المنة الثانية : قوله : ( وألقيت عليك محبة مني ) وفيه قولان :
الأول : وألقيت عليك محبة هي مني ، قال : ( الزمخشري مني ) لا يخلو إما أن يتعلق بـ ( وألقيت ) فيكون المعنى على أني أحببتك ، وإما أن يتعلق بمحذوف ، وهذا هو القول الثاني ، ويكون ذلك المحذوف صفة لـ ( ومن أحبه الله أحبته القلوب محبة ) أي وألقيت عليك محبة حاصلة مني واقعة بخلقي ، فلذلك أحبتك امرأة فرعون حتى قالت : ( قرة عين لي ولك لا تقتلوه ) [ القصص : 9 ] .
يروى أنه كانت على وجهه مسحة جمال ، وفي عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه ، وهو كقوله تعالى : ( سيجعل لهم الرحمن ودا ) [ مريم : 96 ] قال القاضي : هذا الوجه أقرب لأنه في حال صغره لا يكاد يوصف بمحبة الله تعالى التي ظاهرها من جهة الدين لأن ذلك إنما يستعمل في المكلف من حيث استحقاق الثواب ، والمراد أن ما ذكرنا من كيفيته في الخلقة يستحلى ويغتبط ، فكذلك كانت حاله مع فرعون وامرأته ، وسهل الله تعالى له منهما في التربية ما لا مزيد عليه ، ويمكن أن يقال : بل الاحتمال الأول أرجح ; لأن الاحتمال الثاني يحوج إلى الإضمار وهو أن يقال : وألقيت عليك محبة حاصلة مني وواقعة بتخليقي ، وعلى التقدير الأول لا حاجة إلى هذا الإضمار .
بقي قوله : إنه حال صباه لا يحصل له محبة الله تعالى قلنا : لا نسلم ; فإن يرجع معناها إلى إيصال النفع إلى عباده ، وهذا المعنى كان حاصلا في حقه في حال صباه وعلم الله تعالى أن ذلك يستمر إلى آخر عمره فلا جرم أطلق عليه لفظ المحبة . محبة الله تعالى