( الحق من ربك فلا تكن من الممترين )
قوله تعالى : ( الحق من ربك فلا تكن من الممترين ) فيه مسائل :
المسألة الأولى : قال الفراء ، والزجاج قوله ( الحق ) خبر مبتدأ محذوف ، والمعنى : الذي أنبأتك من قصة عيسى عليه السلام ، أو ذلك النبأ في أمر عيسى عليه السلام ( الحق ) فحذف لكونه معلوما ، وقال أبو عبيدة : هو استئناف بعد انقضاء الكلام ، وخبره قوله ( من ربك ) وهذا كما تقول : الحق من الله ، والباطل من الشيطان ، وقال آخرون : الحق ، رفع بإضمار فعل أي : جاءك الحق .
وقيل : أيضا إنه مرفوع بالصفة وفيه تقديم وتأخير ، تقديره : من ربك الحق فلا تكن .
المسألة الثانية : الامتراء الشك ، قال : هو مأخوذ من قول العرب : مريت الناقة والشاة إذا حلبتها ، فكأن الشاك يجتذب بشكه مراء كاللبن الذي يجتذب عند الحلب ، يقال : قد مارى فلان فلانا إذا جادله ، كأنه يستخرج غضبه ، ومنه قيل : الشكر يمتري المزيد أي يجلبه . ابن الأنباري
المسألة الثالثة : في الحق تأويلان : الأول : قال أبو مسلم : المراد أن عيسى - عليه السلام - لا ما قالت النصارى واليهود ، فالنصارى قالوا : إن مريم ولدت إلها ، هذا الذي أنزلت عليك هو الحق من خبر واليهود رموا مريم - عليها السلام - بالإفك ونسبوها إلى يوسف النجار ، فالله تعالى بين أن هذا الذي أنزل في القرآن هو الحق ثم نهى عن الشك فيه ، ومعنى ممتري مفتعل من المرية وهي الشك .
[ ص: 69 ] والقول الثاني : أن المراد أن الحق في بيان هذه المسألة ما ذكرناه من المثل وهو قصة آدم - عليه السلام ، فإنه لا بيان لهذه المسألة ولا برهان أقوى من التمسك بهذه الواقعة ، والله أعلم .
المسألة الرابعة : قوله تعالى : ( فلا تكن من الممترين ) خطاب في الظاهر مع النبي - صلى الله عليه وسلم ، وهذا بظاهره يقتضي أنه كان شاكا في صحة ما أنزل عليه ، وذلك غير جائز ، واختلف الناس في الجواب عنه ، فمنهم من قال : الخطاب وإن كان ظاهره مع النبي - عليه الصلاة والسلام - إلا أنه في المعنى مع الأمة ، قال تعالى : ( ياأيها النبي إذا طلقتم النساء ) [ الطلاق : 1 ] .
والثاني : أنه خطاب للنبي - عليه الصلاة والسلام - والمعنى : فدم على يقينك ، وعلى ما أنت عليه من ترك الامتراء .