المسألة الخامسة : قال - رحمه الله - : النية شرط لصحة الوضوء والغسل . وقال الشافعي - رحمه [ ص: 121 ] الله : ليس كذلك . أبو حنيفة
واعلم أن كل واحد منهما يستدل لذلك بظاهر هذه الآية .
أما - رحمه الله - فإنه قال : الوضوء مأمور به ، وكل مأمور به فإنه يجب أن يكون منويا فالوضوء يجب أن يكون منويا ، وإذا ثبت هذا وجب أن يكون شرطا لأنه لا قائل بالفرق ، وإنما قلنا : إن الوضوء مأمور به لقوله : ( الشافعي فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برءوسكم وأرجلكم إلى الكعبين ) ولا شك أن قوله : " فاغسلوا وامسحوا " أمر ، وإنما قلنا : إن كل مأمور به يجب أن يكون منويا لقوله تعالى : ( وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) [البينة : 5] واللام في قوله : ( ليعبدوا ) ظاهر للتعليل ، لكن تعليل أحكام الله تعالى محال ، فوجب حمله على الباء لما عرف من جواز إقامة حروف الجر بعضها مقام بعض ، فيصير التقدير : وما أمروا إلا بأن يعبدوا الله مخلصين له الدين ، ، ومتى كانت النية الخالصة معتبرة كان أصل النية معتبرا . وقد حققنا الكلام في هذا الدليل في تفسير قوله تعالى : ( والإخلاص عبارة عن النية الخالصة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين ) [ البينة : 5 ] فليرجع إليه في طلب زيادة الإتقان ، فثبت بما ذكرنا أن كل وضوء مأمور به ، وثبت أن كل مأمور به يجب أن يكون منويا ، فلزم القطع بأن كل وضوء يجب أن يكون منويا أقصى ما في الباب أن قولنا : كل مأمور به يجب أن يكون منويا مخصوص في بعض الصور ، لكنا إنما أثبتنا هذه المقدمة بعموم النص ، والعام حجة في غير محل التخصيص .
وأما - رحمه الله - فإنه احتج بهذه الآية على أن النية ليست شرطا لصحة الوضوء ، فقال : إنه تعالى أوجب غسل الأعضاء الأربعة في هذه الآية ولم يوجب النية فيها ، فإيجاب النية زيادة على النص ، والزيادة على النص نسخ ، أبو حنيفة لا يجوز . ونسخ القرآن بخبر الواحد وبالقياس
وجوابنا : أنا بينا أنه إنما أوجبنا بدلالة القرآن . النية في الوضوء