( يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) .
ياأيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ) هذا أيضا متصل بما قبله ، والمراد حثهم على الانقياد لتكاليف الله تعالى . قوله تعالى : (
واعلم أن التكاليف وإن كثرت إلا أنها محصورة في نوعين : التعظيم لأمر الله تعالى ، والشفقة على خلق الله ، فقوله : ( كونوا قوامين لله ) إشارة إلى النوع الأول وهو التعظيم لأمر الله ، ومعنى القيام لله هو أن يقوم لله بالحق في كل ما يلزمه القيام به من إظهار العبودية وتعظيم الربوبية ، وقوله : ( شهداء بالقسط ) إشارة إلى الشفقة على خلق الله وفيه قولان :
الأول : قال عطاء : يقول لا تحاب في شهادتك أهل ودك وقرابتك ، ولا تمنع شهادتك أعداءك وأضدادك .
الثاني : قال الزجاج : المعنى تبينون عن دين الله ، لأن الشاهد يبين ما يشهد عليه .
ثم قال تعالى : ( ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا ) أي لا يحملنكم بغض قوم على أن لا تعدلوا ، وأراد أن لا تعدلوا فيهم لكنه حذف للعلم ، وفي الآية قولان :
الأول : أنها عامة والمعنى ، بل اعدلوا فيهم وإن أساءوا إليكم ، وأحسنوا إليهم [ ص: 143 ] وإن بالغوا في إيحاشكم ، فهذا خطاب عام ، ومعناه : أمر الله تعالى جميع الخلق بأن لا يعاملوا أحدا إلا على سبيل العدل والإنصاف ، وترك الميل والظلم والاعتساف . لا يحملنكم بغض قوم على أن تجوروا عليهم وتجاوزوا الحد فيهم
والثاني : أنها مختصة بالكفار فإنها نزلت في قريش لما صدوا المسلمين عن المسجد الحرام .
فإن قيل : فعلى هذا القول كيف يعقل ظلم المشركين مع أن المسلمين أمروا بقتلهم وسبي ذراريهم وأخذ أموالهم ؟
قلنا : يمكن ظلمهم أيضا من وجوه كثيرة : منها أنهم إذا أظهروا الإسلام لا يقبلونه منهم ، ومنها قتل أولادهم الأطفال لاغتمام الآباء ، ومنها إيقاع المثلة بهم ، ومنها نقض عهودهم ، والقول الأول أولى .
ثم قال تعالى : ( اعدلوا هو أقرب للتقوى ) فنهاهم أولا عن أن يحملهم البغضاء على ترك العدل ثم استأنف فصرح لهم بالأمر بالعدل تأكيدا وتشديدا ، ثم ذكر لهم علة الأمر بالعدل وهو قوله : ( هو أقرب للتقوى ) ونظيره قوله : ( وأن تعفوا أقرب للتقوى ) ( البقرة : 237 ) أي هو أقرب للتقوى ، وفيه وجهان :
الأول : هو أقرب إلى الاتقاء من معاصي الله تعالى .
والثاني : هو أقرب إلى الاتقاء من عذاب الله ، وفيه تنبيه عظيم على وجوب الذين هم أعداء الله تعالى ، فما الظن بوجوبه مع المؤمنين الذين هم أولياؤه وأحباؤه . العدل مع الكفار
ثم ذكر الكلام الذي يكون وعدا مع المطيعين ووعيدا للمذنبين ، وهو قوله تعالى : ( واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ) يعني . أنه عالم بجميع المعلومات فلا يخفى عليه شيء من أحوالكم