(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل به لغير الله فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه إن الله غفور رحيم ) .
اعلم أنه سبحانه وتعالى لما أمرنا في الآية السالفة بتناول الحلال فصل في هذه الآية أنواع الحرام . والكلام فيها على نوعين :
النوع الأول : ما يتعلق بالتفسير .
والنوع الثاني : ما يتعلق بالأحكام التي استنبطها العلماء من هذه الآية .
فالنوع الأول فيه مسائل :
المسألة الأولى : اعلم أن كلمة (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما ) على وجهين :
أحدهما : أن تكون حرفا واحدا ، كقولك : إنما داري دارك ، وإنما مالي مالك .
الثاني : أن تكون ( ما ) منفصلة من : " إن " وتكون ( ما ) بمعنى الذي ، كقولك : إن ما أخذت مالك ، وإن ما ركبت دابتك ، وجاء في التنزيل على الوجهين ؛ أما على الأول فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما الله إله واحد ) [ النساء : 171 ] و (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12إنما أنت نذير ) [ هود : 12 ] .
وأما على الثاني فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=69إنما صنعوا كيد ساحر ) [ طه : 69 ] ولو نصبت " كيد ساحر " على أن تجعل " إنما " حرفا واحدا كان صوابا ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=25إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم ) [ العنكبوت : 25 ] تنصب المودة وترفع على هذين الوجهين ، واختلفوا في حكمها على الوجه الأول ، فمنهم من قال
nindex.php?page=treesubj&link=20963_34077 " إنما " تفيد الحصر ، واحتجوا عليه بالقرآن والشعر والقياس ؛ أما القرآن فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إنما الله إله واحد ) [ النساء : 171 ] أي ما هو إلا إله واحد ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إنما الصدقات للفقراء والمساكين ) [ التوبة : 60 ] أي لهم لا لغيرهم ، وقال تعالى
لمحمد صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قل إنما أنا بشر مثلكم ) [ الكهف : 110 ] أي ما أنا إلا بشر مثلكم ، وكذا هذه الآية فإنه تعالى قال في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دما مسفوحا أو لحم خنزير ) [ الأنعام : 145 ] فصارت الآيتان واحدة ، فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم ) في هذه الآية مفسر لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما ) إلا كذا في تلك الآية ، وأما الشعر فقول
الأعشى :
ولست بالأكثر منهم حصى وإنما العزة للكاثر
وقول
nindex.php?page=showalam&ids=14899الفرزدق :
أنا الذائد الحامي الذمار وإنما يدافع عن أحسابه أنا أو مثلي
وأما القياس ، فهو أن كلمة " إن " للإثبات وكلمة ( ما ) للنفي ، فإذا اجتمعا فلا بد وأن يبقيا على أصليهما ؛ فإما أن يفيدا ثبوت غير المذكور ونفي المذكور - وهو باطل بالاتفاق - أو ثبوت المذكور ونفي غير
[ ص: 11 ] المذكور وهو المطلوب .
واحتج من قال : إنه لا يفيد الحصر بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12إنما أنت نذير ) [ هود : 12 ] ولقد كان غيره نذيرا ، وجوابه ؛ معناه : ما أنت إلا نذير فهو يفيد الحصر ، ولا ينفي وجود نذير آخر .
المسألة الثانية : قرئ ( حرم ) على البناء للفاعل و ( حرم ) للبناء للمفعول و ( حرم ) بوزن كرم .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .
اعْلَمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَمَّا أَمَرَنَا فِي الْآيَةِ السَّالِفَةِ بِتَنَاوُلِ الْحَلَالِ فَصَّلَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنْوَاعَ الْحَرَامِ . وَالْكَلَامُ فِيهَا عَلَى نَوْعَيْنِ :
النَّوْعُ الْأَوَّلُ : مَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّفْسِيرِ .
وَالنَّوْعُ الثَّانِي : مَا يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ الَّتِي اسْتَنْبَطَهَا الْعُلَمَاءُ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ .
فَالنَّوْعُ الْأَوَّلُ فِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : اعْلَمْ أَنَّ كَلِمَةَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا ) عَلَى وَجْهَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنْ تَكُونَ حَرْفًا وَاحِدًا ، كَقَوْلِكَ : إِنَّمَا دَارِي دَارُكَ ، وَإِنَّمَا مَالِي مَالُكَ .
الثَّانِي : أَنْ تَكُونَ ( مَا ) مُنْفَصِلَةً مِنْ : " إِنَّ " وَتَكُونُ ( مَا ) بِمَعْنَى الَّذِي ، كَقَوْلِكَ : إِنَّ مَا أَخَذْتَ مَالُكَ ، وَإِنَّ مَا رَكِبْتَ دَابَّتُكَ ، وَجَاءَ فِي التَّنْزِيلِ عَلَى الْوَجْهَيْنِ ؛ أَمَّا عَلَى الْأَوَّلِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) [ النِّسَاءِ : 171 ] وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ) [ هُودٍ : 12 ] .
وَأَمَّا عَلَى الثَّانِي فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=69إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ ) [ طه : 69 ] وَلَوْ نَصَبْتَ " كَيْدَ سَاحِرٍ " عَلَى أَنْ تَجْعَلَ " إِنَّمَا " حَرْفًا وَاحِدًا كَانَ صَوَابًا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=25إِنَّمَا اتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَانًا مَوَدَّةَ بَيْنِكُمْ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 25 ] تَنْصِبُ الْمَوَدَّةَ وَتَرْفَعُ عَلَى هَذَيْنِ الْوَجْهَيْنِ ، وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِهَا عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ ، فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ
nindex.php?page=treesubj&link=20963_34077 " إِنَّمَا " تُفِيدُ الْحَصْرَ ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ بِالْقُرْآنِ وَالشِّعْرِ وَالْقِيَاسِ ؛ أَمَّا الْقُرْآنُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=171إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) [ النِّسَاءِ : 171 ] أَيْ مَا هُوَ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=60إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ) [ التَّوْبَةِ : 60 ] أَيْ لَهُمْ لَا لِغَيْرِهِمْ ، وَقَالَ تَعَالَى
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ) [ الْكَهْفِ : 110 ] أَيْ مَا أَنَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ ، وَكَذَا هَذِهِ الْآيَةُ فَإِنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ ) [ الْأَنْعَامِ : 145 ] فَصَارَتِ الْآيَتَانِ وَاحِدَةً ، فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ ) فِي هَذِهِ الْآيَةِ مُفَسِّرٌ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا ) إِلَّا كَذَا فِي تِلْكَ الْآيَةِ ، وَأَمَّا الشِّعْرُ فَقَوْلُ
الْأَعْشَى :
وَلَسْتُ بِالْأَكْثَرِ مِنْهُمْ حَصًى وَإِنَّمَا الْعِزَّةُ لِلْكَاثِرِ
وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14899الْفَرَزْدَقِ :
أَنَا الذَّائِدُ الْحَامِي الذِّمَارَ وَإِنَّمَا يُدَافِعُ عَنْ أَحْسَابِهِ أَنَا أَوْ مِثْلِي
وَأَمَّا الْقِيَاسُ ، فَهُوَ أَنَّ كَلِمَةَ " إِنَّ " لِلْإِثْبَاتِ وَكَلِمَةَ ( مَا ) لِلنَّفْيِ ، فَإِذَا اجْتَمَعَا فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَبْقَيَا عَلَى أَصْلَيْهِمَا ؛ فَإِمَّا أَنْ يُفِيدَا ثُبُوتَ غَيْرِ الْمَذْكُورِ وَنَفْيَ الْمَذْكُورِ - وَهُوَ بَاطِلٌ بِالِاتِّفَاقِ - أَوْ ثُبُوتَ الْمَذْكُورِ وَنَفْيَ غَيْرِ
[ ص: 11 ] الْمَذْكُورِ وَهُوَ الْمَطْلُوبُ .
وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ : إِنَّهُ لَا يُفِيدُ الْحَصْرَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=12إِنَّمَا أَنْتَ نَذِيرٌ ) [ هُودٍ : 12 ] وَلَقَدْ كَانَ غَيْرُهُ نَذِيرًا ، وَجَوَابُهُ ؛ مَعْنَاهُ : مَا أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ فَهُوَ يُفِيدُ الْحَصْرَ ، وَلَا يَنْفِي وُجُودَ نَذِيرٍ آخَرَ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قُرِئَ ( حَرَّمَ ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ وَ ( حُرِّمَ ) لِلْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ وَ ( حَرُمَ ) بِوَزْنِ كَرُمَ .