قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=174فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم ) .
وفي الآية مسائل :
المسألة الأولى : هذه الآية نزلت في
nindex.php?page=treesubj&link=29311غزوة بدر الصغرى ، روى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن
أبا سفيان لما عزم على أن ينصرف من
المدينة إلى
مكة نادى : يا
محمد موعدنا موسم
بدر الصغرى فنقتتل بها إن شئت ، فقال عليه الصلاة والسلام
لعمر : قل بيننا وبينك ذلك إن شاء الله تعالى ، فلما حضر الأجل خرج
أبو سفيان مع قومه حتى نزل
بمر الظهران ، وألقى الله تعالى الرعب في قلبه ، فبدا له أن يرجع ، فلقي
نعيم بن مسعود الأشجعي وقد قدم
نعيم معتمرا ، فقال : يا
نعيم إني وعدت
محمدا أن نلتقي بموسم
بدر ، وإن هذا عام جدب ولا يصلحنا إلا عام نرعى فيه الشجر ونشرب فيه اللبن ، وقد بدا لي أن أرجع ، ولكن إن خرج
محمد ولم أخرج زاد بذلك جراءة ، فاذهب إلى
المدينة فثبطهم ولك عندي عشرة من الإبل ، فخرج
نعيم فوجد المسلمين يتجهزون فقال لهم : ما هذا بالرأي ، أتوكم في دياركم وقتلوا أكثركم فإن ذهبتم إليهم لم يرجع منكم أحد ، فوقع هذا الكلام في قلوب قوم منهم ، فلما عرف الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك قال : " والذي نفس
محمد بيده لأخرجن
[ ص: 81 ] إليهم ولو وحدي " ثم خرج النبي صلى الله عليه وسلم ، ومعه نحو سبعين رجلا فيهم
ابن مسعود ، وذهبوا إلى أن وصلوا إلى
بدر الصغرى ، وهي ماء
لبني كنانة ، وكانت موضع سوق لهم يجتمعون فيها كل عام ثمانية أيام ، ولم يلق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه أحدا من المشركين ، ووافقوا السوق ، وكانت معهم نفقات وتجارات ، فباعوا واشتروا أدما وزبيبا وربحوا وأصابوا بالدرهم درهمين ، وانصرفوا إلى
المدينة سالمين غانمين ، ورجع
أبو سفيان إلى
مكة فسمى أهل
مكة جيشه جيش السويق ، وقالوا : إنما خرجتم لتشربوا السويق ، فهذا هو الكلام في سبب نزول هذه الآية .
المسألة الثانية : في محل ( الذين ) وجوه :
أحدها : أنه جر ، صفة للمؤمنين بتقدير : والله لا يضيع أجر المؤمنين الذين قال لهم الناس .
الثاني : أنه بدل من قوله : ( للذين أحسنوا ) .
الثالث : أنه رفع بالابتداء وخبره (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173فزادهم إيمانا ) .
المسألة الثالثة : المراد بقوله : ( الذين ) من تقدم ذكرهم ، وهم الذين استجابوا لله والرسول .
وفي المراد بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173قال لهم الناس ) وجوه :
الأول : أن هذا القائل هو
نعيم بن مسعود كما ذكرناه في سبب نزول هذه الآية ، وإنما جاز إطلاق لفظ الناس على الإنسان الواحد ، لأنه إذا قال الواحد قولا وله أتباع يقولون مثل قوله أو يرضون بقوله ، حسن حينئذ إضافة ذلك الفعل إلى الكل ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=72وإذ قتلتم نفسا فادارأتم فيها ) [ البقرة : 72 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55وإذ قلتم ياموسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة ) [ البقرة : 55 ] وهم لم يفعلوا ذلك وإنما فعله أسلافهم ، إلا أنه أضيف إليهم لمتابعتهم لهم على تصويبهم في تلك الأفعال ، فكذا ههنا يجوز أن يضاف القول إلى الجماعة الراضين بقول ذلك الواحد .
الثاني : وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومحمد بن إسحاق : أن ركبا من
عبد القيس مروا
بأبي سفيان ، فدسهم إلى المسلمين ليجبنوهم وضمن لهم عليه جعلا .
الثالث : قال
السدي : هم المنافقون ، قالوا للمسلمين حين تجهزوا للمسير إلى
بدر لميعاد
أبي سفيان : القوم قد أتوكم في دياركم ، فقتلوا الأكثرين منكم ، فإن ذهبتم إليهم لم يبق منكم أحد .
المسألة الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173إن الناس قد جمعوا لكم ) المراد بالناس هو
أبو سفيان وأصحابه ورؤساء عسكره ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173قد جمعوا لكم ) أي جمعوا لكم الجموع ، فحذف المفعول لأن العرب تسمي الجيش جمعا ويجمعونه جموعا ، وقوله : ( فاخشوهم ) أي فكونوا خائفين منهم ، ثم إنه تعالى أخبر أن المسلمين لما سمعوا هذا الكلام لم يلتفتوا إليه ولم يقيموا له وزنا ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173فزادهم إيمانا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : الضمير في قوله : ( فزادهم ) إلى ماذا يعود ؟ فيه قولان : الأول : عائد إلى الذين ذكروا هذه التخويفات .
والثاني : أنه عائد إلى نفس قولهم ، والتقدير : فزادهم ذلك القول إيمانا ، وإنما حسنت هذه الإضافة لأن هذه الزيادة في الإيمان لما حصلت عند سماع هذا القول حسنت إضافتها إلى هذا القول وإلى هذا القائل ، ونظيره قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=6فلم يزدهم دعائي إلا فرارا ) [ نوح : 6 ] وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=42فلما جاءهم نذير ما زادهم إلا نفورا ) [ فاطر : 42 ] .
المسألة الثانية : المراد بالزيادة في الإيمان أنهم لما سمعوا هذا الكلام المخوف لم يلتفتوا إليه ، بل حدث في قلوبهم عزم متأكد على محاربة الكفار ، وعلى
nindex.php?page=treesubj&link=28750_18277_18278طاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في كل ما يأمر به وينهى عنه ثقل
[ ص: 82 ] ذلك أو خف ، لأنه قد كان فيهم من به جراحات عظيمة ، وكانوا محتاجين إلى المداواة ، وحدث في قلوبهم وثوق بأن الله ينصرهم على أعدائهم ويؤيدهم في هذه المحاربة ، فهذا هو المراد من قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173فزادهم إيمانا ) .
المسألة الثالثة : الذين يقولون إن
nindex.php?page=treesubj&link=28647_30479الإيمان عبارة لا عن التصديق بل عن الطاعات ، وإنه يقبل الزيادة والنقصان ، احتجوا بهذه الآية ، فإنه تعالى نص على وقوع الزيادة ، والذين لا يقولون بهذا القول قالوا : الزيادة إنما وقعت في مراتب الإيمان وفي شعائره ، فصح القول بوقوع الزيادة في الإيمان مجازا .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=174فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ ) .
وَفِي الْآيَةِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29311غَزْوَةِ بَدْرٍ الصُّغْرَى ، رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَنَّ
أَبَا سُفْيَانَ لَمَّا عَزَمَ عَلَى أَنْ يَنْصَرِفَ مِنَ
الْمَدِينَةِ إِلَى
مَكَّةَ نَادَى : يَا
مُحَمَّدُ مَوْعِدُنَا مَوْسِمَ
بَدْرٍ الصُّغْرَى فَنَقْتَتِلُ بِهَا إِنْ شِئْتَ ، فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ
لِعُمَرَ : قُلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ ذَلِكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى ، فَلَمَّا حَضَرَ الْأَجَلُ خَرَجَ
أَبُو سُفْيَانَ مَعَ قَوْمِهِ حَتَّى نَزَلَ
بِمَرِّ الظَّهْرَانِ ، وَأَلْقَى اللَّهُ تَعَالَى الرُّعْبَ فِي قَلْبِهِ ، فَبَدَا لَهُ أَنْ يَرْجِعَ ، فَلَقِيَ
نُعَيْمَ بْنَ مَسْعُودٍ الْأَشْجَعِيَّ وَقَدْ قَدِمَ
نُعَيْمٌ مُعْتَمِرًا ، فَقَالَ : يَا
نُعَيْمُ إِنِّي وَعَدْتُ
مُحَمَّدًا أَنْ نَلْتَقِيَ بِمَوْسِمِ
بَدْرٍ ، وَإِنَّ هَذَا عَامُ جَدْبٍ وَلَا يُصْلِحُنَا إِلَّا عَامٌ نَرْعَى فِيهِ الشَّجَرَ وَنَشْرَبُ فِيهِ اللَّبَنَ ، وَقَدْ بَدَا لِي أَنْ أَرْجِعَ ، وَلَكِنْ إِنْ خَرَجَ
مُحَمَّدٌ وَلَمْ أَخْرُجْ زَادَ بِذَلِكَ جَرَاءَةً ، فَاذْهَبْ إِلَى
الْمَدِينَةِ فَثَبِّطْهُمْ وَلَكَ عِنْدِي عَشَرَةٌ مِنَ الْإِبِلِ ، فَخَرَجَ
نُعَيْمٌ فَوَجَدَ الْمُسْلِمِينَ يَتَجَهَّزُونَ فَقَالَ لَهُمْ : مَا هَذَا بِالرَّأْيِ ، أَتَوْكُمْ فِي دِيَارِكُمْ وَقَتَلُوا أَكْثَرَكُمْ فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لَمْ يَرْجِعْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ، فَوَقَعَ هَذَا الْكَلَامُ فِي قُلُوبِ قَوْمٍ مِنْهُمْ ، فَلَمَّا عَرَفَ الرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ ذَلِكَ قَالَ : " وَالَّذِي نَفْسُ
مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَأَخْرُجَنَّ
[ ص: 81 ] إِلَيْهِمْ وَلَوْ وَحْدِي " ثُمَّ خَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَمَعَهُ نَحْوُ سَبْعِينَ رَجُلًا فِيهِمُ
ابْنُ مَسْعُودٍ ، وَذَهَبُوا إِلَى أَنْ وَصَلُوا إِلَى
بَدْرٍ الصُّغْرَى ، وَهِيَ مَاءٌ
لِبَنِي كِنَانَةَ ، وَكَانَتْ مَوْضِعَ سُوقٍ لَهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِيهَا كُلَّ عَامٍ ثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ ، وَلَمْ يَلْقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابَهُ أَحَدًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، وَوَافَقُوا السُّوقَ ، وَكَانَتْ مَعَهُمْ نَفَقَاتٌ وَتِجَارَاتٌ ، فَبَاعُوا وَاشْتَرَوْا أُدْمًا وَزَبِيبًا وَرَبِحُوا وَأَصَابُوا بِالدِّرْهَمِ دِرْهَمَيْنِ ، وَانْصَرَفُوا إِلَى
الْمَدِينَةِ سَالِمِينَ غَانِمِينَ ، وَرَجَعَ
أَبُو سُفْيَانَ إِلَى
مَكَّةَ فَسَمَّى أَهْلُ
مَكَّةَ جَيْشَهُ جَيْشَ السَّوِيقِ ، وَقَالُوا : إِنَّمَا خَرَجْتُمْ لِتَشْرَبُوا السَّوِيقَ ، فَهَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : فِي مَحَلِّ ( الَّذِينَ ) وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : أَنَّهُ جَرٌّ ، صِفَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِتَقْدِيرِ : وَاللَّهُ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ .
الثَّانِي : أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ قَوْلِهِ : ( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا ) .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ وَخَبَرُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ : ( الَّذِينَ ) مَنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ ، وَهُمُ الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ .
وَفِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173قَالَ لَهُمُ النَّاسُ ) وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ هَذَا الْقَائِلَ هُوَ
نُعَيْمُ بْنُ مَسْعُودٍ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَإِنَّمَا جَازَ إِطْلَاقُ لَفْظِ النَّاسِ عَلَى الْإِنْسَانِ الْوَاحِدِ ، لِأَنَّهُ إِذَا قَالَ الْوَاحِدُ قَوْلًا وَلَهُ أَتْبَاعٌ يَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ أَوْ يَرْضَوْنَ بِقَوْلِهِ ، حَسُنَ حِينَئِذٍ إِضَافَةُ ذَلِكَ الْفِعْلِ إِلَى الْكُلِّ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=72وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ) [ الْبَقَرَةِ : 72 ] . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=55وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً ) [ الْبَقَرَةِ : 55 ] وَهُمْ لَمْ يَفْعَلُوا ذَلِكَ وَإِنَّمَا فَعَلَهُ أَسْلَافُهُمْ ، إِلَّا أَنَّهُ أُضِيفَ إِلَيْهِمْ لِمُتَابَعَتِهِمْ لَهُمْ عَلَى تَصْوِيبِهِمْ فِي تِلْكَ الْأَفْعَالِ ، فَكَذَا هَهُنَا يَجُوزُ أَنْ يُضَافَ الْقَوْلُ إِلَى الْجَمَاعَةِ الرَّاضِينَ بِقَوْلِ ذَلِكَ الْوَاحِدِ .
الثَّانِي : وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَمُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ : أَنَّ رَكْبًا مِنْ
عَبْدِ الْقَيْسِ مَرُّوا
بِأَبِي سُفْيَانَ ، فَدَسَّهُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ لِيُجَبِّنُوهُمْ وَضَمِنَ لَهُمْ عَلَيْهِ جُعْلًا .
الثَّالِثُ : قَالَ
السُّدِّيُّ : هُمُ الْمُنَافِقُونَ ، قَالُوا لِلْمُسْلِمِينَ حِينَ تَجَهَّزُوا لِلْمَسِيرِ إِلَى
بَدْرٍ لِمِيعَادِ
أَبِي سُفْيَانَ : الْقَوْمُ قَدْ أَتَوْكُمْ فِي دِيَارِكُمْ ، فَقَتَلُوا الْأَكْثَرِينَ مِنْكُمْ ، فَإِنْ ذَهَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لَمْ يَبْقَ مِنْكُمْ أَحَدٌ .
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) الْمُرَادُ بِالنَّاسِ هُوَ
أَبُو سُفْيَانَ وَأَصْحَابُهُ وَرُؤَسَاءُ عَسْكَرِهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ ) أَيْ جَمَعُوا لَكُمُ الْجُمُوعَ ، فَحُذِفَ الْمَفْعُولُ لِأَنَّ الْعَرَبَ تُسَمِّي الْجَيْشَ جَمْعًا وَيَجْمَعُونَهُ جُمُوعًا ، وَقَوْلُهُ : ( فَاخْشَوْهُمْ ) أَيْ فَكُونُوا خَائِفِينَ مِنْهُمْ ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَخْبَرَ أَنَّ الْمُسْلِمِينَ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ وَلَمْ يُقِيمُوا لَهُ وَزْنًا ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ) وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : ( فَزَادَهُمْ ) إِلَى مَاذَا يَعُودُ ؟ فِيهِ قَوْلَانِ : الْأَوَّلُ : عَائِدٌ إِلَى الَّذِينَ ذَكَرُوا هَذِهِ التَّخْوِيفَاتِ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ عَائِدٌ إِلَى نَفْسِ قَوْلِهِمْ ، وَالتَّقْدِيرُ : فَزَادَهُمْ ذَلِكَ الْقَوْلُ إِيمَانًا ، وَإِنَّمَا حَسُنَتْ هَذِهِ الْإِضَافَةُ لِأَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ فِي الْإِيمَانِ لَمَّا حَصَلَتْ عِنْدَ سَمَاعِ هَذَا الْقَوْلِ حَسُنَتْ إِضَافَتُهَا إِلَى هَذَا الْقَوْلِ وَإِلَى هَذَا الْقَائِلِ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=6فَلَمْ يَزِدْهُمْ دُعَائِي إِلَّا فِرَارًا ) [ نُوحٍ : 6 ] وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=42فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا ) [ فَاطِرٍ : 42 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : الْمُرَادُ بِالزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا هَذَا الْكَلَامَ الْمُخَوِّفَ لَمْ يَلْتَفِتُوا إِلَيْهِ ، بَلْ حَدَثَ فِي قُلُوبِهِمْ عَزْمٌ مُتَأَكِّدٌ عَلَى مُحَارَبَةِ الْكُفَّارِ ، وَعَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28750_18277_18278طَاعَةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي كُلِّ مَا يَأْمُرُ بِهِ وَيَنْهَى عَنْهُ ثَقُلَ
[ ص: 82 ] ذَلِكَ أَوْ خَفَّ ، لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِمْ مَنْ بِهِ جِرَاحَاتٌ عَظِيمَةٌ ، وَكَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى الْمُدَاوَاةِ ، وَحَدَثَ فِي قُلُوبِهِمْ وُثُوقٌ بِأَنَّ اللَّهَ يَنْصُرُهُمْ عَلَى أَعْدَائِهِمْ وَيُؤَيِّدُهُمْ فِي هَذِهِ الْمُحَارَبَةِ ، فَهَذَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=173فَزَادَهُمْ إِيمَانًا ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28647_30479الْإِيمَانَ عِبَارَةٌ لَا عَنِ التَّصْدِيقِ بَلْ عَنِ الطَّاعَاتِ ، وَإِنَّهُ يَقْبَلُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ ، احْتَجُّوا بِهَذِهِ الْآيَةِ ، فَإِنَّهُ تَعَالَى نَصَّ عَلَى وُقُوعِ الزِّيَادَةِ ، وَالَّذِينَ لَا يَقُولُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ قَالُوا : الزِّيَادَةُ إِنَّمَا وَقَعَتْ فِي مَرَاتِبِ الْإِيمَانِ وَفِي شَعَائِرِهِ ، فَصَحَّ الْقَوْلُ بِوُقُوعِ الزِّيَادَةِ فِي الْإِيمَانِ مَجَازًا .