(
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلي وما أنا إلا نذير مبين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ) .
اعلم أنه تعالى لما حكى عنهم أنهم [ شكوا ] في كون القرآن معجزا ، بأن قالوا : إنه يختلقه من عند نفسه ثم ينسبه إلى أنه كلام الله على سبيل الفرية ، حكى عنهم نوعا آخر من الشبهات ، وهو أنهم كانوا يقترحون منه معجزات عجيبة قاهرة ، ويطالبونه بأن يخبرهم عن المغيبات ، فأجاب الله تعالى عنه بأن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قل ما كنت بدعا من الرسل ) ، والبدع والبديع من كل شيء المبدأ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20342والبدعة ما اخترع مما لم يكن موجودا قبله بحكم السنة ، وفيه وجوه :
الأول : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9ما كنت بدعا من الرسل ) أي ما كنت أولهم ، فلا ينبغي أن تنكروا إخباري بأني رسول الله إليكم ، ولا تنكروا دعائي لكم إلى التوحيد ، ونهيي عن عبادة الأصنام ، فإن كل الرسل إنما بعثوا بهذا الطريق .
الوجه الثاني : أنهم طلبوا منه معجزات عظيمة وإخبارا عن الغيوب فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قل ما كنت بدعا من الرسل ) والمعنى أن الإتيان بهذه المعجزات القاهرة
nindex.php?page=treesubj&link=28752والإخبار عن هذه الغيوب ليس في وسع البشر ، وأنا من جنس الرسل ، وأحد منهم لم يقدر على ما تريدونه فكيف أقدر عليه ؟
الوجه الثالث : أنهم كانوا يعيبونه أنه
[ ص: 8 ] يأكل الطعام ، ويمشي في الأسواق ، وبأن أتباعه فقراء فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قل ما كنت بدعا من الرسل ) ، وكلهم كانوا على هذه الصفة وبهذه المثابة فهذه الأشياء لا تقدح في نبوتي كما لا تقدح في نبوتهم .
ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=29692_30175وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : في تفسير الآية وجهان :
أحدهما : أن يحمل ذلك على أحوال الدنيا .
والثاني : أن يحمل على أحوال الآخرة .
أما الأول : ففيه وجوه :
الأول : لا أدري ما يصير إليه أمري وأمركم ، ومن الغالب منا والمغلوب .
والثاني : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس في رواية
الكلبي : لما اشتد البلاء بأصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -
بمكة رأى في المنام أنه يهاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء ، فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك ، ورأوا أن ذلك فرج مما هم فيه من أذى المشركين ، ثم إنهم مكثوا برهة من الدهر لا يرون أثر ذلك ، فقالوا : يا رسول الله ما رأينا الذي قلت ، ومتى نهاجر إلى الأرض التي رأيتها في المنام ؟ فسكت النبي - صلى الله عليه وسلم - فأنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9وما أدري ما يفعل بي ولا بكم ) ، وهو شيء رأيته في المنام ، وأنا لا أتبع إلا ما أوحاه الله إلي .
الثالث : قال
الضحاك : لا أدري ما تؤمرون به ولا ما أؤمر به في باب التكاليف والشرائع والجهاد ولا في الابتلاء والامتحان ، وإنما أنذركم بما أعلمني الله به من أحوال الآخرة في الثواب والعقاب .
والرابع : المراد أنه يقول : لا أدري ما يفعل بي في الدنيا أأموت أم أقتل كما قتل الأنبياء قبلي ؟ ولا أدري ما يفعل بكم أيها المكذبون ، أترمون بالحجارة من السماء ، أم يخسف بكم أم يفعل بكم ما فعل بسائر الأمم ؟ .
أما الذين حملوا هذه الآية على أحوال الآخرة ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال : لما نزلت هذه الآية فرح المشركون والمنافقون
واليهود وقالوا : كيف نتبع نبيا لا يدري ما يفعل به وبنا ؟ فأنزل الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك ) [ الفتح : 1 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=5وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ) [ الفتح : 5 ] ، فبين تعالى ما يفعل به وبمن اتبعه ونسخت هذه الآية ، وأرغم الله أنف المنافقين والمشركين ، وأكثر المحققين استبعدوا هذا القول واحتجوا عليه بوجوه :
الأول : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لا بد وأن يعلم من نفسه كونه نبيا ، ومتى علم كونه نبيا علم أنه لا تصدر عنه الكبائر ، وأنه مغفور له ، وإذا كان كذلك امتنع كونه شاكا في أنه هل هو مغفور له أم لا ؟
الثاني : لا شك أن
nindex.php?page=treesubj&link=30173الأنبياء أرفع حالا من الأولياء ، فلما قال في هذا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=13إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) [ الأحقاف : 13 ] ، فكيف يعقل أن يبقى الرسول الذي هو رئيس الأتقياء وقدوة الأنبياء والأولياء شاكا في أنه هل هو من المغفورين أو من المعذبين ؟
الثالث : أنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124الله أعلم حيث يجعل رسالته ) [ الأنعام : 124 ] والمراد منه كمال حاله ونهاية قربه من حضرة الله تعالى ، ومن هذا حاله كيف يليق به أن يبقى شاكا في أنه من المعذبين أو من المغفورين ؟ فثبت أن هذا القول ضعيف .
المسألة الثانية : قال صاحب “ الكشاف “ : قرئ ( ما يفعل ) بفتح الياء أي يفعل الله عز وجل ، فإن قالوا : ( ما يفعل ) مثبت وغير منفي ، وكان وجه الكلام أن يقال : ما يفعل بي وبكم ؟ قلنا : التقدير : ما أدري ما يفعل بي وما أدري ما يفعل بكم ؟
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) يعني إني لا أقول قولا ولا أعمل عملا إلا بمقتضى الوحي ، واحتج
nindex.php?page=treesubj&link=28368نفاة القياس بهذه الآية فقالوا : النبي - صلى الله عليه وسلم - ما قال قولا ولا عمل عملا إلا بالنص الذي أوحاه الله إليه فوجب أن يكون حالنا كذلك .
بيان الأول : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9إن أتبع إلا ما يوحى إلي ) .
بيان الثاني : قوله تعالى :
[ ص: 9 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158واتبعوه ) [ الأعراف : 158 ] ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فليحذر الذين يخالفون عن أمره ) [ النور : 63 ] .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9وما أنا إلا نذير مبين ) كانوا يطالبونه بالمعجزات العجيبة وبالإخبار عن الغيوب فقال : قل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9وما أنا إلا نذير مبين ) ، والقادر على تلك الأعمال الخارجة عن قدرة البشر والعالم بتلك الغيوب ليس إلا الله سبحانه .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : جواب الشرط محذوف والتقدير : أن يقال : إن كان هذا الكتاب من عند الله ثم كفرتم به وشهد شاهد من
بني إسرائيل على صحته ثم استكبرتم لكنتم من الخاسرين ثم حذف هذا الجواب ، ونظيره قولك : إن أحسنت إليك وأسأت إلي وأقبلت عليك وأعرضت عني فقد ظلمتني ، فكذا ههنا التقدير : أخبروني إن ثبت أن القرآن من عند الله بسبب عجز الخلق عن معارضته ثم كفرتم به ، وحصل أيضا شهادة أعلم
بني إسرائيل بكونه معجزا من عند الله ، فلو استكبرتم وكفرتم ألستم أضل الناس وأظلمهم ؟ واعلم أن جواب الشرط قد يحذف في بعض الآيات وقد يذكر ، أما الحذف فكما في هذه الآية ، وكما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31ولو أن قرآنا سيرت به الجبال أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى ) [ الرعد : 31 ] ، وأما المذكور فكما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=52قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ) [ فصلت : 52 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قل أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة من إله غير الله يأتيكم بضياء ) [ القصص : 71 ] .
المسألة الثانية : اختلفوا في المراد بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وشهد شاهد من بني إسرائيل ) على قولين :
الأول : وهو الذي قال به الأكثرون ، أن هذا الشاهد
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام ، روى صاحب “ الكشاف “ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013708أنه لما قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - المدينة نظر إلى وجهه فعلم أنه ليس بوجه كذاب ، وتأمله وتحقق أنه هو النبي - صلى الله عليه وسلم - المنتظر ، فقال له : إني سائلك عن ثلاث ما يعلمهن إلا نبي : ما nindex.php?page=treesubj&link=31022_30289أول أشراط الساعة ؟ وما nindex.php?page=treesubj&link=31022_30413أول طعام يأكله أهل الجنة ؟ nindex.php?page=treesubj&link=31022_32700والولد ينزع إلى أبيه أو إلى أمه ؟ فقال - صلى الله عليه وسلم - : ( أما أول أشراط الساعة فنار تحشرهم من المشرق إلى المغرب ، وأما أول طعام يأكله أهل الجنة فزيادة كبد الحوت ، وأما الولد فإذا سبق ماء الرجل نزع له ، وإن سبق ماء المرأة نزع لها ) ، فقال : أشهد أنك لرسول الله حقا ، ثم قال : يا رسول الله ، إن اليهود قوم بهت ، وإن علموا بإسلامي قبل أن تسألهم عني بهتوني عندك ، فجاءت اليهود فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم - : أي رجل عبد الله فيكم ؟ فقالوا : خيرنا وابن خيرنا ، وسيدنا وابن سيدنا ، وأعلمنا وابن أعلمنا ، فقال : أرأيتم إن أسلم عبد الله ؟ فقالوا : أعاذه الله من ذلك ، فخرج عبد الله فقال : أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ، فقالوا : شرنا وابن شرنا ، وانتقصوه ، فقال : هذا ما كنت أخاف يا رسول الله ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص : ما سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول لأحد يمشي على الأرض إنه من أهل الجنة إلا nindex.php?page=showalam&ids=106لعبد الله بن سلام ، وفيه نزل ( nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله ) .
واعلم أن
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي ومسروقا وجماعة آخرين أنكروا أن يكون الشاهد المذكور في هذه الآية هو
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام قالوا : لأن إسلامه كان
بالمدينة قبل وفاة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعامين وهذه السورة مكية ، فكيف يمكن حمل هذه الآية المكية على واقعة حدثت في آخر عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
بالمدينة ؟ وأجاب
الكلبي : بأن السورة مكية إلا هذه الآية فإنها مدنية ، وكانت الآية تنزل فيؤمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بأن يضعها في سورة كذا فهذه
[ ص: 10 ] الآية نزلت
بالمدينة ، وإن الله تعالى أمر رسوله - صلى الله عليه وسلم - بأن يضعها في هذه السورة المكية في هذا الموضع المعين ، ولقائل أن يقول : إن الحديث الذي رويتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام مشكل ، وذلك لأن ظاهر الحديث يوهم أنه لما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - عن المسائل الثلاثة ، وأجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - بتلك الجوابات من
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام لأجل أن النبي - صلى الله عليه وسلم - ذكر تلك الجوابات ، وهذا بعيد جدا لوجهين :
الأول : أن الإخبار عن أول أشراط الساعة وعن أول طعام يأكله أهل الجنة إخبار عن وقوع شيء من الممكنات ، وما هذا سبيله فإنه لا يعرف كون ذلك الخبر صدقا إلا إذا عرف أولا كون المخبر صادقا ، فلو أنا عرفنا صدق المخبر بكون ذلك الخبر صدقا لزم الدور ، وإنه محال .
الثاني : أنا نعلم بالضرورة أن الجوابات المذكورة عن هذه المسائل لا يبلغ العلم بها إلى حد الإعجاز البتة ، بل نقول : الجوابات القاهرة عن المسائل الصعبة لما لم تبلغ إلى حد الإعجاز فأمثال هذه الجوابات عن هذه السؤالات كيف يمكن أن يقال : إنها بلغت إلى حد الإعجاز ، والجواب : يحتمل أنه جاء في بعض كتب الأنبياء المتقدمين أن رسول آخر الزمان يسأل عن هذه المسائل وهو يجيب عنها بهذه الجوابات ، وكان
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام عالما بهذا المعنى ، فلما سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأجاب بتلك الأجوبة عرف بهذا الطريق كونه رسولا حقا من عند الله ، وعلى هذا الوجه فلا حاجة بنا إلى أن نقول : العلم بهذه الجوابات معجز ، والله أعلم .
القول الثاني : في تفسير قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وشهد شاهد من بني إسرائيل ) أنه ليس المراد منه شخصا معينا بل المراد منه أن
nindex.php?page=treesubj&link=30589ذكر محمد - صلى الله عليه وسلم - موجود في التوراة والبشارة بمقدمه حاصلة فيها ، فتقدير الكلام : لو أن رجلا منصفا عارفا بالتوراة أقر بذلك واعترف به ، ثم إنه آمن
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأنكرتم ، ألستم كنتم ظالمين لأنفسكم ضالين عن الحق ؟ فهذا الكلام مقرر سواء كان المراد بذلك الشاهد شخصا معينا أو لم يكن كذلك لأن المقصود الأصلي من هذا الكلام أنه ثبت بالمعجزات القاهرة أن هذا الكتاب من عند الله ، وثبت أن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، ومع هذين الأمرين كيف يليق بالعقل إنكار نبوته ؟
المسألة الثالثة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10على مثله ) ذكروا فيه وجوها ، والأقرب أن نقول : إنه - صلى الله عليه وسلم - قال لهم : أرأيتم إن كان هذا القرآن من عند الله كما أقول ، وشهد شاهد من
بني إسرائيل على مثل ما قلت (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10فآمن واستكبرتم ) ألستم كنتم ظالمين أنفسكم ؟
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=25987_19881إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : أنه تهديد ، وهو قائم مقام الجواب المحذوف ، والتقدير : قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به فإنكم لا تكونون مهتدين بل تكونون ضالين .
المسألة الثانية : قالت
المعتزلة : هذه الآية تدل على أنه تعالى إنما منعهم الهداية بناء على الفعل القبيح الذي صدر منهم أولا ، فإن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10إن الله لا يهدي القوم الظالمين ) صريح في أنه تعالى لا يهديهم لكونهم ظالمين أنفسهم ، فوجب أن يعتقدوا في جميع الآيات الواردة في المنع من الإيمان والهداية أن يكون الحال فيها كما ههنا ، والله أعلم .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : هذه
nindex.php?page=treesubj&link=28756شبهة أخرى للقوم في إنكار نبوة محمد - صلى الله عليه وسلم - ، وفي سبب نزوله وجوه :
الأول : أن
[ ص: 11 ] هذا كلام كفار
مكة ، قالوا : إن عامة من يتبع
محمدا الفقراء والأراذل مثل
عمار وصهيب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، ولو كان هذا الدين خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء .
الثاني : قيل : لما أسلمت
جهينة ومزينة وأسلم وغفار ، قالت
بنو عامر وغطفان وأسد وأشجع : لو كان هذا خيرا ما سبقنا إليه رعاء البهم .
الثالث : قيل : إن أمة
لعمر أسلمت ، وكان
عمر يضربها حتى يفتر ويقول : لولا أني فترت لزدتك ضربا ، فكان كفار
قريش يقولون : لو كان ما يدعو
محمد إليه حقا ما سبقتنا إليه فلانة .
الرابع : قيل : كان
اليهود يقولون هذا الكلام عند إسلام
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام .
المسألة الثانية : اللام في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11للذين آمنوا ) ذكروا فيه وجهين :
الأول : أن يكون المعنى : وقال الذين كفروا للذين آمنوا على وجه الخطاب كما تقول : قال زيد لعمرو ، ثم تترك الخطاب وتنتقل إلى الغيبة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس : 22 ] .
الثاني : قال صاحب “ الكشاف “ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11للذين آمنوا ) لأجلهم ، يعني أن الكفار قالوا لأجل إيمان ( الذين آمنوا ) : لو كان خيرا ما سبقونا إليه ، وعندي فيه وجه ثالث : وهو أن الكفار لما سمعوا أن جماعة آمنوا برسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاطبوا جماعة من المؤمنين الحاضرين وقالوا لهم : لو كان هذا الدين خيرا لما سبقنا إليه أولئك الغائبون الذين أسلموا .
واعلم أنه تعالى لما حكى عنهم هذا الكلام أجاب عنه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ) ، والمعنى أنهم لما لم يقفوا على وجه كونه معجزا ، فلا بد من عامل في الظرف في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وإذ لم يهتدوا به ) ومن متعلق لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11فسيقولون ) ، وغير مستقيم أن يكون (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11فسيقولون ) هو العامل في الظرف لتدافع دلالتي المضي والاستقبال ، فما وجه هذا الكلام ؟ وأجاب عنه بأن العامل في ( إذ ) محذوف لدلالة الكلام عليه ، والتقدير : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وإذ لم يهتدوا به ) ظهر عنادهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11فسيقولون هذا إفك قديم ) .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة ) ، كتاب
موسى مبتدأ ، ومن قبله ظرف واقع خبرا مقدما عليه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12إماما ) نصب على الحال كقولك : في الدار زيد قائما ، وقرئ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12ومن قبله كتاب موسى ) ، والتقدير : وآتينا الذي قبله التوراة ، ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12إماما ) أي قدوة يؤتم به في دين الله وشرائعه كما يؤتم بالإمام ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12ورحمة ) لمن آمن به وعمل بما فيه ، ووجه تعلق هذا الكلام بما قبله أن القوم طعنوا في صحة القرآن ، وقالوا : لو كان خيرا ما سبقنا إليه هؤلاء الصعاليك ، وكأنه تعالى قال : الذي يدل على صحة القرآن أنكم لا تنازعون في أن الله تعالى أنزل التوراة على
موسى عليه السلام ، وجعل هذا الكتاب إماما يقتدى به ، ثم إن التوراة مشتملة على البشارة بمقدم
محمد - صلى الله عليه وسلم - ، فإذا سلمتم كون التوراة إماما يقتدى به فاقبلوا حكمه في كون
محمد - صلى الله عليه وسلم - حقا من الله .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ) أي هذا
nindex.php?page=treesubj&link=29778القرآن مصدق لكتاب موسى في أن
محمدا رسول حقا من عند الله ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لسانا عربيا ) نصب على الحال ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لينذر الذين ظلموا ) ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : مشركي
مكة ، وفي قوله : ( لتنذر ) قراءتان : التاء لكثرة ما ورد من هذا المعنى بالمخاطبة كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2لتنذر به وذكرى للمؤمنين ) [ الأعراف : 2 ] ، والياء لتقدم ذكر الكتاب ، فأسند الإنذار إلى الكتاب كما أسند إلى الرسول ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ) [ الكهف : 1 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لينذر بأسا شديدا من لدنه ) [ الكهف : 2 ] .
[ ص: 12 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وبشرى للمحسنين ) ، قال
الزجاج : الأجود أن يكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وبشرى ) في موضع رفع ، والمعنى : وهو بشرى للمحسنين ، قال : ويجوز أن يكون في موضع نصب على معنى : لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين ، وحاصل الكلام أن
nindex.php?page=treesubj&link=29568المقصود من إنزال هذا الكتاب إنذار المعرضين وبشارة المطيعين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ أَنَّهُمْ [ شَكُّوا ] فِي كَوْنِ الْقُرْآنِ مُعْجِزًا ، بِأَنْ قَالُوا : إِنَّهُ يَخْتَلِقُهُ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ ثُمَّ يَنْسُبُهُ إِلَى أَنَّهُ كَلَامُ اللَّهِ عَلَى سَبِيلِ الْفِرْيَةِ ، حَكَى عَنْهُمْ نَوْعًا آخَرَ مِنَ الشُّبُهَاتِ ، وَهُوَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقْتَرِحُونَ مِنْهُ مُعْجِزَاتٍ عَجِيبَةً قَاهِرَةً ، وَيُطَالِبُونَهُ بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ عَنِ الْمُغَيَّبَاتِ ، فَأَجَابَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِأَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) ، وَالْبِدْعُ وَالْبَدِيعُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الْمَبْدَأُ ،
nindex.php?page=treesubj&link=20342وَالْبِدْعَةُ مَا اخْتُرِعَ مِمَّا لَمْ يَكُنْ مَوْجُودًا قَبْلَهُ بِحُكْمِ السُّنَّةِ ، وَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) أَيْ مَا كُنْتُ أَوَّلَهُمْ ، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ تُنْكِرُوا إِخْبَارِي بِأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ ، وَلَا تُنْكِرُوا دُعَائِي لَكُمْ إِلَى التَّوْحِيدِ ، وَنَهْيِي عَنْ عِبَادَةِ الْأَصْنَامِ ، فَإِنَّ كُلَّ الرُّسُلِ إِنَّمَا بُعِثُوا بِهَذَا الطَّرِيقِ .
الْوَجْهُ الثَّانِي : أَنَّهُمْ طَلَبُوا مِنْهُ مُعْجِزَاتٍ عَظِيمَةً وَإِخْبَارًا عَنِ الْغُيُوبِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) وَالْمَعْنَى أَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَذِهِ الْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ
nindex.php?page=treesubj&link=28752وَالْإِخْبَارَ عَنْ هَذِهِ الْغُيُوبِ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْبَشَرِ ، وَأَنَا مِنْ جِنْسِ الرُّسُلِ ، وَأَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى مَا تُرِيدُونَهُ فَكَيْفَ أَقْدِرُ عَلَيْهِ ؟
الْوَجْهُ الثَّالِثُ : أَنَّهُمْ كَانُوا يَعِيبُونَهُ أَنَّهُ
[ ص: 8 ] يَأْكُلُ الطَّعَامَ ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ ، وَبِأَنَّ أَتْبَاعَهُ فُقَرَاءُ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعًا مِنَ الرُّسُلِ ) ، وَكُلُّهُمْ كَانُوا عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ وَبِهَذِهِ الْمَثَابَةِ فَهَذِهِ الْأَشْيَاءَ لَا تَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِي كَمَا لَا تَقْدَحُ فِي نُبُوَّتِهِمْ .
ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9nindex.php?page=treesubj&link=29692_30175وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ يُحْمَلَ ذَلِكَ عَلَى أَحْوَالِ الدُّنْيَا .
وَالثَّانِي : أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَحْوَالِ الْآخِرَةِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَفِيهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : لَا أَدْرِي مَا يَصِيرُ إِلَيْهِ أَمْرِي وَأَمْرُكُمْ ، وَمَنِ الْغَالِبُ مِنَّا وَالْمَغْلُوبُ .
وَالثَّانِي : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ
الْكَلْبِيِّ : لَمَّا اشْتَدَّ الْبَلَاءُ بِأَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِمَكَّةَ رَأَى فِي الْمَنَامِ أَنَّهُ يُهَاجِرُ إِلَى أَرْضٍ ذَاتِ نَخْلٍ وَشَجَرٍ وَمَاءٍ ، فَقَصَّهَا عَلَى أَصْحَابِهِ فَاسْتَبْشَرُوا بِذَلِكَ ، وَرَأَوْا أَنَّ ذَلِكَ فَرَجٌ مِمَّا هُمْ فِيهِ مِنْ أَذَى الْمُشْرِكِينَ ، ثُمَّ إِنَّهُمْ مَكَثُوا بُرْهَةً مِنَ الدَّهْرِ لَا يَرَوْنَ أَثَرَ ذَلِكَ ، فَقَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا رَأَيْنَا الَّذِي قُلْتَ ، وَمَتَى نُهَاجِرُ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي رَأَيْتَهَا فِي الْمَنَامِ ؟ فَسَكَتَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلَا بِكُمْ ) ، وَهُوَ شَيْءٌ رَأَيْتُهُ فِي الْمَنَامِ ، وَأَنَا لَا أَتَّبِعُ إِلَّا مَا أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ .
الثَّالِثُ : قَالَ
الضَّحَّاكُ : لَا أَدْرِي مَا تُؤْمَرُونَ بِهِ وَلَا مَا أُؤْمَرُ بِهِ فِي بَابِ التَّكَالِيفِ وَالشَّرَائِعِ وَالْجِهَادِ وَلَا فِي الِابْتِلَاءِ وَالِامْتِحَانِ ، وَإِنَّمَا أُنْذِرُكُمْ بِمَا أَعْلَمَنِي اللَّهُ بِهِ مِنْ أَحْوَالِ الْآخِرَةِ فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ .
وَالرَّابِعُ : الْمُرَادُ أَنَّهُ يَقُولُ : لَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي فِي الدُّنْيَا أَأُمُوتُ أَمْ أُقْتَلُ كَمَا قُتِلَ الْأَنْبِيَاءُ قَبْلِي ؟ وَلَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِكُمْ أَيُّهَا الْمُكَذِّبُونَ ، أَتُرْمَوْنَ بِالْحِجَارَةِ مِنَ السَّمَاءِ ، أَمْ يُخْسَفُ بِكُمْ أَمْ يُفْعَلُ بِكُمْ مَا فُعِلَ بِسَائِرِ الْأُمَمِ ؟ .
أَمَّا الَّذِينَ حَمَلُوا هَذِهِ الْآيَةَ عَلَى أَحْوَالِ الْآخِرَةِ ، فَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَرِحَ الْمُشْرِكُونَ وَالْمُنَافِقُونَ
وَالْيَهُودُ وَقَالُوا : كَيْفَ نَتَّبِعُ نَبِيًّا لَا يَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِهِ وَبِنَا ؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=1إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ ) [ الْفَتْحِ : 1 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=5وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَ اللَّهِ فَوْزًا عَظِيمًا ) [ الْفَتْحِ : 5 ] ، فَبَيَّنَ تَعَالَى مَا يُفْعَلُ بِهِ وَبِمَنِ اتَّبَعَهُ وَنُسِخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ ، وَأَرْغَمَ اللَّهُ أَنْفَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُشْرِكِينَ ، وَأَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ اسْتَبْعَدُوا هَذَا الْقَوْلَ وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا بُدَّ وَأَنْ يَعْلَمَ مِنْ نَفْسِهِ كَوْنَهُ نَبِيًّا ، وَمَتَّى عَلِمَ كَوْنَهُ نَبِيًّا عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَصْدُرُ عَنْهُ الْكَبَائِرُ ، وَأَنَّهُ مَغْفُورٌ لَهُ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ امْتَنَعَ كَوْنُهُ شَاكًّا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مَغْفُورٌ لَهُ أَمْ لَا ؟
الثَّانِي : لَا شَكَّ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30173الْأَنْبِيَاءَ أَرْفَعُ حَالًا مِنَ الْأَوْلِيَاءِ ، فَلَمَّا قَالَ فِي هَذَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=13إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ) [ الْأَحْقَافِ : 13 ] ، فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَبْقَى الرَّسُولُ الَّذِي هُوَ رَئِيسُ الْأَتْقِيَاءِ وَقُدْوَةُ الْأَنْبِيَاءِ وَالْأَوْلِيَاءِ شَاكًّا فِي أَنَّهُ هَلْ هُوَ مِنَ الْمَغْفُورِينَ أَوْ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ ؟
الثَّالِثُ : أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=124اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ ) [ الْأَنْعَامِ : 124 ] وَالْمُرَادُ مِنْهُ كَمَالُ حَالِهِ وَنِهَايَةُ قُرْبِهِ مِنْ حَضْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَمَنْ هَذَا حَالُهُ كَيْفَ يَلِيقُ بِهِ أَنْ يَبْقَى شَاكًّا فِي أَنَّهُ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ أَوْ مِنَ الْمَغْفُورِينَ ؟ فَثَبَتَ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ ضَعِيفٌ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ : قُرِئَ ( مَا يَفْعَلُ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ أَيْ يَفْعَلُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ ، فَإِنْ قَالُوا : ( مَا يَفْعَلُ ) مُثْبَتٌ وَغَيْرُ مَنْفِيٍّ ، وَكَانَ وَجْهُ الْكَلَامِ أَنْ يُقَالَ : مَا يَفْعَلُ بِي وَبِكُمْ ؟ قُلْنَا : التَّقْدِيرُ : مَا أَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِي وَمَا أَدْرِي مَا يَفْعَلُ بِكُمْ ؟
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) يَعْنِي إِنِّي لَا أَقُولُ قَوْلًا وَلَا أَعْمَلُ عَمَلًا إِلَّا بِمُقْتَضَى الْوَحْيِ ، وَاحْتَجَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28368نُفَاةُ الْقِيَاسِ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالُوا : النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا قَالَ قَوْلًا وَلَا عَمِلَ عَمَلًا إِلَّا بِالنَّصِّ الَّذِي أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيْهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَالُنَا كَذَلِكَ .
بَيَانُ الْأَوَّلِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ ) .
بَيَانُ الثَّانِي : قَوْلُهُ تَعَالَى :
[ ص: 9 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=158وَاتَّبِعُوهُ ) [ الْأَعْرَافِ : 158 ] ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=63فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ ) [ النُّورِ : 63 ] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) كَانُوا يُطَالِبُونَهُ بِالْمُعْجِزَاتِ الْعَجِيبَةِ وَبِالْإِخْبَارِ عَنِ الْغُيُوبِ فَقَالَ : قُلْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=9وَمَا أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ ) ، وَالْقَادِرُ عَلَى تِلْكَ الْأَعْمَالِ الْخَارِجَةِ عَنْ قُدْرَةِ الْبَشَرِ وَالْعَالِمُ بِتِلْكَ الْغُيُوبِ لَيْسَ إِلَّا اللَّهُ سُبْحَانَهُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَكَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : جَوَابُ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ وَالتَّقْدِيرُ : أَنْ يُقَالَ : إِنْ كَانَ هَذَا الْكِتَابُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ ثُمَّ اسْتَكْبَرْتُمْ لَكُنْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ثُمَّ حُذِفَ هَذَا الْجَوَابُ ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُكَ : إِنْ أَحْسَنْتُ إِلَيْكَ وَأَسَأْتَ إِلَيَّ وَأَقْبَلْتُ عَلَيْكَ وَأَعْرَضْتَ عَنِّي فَقَدْ ظَلَمْتَنِي ، فَكَذَا هَهُنَا التَّقْدِيرُ : أَخْبِرُونِي إِنْ ثَبَتَ أَنَّ الْقُرْآنَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِسَبَبِ عَجْزِ الْخَلْقِ عَنْ مُعَارَضَتِهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ ، وَحَصَلَ أَيْضًا شَهَادَةُ أَعْلَمِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِكَوْنِهِ مُعْجِزًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، فَلَوِ اسْتَكْبَرْتُمْ وَكَفَرْتُمْ أَلَسْتُمْ أَضَلَّ النَّاسِ وَأَظْلَمَهُمْ ؟ وَاعْلَمْ أَنَّ جَوَابَ الشَّرْطِ قَدْ يُحْذَفُ فِي بَعْضِ الْآيَاتِ وَقَدْ يُذْكَرُ ، أَمَّا الْحَذْفُ فَكَمَا فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=31وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتَى ) [ الرَّعْدِ : 31 ] ، وَأَمَّا الْمَذْكُورُ فَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=52قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ ) [ فُصِّلَتْ : 52 ] ، وَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=71قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ ) [ الْقَصَصِ : 71 ] .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) عَلَى قَوْلَيْنِ :
الْأَوَّلُ : وَهُوَ الَّذِي قَالَ بِهِ الْأَكْثَرُونَ ، أَنَّ هَذَا الشَّاهِدَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، رَوَى صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013708أَنَّهُ لَمَّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَدِينَةَ نَظَرَ إِلَى وَجْهِهِ فَعَلِمَ أَنَّهُ لَيْسَ بِوَجْهِ كَذَّابٍ ، وَتَأَمَّلَهُ وَتَحَقَّقَ أَنَّهُ هُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمُنْتَظَرُ ، فَقَالَ لَهُ : إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلَاثٍ مَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا نَبِيٌّ : مَا nindex.php?page=treesubj&link=31022_30289أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ ؟ وَمَا nindex.php?page=treesubj&link=31022_30413أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ ؟ nindex.php?page=treesubj&link=31022_32700وَالْوَلَدُ يَنْزِعُ إِلَى أَبِيهِ أَوْ إِلَى أُمِّهِ ؟ فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : ( أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُهُمْ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ، وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ الْحُوتِ ، وَأَمَّا الْوَلَدُ فَإِذَا سَبَقَ مَاءُ الرَّجُلِ نَزَعَ لَهُ ، وَإِنْ سَبَقَ مَاءُ الْمَرْأَةِ نَزَعَ لَهَا ) ، فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، ثُمَّ قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ الْيَهُودَ قَوْمٌ بُهْتٌ ، وَإِنْ عَلِمُوا بِإِسْلَامِي قَبْلَ أَنْ تَسْأَلَهُمْ عَنِّي بَهَتُونِي عِنْدَكَ ، فَجَاءَتِ الْيَهُودُ فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : أَيُّ رَجُلٍ عَبْدُ اللَّهِ فِيكُمْ ؟ فَقَالُوا : خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا ، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا ، وَأَعْلَمُنَا وَابْنُ أَعْلَمِنَا ، فَقَالَ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَسْلَمَ عَبْدُ اللَّهِ ؟ فَقَالُوا : أَعَاذَهُ اللَّهُ مِنْ ذَلِكَ ، فَخَرَجَ عَبْدُ اللَّهِ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، فَقَالُوا : شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا ، وَانْتَقَصُوهُ ، فَقَالَ : هَذَا مَا كُنْتُ أَخَافُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدُ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ : مَا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ لِأَحَدٍ يَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ إِنَّهُ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ إِلَّا nindex.php?page=showalam&ids=106لِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ ، وَفِيهِ نَزَلَ ( nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِهِ ) .
وَاعْلَمْ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيَّ وَمَسْرُوقًا وَجَمَاعَةً آخَرِينَ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ الشَّاهِدُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ قَالُوا : لِأَنَّ إِسْلَامَهُ كَانَ
بِالْمَدِينَةِ قَبْلَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِعَامَيْنِ وَهَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ حَمْلُ هَذِهِ الْآيَةِ الْمَكِّيَّةِ عَلَى وَاقِعَةٍ حَدَثَتْ فِي آخِرِ عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
بِالْمَدِينَةِ ؟ وَأَجَابَ
الْكَلْبِيُّ : بِأَنَّ السُّورَةَ مَكِّيَّةٌ إِلَّا هَذِهِ الْآيَةَ فَإِنَّهَا مَدَنِيَّةٌ ، وَكَانَتِ الْآيَةُ تَنْزِلُ فَيُؤْمَرُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَضَعَهَا فِي سُورَةِ كَذَا فَهَذِهِ
[ ص: 10 ] الْآيَةُ نَزَلَتْ
بِالْمَدِينَةِ ، وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ رَسُولَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنْ يَضَعَهَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْمَكِّيَّةِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الْمُعَيَّنِ ، وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ : إِنَّ الْحَدِيثَ الَّذِي رَوَيْتُمْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ مُشْكِلٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ ظَاهِرَ الْحَدِيثِ يُوهِمُ أَنَّهُ لَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنِ الْمَسَائِلِ الثَّلَاثَةِ ، وَأَجَابَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتِلْكَ الْجَوَابَاتِ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ لِأَجْلِ أَنِ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَكَرَ تِلْكَ الْجَوَابَاتِ ، وَهَذَا بَعِيدٌ جِدًّا لِوَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْإِخْبَارَ عَنْ أَوَّلِ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَعَنْ أَوَّلِ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِخْبَارٌ عَنْ وُقُوعِ شَيْءٍ مِنَ الْمُمْكِنَاتِ ، وَمَا هَذَا سَبِيلُهُ فَإِنَّهُ لَا يُعْرَفُ كَوْنُ ذَلِكَ الْخَبَرِ صِدْقًا إِلَّا إِذَا عُرِفَ أَوَّلًا كَوْنُ الْمُخْبِرِ صَادِقًا ، فَلَوْ أَنَّا عَرَفْنَا صِدْقَ الْمُخْبِرِ بِكَوْنِ ذَلِكَ الْخَبَرِ صِدْقًا لَزِمَ الدَّوْرُ ، وَإِنَّهُ مُحَالٌ .
الثَّانِي : أَنَّا نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْجَوَابَاتِ الْمَذْكُورَةَ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَا يَبْلُغُ الْعِلْمُ بِهَا إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ الْبَتَّةَ ، بَلْ نَقُولُ : الْجَوَابَاتُ الْقَاهِرَةُ عَنِ الْمَسَائِلِ الصَّعْبَةِ لَمَّا لَمْ تَبْلُغْ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ فَأَمْثَالُ هَذِهِ الْجَوَابَاتِ عَنْ هَذِهِ السُّؤَالَاتِ كَيْفَ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهَا بَلَغَتْ إِلَى حَدِّ الْإِعْجَازِ ، وَالْجَوَابُ : يُحْتَمَلُ أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ كُتُبِ الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّ رَسُولَ آخِرِ الزَّمَانِ يُسْأَلُ عَنْ هَذِهِ الْمَسَائِلِ وَهُوَ يُجِيبُ عَنْهَا بِهَذِهِ الْجَوَابَاتِ ، وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ عَالِمًا بِهَذَا الْمَعْنَى ، فَلَمَّا سَأَلَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَجَابَ بِتِلْكَ الْأَجْوِبَةِ عَرَفَ بِهَذَا الطَّرِيقِ كَوْنَهُ رَسُولًا حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَعَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَلَا حَاجَةَ بِنَا إِلَى أَنْ نَقُولَ : الْعِلْمُ بِهَذِهِ الْجَوَابَاتِ مُعْجِزٌ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْقَوْلُ الثَّانِي : فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) أَنَّهُ لَيْسَ الْمُرَادُ مِنْهُ شَخْصًا مُعَيَّنًا بَلِ الْمُرَادُ مِنْهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30589ذِكْرَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَوْجُودٌ فِي التَّوْرَاةِ وَالْبِشَارَةُ بِمَقْدِمِهِ حَاصِلَةٌ فِيهَا ، فَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ : لَوْ أَنَّ رَجُلًا مُنْصِفًا عَارِفًا بِالتَّوْرَاةِ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَاعْتَرَفَ بِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ آمَنَ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْكَرْتُمْ ، أَلَسْتُمْ كُنْتُمْ ظَالِمِينَ لِأَنْفُسِكُمْ ضَالِّينَ عَنِ الْحَقِّ ؟ فَهَذَا الْكَلَامُ مُقَرَّرٌ سَوَاءٌ كَانَ الْمُرَادُ بِذَلِكَ الشَّاهِدِ شَخْصًا مُعَيَّنًا أَوْ لَمْ يَكُنْ كَذَلِكَ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الْأَصْلِيَّ مِنْ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّهُ ثَبَتَ بِالْمُعْجِزَاتِ الْقَاهِرَةِ أَنَّ هَذَا الْكِتَابَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَثَبَتَ أَنَّ التَّوْرَاةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبِشَارَةِ بِمَقْدِمِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَمَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ كَيْفَ يَلِيقُ بِالْعَقْلِ إِنْكَارُ نُبُوَّتِهِ ؟
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10عَلَى مِثْلِهِ ) ذَكَرُوا فِيهِ وُجُوهًا ، وَالْأَقْرَبُ أَنْ نَقُولَ : إِنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُمْ : أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ كَمَا أَقُولُ ، وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى مِثْلِ مَا قُلْتُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ ) أَلَسْتُمْ كُنْتُمْ ظَالِمِينَ أَنْفُسَكُمْ ؟
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10nindex.php?page=treesubj&link=25987_19881إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : أَنَّهُ تَهْدِيدٌ ، وَهُوَ قَائِمٌ مَقَامَ الْجَوَابِ الْمَحْذُوفِ ، وَالتَّقْدِيرُ : قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كَانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ فَإِنَّكُمْ لَا تَكُونُونَ مُهْتَدِينَ بَلْ تَكُونُونَ ضَالِّينَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَتِ
الْمُعْتَزِلَةُ : هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى إِنَّمَا مَنَعَهُمُ الْهِدَايَةَ بِنَاءً عَلَى الْفِعْلِ الْقَبِيحِ الَّذِي صَدَرَ مِنْهُمْ أَوَّلًا ، فَإِنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=10إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَعَالَى لَا يَهْدِيهِمْ لِكَوْنِهِمْ ظَالِمِينَ أَنْفُسَهُمْ ، فَوَجَبَ أَنْ يَعْتَقِدُوا فِي جَمِيعِ الْآيَاتِ الْوَارِدَةِ فِي الْمَنْعِ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْهِدَايَةِ أَنْ يَكُونَ الْحَالُ فِيهَا كَمَا هَهُنَا ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ) ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28756شُبْهَةٌ أُخْرَى لِلْقَوْمِ فِي إِنْكَارِ نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَفِي سَبَبِ نُزُولِهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
[ ص: 11 ] هَذَا كَلَامُ كُفَّارِ
مَكَّةَ ، قَالُوا : إِنَّ عَامَّةَ مَنْ يَتَّبِعُ
مُحَمَّدًا الْفُقَرَاءُ وَالْأَرَاذِلُ مِثْلُ
عَمَّارٍ وَصُهَيْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا الدِّينُ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ .
الثَّانِي : قِيلَ : لَمَّا أَسْلَمَتْ
جُهَيْنَةُ وَمُزَيْنَةُ وَأَسْلَمُ وَغِفَارٌ ، قَالَتْ
بَنُو عَامِرٍ وَغَطَفَانُ وَأَسَدٌ وَأَشْجَعُ : لَوْ كَانَ هَذَا خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ رِعَاءُ الْبُهْمِ .
الثَّالِثُ : قِيلَ : إِنَّ أَمَةً
لِعُمَرَ أَسْلَمَتْ ، وَكَانَ
عُمَرُ يَضْرِبُهَا حَتَّى يَفْتُرَ وَيَقُولُ : لَوْلَا أَنِّي فَتَرْتُ لَزِدْتُكِ ضَرْبًا ، فَكَانَ كَفَّارُ
قُرَيْشٍ يَقُولُونَ : لَوْ كَانَ مَا يَدْعُو
مُحَمَّدٌ إِلَيْهِ حَقًّا مَا سَبَقَتْنَا إِلَيْهِ فُلَانَةُ .
الرَّابِعُ : قِيلَ : كَانَ
الْيَهُودُ يَقُولُونَ هَذَا الْكَلَامَ عِنْدَ إِسْلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : اللَّامُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11لِلَّذِينَ آمَنُوا ) ذَكَرُوا فِيهِ وَجْهَيْنِ :
الْأَوَّلُ : أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينِ آمَنُوا عَلَى وَجْهِ الْخِطَابِ كَمَا تَقُولُ : قَالَ زَيْدٌ لِعَمْرٍو ، ثُمَّ تَتْرُكُ الْخِطَابَ وَتَنْتَقِلُ إِلَى الْغَيْبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) [ يُونُسَ : 22 ] .
الثَّانِي : قَالَ صَاحِبُ “ الْكَشَّافِ “ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11لِلَّذِينَ آمَنُوا ) لِأَجْلِهِمْ ، يَعْنِي أَنَّ الْكُفَّارَ قَالُوا لِأَجْلِ إِيمَانِ ( الَّذِينَ آمَنُوا ) : لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقُونَا إِلَيْهِ ، وَعِنْدِي فِيهِ وَجْهٌ ثَالِثٌ : وَهُوَ أَنَّ الْكُفَّارَ لَمَّا سَمِعُوا أَنَّ جَمَاعَةً آمَنُوا بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَاطَبُوا جَمَاعَةً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الْحَاضِرِينَ وَقَالُوا لَهُمْ : لَوْ كَانَ هَذَا الدِّينُ خَيْرًا لَمَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ أُولَئِكَ الْغَائِبُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى عَنْهُمْ هَذَا الْكَلَامَ أَجَابَ عَنْهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَقِفُوا عَلَى وَجْهِ كَوْنِهِ مُعْجِزًا ، فَلَا بُدَّ مِنْ عَامِلٍ فِي الظَّرْفِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ) وَمِنْ مُتَعَلِّقٍ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11فَسَيَقُولُونَ ) ، وَغَيْرُ مُسْتَقِيمٍ أَنْ يَكُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11فَسَيَقُولُونَ ) هُوَ الْعَامِلُ فِي الظَّرْفِ لِتَدَافُعِ دَلَالَتَيِ الْمُضِيِّ وَالِاسْتِقْبَالِ ، فَمَا وَجْهُ هَذَا الْكَلَامِ ؟ وَأَجَابَ عَنْهُ بِأَنَّ الْعَامِلَ فِي ( إِذْ ) مَحْذُوفٌ لِدَلَالَةِ الْكَلَامِ عَلَيْهِ ، وَالتَّقْدِيرُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11وَإِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ ) ظَهَرَ عِنَادُهُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=11فَسَيَقُولُونَ هَذَا إِفْكٌ قَدِيمٌ ) .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إِمَامًا وَرَحْمَةً ) ، كِتَابُ
مُوسَى مُبْتَدَأٌ ، وَمِنْ قَبْلِهِ ظَرْفٌ وَاقِعٌ خَبَرًا مُقَدَّمًا عَلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12إِمَامًا ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ كَقَوْلِكَ : فِي الدَّارِ زَيْدٌ قَائِمًا ، وَقُرِئَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَمِنْ قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى ) ، وَالتَّقْدِيرُ : وَآتَيْنَا الَّذِي قَبْلَهُ التَّوْرَاةَ ، وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12إِمَامًا ) أَيْ قُدْوَةً يُؤْتَمُ بِهِ فِي دِينِ اللَّهِ وَشَرَائِعِهِ كَمَا يُؤْتَمُ بِالْإِمَامِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَرَحْمَةً ) لِمَنْ آمَنَ بِهِ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، وَوَجْهُ تَعَلُّقِ هَذَا الْكَلَامِ بِمَا قَبْلَهُ أَنَّ الْقَوْمَ طَعَنُوا فِي صِحَّةِ الْقُرْآنِ ، وَقَالُوا : لَوْ كَانَ خَيْرًا مَا سَبَقَنَا إِلَيْهِ هَؤُلَاءِ الصَّعَالِيكُ ، وَكَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : الَّذِي يَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ الْقُرْآنِ أَنَّكُمْ لَا تُنَازِعُونَ فِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَجَعَلَ هَذَا الْكِتَابَ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ ، ثُمَّ إِنِ التَّوْرَاةَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْبِشَارَةِ بِمَقْدِمِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَإِذَا سَلَّمْتُمْ كَوْنَ التَّوْرَاةِ إِمَامًا يُقْتَدَى بِهِ فَاقْبَلُوا حُكْمَهُ فِي كَوْنِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَقًّا مِنَ اللَّهِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَهَذَا كِتَابٌ مُصَدِّقٌ لِسَانًا عَرَبِيًّا ) أَيْ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=29778الْقُرْآنُ مُصَدِّقٌ لِكِتَابِ مُوسَى فِي أَنَّ
مُحَمَّدًا رَسُولٌ حَقًّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لِسَانًا عَرَبِيًّا ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ) ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : مُشْرِكِي
مَكَّةَ ، وَفِي قَوْلِهِ : ( لِتُنْذِرَ ) قِرَاءَتَانِ : التَّاءُ لِكَثْرَةِ مَا وَرَدَ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى بِالْمُخَاطَبَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=2لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ ) [ الْأَعْرَافِ : 2 ] ، وَالْيَاءُ لِتَقَدُّمِ ذِكْرِ الْكِتَابِ ، فَأُسْنِدَ الْإِنْذَارُ إِلَى الْكِتَابِ كَمَا أُسْنِدَ إِلَى الرَّسُولِ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=1الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ ) [ الْكَهْفِ : 1 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=2لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ ) [ الْكَهْفِ : 2 ] .
[ ص: 12 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ) ، قَالَ
الزَّجَّاجُ : الْأَجْوَدُ أَنْ يَكُونَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=12وَبُشْرَى ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، وَالْمَعْنَى : وَهُوَ بُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ، قَالَ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى مَعْنَى : لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَبُشْرَى لِلْمُحْسِنِينَ ، وَحَاصِلُ الْكَلَامِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29568الْمَقْصُودَ مِنْ إِنْزَالِ هَذَا الْكِتَابِ إِنْذَارُ الْمَعْرَضِينَ وَبِشَارَةُ الْمُطِيعِينَ .