أما قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أجيب دعوة الداع إذا دعان ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : قرأ
أبو عمرو nindex.php?page=showalam&ids=16810وقالون عن
نافع " الداعي إذا دعاني " بإثبات الياء فيهما في الوصل والباقون بحذفها ، فالأولى على الوصل والثانية على التخفيف .
المسألة الثانية : قال
nindex.php?page=showalam&ids=14228أبو سليمان الخطابي : الدعاء مصدر من قولك : دعوت الشيء أدعوه دعاء ، ثم أقاموا المصدر مقام الاسم ، تقول : سمعت دعاء كما تقول سمعت صوتا ، وقد يوضع المصدر موضع الاسم كقولهم : رجل عدل .
nindex.php?page=treesubj&link=19733وحقيقة الدعاء استدعاء العبد ربه جل جلاله العناية واستمداده إياه المعونة . وأقول : اختلف الناس في الدعاء ، فقال بعض الجهال : الدعاء شيء عديم الفائدة ، واحتجوا عليه من وجوه :
أحدها : أن المطلوب بالدعاء إن كان معلوم الوقوع عند الله تعالى كان واجب الوقوع ، فلا حاجة إلى الدعاء ، وإن كان غير معلوم الوقوع كان ممتنع الوقوع ، فلا حاجة أيضا إلى الدعاء .
وثانيها : أن حدوث الحوادث في هذا العالم لا بد من انتهائها بالآخرة إلى المؤثر القديم الواجب لذاته ، وإلا لزم إما التسلسل ، وإما الدور وإما وقوع الحادث من غير مؤثر ، وكل ذلك محال وإذا ثبت وجوب انتهائها بالآخرة إلى المؤثر القديم ، فكل ما اقتضى ذلك المؤثر القديم وجوده اقتضاء قديما أزليا كان واجب الوقوع ، وكل ما لم يقتض المؤثر القديم وجوده اقتضاء قديما أزليا كان ممتنع الوقوع ، ولما ثبتت هذه الأمور في الأزل لم يكن للدعاء البتة أثر ، وربما عبروا عن هذا الكلام بأن قالوا : الأقدار سابقة والأقضية متقدمة ، والدعاء لا يزيد فيها وتركه لا ينقص شيئا منها ، فأي فائدة في الدعاء ، وقال - عليه الصلاة والسلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011772nindex.php?page=treesubj&link=30452قدر الله المقادير قبل أن يخلق الخلق بكذا وكذا عاما .
وروي عنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011773جف القلم بما هو كائن " ، وعنه - عليه الصلاة والسلام - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011774أربع قد فرغ منها : العمر والرزق والخلق والخلق " .
وثالثها : أنه سبحانه علام الغيوب (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ) [ غافر : 19 ] فأي حاجة بالداعي إلى الدعاء ؟ ولهذا السبب قالوا إن
جبريل عليه السلام بلغ بسبب هذا الكلام إلى أعلى
[ ص: 84 ] درجات الإخلاص والعبودية ولولا أن ترك الدعاء أفضل لما كان كذلك .
ورابعها : أن المطلوب بالدعاء إن كان من مصالح العبد فالجواد المطلق لا يهمله ، وإن لم يكن من مصالحه لم يجز طلبه .
وخامسها : ثبت بشواهد العقل والأحاديث الصحيحة أن
nindex.php?page=treesubj&link=28777_30452_19627أجل مقامات الصديقين وأعلاها الرضا بقضاء الله تعالى ، والدعاء ينافي ذلك ؛ لأنه اشتغال بالالتماس وترجيح لمراد النفس على مراد الله تعالى وطلبه لحصة البشر .
وسادسها : أن الدعاء يشبه الأمر والنهي وذلك من العبد في حق المولى الكريم الرحيم سوء أدب .
وسابعها : روي أنه - عليه الصلاة والسلام - قال رواية عن الله سبحانه وتعالى : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011775من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين " ، قالوا فثبت بهذه الوجوه أن الأولى ترك الدعاء .
وقال الجمهور الأعظم من العقلاء : إن
nindex.php?page=treesubj&link=19738_19733الدعاء أهم مقامات العبودية ، ويدل عليه وجوه من النقل والعقل ، أما الدلائل النقلية فكثيرة :
الأول : أن
nindex.php?page=treesubj&link=19738_28900الله تعالى ذكر السؤال والجواب في كتابه في عدة مواضع منها أصولية ومنها فروعية ، أما الأصولية فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85ويسألونك عن الروح ) [ الإسراء : 85 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105ويسألونك عن الجبال ) [ طه : 105 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=42يسألونك عن الساعة ) [ النازعات : 42 ] ، وأما الفروعية فمنها في البقرة على التوالي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219ويسألونك ماذا ينفقون ) [ البقرة : 219 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يسألونك عن الشهر الحرام ) [ البقرة : 217 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يسألونك عن الخمر والميسر ) [ البقرة : 219 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220ويسألونك عن اليتامى ) [ البقرة : 220 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222ويسألونك عن المحيض ) [ البقرة : 222 ] ، وقال أيضا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يسألونك عن الأنفال ) [ الأنفال : 1 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83ويسألونك عن ذي القرنين ) [ الكهف : 83 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53ويستنبئونك أحق هو ) [ يونس : 53 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يستفتونك قل الله يفتيكم في الكلالة ) [ النساء : 176 ] .
إذا عرفت هذا ، فنقول : هذه الأسئلة جاءت أجوبتها على ثلاثة أنواع ، فالأغلب فيها أنه تعالى لما حكى السؤال قال
لمحمد : قل ؛ وفي صورة واحدة جاء الجواب بقوله : فقل مع فاء التعقيب ، والسبب فيه أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105ويسألونك عن الجبال ) [ طه : 105 ] ، سؤال عن قدمها وحدوثها ، وهذه مسألة أصولية فلا جرم قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105فقل ينسفها ربي نسفا ) [ طه : 105 ] كأنه قال يا
محمد أجب عن هذا السؤال في الحال ولا تؤخر الجواب ، فإن الشك فيه كفر ثم تقدير الجواب أن النسف ممكن في كل جزء من أجزاء الجبل فيكون ممكنا في الكل وجواز عدمه يدل على امتناع قدمه ، أما سائر المسائل فهي فروعية فلا جرم لم يذكر فيها فاء التعقيب ، أما الصورة الثالثة وهي في هذه الآية قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وإذا سألك عبادي عني فإني قريب ) ولم يقل فقل إني قريب فتدل على
nindex.php?page=treesubj&link=19738_28732تعظيم حال الدعاء من وجوه :
الأول : كأنه سبحانه وتعالى يقول عبدي أنت إنما تحتاج إلى الواسطة في غير وقت الدعاء ، أما في مقام الدعاء فلا واسطة بيني وبينك .
الثاني : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وإذا سألك عبادي عني ) يدل على أن العبد له ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فإني قريب ) يدل على أن الرب للعبد .
وثالثها : لم يقل : فالعبد مني قريب ، بل قال : أنا منه قريب ، وفيه سر نفيس فإن العبد ممكن الوجود فهو من حيث هو هو في مركز العدم وحضيض الفناء ، فلا يمكنه القرب من الرب أما الحق سبحانه فهو القادر من أن يقرب بفضله وبرحمته من العبد ، والقرب من الحق إلى العبد لا من العبد إلى الحق ؛ فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فإني قريب ) .
والرابع : أن الداعي ما دام يبقى خاطره مشغولا بغير الله فإنه لا يكون داعيا له ، فإذا فني عن الكل صار مستغرقا في معرفة الأحد الحق ، فامتنع من أن يبقى في هذا المقام ملاحظا لحقه وطالبا لنصيبه ، فلما ارتفعت الوسائط بالكلية ، فلا جرم حصل القرب فإنه ما دام يبقى العبد ملتفتا إلى غرض نفسه لم يكن قريبا من الله تعالى ، لأن ذلك الغرض يحجبه عن الله ، فثبت أن الدعاء يفيد القرب من الله ، فكان الدعاء أفضل العبادات .
[ ص: 85 ] الحجة الثانية في
nindex.php?page=treesubj&link=19734فضل الدعاء : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) [ غافر : 60 ] .
الحجة الثالثة : أنه تعالى لم يقتصر في بيان فضل الدعاء على الأمر به بل بين في آية أخرى أنه إذا لم يسأل يغضب فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فلولا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون ) [ الأنعام : 43 ] ، وقال عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011776لا ينبغي أن يقول أحدكم : اللهم اغفر لي إن شئت ولكن يجزم فيقول : اللهم اغفر لي " ، وقال عليه السلام : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011777الدعاء مخ العبادة " ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير أنه - عليه السلام - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011778الدعاء هو العبادة " ، وقرأ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وقال ربكم ادعوني أستجب لكم ) ، فقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011779nindex.php?page=treesubj&link=19738الدعاء هو العبادة " معناه أنه معظم العبادة وأفضل العبادة ، كقوله عليه السلام "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011780الحج عرفة " ، أي الوقوف بعرفة هو الركن الأعظم .
الحجة الرابعة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=55ادعوا ربكم تضرعا وخفية ) [ الأعراف : 55 ] ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=77قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم ) [ الفرقان : 77 ] والآيات كثيرة في هذا الباب فمن أبطل الدعاء فقد أنكر القرآن .
والجواب عن الشبهة الأولى : أنها متناقضة ، لأن إقدام الإنسان على الدعاء إن كان معلوم الوقوع فلا فائدة في اشتغالكم بإبطال الدعاء ، وإن كان معلوم العدم لم يكن إلى إنكاركم حاجة ، ثم نقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28781كيفية علم الله تعالى وكيفية قضائه وقدره غائبة عن العقول ، والحكمة الإلهية تقتضي أن يكون العبد معلقا بين الرجاء وبين الخوف اللذين بهما تتم العبودية ، وبهذا الطريق صححنا القول بالتكاليف مع الاعتراف بإحاطة علم الله بالكل وجريان قضائه وقدره في الكل ، ولهذا الإشكال
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011781سألت الصحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا : أرأيت أعمالنا هذه أشيء قد فرغ منه أم أمر يستأنفه ؟ فقال : بل شيء قد فرغ منه . فقالوا : ففيم العمل إذن ؟ قال : " اعملوا فكل ميسر لما خلق له " . فانظر إلى لطائف هذا الحديث فإنه - عليه السلام - علقهم بين الأمرين ، فرهبهم سابق القدر المفروغ منه ثم ألزمهم العمل الذي هو مدرجة التعبد ، فلم يعطل ظاهر العمل بما يفيد من القضاء والقدر ، ولم يترك أحد الأمرين للآخر ، وأخبر أن فائدة العمل هو المقدر المفروغ منه فقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011782nindex.php?page=treesubj&link=30452كل ميسر لما خلق له " ، يريد أنه ميسر في أيام حياته للعمل الذي سبق له القدر قبل وجوده ، إلا أنك تحب أن تعلم ههنا فرق ما بين الميسر والمسخر فتأهب لمعرفته فإنه بمنزلة مسألة القضاء والقدر ، وكذا القول في باب الكسب والرزق فإنه مفروغ منه في الأصل لا يزيده الطلب ولا ينقصه الترك .
والجواب عن الشبهة الثانية : إنه ليس
nindex.php?page=treesubj&link=19733المقصود من الدعاء الإعلام ، بل إظهار العبودية والذلة والانكسار والرجوع إلى الله بالكلية .
وعن الثالثة : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=19734يجوز أن يصير ما ليس بمصلحة مصلحة بحسب سبق الدعاء .
وعن الرابعة : أنه إذا كان مقصوده من الدعاء إظهار الذلة والمسكنة ثم بعد رضي بما قدره الله وقضاه ، فذلك أعظم المقامات ، وهذا هو الجواب عن بقية الشبه في هذا الباب .
أَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) فَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو nindex.php?page=showalam&ids=16810وَقَالُونُ عَنْ
نَافِعٍ " الدَّاعِي إِذَا دَعَانِي " بِإِثْبَاتِ الْيَاءِ فِيهِمَا فِي الْوَصْلِ وَالْبَاقُونَ بِحَذْفِهَا ، فَالْأُولَى عَلَى الْوَصْلِ وَالثَّانِيَةُ عَلَى التَّخْفِيفِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14228أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ : الدُّعَاءُ مَصْدَرٌ مِنْ قَوْلِكَ : دَعَوْتُ الشَّيْءَ أَدْعُوهُ دُعَاءً ، ثُمَّ أَقَامُوا الْمَصْدَرَ مَقَامَ الِاسْمِ ، تَقُولُ : سَمِعْتُ دُعَاءً كَمَا تَقُولُ سَمِعْتُ صَوْتًا ، وَقَدْ يُوضَعُ الْمَصْدَرُ مَوْضِعَ الِاسْمِ كَقَوْلِهِمْ : رَجُلٌ عَدْلٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=19733وَحَقِيقَةُ الدُّعَاءِ اسْتِدْعَاءُ الْعَبْدِ رَبَّهُ جَلَّ جَلَالُهُ الْعِنَايَةَ وَاسْتِمْدَادُهُ إِيَّاهُ الْمَعُونَةَ . وَأَقُولُ : اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الدُّعَاءِ ، فَقَالَ بَعْضُ الْجُهَّالِ : الدُّعَاءُ شَيْءٌ عَدِيمُ الْفَائِدَةِ ، وَاحْتَجُّوا عَلَيْهِ مِنْ وُجُوهٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالدُّعَاءِ إِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ ، فَلَا حَاجَةَ إِلَى الدُّعَاءِ ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مَعْلُومِ الْوُقُوعِ كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ ، فَلَا حَاجَةَ أَيْضًا إِلَى الدُّعَاءِ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ حُدُوثَ الْحَوَادِثِ فِي هَذَا الْعَالَمِ لَا بُدَّ مِنِ انْتِهَائِهَا بِالْآخِرَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ الْقَدِيمِ الْوَاجِبِ لِذَاتِهِ ، وَإِلَّا لَزِمَ إِمَّا التَّسَلْسُلُ ، وَإِمَّا الدَّوْرُ وَإِمَّا وُقُوعُ الْحَادِثِ مِنْ غَيْرِ مُؤَثِّرٍ ، وَكُلُّ ذَلِكَ مُحَالٌ وَإِذَا ثَبَتَ وُجُوبُ انْتِهَائِهَا بِالْآخِرَةِ إِلَى الْمُؤَثِّرِ الْقَدِيمِ ، فَكُلُّ مَا اقْتَضَى ذَلِكَ الْمُؤَثِّرُ الْقَدِيمُ وُجُودَهُ اقْتِضَاءً قَدِيمًا أَزَلِيًّا كَانَ وَاجِبَ الْوُقُوعِ ، وَكُلُّ مَا لَمْ يَقْتَضِ الْمُؤَثِّرُ الْقَدِيمُ وُجُودَهُ اقْتِضَاءً قَدِيمًا أَزَلِيًّا كَانَ مُمْتَنِعَ الْوُقُوعِ ، وَلَمَّا ثَبَتَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي الْأَزَلِ لَمْ يَكُنْ لِلدُّعَاءِ الْبَتَّةَ أَثَرٌ ، وَرُبَّمَا عَبَّرُوا عَنْ هَذَا الْكَلَامِ بِأَنْ قَالُوا : الْأَقْدَارُ سَابِقَةٌ وَالْأَقْضِيَةُ مُتَقَدِّمَةٌ ، وَالدُّعَاءُ لَا يَزِيدُ فِيهَا وَتَرْكُهُ لَا يُنْقِصُ شَيْئًا مِنْهَا ، فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِي الدُّعَاءِ ، وَقَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011772nindex.php?page=treesubj&link=30452قَدَّرَ اللَّهُ الْمَقَادِيرَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ الْخَلْقَ بِكَذَا وَكَذَا عَامًا .
وَرُوِيَ عَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011773جَفَّ الْقَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ " ، وَعَنْهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011774أَرْبَعٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهَا : الْعُمْرُ وَالرِّزْقُ وَالْخَلْقُ وَالْخُلُقُ " .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَلَّامُ الْغُيُوبِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=19يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) [ غَافِرٍ : 19 ] فَأَيُّ حَاجَةٍ بِالدَّاعِي إِلَى الدُّعَاءِ ؟ وَلِهَذَا السَّبَبِ قَالُوا إِنَّ
جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَلَغَ بِسَبَبِ هَذَا الْكَلَامِ إِلَى أَعْلَى
[ ص: 84 ] دَرَجَاتِ الْإِخْلَاصِ وَالْعُبُودِيَّةِ وَلَوْلَا أَنَّ تَرْكَ الدُّعَاءِ أَفْضَلُ لَمَا كَانَ كَذَلِكَ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ الْمَطْلُوبَ بِالدُّعَاءِ إِنْ كَانَ مِنْ مَصَالِحِ الْعَبْدِ فَالْجَوَادُ الْمُطْلَقُ لَا يُهْمِلُهُ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مِنْ مَصَالِحِهِ لَمْ يَجُزْ طَلَبُهُ .
وَخَامِسُهَا : ثَبَتَ بِشَوَاهِدِ الْعَقْلِ وَالْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28777_30452_19627أَجَلَّ مَقَامَاتِ الصِّدِّيقِينَ وَأَعْلَاهَا الرِّضَا بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَالدُّعَاءُ يُنَافِي ذَلِكَ ؛ لِأَنَّهُ اشْتِغَالٌ بِالِالْتِمَاسِ وَتَرْجِيحٌ لِمُرَادِ النَّفْسِ عَلَى مُرَادِ اللَّهِ تَعَالَى وَطَلَبُهُ لِحِصَّةِ الْبَشَرِ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّ الدُّعَاءَ يُشْبِهُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ وَذَلِكَ مِنَ الْعَبْدِ فِي حَقِّ الْمَوْلَى الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ سُوءُ أَدَبٍ .
وَسَابِعُهَا : رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - قَالَ رِوَايَةً عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011775مَنْ شَغَلَهُ ذِكْرِي عَنْ مَسْأَلَتِي أَعْطَيْتُهُ أَفْضَلَ مَا أُعْطِي السَّائِلِينَ " ، قَالُوا فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْأَوْلَى تَرَكُ الدُّعَاءِ .
وَقَالَ الْجُمْهُورُ الْأَعْظَمُ مِنَ الْعُقَلَاءِ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19738_19733الدُّعَاءَ أَهَمُّ مَقَامَاتِ الْعُبُودِيَّةِ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ مِنَ النَّقْلِ وَالْعَقْلِ ، أَمَّا الدَّلَائِلُ النَّقْلِيَّةُ فَكَثِيرَةٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19738_28900اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ السُّؤَالَ وَالْجَوَابُ فِي كِتَابِهِ فِي عِدَّةِ مَوَاضِعَ مِنْهَا أُصُولِيَّةٌ وَمِنْهَا فُرُوعِيَّةٌ ، أَمَّا الْأُصُولِيَّةُ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=85وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ) [ الْإِسْرَاءِ : 85 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ) [ طَه : 105 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=42يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ ) [ النَّازِعَاتِ : 42 ] ، وَأَمَّا الْفُرُوعِيَّةُ فَمِنْهَا فِي الْبَقَرَةِ عَلَى التَّوَالِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ ) [ الْبَقَرَةِ : 219 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ ) [ الْبَقَرَةِ : 217 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=219يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ ) [ الْبَقَرَةِ : 219 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=220وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى ) [ الْبَقَرَةِ : 220 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ ) [ الْبَقَرَةِ : 222 ] ، وَقَالَ أَيْضًا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=1يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفَالِ ) [ الْأَنْفَالِ : 1 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=83وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ) [ الْكَهْفِ : 83 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=53وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ ) [ يُونُسَ : 53 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=176يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلَالَةِ ) [ النِّسَاءِ : 176 ] .
إِذَا عَرَفْتَ هَذَا ، فَنَقُولُ : هَذِهِ الْأَسْئِلَةُ جَاءَتْ أَجْوِبَتُهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ ، فَالْأَغْلَبُ فِيهَا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا حَكَى السُّؤَالَ قَالَ
لِمُحَمَّدٍ : قُلْ ؛ وَفِي صُورَةٍ وَاحِدَةٍ جَاءَ الْجَوَابُ بِقَوْلِهِ : فَقُلْ مَعَ فَاءِ التَّعْقِيبَ ، وَالسَّبَبُ فِيهِ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ ) [ طه : 105 ] ، سُؤَالٌ عَنْ قِدَمِهَا وَحُدُوثِهَا ، وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ أُصُولِيَّةٌ فَلَا جَرَمَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=105فَقُلْ يَنْسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا ) [ طه : 105 ] كَأَنَّهُ قَالَ يَا
مُحَمَّدُ أَجِبْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ فِي الْحَالِ وَلَا تُؤَخِّرِ الْجَوَابَ ، فَإِنَّ الشَّكَّ فِيهِ كُفْرٌ ثُمَّ تَقْدِيرُ الْجَوَابِ أَنَّ النَّسْفَ مُمْكِنٌ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْجَبَلِ فَيَكُونُ مُمْكِنًا فِي الْكُلِّ وَجَوَازُ عَدَمِهِ يَدُلُّ عَلَى امْتِنَاعِ قِدَمِهِ ، أَمَّا سَائِرُ الْمَسَائِلِ فَهِيَ فُرُوعِيَّةٌ فَلَا جَرَمَ لَمْ يَذْكُرْ فِيهَا فَاءَ التَّعْقِيبِ ، أَمَّا الصُّورَةُ الثَّالِثَةُ وَهِيَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ) وَلَمْ يَقُلْ فَقُلْ إِنِّي قَرِيبٌ فَتَدُلُّ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=19738_28732تَعْظِيمِ حَالِ الدُّعَاءِ مِنْ وُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : كَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَقُولُ عَبْدِي أَنْتَ إِنَّمَا تَحْتَاجُ إِلَى الْوَاسِطَةِ فِي غَيْرِ وَقْتِ الدُّعَاءِ ، أَمَّا فِي مَقَامِ الدُّعَاءِ فَلَا وَاسِطَةَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ .
الثَّانِي : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ لَهُ ، وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فَإِنِّي قَرِيبٌ ) يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الرَّبَّ لِلْعَبْدِ .
وَثَالِثُهَا : لَمْ يَقُلْ : فَالْعَبْدُ مِنِّي قَرِيبٌ ، بَلْ قَالَ : أَنَا مِنْهُ قَرِيبٌ ، وَفِيهِ سِرٌّ نَفِيسٌ فَإِنَّ الْعَبْدَ مُمْكِنُ الْوُجُودِ فَهُوَ مِنْ حَيْثُ هُوَ هُوَ فِي مَرْكَزِ الْعَدَمِ وَحَضِيضِ الْفَنَاءِ ، فَلَا يُمْكِنُهُ الْقُرْبَ مِنَ الرَّبِّ أَمَّا الْحَقُّ سُبْحَانَهُ فَهُوَ الْقَادِرُ مِنْ أَنْ يَقْرُبَ بِفَضْلِهِ وَبِرَحْمَتِهِ مِنَ الْعَبْدِ ، وَالْقُرْبُ مِنَ الْحَقِّ إِلَى الْعَبْدِ لَا مِنَ الْعَبْدِ إِلَى الْحَقِّ ؛ فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=186فَإِنِّي قَرِيبٌ ) .
وَالرَّابِعُ : أَنَّ الدَّاعِيَ مَا دَامَ يَبْقَى خَاطِرُهُ مَشْغُولًا بِغَيْرِ اللَّهِ فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ دَاعِيًا لَهُ ، فَإِذَا فَنِيَ عَنِ الْكُلِّ صَارَ مُسْتَغْرِقًا فِي مَعْرِفَةِ الْأَحَدِ الْحَقِّ ، فَامْتَنَعَ مِنْ أَنْ يَبْقَى فِي هَذَا الْمَقَامِ مُلَاحِظًا لِحَقِّهِ وَطَالِبًا لِنَصِيبِهِ ، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ الْوَسَائِطُ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَلَا جَرَمَ حَصَلَ الْقُرْبُ فَإِنَّهُ مَا دَامَ يَبْقَى الْعَبْدُ مُلْتَفِتًا إِلَى غَرَضِ نَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ قَرِيبًا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَرَضَ يَحْجُبُهُ عَنِ اللَّهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ الدُّعَاءَ يُفِيدُ الْقُرْبَ مِنَ اللَّهِ ، فَكَانَ الدُّعَاءُ أَفْضَلَ الْعِبَادَاتِ .
[ ص: 85 ] الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=19734فَضْلِ الدُّعَاءِ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [ غَافِرِ : 60 ] .
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقْتَصِرْ فِي بَيَانِ فَضْلِ الدُّعَاءِ عَلَى الْأَمْرِ بِهِ بَلْ بَيَّنَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّهُ إِذَا لَمْ يُسْأَلْ يَغْضَبْ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=43فَلَوْلَا إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا تَضَرَّعُوا وَلَكِنْ قَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ الْأَنْعَامِ : 43 ] ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011776لَا يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ أَحَدُكُمْ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي إِنْ شِئْتَ وَلَكِنْ يَجْزِمُ فَيَقُولُ : اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي " ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011777الدُّعَاءُ مُخُّ الْعِبَادَةِ " ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=114النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011778الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " ، وَقَرَأَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ، فَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011779nindex.php?page=treesubj&link=19738الدُّعَاءُ هُوَ الْعِبَادَةُ " مَعْنَاهُ أَنَّهُ مُعْظَمُ الْعِبَادَةِ وَأَفْضَلُ الْعِبَادَةِ ، كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011780الْحَجُّ عَرَفَةُ " ، أَيِ الْوُقُوفُ بِعَرَفَةَ هُوَ الرَّكْنُ الْأَعْظَمُ .
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=55ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً ) [ الْأَعْرَافِ : 55 ] ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=77قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ ) [ الْفُرْقَانِ : 77 ] وَالْآيَاتُ كَثِيرَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ فَمَنْ أَبْطَلَ الدُّعَاءَ فَقَدْ أَنْكَرَ الْقُرْآنَ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الْأُولَى : أَنَّهَا مُتَنَاقِضَةٌ ، لِأَنَّ إِقْدَامَ الْإِنْسَانِ عَلَى الدُّعَاءِ إِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْوُقُوعِ فَلَا فَائِدَةَ فِي اشْتِغَالِكُمْ بِإِبْطَالِ الدُّعَاءِ ، وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْعَدَمِ لَمْ يَكُنْ إِلَى إِنْكَارِكِمْ حَاجَةٌ ، ثُمَّ نَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28781كَيْفِيَّةُ عِلْمِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَيْفِيَّةُ قَضَائِهِ وَقَدَرِهُ غَائِبَةٌ عَنِ الْعُقُولِ ، وَالْحِكْمَةُ الْإِلَهِيَّةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ مُعَلَّقًا بَيْنَ الرَّجَاءِ وَبَيْنَ الْخَوْفِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا تَتِمُّ الْعُبُودِيَّةُ ، وَبِهَذَا الطَّرِيقِ صَحَّحْنَا الْقَوْلَ بِالتَّكَالِيفِ مَعَ الِاعْتِرَافِ بِإِحَاطَةِ عِلْمِ اللَّهِ بِالْكُلِّ وَجَرَيَانِ قَضَائِهِ وَقَدَرِهِ فِي الْكُلِّ ، وَلِهَذَا الْإِشْكَالِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011781سَأَلَتِ الصَّحَابَةُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا : أَرَأَيْتَ أَعْمَالَنَا هَذِهِ أَشَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ أَمْ أَمْرٌ يَسْتَأْنِفُهُ ؟ فَقَالَ : بَلْ شَيْءٌ قَدْ فُرِغَ مِنْهُ . فَقَالُوا : فَفِيمَ الْعَمَلُ إِذَنْ ؟ قَالَ : " اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " . فَانْظُرْ إِلَى لَطَائِفَ هَذَا الْحَدِيثِ فَإِنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَّقَهُمْ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ ، فَرَهَّبَهُمْ سَابِقَ الْقَدَرِ الْمَفْرُوغِ مِنْهُ ثُمَّ أَلْزَمَهُمُ الْعَمَلَ الَّذِي هُوَ مُدْرَجَةُ التَّعَبُّدِ ، فَلَمْ يُعَطِّلْ ظَاهِرَ الْعَمَلِ بِمَا يُفِيدُ مِنَ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ، وَلَمْ يَتْرُكْ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ لِلْآخَرِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّ فَائِدَةَ الْعَمَلِ هُوَ الْمُقَدَّرُ الْمَفْرُوغُ مِنْهُ فَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011782nindex.php?page=treesubj&link=30452كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ " ، يُرِيدُ أَنَّهُ مُيَسَّرٌ فِي أَيَّامِ حَيَاتِهِ لِلْعَمَلِ الَّذِي سَبَقَ لَهُ الْقَدَرُ قَبْلَ وُجُودِهِ ، إِلَّا أَنَّكَ تُحِبُّ أَنْ تَعْلَمَ هَهُنَا فَرْقَ مَا بَيْنَ الْمُيَسَّرِ وَالْمُسَخَّرِ فَتَأَهَّبْ لِمَعْرِفَتِهِ فَإِنَّهُ بِمَنْزِلَةِ مَسْأَلَةِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ، وَكَذَا الْقَوْلُ فِي بَابِ الْكَسْبِ وَالرِّزْقِ فَإِنَّهُ مَفْرُوغٌ مِنْهُ فِي الْأَصْلِ لَا يَزِيدُهُ الطَّلَبُ وَلَا يَنْقُصُهُ التَّرْكُ .
وَالْجَوَابُ عَنِ الشُّبْهَةِ الثَّانِيَةِ : إِنَّهُ لَيْسَ
nindex.php?page=treesubj&link=19733الْمَقْصُودَ مِنَ الدُّعَاءِ الْإِعْلَامُ ، بَلْ إِظْهَارُ الْعُبُودِيَّةِ وَالذِّلَّةِ وَالِانْكِسَارِ وَالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ بِالْكُلِّيَّةِ .
وَعَنِ الثَّالِثَةِ : أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19734يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَا لَيْسَ بِمَصْلَحَةٍ مَصْلَحَةً بِحَسَبِ سَبْقِ الدُّعَاءِ .
وَعَنِ الرَّابِعَةِ : أَنَّهُ إِذَا كَانَ مَقْصُودُهُ مِنَ الدُّعَاءِ إِظْهَارَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ ثُمَّ بَعْدُ رَضِيَ بِمَا قَدَّرَهُ اللَّهُ وَقَضَاهُ ، فَذَلِكَ أَعْظَمُ الْمَقَامَاتِ ، وَهَذَا هُوَ الْجَوَابُ عَنْ بَقِيَّةِ الشُّبَهِ فِي هَذَا الْبَابِ .