فصل
nindex.php?page=treesubj&link=22664ويحرم على الجنب ما يحرم على المحدث ، وهو في ذلك أشد ؛ لأن الصلاة تحرم عليه لأنها صلاة ، ولأن فيها قراءة ، وكذلك الطواف يحرم عليه ؛ لأنه صلاة ، ولأنه يحتاج إلى المكث في المسجد الحرام ، وكذلك مس المصحف ، ويحرم أيضا عليه قراءة القرآن ؛ لما روي عن علي قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014683كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يحجبه " وربما قال : لا يحجزه عن قراءة القرآن شيء ليس الجنابة " رواه الخمسة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث حسن صحيح .
[ ص: 387 ] ويجوز بعض الآية في إحدى الروايتين اختارها القاضي وغيره ؛ لأنه لا يجزئ في الخطبة ولا يحصل به إعجاز ، فأشبه البسملة والحمد له . والثانية : لا يجوز وهي أقوى لقول
علي " اقرءوا القرآن ما لم يصب أحدكم جنابة ، فإن أصابه جنابة فلا ولا حرفا واحدا " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني nindex.php?page=showalam&ids=12418وإسحاق بن راهويه .
وقال
علي : " أعلم بها " حيث روي عن النبي صلى الله عليه وسلم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014684أنه كان يقرأ على كل حال إلا الجنابة والحرف من القرآن " فهو أعلم بما يرويه .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : "
nindex.php?page=treesubj&link=32593_26677الجنب والحائض يذكران الله ولا يقرآن من القرآن شيئا ، قيل : ولا آية ؟ قال : ولا نصف آية " رواه
حرب ؛ ولأن بعض الآية كالآية في منع المحدث من مس كتابتها ، فكذلك في منع الجنب من تلاوتها . وأما ذكر الله سبحانه ودعاؤه ونحو ذلك فهو جائز ؛ لأن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014685كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الله على كل أحيانه " رواه الخمسة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي ، وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري تعليقا .
ولأن المنع إنما جاء في القرآن ، وغيره من ذكر الله لا يساويه في الحرمة بدليل أنه لا يمنع المحدث من مس صحيفته ، ولا تصح الصلاة به إلا عند العجز عن القرآن ، وإن التلاوة أفضل من الذكر وغير ذلك ، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014686أفضل الكلام بعد القرآن أربع وهن من القرآن : سبحان الله ، [ ص: 388 ] والحمد لله ، ولا إله إلا الله ، والله أكبر " . وقال : "
فضل القرآن على سائر الكلام كفضل الله على خلقه " وقال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014688ما تقرب العباد إلى الله بأفضل مما خرج منه " . فعلى هذا يجوز من الكلام ما يوافق نظمه نظم القرآن إذا لم يقصد به تلاوة القرآن ، وإن بلغ آية كقول الآكل والمتوضئ : بسم الله الرحمن الرحيم ، وقول الشاكر : الحمد لله رب العالمين ، وقول المستغفر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا ) الآية .
لأن هذا الكلام قد يقصد به القرآن ويقصد به غيره وإن اتفقت ألفاظها ، ومتى كان شيئا يتميز به القرآن عن غيره فقد قيل : لا يجوز قراءته بكل حال ؛ لأنه لا يكون إلا قرآنا ، وقيل : يجوز إذا قصد به معنى عين التلاوة ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كتب إلى الروم في رسالة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا ) الآية ؛ لأنه قصد بها التبليغ لا القراءة والتلاوة .
ويحرم عليه
nindex.php?page=treesubj&link=728اللبث في المسجد بغير وضوء ، فأما العبور فيه فلا بأس ؛ لما روت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة - رضي الله عنها - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014689لا أحل [ ص: 389 ] المسجد لحائض ولا جنب " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014690إن المسجد لا يحل لجنب ولا حائض " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه . ولأن المسجد منزل الملائكة لما فيه من الذكر ، "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014691والملائكة لا تدخل بيتا فيه كلب ولا جنب ولا تمثال " كذلك رواه
علي عن النبي صلى الله عليه وسلم . أخرجه
مسلم وغيره . ففي
nindex.php?page=treesubj&link=728لبث الجنب في المسجد إيذاء للملائكة ، فأما المرور فيجوز ؛ لما روت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014692ناوليني الخمرة من المسجد ، فقلت : إني حائض ، فقال : إن حيضتك ليست في يدك " رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم nindex.php?page=showalam&ids=11998وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ، وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=156ميمونة : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014693كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يدخل على إحدانا وهي حائض ، فيضع رأسه في حجرها ، فيقرأ القرآن وهي حائض ، ثم تقوم إحدانا بخمرته فتضعها في المسجد وهي حائض " رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
[ ص: 390 ] وقال
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله " كان أحدنا يمر في المسجد جنبا مجتازا " رواه
سعيد في سننه . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم : "
كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمشون في المسجد وهم جنب " رواه
ابن المنذر .
وقد احتج أصحابنا على هذه المسألة بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون ولا جنبا إلا عابري سبيل ) لأن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس وغيرهما " فسروا ذلك بعبور الجنب في المسجد " قال جماعة من أصحابنا وغيرهم : يكون المراد بالصلاة مواضع الصلاة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40لهدمت صوامع وبيع وصلوات ) وقد فسرها آخرون بأن المسافر إذا لم يجد الماء تيمم ؛ لأن الصلاة هي الأفعال أنفسها . القول على ظاهره ضعيف ؛ لأن المسافر قد ذكر في تمام الآية ، فيكون تكريرا ، ولأن
nindex.php?page=treesubj&link=315_22664المسافر لا تجوز له صلاة مع الجنابة إلا في حال عدم الماء ، وليس في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إلا عابري سبيل ) ( معترض ) كذلك ، ولأنه كما تجوز الصلاة مع الجنابة للمسافر فكذلك للمريض ، ولم يستثن كما استثني المسافر ، فلو قصد ذلك ليبين كما بين في آخر الآية المريض والمسافر إذا لم يجد الماء ، ولأن في حمل الآية على ذلك لزوم التخصيص في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43عابري سبيل ) ويكون المخصوص أكثر من الباقي ، فإن واجد الماء أكثر من عادمه ، ولا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43ولا جنبا ) لاستثناء المريض أيضا ، وفيه تخصيص أحد السببين بالذكر مع استوائهما في الحكم ، ولأن عبور السبيل حقيقته المرور والاجتياز .
[ ص: 391 ] والمسافر قد يكون لابثا وماشيا ، فلو أريد المسافر لقيل إلا من سبيل كما في الآيات التي عنى بها المسافرين ، والتوجيه المذكور عن أصحابنا على ظاهره ضعيف أيضا ؛ لما تقدم من أن الآية نزلت في قوم صلوا بعد شرب الخمر ، ولم يكن ذلك في المسجد ، وإنما كان في بيت رجل من
الأنصار ؛ ولأنه جوز القربان للمريض والمسافر إذا عدم الماء بشرط التيمم ، وهذا لا يكون في المساجد غالبا ، وإنما الوجه في ذلك أن تكون الآية عامة في قربان الصلاة ومواضعها ، واستثنى من ذلك عبور السبيل ، وإنما يكون في موضعها خاصة ، وهذا إنما فيه حمل اللفظ على حقيقته ومجازه ، وذلك جائز عندنا على الصحيح ، وعلى هذا فتكون الآية دالة على منع اللبث ، أو تكون الصلاة هي الأفعال ، ويكون قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إلا عابري سبيل ) استثناء منقطعا ، ويدل ذلك على منع اللبث ؛ لأن تخصيص العبور بالذكر يوجب اختصاصه بالحكم ، ولأنه مستثنى من كلام في حكم النفي ، كأنه قال : لا تقربوا الصلاة ولا مواضعها إلا عابري سبيل .
nindex.php?page=treesubj&link=726_728وإذا توضأ الجنب جاز له اللبث ؛ لما روى
أبو نعيم : ثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17241هشام بن سعد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم قال : " كان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتحدثون في المسجد وهم على غير وضوء ، وكان الرجل يكون جنبا فيتوضأ ثم يدخل فيتحدث " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16572عطاء بن يسار : " رأيت رجالا من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يجلسون في المسجد وهم مجنبون إذا توضئوا وضوء الصلاة " رواه
سعيد . وهذا لأن الوضوء يرفع الحدثين عن أعضاء الوضوء ، ويرفع حكم الحدث الأصغر عن سائر البدن فيقارب من عليه الحدث الأصغر فقط ؛ ولهذا أمر الجنب إذا أراد النوم والأكل بالوضوء ، ولولا ذلك لكان مجرد عبث ، يبين ذلك أنه قد جاء في نهي الجنب أن ينام قبل أن
[ ص: 392 ] يتوضأ أن لا يموت فلا تشهد الملائكة جنازته . فهذا يدل على أنه إذا توضأ شهدت جنازته ودخلت المكان الذي هو فيه ، ونهى الجنب عن المسجد ؛ لئلا يؤذي الملائكة بالخروج ، فإذا توضأ أمكن دخول الملائكة المسجد ، فزال المحذور ، وهذا العبور إنما يجوز إذا كان لحاجة وغرض وإن لم يكن ضروريا ، فأما ( لمجرد ) العبث فلا ، فإن اضطر إلى اللبث في المسجد أو إلى الدخول ابتداء ، أو اللبث فيه لخوف على نفسه وماله - جاز ذلك ، ولزمه التيمم في أحد الوجهين كما يلزم إذا لبث فيه لغير ضرورة وقد عدم الماء ، والمنصوص عنه أنه لا يلزمه ؛ لأنه ملجأ إلى اللبث ، والمقام غير قاصد له ، فيكون في حكم العابر المجتاز ، كالمسافر لو حبسه عدو أو سلطان كان في حكم المجتاز في رخص السفر ؛ ولهذا لو دخل المسجد بنية اللبث أثم وإن لم يلبث ؛ اعتبارا بقصد اللبث كما يعتبر قصد الإقامة ،
nindex.php?page=treesubj&link=27215ولا يكره للجنب أن يحتجم أو يأخذ من شعره أو ظفره أو يختضب - نص عليه ، وكذلك الحائض ؛ لأن هذا نظافة فأشبه الوضوء ، ولا يقال : " إن الجنابة تبقى على الشعر والظفر " ؛ لأن حكم الجنابة إنما ثبت لهما ما داما متصلين بالإنسان ، فإذا انفصلا لحقا بالجمادات .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=22664وَيَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ ، وَهُوَ فِي ذَلِكَ أَشَدُّ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ تَحْرُمُ عَلَيْهِ لِأَنَّهَا صَلَاةٌ ، وَلِأَنَّ فِيهَا قِرَاءَةً ، وَكَذَلِكَ الطَّوَافُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ ؛ لِأَنَّهُ صَلَاةٌ ، وَلِأَنَّهُ يَحْتَاجُ إِلَى الْمُكْثِ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، وَكَذَلِكَ مَسُّ الْمُصْحَفِ ، وَيَحْرُمُ أَيْضًا عَلَيْهِ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014683كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا يَحْجُبُهُ " وَرُبَّمَا قَالَ : لَا يَحْجِزُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ شَيْءٌ لَيْسَ الْجَنَابَةَ " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ : حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ .
[ ص: 387 ] وَيَجُوزُ بَعْضُ الْآيَةِ فِي إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ اخْتَارَهَا الْقَاضِي وَغَيْرُهُ ؛ لِأَنَّهُ لَا يُجْزِئُ فِي الْخُطْبَةِ وَلَا يَحْصُلُ بِهِ إِعْجَازٌ ، فَأَشْبَهَ الْبَسْمَلَةَ وَالْحَمْدَ لَهُ . وَالثَّانِيَةُ : لَا يَجُوزُ وَهِيَ أَقْوَى لِقَوْلِ
عَلِيٍّ " اقْرَءُوا الْقُرْآنَ مَا لَمْ يُصِبْ أَحَدَكُمْ جَنَابَةٌ ، فَإِنْ أَصَابَهُ جَنَابَةٌ فَلَا وَلَا حَرْفًا وَاحِدًا " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14269الدَّارَقُطْنِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=12418وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهَوَيْهِ .
وَقَالَ
عَلِيٌّ : " أَعْلَمُ بِهَا " حَيْثُ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014684أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ عَلَى كُلِّ حَالٍ إِلَّا الْجَنَابَةَ وَالْحَرْفُ مِنَ الْقُرْآنِ " فَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَرْوِيهِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : "
nindex.php?page=treesubj&link=32593_26677الْجُنُبُ وَالْحَائِضُ يَذْكُرَانِ اللَّهَ وَلَا يَقْرَآنِ مِنَ الْقُرْآنِ شَيْئًا ، قِيلَ : وَلَا آيَةً ؟ قَالَ : وَلَا نِصْفَ آيَةٍ " رَوَاهُ
حَرْبٌ ؛ وَلِأَنَّ بَعْضَ الْآيَةِ كَالْآيَةِ فِي مَنْعِ الْمُحْدِثِ مِنْ مَسِّ كِتَابَتِهَا ، فَكَذَلِكَ فِي مَنْعِ الْجُنُبِ مِنْ تِلَاوَتِهَا . وَأَمَّا ذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَدُعَاؤُهُ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَهُوَ جَائِزٌ ؛ لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ قَالَتْ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014685كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَذْكُرُ اللَّهَ عَلَى كُلِّ أَحْيَانِهِ " رَوَاهُ الْخَمْسَةُ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيَّ ، وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا .
وَلِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا جَاءَ فِي الْقُرْآنِ ، وَغَيْرُهُ مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ لَا يُسَاوِيهِ فِي الْحُرْمَةِ بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَا يُمْنَعُ الْمُحْدِثُ مِنْ مَسِّ صَحِيفَتِهِ ، وَلَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ بِهِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنِ الْقُرْآنِ ، وَإِنَّ التِّلَاوَةَ أَفْضَلُ مِنَ الذِّكْرِ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014686أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الْقُرْآنِ أَرْبَعٌ وَهُنَّ مِنَ الْقُرْآنِ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، [ ص: 388 ] وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ " . وَقَالَ : "
فَضْلُ الْقُرْآنِ عَلَى سَائِرِ الْكَلَامِ كَفَضْلِ اللَّهِ عَلَى خَلْقِهِ " وَقَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014688مَا تَقَرَّبَ الْعِبَادُ إِلَى اللَّهِ بِأَفْضَلَ مِمَّا خَرَجَ مِنْهُ " . فَعَلَى هَذَا يَجُوزُ مِنَ الْكَلَامِ مَا يُوَافِقُ نَظْمُهُ نَظْمَ الْقُرْآنِ إِذَا لَمْ يُقْصَدُ بِهِ تِلَاوَةُ الْقُرْآنِ ، وَإِنْ بَلَغَ آيَةً كَقَوْلِ الْآكِلِ وَالْمُتَوَضِّئِ : بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَقَوْلِ الشَّاكِرِ : الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَقَوْلِ الْمُسْتَغْفِرِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا ) الْآيَةَ .
لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ قَدْ يُقْصَدُ بِهِ الْقُرْآنُ وَيُقْصَدُ بِهِ غَيْرُهُ وَإِنِ اتَّفَقَتْ أَلْفَاظُهَا ، وَمَتَى كَانَ شَيْئًا يَتَمَيَّزُ بِهِ الْقُرْآنُ عَنْ غَيْرِهِ فَقَدْ قِيلَ : لَا يَجُوزُ قِرَاءَتُهُ بِكُلِّ حَالٍ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا قُرْآنًا ، وَقِيلَ : يَجُوزُ إِذَا قُصِدَ بِهِ مَعْنَى عَيْنِ التِّلَاوَةِ ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَتَبَ إِلَى الرُّومِ فِي رِسَالَةٍ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا ) الْآيَةَ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهَا التَّبْلِيغَ لَا الْقِرَاءَةَ وَالتِّلَاوَةَ .
وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ
nindex.php?page=treesubj&link=728اللُّبْثُ فِي الْمَسْجِدِ بِغَيْرِ وُضُوءٍ ، فَأَمَّا الْعُبُورُ فِيهِ فَلَا بَأْسَ ؛ لِمَا رَوَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014689لَا أُحِلُّ [ ص: 389 ] الْمَسْجِدَ لِحَائِضٍ وَلَا جُنُبٍ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11998أَبُو دَاوُدَ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014690إِنَّ الْمَسْجِدَ لَا يَحِلُّ لِجُنُبٍ وَلَا حَائِضٍ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابْنُ مَاجَهْ . وَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مَنْزِلُ الْمَلَائِكَةِ لِمَا فِيهِ مِنَ الذِّكْرِ ، "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014691وَالْمَلَائِكَةُ لَا تَدْخُلُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا جُنُبٌ وَلَا تِمْثَالٌ " كَذَلِكَ رَوَاهُ
عَلِيٌّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . أَخْرَجَهُ
مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ . فَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=728لُبْثِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ إِيذَاءٌ لِلْمَلَائِكَةِ ، فَأَمَّا الْمُرُورُ فَيَجُوزُ ؛ لِمَا رَوَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014692نَاوِلِينِي الْخُمْرَةَ مِنَ الْمَسْجِدِ ، فَقُلْتُ : إِنِّي حَائِضٌ ، فَقَالَ : إِنَّ حَيْضَتَكِ لَيْسَتْ فِي يَدِكِ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ nindex.php?page=showalam&ids=11998وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ ، وَقَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=156مَيْمُونَةُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014693كَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَدْخُلُ عَلَى إِحْدَانَا وَهِيَ حَائِضٌ ، فَيَضَعُ رَأْسَهُ فِي حِجْرِهَا ، فَيَقْرَأُ الْقُرْآنَ وَهِيَ حَائِضٌ ، ثُمَّ تَقُومُ إِحْدَانَا بِخُمْرَتِهِ فَتَضَعُهَا فِي الْمَسْجِدِ وَهِيَ حَائِضٌ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ .
[ ص: 390 ] وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ " كَانَ أَحَدُنَا يَمُرُّ فِي الْمَسْجِدِ جُنُبًا مُجْتَازًا " رَوَاهُ
سَعِيدٌ فِي سُنَنِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ : "
كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَمْشُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ جُنُبٌ " رَوَاهُ
ابْنُ الْمُنْذِرِ .
وَقَدِ احْتَجَّ أَصْحَابُنَا عَلَى هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) لِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنَ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنَ عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُمَا " فَسَّرُوا ذَلِكَ بِعُبُورِ الْجُنُبِ فِي الْمَسْجِدِ " قَالَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمْ : يَكُونُ الْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ مَوَاضِعَ الصَّلَاةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=40لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ ) وَقَدْ فَسَّرَهَا آخَرُونَ بِأَنَّ الْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ تَيَمَّمَ ؛ لِأَنَّ الصَّلَاةَ هِيَ الْأَفْعَالُ أَنْفُسُهَا . الْقَوْلُ عَلَى ظَاهِرِهِ ضَعِيفٌ ؛ لِأَنَّ الْمُسَافِرَ قَدْ ذُكِرَ فِي تَمَامِ الْآيَةِ ، فَيَكُونُ تَكْرِيرًا ، وَلِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=315_22664الْمُسَافِرَ لَا تَجُوزُ لَهُ صَلَاةٌ مَعَ الْجَنَابَةِ إِلَّا فِي حَالِ عَدَمِ الْمَاءِ ، وَلَيْسَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) ( مُعْتَرَضٌ ) كَذَلِكَ ، وَلِأَنَّهُ كَمَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ مَعَ الْجَنَابَةِ لِلْمُسَافِرِ فَكَذَلِكَ لِلْمَرِيضِ ، وَلَمْ يُسْتَثْنَ كَمَا اسْتُثْنِيَ الْمُسَافِرُ ، فَلَوْ قَصَدَ ذَلِكَ لِيُبَيِّنَ كَمَا بَيَّنَ فِي آخِرِ الْآيَةِ الْمَرِيضَ وَالْمُسَافِرَ إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ ، وَلِأَنَّ فِي حَمْلِ الْآيَةِ عَلَى ذَلِكَ لُزُومُ التَّخْصِيصِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43عَابِرِي سَبِيلٍ ) وَيَكُونُ الْمَخْصُوصُ أَكْثَرَ مِنَ الْبَاقِي ، فَإِنَّ وَاجِدَ الْمَاءِ أَكْثَرُ مِنْ عَادِمِهِ ، وَلَا قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43وَلَا جُنُبًا ) لِاسْتِثْنَاءِ الْمَرِيضِ أَيْضًا ، وَفِيهِ تَخْصِيصُ أَحَدِ السَّبَبَيْنِ بِالذِّكْرِ مَعَ اسْتِوَائِهِمَا فِي الْحُكْمِ ، وَلِأَنَّ عُبُورَ السَّبِيلِ حَقِيقَتُهُ الْمُرُورُ وَالِاجْتِيَازُ .
[ ص: 391 ] وَالْمُسَافِرُ قَدْ يَكُونُ لَابِثًا وَمَاشِيًا ، فَلَوْ أُرِيدَ الْمُسَافِرُ لَقِيلَ إِلَّا مِنْ سَبِيلٍ كَمَا فِي الْآيَاتِ الَّتِي عَنَى بِهَا الْمُسَافِرِينَ ، وَالتَّوْجِيهُ الْمَذْكُورُ عَنْ أَصْحَابِنَا عَلَى ظَاهِرِهِ ضَعِيفٌ أَيْضًا ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي قَوْمٍ صَلَّوْا بَعْدَ شُرْبِ الْخَمْرِ ، وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِي الْمَسْجِدِ ، وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَيْتِ رَجُلٍ مِنَ
الْأَنْصَارِ ؛ وَلِأَنَّهُ جَوَّزَ الْقُرْبَانَ لِلْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ إِذَا عُدِمَ الْمَاءُ بِشَرْطِ التَّيَمُّمِ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ فِي الْمَسَاجِدِ غَالِبًا ، وَإِنَّمَا الْوَجْهُ فِي ذَلِكَ أَنْ تَكُونَ الْآيَةُ عَامَّةً فِي قُرْبَانِ الصَّلَاةِ وَمَوَاضِعِهَا ، وَاسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ عُبُورَ السَّبِيلِ ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِهَا خَاصَّةً ، وَهَذَا إِنَّمَا فِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى حَقِيقَتِهِ وَمَجَازِهِ ، وَذَلِكَ جَائِزٌ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ ، وَعَلَى هَذَا فَتَكُونُ الْآيَةُ دَالَّةً عَلَى مَنْعِ اللُّبْثِ ، أَوْ تَكُونُ الصَّلَاةُ هِيَ الْأَفْعَالُ ، وَيَكُونُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=43إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ ) اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا ، وَيَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى مَنْعِ اللُّبْثِ ؛ لِأَنَّ تَخْصِيصَ الْعُبُورِ بِالذِّكْرِ يُوجِبُ اخْتِصَاصَهُ بِالْحُكْمِ ، وَلِأَنَّهُ مُسْتَثْنًى مِنْ كَلَامٍ فِي حُكْمِ النَّفْيِ ، كَأَنَّهُ قَالَ : لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَلَا مَوَاضِعَهَا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ .
nindex.php?page=treesubj&link=726_728وَإِذَا تَوَضَّأَ الْجُنُبُ جَازَ لَهُ اللُّبْثُ ؛ لِمَا رَوَى
أَبُو نُعَيْمٍ : ثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17241هِشَامُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15944زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالَ : " كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَحَدَّثُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ عَلَى غَيْرِ وُضُوءٍ ، وَكَانَ الرَّجُلُ يَكُونُ جُنُبًا فَيَتَوَضَّأُ ثُمَّ يَدْخُلُ فَيَتَحَدَّثُ " . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16572عَطَاءُ بْنُ يَسَارٍ : " رَأَيْتُ رِجَالًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ إِذَا تَوَضَّئُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ " رَوَاهُ
سَعِيدٌ . وَهَذَا لِأَنَّ الْوُضُوءَ يَرْفَعُ الْحَدَثَيْنِ عَنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ ، وَيَرْفَعُ حُكْمَ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ عَنْ سَائِرِ الْبَدَنِ فَيُقَارِبُ مَنْ عَلَيْهِ الْحَدَثُ الْأَصْغَرُ فَقَطْ ؛ وَلِهَذَا أُمِرَ الْجُنُبُ إِذَا أَرَادَ النَّوْمَ وَالْأَكْلَ بِالْوُضُوءِ ، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَكَانَ مُجَرَّدَ عَبَثٍ ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ جَاءَ فِي نَهْيِ الْجُنُبِ أَنْ يَنَامَ قَبْلَ أَنْ
[ ص: 392 ] يَتَوَضَّأَ أَنْ لَا يَمُوتَ فَلَا تَشْهَدَ الْمَلَائِكَةُ جَنَازَتَهُ . فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ شَهِدَتْ جِنَازَتَهُ وَدَخَلَتِ الْمَكَانَ الَّذِي هُوَ فِيهِ ، وَنَهَى الْجُنُبَ عَنِ الْمَسْجِدِ ؛ لِئَلَّا يُؤْذِيَ الْمَلَائِكَةَ بِالْخُرُوجِ ، فَإِذَا تَوَضَّأَ أَمْكَنَ دُخُولُ الْمَلَائِكَةِ الْمَسْجِدَ ، فَزَالَ الْمَحْذُورُ ، وَهَذَا الْعُبُورُ إِنَّمَا يَجُوزُ إِذَا كَانَ لِحَاجَةٍ وَغَرَضٍ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ضَرُورِيًّا ، فَأَمَّا ( لِمُجَرَّدِ ) الْعَبَثِ فَلَا ، فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَى اللُّبْثِ فِي الْمَسْجِدِ أَوْ إِلَى الدُّخُولِ ابْتِدَاءً ، أَوِ اللُّبْثِ فِيهِ لِخَوْفٍ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ - جَازَ ذَلِكَ ، وَلَزِمَهُ التَّيَمُّمُ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ كَمَا يَلْزَمُ إِذَا لَبِثَ فِيهِ لِغَيْرِ ضَرُورَةٍ وَقَدْ عَدِمَ الْمَاءَ ، وَالْمَنْصُوصُ عَنْهُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ ؛ لِأَنَّهُ مَلْجَأٌ إِلَى اللُّبْثِ ، وَالْمَقَامُ غَيْرُ قَاصِدٍ لَهُ ، فَيَكُونُ فِي حُكْمِ الْعَابِرِ الْمُجْتَازِ ، كَالْمُسَافِرِ لَوْ حَبَسَهُ عَدُوٌّ أَوْ سُلْطَانٌ كَانَ فِي حُكْمِ الْمُجْتَازِ فِي رُخَصِ السَّفَرِ ؛ وَلِهَذَا لَوْ دَخَلَ الْمَسْجِدَ بِنِيَّةِ اللُّبْثِ أَثِمَ وَإِنْ لَمْ يَلْبَثْ ؛ اعْتِبَارًا بِقَصْدِ اللُّبْثِ كَمَا يُعْتَبَرُ قَصْدُ الْإِقَامَةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=27215وَلَا يُكْرَهُ لِلْجُنُبِ أَنْ يَحْتَجِمَ أَوْ يَأْخُذَ مِنْ شَعْرِهِ أَوْ ظُفْرِهِ أَوْ يَخْتَضِبَ - نَصَّ عَلَيْهِ ، وَكَذَلِكَ الْحَائِضُ ؛ لِأَنَّ هَذَا نَظَافَةٌ فَأَشْبَهَ الْوُضُوءَ ، وَلَا يُقَالُ : " إِنَّ الْجَنَابَةَ تَبْقَى عَلَى الشَّعْرِ وَالظُّفْرِ " ؛ لِأَنَّ حُكْمَ الْجَنَابَةِ إِنَّمَا ثَبَتَ لَهُمَا مَا دَامَا مُتَّصِلَيْنِ بِالْإِنْسَانِ ، فَإِذَا انْفَصَلَا لَحِقَا بِالْجَمَادَاتِ .