِ مَعُونَاتِ الْمِحْنَةِ ، وَعَظِيمِ جَسِيمِ قَدْرِ الْفَائِدَةِ ، وَزِيَادَاتِ قَدْرِ الْبَصِيرَةِ ، وَعَلِمُوا أَنَّهُ قَدْ عَلِمَ مِنْهُمْ مَكْنُونَ سِرِّهِمْ ، وَخَفِيَّ مُرَادِهِمْ ، وَيَكُونُ مَا حَصَلَ فِي الْقُلُوبِ مِنْ يَقِينِهِمْ ، وَمَا أَشَارَتْ إِلَيْهِ فِي بَوَاطِنِ أَوْهَامِهَا ، وَسِرِّ غَيْبِهَا ، فَعَظُمَ مِنْهُمْ حِرْصُ الطَّلَبِ ، وَغَابَ مِنْهُمْ مَكَامِنُ فُتُورِ الْجِدِّ لِمَعْرِفَةِ الْمَعْذِرَةِ فِيهِمْ ، فَهَؤُلَاءِ فِي مَقَامَاتِ حُسْنِ الْمَعْرِفَةِ وَحَالَاتِ اتِّسَاعِ الْهِدَايَةِ ، وَحُسْنِ بَهَاءِ الْبَصِيرَةِ ، فَاعْتَزُّوا بِعِزَّةِ الِاعْتِمَادِ عَلَى اللَّهِ ، فَقَالَ لَهُ السَّائِلُ : حَسْبِي رَحِمَكَ اللَّهُ ، فَقَدْ عَرَّفْتَنِي مَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُ ، وَبَصَّرْتَنِي مَا لَمْ أَكُنْ أُبْصِرُ ، وَكَشَفْتَ عَنْ قَلْبِي ظُلْمَةَ الْجَهْلِ بِنُورِ الْعِلْمِ ، وَفَائِدَةِ الْفَهْمِ ، وَزِيَادَاتِ الْيَقِينِ ، وَثَبَّتَّنِي فِي مَقَامِي ، وَزِدْتَنِي فِي قَدْرِ رَغْبَتِي ، وَرَوَّحْتَنِي مِنْ ضِيقِ خَاطِرِي ، فَأَرْشَدَكَ اللَّهُ إِلَى سَبِيلِ النَّجَاةِ ، وَوَفَّقَكَ لِلصَّوَابِ بِمَنِّهِ وَرَأْفَتِهِ ، إِنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيدٌ " .
أَخْبَرَنَا
جعفر بن محمد بن نصير - فِي كِتَابِهِ - وَحَدَّثَنِي عَنْهُ
عثمان بن محمد العثماني ، قَالَ : سَمِعْتُ
الجنيد ، يَقُولُ : سَمِعْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=15166أَبَا عَبْدِ اللَّهِ الْحَارِثَ بْنَ أَسَدٍ ، يَقُولُ - وَسُئِلَ عَنِ الْمُرَاقَبَةِ لِلَّهِ وَعَنِ الْمُرَاقِبِ لِرَبِّهِ - فَقَالَ : " إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19668_19669_19670_18300الْمُرَاقَبَةَ تَكُونُ عَلَى ثَلَاثِ خِلَالٍ [ ص: 94 ] عَلَى قَدْرِ عَقْلِ الْعَاقِلِينَ وَمَعْرِفَتِهِمْ بِرَبِّهِمْ ، يَفْتَرِقُونَ فِي ذَلِكَ ، فَإِحْدَى الثَّلَاثِ الْخَوْفُ مِنَ اللَّهِ ، وَالْخَلَّةُ الثَّانِيَةُ الْحَيَاءُ مِنَ اللَّهِ ، وَالْخَلَّةُ الثَّالِثَةُ الْحُبُّ لِلَّهِ ، فَأَمَّا الْخَائِفُ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ حَذَرٍ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَغَلَبَةِ فَزَعٍ ، وَأَمَّا الْمُسْتَحْيِي مِنَ اللَّهِ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ انْكِسَارٍ وَغَلَبَةِ إِخْبَاتٍ ، وَأَمَّا الْمُحِبُّ فَمُرَاقِبٌ بِشِدَّةِ سُرُورٍ وَغَلَبَةِ نَشَاطٍ وَسَخَاءِ نَفْسٍ مَعَ إِشْفَاقٍ ، لَا يُفَارِقُهُ ، وَلَنْ تَكَادَ أَنْ تَخْلُوَ قُلُوبُ الْمُرَاقِبِينَ مِنْ ذِكْرِ اطِّلَاعِ الرَّقِيبِ بِشِدَّةِ حَذَرٍ مِنْ قُلُوبِهِمْ أَنْ يَرَاهُمْ غَافِلِينَ عَنْ مُرَاقَبَتِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=19661_19662_18300وَالْمُرَاقَبَةُ ثَلَاثُ خِلَالٍ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : أَوَّلُهَا التَّثْبِيتُ بِالْحَذَرِ قَبْلَ الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ ، وَالتَّرْكُ لِمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ مَخَافَةَ الْخَطَأِ ، فَإِذَا تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْعَمَلِ بِمَا أَوْجَبَ اللَّهُ وَالتَّرْكِ لِمَا نَهَى اللَّهُ مَخَافَةَ التَّفْرِيطِ ، فَإِذَا دَخَلَ فِي الْعَمَلِ فَالتَّكْمِيلُ لِلْعَمَلِ مَخَافَةَ التَّقْصِيرِ ، فَمَنْ لَمْ يَثْبُتْ قَبْلَ الْعَمَلِ مَخَافَةَ الْخَطَأِ فَغَيْرُ مُرَاقِبٍ لِمَنْ يَعْمَلُ لَهُ إِذْ كَانَ لَا يَأْمَنُ مِنْ أَنْ يَعْمَلَ عَلَى غَيْرِ مَا أَحَبَّ وَأَمَرَ بِهِ ، وَمَنْ لَمْ يُبَادِرْ وَيُسَارِعْ إِلَى عَمَلِ مَا يُحِبُّ اللَّهُ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الصَّوَابُ ، فَمَا رَاقَبَ إِذَا بَطَّأَ عَنِ الْعَمَلِ ، لِمَحَبَّةِ مَنْ يُرَاقِبُهُ ، إِذْ يَرَاهُ مُتَثَبِّطًا عَنِ الْقِيَامِ بِمَا أُمِرَ بِهِ ، وَمَنْ لَمْ يَجْتَهِدْ فِي تَكْمِيلِ عَمَلِهِ فَضَعِيفٌ مُقَصِّرٌ فِي مُرَاقَبَةِ مَنْ يُرَاقِبُهُ ، إِذَا قَصَّرَ عَنْ إِحْكَامِ الْعَمَلِ لِمَنْ يَعْمَلُ ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ يُحِبُّ تَكْمِيلَهُ وَإِحْكَامَهُ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=24625_32514_18300سَبْعُ خِلَالٍ يَكْمُلُ لَهَا عَمَلُ الْمُرِيدِ وَحِكْمَتُهُ : حُضُورُ الْعَقْلِ ، وَنَفَاذُ الْفِطْنَةِ ، وَسَعَةُ الْعَمَلِ بِغَيْرِ غَلَطٍ ، وَقَهْرُ الْعَقْلِ لِلْهَوَى ، وَعِظَمُ الْهَمِّ كَيْفَ يُرْضِي الرَّبَّ تَعَالَى ، وَالتَّثَبُّتُ قَبْلَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، وَشِدَّةُ الْحَذَرِ لِلْآفَاتِ الَّتِي تَشُوبُ الطَّاعَاتِ ، وَأَقَلُّ الْمُرِيدِينَ غَفْلَةً أَدْوَمُهُمْ مُرَاقَبَةً مَعَ تَعْظِيمِ الرَّقِيبِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى صِدْقِ الْمُرَاقَبَةِ بِإِجْلَالِ الرَّقِيبِ شِدَّةُ الْعِنَايَةِ بِالْفِطْنَةِ لِدَوَاعِي الْعَقْلِ مِنْ دَوَاعِي الْهَوَى ، وَالتَّثْبِيتُ بِالنَّظَرِ بِنُورِ الْعِلْمِ ، وَالتَّمْيِيزُ بَيْنَ الطَّاعَةِ وَمَا شَابَهَهَا مِنَ الْآفَاتِ ، وَقُوَّةُ الْعَزْمِ عَلَى تَكْمِيلِ الْمُرَاقَبَةِ فِي الْحُظْوَةِ فِي عَيْنِ الْمَلِيكِ الْمُطَّلِعِ ، وَشَدَّةُ الْفَزَعِ مِمَّا يَكْرَهُ خَوْفَ الْمَقْتِ ، وَالدَّلِيلُ عَلَى قُوَّةِ الْخَوْفِ شِدَّةُ الْإِشْفَاقِ مِمَّا مَضَى مِنَ السَّيِّئَاتِ أَنْ لَا تُغْفَرَ ، وَمَا تَقَدَّمَ مِنَ الْإِحْسَانِ أَنْ لَا يُقْبَلَ ، وَدَوَامُ الْحَذَرِ فِيمَا يَسْتَقْبِلُ أَنْ لَا يَسْلَمَ ، وَعِظَمُ الْهَمِّ مِنْ عَظِيمِ الرَّغْبَةِ ، وَعَظِيمُ الرَّغْبَةِ مِنْ كِبَرِ الْمَعْرِفَةِ بِعَظِيمِ قَدْرِ الْمَرْغُوبِ فِيهِ
[ ص: 95 ] وَإِلَيْهِ ، وَسُمُوُّ الْهِمَّةِ يُخَفِّفُ التَّعَبَ وَالنَّصَبَ ، وَيُهَوِّنُ الشَّدَائِدَ فِي طَلَبِ الرِّضْوَانِ ، وَيَسْتَقِلُّ مَعَهُ بَذْلُ الْمَجْهُودِ بِعَظِيمِ مَا ارْتَفَعَ إِلَيْهِ الْهَمُّ ، وَالنَّشَاطُ بِالدَّوْبِ دَائِمٌ ، وَالسُّرُورُ بِالْمُنَاجَاةِ هَائِجٌ ، وَالصَّبْرُ زِمَامُ النَّفْسِ عَنِ الْمَهَالِكِ ، وَإِمْسَاكٌ لَهَا عَلَى النَّجَاةِ ، فَالْيَقِينُ رَاحَةٌ لِلْقُلُوبِ مِنْ هُمُومِ الدُّنْيَا ، وَكَاسِبٌ لِمَنَافِعِ الدِّينِ كُلِّهَا ، وَحُسْنُ الْأَدَبِ زَيْنٌ لِلْعَالِمِ وَسِتْرٌ لِلْجَاهِلِ ، مَنْ قَصَّرَ أَمَلَهُ حَذِرَ الْمَوْتَ ، وَمَنْ حَذِرَ الْمَوْتَ خَافَ الْفَوْتَ ، وَمَنْ خَافَ الْفَوْتَ قَطَعَ الشَّوْقَ ، وَمَنْ قَطَعَ الشَّوْقَ بَادَرَ قَبْلَ زَوَالِ إِمْكَانِ الظَّفَرِ ، فَاجْعَلِ التَّيَقُّظَ وَاعِظَكَ ، وَالتَّثَبُّتَ وَكِيلَكَ ، وَالْحَذَرَ مُنَبِّهَكَ ، وَالْمَعْرِفَةَ دَلِيلَكَ ، وَالْعِلْمَ قَائِدَكَ ، وَالصَّبْرَ زِمَامَكَ ، وَالْفَزَعَ إِلَى اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - عَوْنَكَ . وَمَنْ لَمْ تُوسِعْهُ الدُّنْيَا غِنًى ، وَلَا رِفْعَةُ أَهْلِهَا شَرَفًا ، وَلَا الْفَقْرُ فِيهَا صِفَةً ، فَقَدِ ارْتَفَعَتْ هِمَّتُهُ ، وَعَزَفَتْ عَنِ الدُّنْيَا نَفْسُهُ ، مَنْ كَانَتْ نِعْمَتُهُ السَّلَامَةَ مِنَ الْآثَامِ ، وَرَغِبَ إِلَى اللَّهِ فِي حَوَادِثَ فَوَائِدَ لِمُرِيدٍ نُقِلَ عَنِ الدُّنْيَا بِقَلْبِهِ ، وَمَنِ اشْتَدَّ تَفَقُّدُهُ مَا يَضُرُّهُ فِي دِينِهِ وَيَنْفَعُهُ فِي آخِرَتِهِ ، وَذَكَرَ اطِّلَاعَ اللَّهِ إِلَيْهِ ، وَمَثَّلَ عَظِيمَ هَوْلِ الْمَطْلَعِ ، وَأَشْفَقَ مِمَّا يَأْتِي بِهِ الْخَيْرُ فَقَدْ صَدَقَ اللَّهَ فِي مُعَامَلَتِهِ ، وَحَقَّقَ اسْتِعْمَالَ مَا عَرَّفَهُ رَبُّهُ ، وَمَنْ قَدَّمَ الْعَزْمَ لِلَّهِ عَلَى الْعَمَلِ بِمَحَبَّتِهِ ، وَوَفَاءً لِلَّهِ بِعَزْمِهِ وَجَانَبَ مَا يَعْتَرِضُ بِقَلْبِهِ مِنْ خَطَرَاتِ السُّوءِ وَنَوَازِعِ الْفِتَنِ فَقَدْ حَقَّقَ مَا عَلِمَ وَرَاقَبَ اللَّهَ فِي أَحْوَالِهِ .
كَهْفُ الْمُرِيدِ ، وَحِرْزُهُ التَّقْوَى ، وَالِاسْتِعْدَادُ عَوْنُهُ وَجُنَّتُهُ الَّتِي يَدْفَعُ بِهَا آفَاتِ الْعَوَارِضِ ، وَصُوَرَ النَّوَازِلِ ، وَالْحَذَرُ يُورِثُهُ النَّجَاةَ وَالسَّلَامَةَ ، وَالصَّبْرُ يُورِثُهُ الرَّغْبَةَ وَالرَّهْبَةَ ، وَذِكْرُ كَثْرَةِ سَوَالِفِ الذُّنُوبِ يُورِثُهُ شِدَّةَ الْغَمِّ وَطُولَ الْحُزْنِ ، وَعِظَمُ مَعْرِفَتِهِ بِكَثْرَةِ آفَاتِ الْعَوَارِضِ فِي الطَّاعَاتِ تُورِثُهُ شِدَّةَ الْإِشْفَاقِ مِنْ رَدِّ الْإِحْسَانِ " .