(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله عليكم وميثاقه الذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور )
اعلم أنه تعالى لما ذكر هذا التكليف أردفه بما يوجب عليهم القبول والانقياد ، وذلك من وجهين :
الأول : كثرة نعمة الله عليهم ، وهو المراد من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله عليكم ) ومعلوم أن
nindex.php?page=treesubj&link=18273_29485_32409كثرة النعم توجب على المنعم عليه الاشتغال بخدمة المنعم والانقياد لأوامره ونواهيه ، وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : إنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله عليكم ) ولم يقل " نعم الله عليكم " ؛ لأنه ليس المقصود منه التأمل في أعداد نعم الله ، بل المقصود منه التأمل في جنس نعم الله لأن هذا الجنس جنس لا يقدر غير الله عليه ، فمن الذي يقدر على إعطاء نعمة الحياة والصحة والعقل والهداية والصون عن الآفات والإيصال إلى جميع الخيرات في الدنيا والآخرة ، فجنس نعمة الله جنس لا يقدر عليه غير الله ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله ) المراد التأمل في هذا النوع من حيث إنه ممتاز عن نعمة غيره ، وذلك الامتياز هو أنه لا يقدر عليه غيره ، ومعلوم أن النعمة متى كانت على هذا الوجه كان وجوب الاشتغال بشكرها أتم وأكمل .
المسألة الثانية : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واذكروا نعمة الله ) مشعر بسبق النسيان ، فكيف يعقل نسيانها مع أنها متواترة متوالية علينا في جميع الساعات والأوقات ، إلا أن الجواب عنه أنها لكثرتها وتعاقبها صارت كالأمر المعتاد ، فصارت غلبة ظهورها وكثرتها سببا لوقوعها في محل النسيان ، ولهذا المعنى قال المحققون : إنه تعالى إنما كان باطنا لكونه ظاهرا ، وهو المراد من قولهم : سبحان من احتجب عن العقول بشدة ظهوره ، واختفى عنها بكمال نوره .
السبب الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=29642_19611من الأسباب التي توجب عليهم كونهم منقادين لتكاليف الله تعالى هو الميثاق الذي واثقهم به ، والمواثقة المعاهدة التي قد أحكمت بالعقد على نفسه ، وهذه الآية مشابهة لقوله في أول السورة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1ياأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود ) وللمفسرين في تفسير هذا الميثاق وجوه :
الأول : أن المراد هو المواثيق التي
[ ص: 142 ] جرت بين رسول الله صلى الله عليه وسلم وبينهم في أن يكونوا على السمع والطاعة في المحبوب والمكروه ، مثل مبايعته مع
الأنصار في أول الأمر ومبايعته عامة المؤمنين تحت الشجرة وغيرهما ، ثم إنه تعالى أضاف الميثاق الصادر عن الرسول إلى نفسه كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله ) ( الفتح : 10 ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80من يطع الرسول فقد أطاع الله ) ( النساء : 80 ) ثم إنه تعالى أكد ذلك بأن ذكرهم أنهم التزموا ذلك وقبلوا تلك التكاليف وقالوا سمعنا وأطعنا ، ثم حذرهم من نقض تلك العهود والمواثيق فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7واتقوا الله إن الله عليم بذات الصدور ) يعني لا تنقضوا تلك العهود ولا تعزموا بقلوبكم على نقضها ، فإنه إن خطر ذلك ببالكم فالله يعلم بذلك وكفى به مجازيا .
والثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما : هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى على
بني إسرائيل حين قالوا آمنا بالتوراة وبكل ما فيها ، فلما كان من جملة ما في التوراة البشارة بمقدم
محمد صلى الله عليه وسلم لزمهم الإقرار
بمحمد عليه الصلاة والسلام .
والثالث : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد والكلبي ومقاتل : هو الميثاق الذي أخذه الله تعالى منهم حين أخرجهم من ظهر
آدم عليه السلام وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم .
فإن قيل : على هذا القول
nindex.php?page=treesubj&link=29642إن بني آدم لا يذكرون هذا العهد والميثاق فكيف يؤمرون بحفظه ؟
قلنا : لما أخبر الله تعالى بأنه كان ذلك حاصلا حصل القطع بحصوله ، وحينئذ يحسن أن يأمرهم بالوفاء بذلك العهد .
الرابع : قال
السدي : المراد بالميثاق الدلائل العقلية والشرعية التي نصبها الله تعالى على التوحيد والشرائع ، وهو اختيار أكثر المتكلمين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثَاقَهُ الَّذِي وَاثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ )
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ هَذَا التَّكْلِيفَ أَرْدَفَهُ بِمَا يُوجِبُ عَلَيْهِمُ الْقَبُولَ وَالِانْقِيَادَ ، وَذَلِكَ مِنْ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : كَثْرَةُ نِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18273_29485_32409كَثْرَةَ النِّعَمِ تُوجِبُ عَلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ الِاشْتِغَالَ بِخِدْمَةِ الْمُنْعِمِ وَالِانْقِيَادَ لِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيهِ ، وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : إِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ) وَلَمْ يَقُلْ " نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ " ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّأَمُّلَ فِي أَعْدَادِ نِعَمِ اللَّهِ ، بَلِ الْمَقْصُودُ مِنْهُ التَّأَمُّلُ فِي جِنْسِ نِعَمِ اللَّهِ لِأَنَّ هَذَا الْجِنْسَ جِنْسٌ لَا يَقْدِرُ غَيْرُ اللَّهِ عَلَيْهِ ، فَمَنِ الَّذِي يَقْدِرُ عَلَى إِعْطَاءِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَالصِّحَّةِ وَالْعَقْلِ وَالْهِدَايَةِ وَالصَّوْنِ عَنِ الْآفَاتِ وَالْإِيصَالِ إِلَى جَمِيعِ الْخَيْرَاتِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، فَجِنْسُ نِعْمَةِ اللَّهِ جِنْسٌ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُ اللَّهِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ) الْمُرَادُ التَّأَمُّلُ فِي هَذَا النَّوْعِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ مُمْتَازٌ عَنْ نِعْمَةِ غَيْرِهِ ، وَذَلِكَ الِامْتِيَازُ هُوَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّعْمَةَ مَتَى كَانْتَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ كَانَ وُجُوبُ الِاشْتِغَالِ بِشُكْرِهَا أَتَمَّ وَأَكْمَلَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ ) مُشْعِرٌ بِسَبْقِ النِّسْيَانِ ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ نِسْيَانُهَا مَعَ أَنَّهَا مُتَوَاتِرَةٌ مُتَوَالِيَةٌ عَلَيْنَا فِي جَمِيعِ السَّاعَاتِ وَالْأَوْقَاتِ ، إِلَّا أَنَّ الْجَوَابَ عَنْهُ أَنَّهَا لِكَثْرَتِهَا وَتَعَاقُبِهَا صَارَتْ كَالْأَمْرِ الْمُعْتَادِ ، فَصَارَتْ غَلَبَةُ ظُهُورِهَا وَكَثْرَتِهَا سَبَبًا لِوُقُوعِهَا فِي مَحَلِّ النِّسْيَانِ ، وَلِهَذَا الْمَعْنَى قَالَ الْمُحَقِّقُونَ : إِنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا كَانَ بَاطِنًا لِكَوْنِهِ ظَاهِرًا ، وَهُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ : سُبْحَانَ مَنِ احْتَجَبَ عَنِ الْعُقُولِ بِشِدَّةِ ظُهُورِهِ ، وَاخْتَفَى عَنْهَا بِكَمَالِ نُورِهِ .
السَّبَبُ الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=29642_19611مِنَ الْأَسْبَابِ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْهِمْ كَوْنَهُمْ مُنْقَادِينَ لِتَكَالِيفِ اللَّهِ تَعَالَى هُوَ الْمِيثَاقُ الَّذِي وَاثَقَهُمْ بِهِ ، وَالْمُوَاثَقَةُ الْمُعَاهَدَةُ الَّتِي قَدْ أُحْكِمَتْ بِالْعَقْدِ عَلَى نَفْسِهِ ، وَهَذِهِ الْآيَةُ مُشَابِهَةٌ لِقَوْلِهِ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وَلِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْمِيثَاقِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْمَوَاثِيقُ الَّتِي
[ ص: 142 ] جَرَتْ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَهُمْ فِي أَنْ يَكُونُوا عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ فِي الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ ، مِثْلُ مُبَايَعَتِهِ مَعَ
الْأَنْصَارِ فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَمُبَايَعَتِهِ عَامَّةَ الْمُؤْمِنِينَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ وَغَيْرِهِمَا ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَضَافَ الْمِيثَاقَ الصَّادِرَ عَنِ الرَّسُولِ إِلَى نَفْسِهِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=10إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ) ( الْفَتْحِ : 10 ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=80مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ ) ( النِّسَاءِ : 80 ) ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى أَكَّدَ ذَلِكَ بِأَنْ ذَكَّرَهُمْ أَنَّهُمُ الْتَزَمُوا ذَلِكَ وَقَبِلُوا تِلْكَ التَّكَالِيفَ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ، ثُمَّ حَذَّرَهُمْ مِنْ نَقْضِ تِلْكَ الْعُهُودِ وَالْمَوَاثِيقِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=7وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) يَعْنِي لَا تَنْقُضُوا تِلْكَ الْعُهُودَ وَلَا تَعْزِمُوا بِقُلُوبِكُمْ عَلَى نَقْضِهَا ، فَإِنَّهُ إِنْ خَطَرَ ذَلِكَ بِبَالِكُمْ فَاللَّهُ يَعْلَمُ بِذَلِكَ وَكَفَى بِهِ مُجَازِيًا .
وَالثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : هُوَ الْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ حِينَ قَالُوا آمَنَّا بِالتَّوْرَاةِ وَبِكُلِّ مَا فِيهَا ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا فِي التَّوْرَاةِ الْبِشَارَةُ بِمَقْدَمِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَزِمَهُمُ الْإِقْرَارُ
بِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ .
وَالثَّالِثُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ وَالْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ : هُوَ الْمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ حِينَ أَخْرَجَهُمْ مِنْ ظَهْرِ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ .
فَإِنْ قِيلَ : عَلَى هَذَا الْقَوْلِ
nindex.php?page=treesubj&link=29642إِنَّ بَنِي آدَمَ لَا يَذْكُرُونَ هَذَا الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ فَكَيْفَ يُؤْمَرُونَ بِحِفْظِهِ ؟
قُلْنَا : لَمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ كَانَ ذَلِكَ حَاصِلًا حَصَلَ الْقَطْعُ بِحُصُولِهِ ، وَحِينَئِذٍ يَحْسُنُ أَنْ يَأْمُرَهُمْ بِالْوَفَاءِ بِذَلِكَ الْعَهْدِ .
الرَّابِعُ : قَالَ
السُّدِّيُّ : الْمُرَادُ بِالْمِيثَاقِ الدَّلَائِلُ الْعَقْلِيَّةُ وَالشَّرْعِيَّةُ الَّتِي نَصَبَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَى التَّوْحِيدِ وَالشَّرَائِعِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ أَكْثَرِ الْمُتَكَلِّمِينَ .