( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون )
ثم إنه تعالى بين حالهم عند نزول ذلك الوعد ، فقال تعالى : ( فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا ) وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله ( فلما رأوه ) الضمير للوعد ، والزلفة القرب والتقدير : فلما رأوه قربا ، ويحتمل أنه لما اشتد قربه ، جعل كأنه في نفس القرب . وقال الحسن : معاينة ، وهذا معنى وليس بتفسير ؛ وذلك لأن ما قرب من الإنسان رآه معاينة .
المسألة الثانية : قوله : ( سيئت وجوه الذين كفروا ) قال : اسودت وعلتها الكآبة والقترة ، وقال ابن عباس الزجاج : تبين فيها السوء ، وأصل السوء القبح ، والسيئة ضد الحسنة ، يقال : ساء الشيء يسوء فهو سيئ إذا قبح ، وسيء يساء إذا قبح ، وهو فعل لازم ومتعد فمعنى سيئت وجوههم قبحت بأن علتها الكآبة وغشيها الكسوف والقترة وكلحوا ، وصارت وجوههم كوجه من يقاد إلى القتل .
المسألة الثالثة : اعلم أن قوله : ( فلما رأوه زلفة ) إخبار عن الماضي ، فمن حمل الوعد في قوله : ( ويقولون متى هذا الوعد ) على مطلق العذاب سهل تفسير الآية على قوله فلهذا قال أبو مسلم في قوله : ( فلما رأوه زلفة ) يعني أنه لما أتاهم عذاب الله المهلك لهم كالذي نزل بعاد وثمود سيئت وجوههم عند قربه منهم ، وأما من فسر ذلك الوعد بالقيامة كان قوله : ( فلما رأوه زلفة ) معناه فمتى ما رأوه زلفة ، وذلك لأن قوله : ( فلما رأوه زلفة ) إخبار عن الماضي وأحوال القيامة مستقبلة لا ماضية فوجب تفسير اللفظ بما قلناه ، قال مقاتل : ( فلما رأوه زلفة ) أي لما رأوا العذاب في الآخرة قريبا .
وأما قوله تعالى : ( وقيل هذا الذي كنتم به تدعون ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قال بعضهم : القائلون هم الزبانية ، وقال آخرون : بل يقول بعضهم لبعض ذلك .
المسألة الثانية : في قوله : ( تدعون ) وجوه :
أحدها : قال الفراء : يريد تدعون من الدعاء أي تطلبون وتستعجلون به ، وتدعون وتدعون واحد في اللغة مثل تذكرون وتذكرون وتدخرون وتدخرون .
وثانيها : أنه من الدعوى معناه : هذا الذي كنتم تبطلونه أي تدعون أنه باطل لا يأتيكم أو هذا الذي كنتم بسببه تدعون أنكم لا تبعثون .
وثالثها : أن يكون هذا استفهاما على سبيل الإنكار ، والمعنى أهذا الذي تدعون ، لا بل كنتم تدعون عدمه .
المسألة الثالثة : قرأ يعقوب الحضرمي : ( تدعون ) خفيفة من الدعاء ، وقرأ السبعة ( تدعون ) مثقلة من الادعاء .
[ ص: 67 ]