فصل
nindex.php?page=treesubj&link=242يحرم على المحدث الصلاة والطواف ومس المصحف ، فأما الصلاة فيحرم عليه فرضها ونفلها ، والسجود المجرد كسجود التلاوة ، والقيام المجرد وهو صلاة الجنازة ، ولا يصح منه سواء كان عالما بحدثه أو جاهلا به ، هذا إذا كان قادرا على الطهارة ، فأما العاجز فيذكر إن شاء الله تعالى في التيمم ، لما روى
[ ص: 381 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014676لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ " متفق عليه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014677لا يقبل الله صلاة بغير طهور ، ولا صدقة من غلول " رواه الجماعة إلا
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري . وأما الطواف فهو محرم عليه أيضا ؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014678إنما الطواف بالبيت صلاة ، فإذا طفتم فأقلوا الكلام " رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
لكن إذا
nindex.php?page=treesubj&link=243خالف وطاف محدثا فهل يصح طوافه ؟ على روايتين ، أصحهما أنه لا يصح . وأما المصحف فإنه لا يمس منه موضع الكتابة ولا حاشيته ولا
[ ص: 382 ] الجلد أو الدف أو الورق الأبيض المتصل به لا ببطن الكف ولا بظهره ولا شيء من جسده ؛ لأن في الكتاب الذي كتبه النبي - صلى الله عليه وسلم -
لعمرو بن حزم "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014679أن nindex.php?page=treesubj&link=244لا يمس القرآن إلا طاهر " رواه
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13665والأثرم nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني وغيرهم .
وهو كتاب مشهور عند أهل العلم ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17092مصعب بن سعد : " كنت أمسك المصحف على عهد
nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، فاحتككت ، فقال : لعلك مسست ذكرك فقلت : نعم ، فقال : قم فتوضأ " رواه
مالك .
وذكر
الإمام أحمد عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر أنه قال : "
لا تمس المصحف إلا على [ ص: 383 ] طهارة " . وعن
عبد الرحمن بن يزيد قال : " كنا مع
سلمان ، فخرج فقضى حاجته ثم جاء ، فقلت : يا
أبا عبد الله لو توضأت لعلنا نسألك عن آيات ، قال : إني لست أمسه لا يمسه إلا المطهرون " رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13665الأثرم nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني .
وكذلك جاء عن خلق من التابعين من غير خلاف يعرف عن الصحابة والتابعين ، وهذا يدل على أن ذلك كان معروفا بينهم ، وقد احتج كثير من أصحابنا على ذلك بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لا يمسه إلا المطهرون ) كما ذكرنا عن
سلمان وبنوا ذلك على أن الكتاب هو المصحف بعينه ، وأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لا يمسه ) صيغة خبر في معنى الأمر : لئلا يقع الخبر بخلاف مخبره ، وردوا قول من حمله على الملائكة ، فإنهم جميعهم مطهرون ، وإنما يمسه ويطلع عليه بعضهم .
والصحيح اللوح المحفوظ الذي في السماء مراد من هذه الآية ، وكذلك الملائكة مرادون من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79المطهرون ) لوجوه :
أحدهما : إن هذا تفسير جماهير السلف من الصحابة ومن بعدهم حتى الفقهاء الذين قالوا : " لا يمس القرآن إلا طاهر " من أئمة المذاهب صرحوا بذلك ، وشبهوا هذه الآية بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=11كلا إنها تذكرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=12فمن شاء ذكره nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=13في صحف مكرمة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=14مرفوعة مطهرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=15بأيدي سفرة nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=16كرام بررة ) .
وثانيها : أنه أخبر أن القرآن جميعه في كتاب ، وحين نزلت هذه الآية لم يكن نزل إلا بعض المكي منه ، ولم يجمع جميعه في المصحف إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 384 ] وثالثها : أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=78في كتاب مكنون ) والمكنون : المصون المحرر الذي لا تناله أيدي المضلين ، فهذه صفة اللوح المحفوظ .
ورابعها : أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لا يمسه إلا المطهرون ) صفة للكتاب ، ولو كان معناها الأمر لم يصح الوصف بها ، وإنما يوصف بالجملة الخبرية .
وخامسها : أنه لو كان معنى الكلام الأمر لقيل : " فلا يمسه " ؛ لتوسط الأمر بما قبله .
وسادسها : أنه لو قال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79المطهرون " وهذا يقتضي أن يكون تطهيرهم من غيرهم ، ولو أريد طهارة بني آدم فقط لقيل : المتطهرون .
كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فيه رجال يحبون أن يتطهروا والله يحب المطهرين ) .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين ) .
وسابعها : أن هذا مسوق لبيان شرف القرآن وعلوه وحفظه ، وذلك بالأمر الذي قد ثبت واستقر أبلغ منه بما يحدث ، ويكون نعم الوجه في هذا - والله أعلم - أن القرآن الذي في اللوح المحفوظ هو القرآن الذي في المصحف كما أن الذي في هذا المصحف هو الذي في هذا المصحف بعينه ، سواء كان المحل ورقا أو أديما أو حجرا أو لحافا ، فإذا كان من حكم الكتاب الذي في السماء أن لا يمسه إلا المطهرون وجب أن يكون الكتاب الذي في الأرض كذلك ؛ لأن حرمته كحرمته ، أو يكون الكتاب اسم جنس يعم كل ما فيه القرآن ، سواء كان في السماء أو الأرض ، وقد أوحى إلى ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رسول من الله يتلو صحفا مطهرة nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فيها كتب قيمة ) وكذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=13في صحف مكرمة [ ص: 385 ] nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=14مرفوعة مطهرة ) فوصفها أنها مطهرة ، فلا يصلح للمحدث مسها ، وكذلك لا يجوز أن يمس بعضو عليه نجاسة ، ولو غسل المتوضئ بعض أعضائه لم يجز له مسها حتى يكمل طهارته ، ولو كانت النجاسة على عضو جاز مسه بغيره ؛ لأن حكم النجاسة لا يتعدى محلها ، ويجوز بالتيمم حيث يشرع كما يجوز بالتوضؤ ، فأما إن حمله بعلاقته أو بحائل له منفصل منه لا يتبعه في الوصية والإقرار وغيرهما كغلافه أو حائل مانع للحامل كحمله في كمه من غير مس ، أو على رأسه ، أو في ثوبه ، أو تصفحه بعود أو مسه به - جاز في ظاهر المذهب . وعنه لا يجوز ؛ لأنه إنما منع من مسه تعظيما لحرمته ، واذا تمكن من ذلك بحائل زال التعظيم ، وحكى بعض أصحابنا رواية أنه إنما يحرم مسه بكمه وما يتصل به ؛ لأن كمه وثيابه متصلة به عادة ، فأشبهت أعضاءه بخلاف العود والغلاف ، وحكى
الآمدي رواية يجوز حمله بعلاقته وفي غلافه دون تصفحه بكمه أو عود . ولنا أنه لم يمسه ، فيبقى على أصل الإباحة لا سيما ومفهوم قوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014681لا يمس القرآن إلا طاهر " جواز ما سوى المباشرة ، وليس المس من وراء حائل كالمباشرة بدليل نقض الوضوء وانتشار حرمة المصاهر به والفدية في الحج وغير ذلك ، والعلاقة وإن اتصلت به فليست منه ، إنما يراد لتعليقه ، وهو مقصود زائد على مقصود المصحف ، بخلاف الجلد فإنه يراد لحفظ ورق المصحف وصونه ، وتجوز كتابته من غير مس الصحيفة كتصفحه بعود ، ولأن الصحابة استكتبوا أهل الحيرة المصاحف ، وقيل : لا يجوز الكتابة وإن أجزنا تقليبه بالعود ، وقيل : يجوز للمحدث دون الجنب كالتلاوة .
وما فيه شيء من القرآن حكمه حكم المصحف إن كان مفردا ، فإن كتب مع القرآن غيره فالحكم للأغلب ، فيجوز
nindex.php?page=treesubj&link=25641مس كتب التفسير والحديث والفقه والرسائل التي فيها شيء من القرآن في المشهور عنه ؛ لأنها ليست مصحفا
[ ص: 386 ] وقد كتب النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى أهل الكتاب بكتاب فيه قرآن ، وكان يكتب في صدر كتبه إلى أهل النواحي " بسم الله الرحمن الرحيم " ولأن ما فيها من القرآن لا يثبت لها حرمة المصحف ، بدليل جواز بيعها وشرائها وعموم الحاجة إلى مسها ، ويجوز مس ما كتب فيه المنسوخ والتوراة والإنجيل ، في المشهور من الوجهين ، وكذلك مس ما فيه الأحاديث المأثورة عن الله تعالى ؛ لأن ذلك ليس هو القرآن ، وفي
nindex.php?page=treesubj&link=25641مس الدراهم المكتوب عليها القرآن روايتان ، وفي مس الصبيان ألواحهم المكتوب فيها القرآن وجهان ، وقيل روايتان ، ووجه الرخصة عموم الحاجة إلى ذلك ، ولا يجوز
nindex.php?page=treesubj&link=18660_23302تمليكه من كافر ولا
nindex.php?page=treesubj&link=17911السفر به إلى بلادهم ؛ لما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014682لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو مخافة أن يناله العدو " رواه
أحمد nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم ، ولو
nindex.php?page=treesubj&link=23302ملك الذمي مصحفا بالإرث ألزم بإزالة ملكه عنه ؛ لأنهم يتدينون بانتهاكه وانتقاص حرمته .
فَصْلٌ
nindex.php?page=treesubj&link=242يَحْرُمُ عَلَى الْمُحْدِثِ الصَّلَاةُ وَالطَّوَافُ وَمَسُّ الْمُصْحَفِ ، فَأَمَّا الصَّلَاةُ فَيَحْرُمُ عَلَيْهِ فَرْضُهَا وَنَفْلُهَا ، وَالسُّجُودُ الْمُجَرَّدُ كَسُجُودِ التِّلَاوَةِ ، وَالْقِيَامُ الْمُجَرَّدُ وَهُوَ صَلَاةُ الْجَنَازَةِ ، وَلَا يَصِحُّ مِنْهُ سَوَاءٌ كَانَ عَالِمًا بِحَدَثِهِ أَوْ جَاهِلًا بِهِ ، هَذَا إِذَا كَانَ قَادِرًا عَلَى الطَّهَارَةِ ، فَأَمَّا الْعَاجِزُ فَيُذْكَرُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي التَّيَمُّمِ ، لِمَا رَوَى
[ ص: 381 ] nindex.php?page=showalam&ids=3أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014676لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةَ أَحَدِكُمْ إِذَا أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ " مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014677لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَلَاةً بِغَيْرِ طَهُورٍ ، وَلَا صَدَقَةً مِنْ غُلُولٍ " رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيَّ . وَأَمَّا الطَّوَافُ فَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْهِ أَيْضًا ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014678إِنَّمَا الطَّوَافُ بِالْبَيْتِ صَلَاةٌ ، فَإِذَا طُفْتُمْ فَأَقِلُّوا الْكَلَامَ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ .
لَكِنْ إِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=243خَالَفَ وَطَافَ مُحْدِثًا فَهَلْ يَصِحُّ طَوَافُهُ ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ ، أَصَحُّهُمَا أَنَّهُ لَا يَصِحُّ . وَأَمَّا الْمُصْحَفُ فَإِنَّهُ لَا يَمَسُّ مِنْهُ مَوْضِعَ الْكِتَابَةِ وَلَا حَاشِيَتَهُ وَلَا
[ ص: 382 ] الْجِلْدَ أَوِ الدُّفَّ أَوِ الْوَرَقَ الْأَبْيَضَ الْمُتَّصِلَ بِهِ لَا بِبَطْنِ الْكَفِّ وَلَا بِظَهْرِهِ وَلَا شَيْءَ مِنْ جَسَدِهِ ؛ لِأَنَّ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
لِعَمْرِو بْنِ حَزْمٍ "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014679أَنْ nindex.php?page=treesubj&link=244لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ " رَوَاهُ
مَالِكٌ nindex.php?page=showalam&ids=13665وَالْأَثْرَمُ nindex.php?page=showalam&ids=14269وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ .
وَهُوَ كِتَابٌ مَشْهُورٌ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17092مُصْعَبُ بْنُ سَعْدٍ : " كُنْتُ أُمْسِكُ الْمُصْحَفَ عَلَى عَهْدِ
nindex.php?page=showalam&ids=37سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، فَاحْتَكَكْتُ ، فَقَالَ : لَعَلَّكَ مَسَسْتَ ذَكَرَكَ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَقَالَ : قُمْ فَتَوَضَّأْ " رَوَاهُ
مَالِكٌ .
وَذَكَرَ
الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : "
لَا تَمَسَّ الْمُصْحَفَ إِلَّا عَلَى [ ص: 383 ] طَهَارَةٍ " . وَعَنْ
عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ يَزِيدَ قَالَ : " كُنَّا مَعَ
سَلْمَانَ ، فَخَرَجَ فَقَضَى حَاجَتَهُ ثُمَّ جَاءَ ، فَقُلْتُ : يَا
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ لَوْ تَوَضَّأْتَ لَعَلَّنَا نَسْأَلُكَ عَنْ آيَاتٍ ، قَالَ : إِنِّي لَسْتُ أَمَسُّهُ لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ " رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13665الْأَثْرَمُ nindex.php?page=showalam&ids=14269وَالدَّارَقُطْنِيُّ .
وَكَذَلِكَ جَاءَ عَنْ خَلْقٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ يُعْرَفُ عَنِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مَعْرُوفًا بَيْنَهُمْ ، وَقَدِ احْتَجَّ كَثِيرٌ مِنْ أَصْحَابِنَا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) كَمَا ذَكَرْنَا عَنْ
سَلْمَانَ وَبَنَوْا ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْكِتَابَ هُوَ الْمُصْحَفُ بِعَيْنِهِ ، وَأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لَا يَمَسُّهُ ) صِيغَةُ خَبَرٍ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ : لِئَلَّا يَقَعَ الْخَبَرُ بِخِلَافِ مُخْبِرِهِ ، وَرَدُّوا قَوْلَ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى الْمَلَائِكَةِ ، فَإِنَّهُمْ جَمِيعَهُمْ مُطَهَّرُونَ ، وَإِنَّمَا يَمَسُّهُ وَيَطَّلِعُ عَلَيْهِ بَعْضُهُمْ .
وَالصَّحِيحُ اللَّوْحُ الْمَحْفُوظُ الَّذِي فِي السَّمَاءِ مُرَادٌ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَكَذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ مُرَادُونَ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79الْمُطَهَّرُونَ ) لِوُجُوهٍ :
أَحَدُهُمَا : إِنَّ هَذَا تَفْسِيرُ جَمَاهِيرِ السَّلَفِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ حَتَّى الْفُقَهَاءِ الَّذِينَ قَالُوا : " لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ " مِنْ أَئِمَّةِ الْمَذَاهِبِ صَرَّحُوا بِذَلِكَ ، وَشَبَّهُوا هَذِهِ الْآيَةَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=11كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=12فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=13فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=14مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=15بِأَيْدِي سَفَرَةٍ nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=16كِرَامٍ بَرَرَةٍ ) .
وَثَانِيهَا : أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ الْقُرْآنَ جَمِيعَهُ فِي كِتَابٍ ، وَحِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ لَمْ يَكُنْ نَزَلَ إِلَّا بَعْضُ الْمَكِّيِّ مِنْهُ ، وَلَمْ يُجْمَعْ جَمِيعُهُ فِي الْمُصْحَفِ إِلَّا بَعْدَ وَفَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 384 ] وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=78فِي كِتَابٍ مَكْنُونٍ ) وَالْمَكْنُونُ : الْمَصُونُ الْمُحَرَّرُ الَّذِي لَا تَنَالُهُ أَيْدِي الْمُضِلِّينَ ، فَهَذِهِ صِفَةُ اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ .
وَرَابِعُهَا : أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79لَا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) صِفَةٌ لِلْكِتَابِ ، وَلَوْ كَانَ مَعْنَاهَا الْأَمْرَ لَمْ يَصِحَّ الْوَصْفُ بِهَا ، وَإِنَّمَا يُوصَفُ بِالْجُمْلَةِ الْخَبَرِيَّةِ .
وَخَامِسُهَا : أَنَّهُ لَوْ كَانَ مَعْنَى الْكَلَامِ الْأَمْرَ لَقِيلَ : " فَلَا يَمَسُّهُ " ؛ لِتَوَسُّطِ الْأَمْرِ بِمَا قَبْلَهُ .
وَسَادِسُهَا : أَنَّهُ لَوْ قَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=79الْمُطَهَّرُونَ " وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ تَطْهِيرُهُمْ مِنْ غَيْرِهِمْ ، وَلَوْ أُرِيدَ طَهَارَةُ بَنِي آدَمَ فَقَطْ لَقِيلَ : الْمُتَطَهِّرُونَ .
كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=108فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ ) .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) .
وَسَابِعُهَا : أَنَّ هَذَا مَسُوقٌ لِبَيَانِ شَرَفِ الْقُرْآنِ وَعُلُوِّهِ وَحِفْظِهِ ، وَذَلِكَ بِالْأَمْرِ الَّذِي قَدْ ثَبَتَ وَاسْتَقَرَّ أَبْلَغَ مِنْهُ بِمَا يَحْدُثُ ، وَيَكُونُ نِعْمَ الْوَجْهِ فِي هَذَا - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ هُوَ الْقُرْآنُ الَّذِي فِي الْمُصْحَفِ كَمَا أَنَّ الَّذِي فِي هَذَا الْمُصْحَفِ هُوَ الَّذِي فِي هَذَا الْمُصْحَفِ بِعَيْنِهِ ، سَوَاءٌ كَانَ الْمَحَلُّ وَرَقًا أَوْ أَدِيَمًا أَوْ حَجَرًا أَوْ لِحَافًا ، فَإِذَا كَانَ مِنْ حُكْمِ الْكِتَابِ الَّذِي فِي السَّمَاءِ أَنْ لَا يَمَسَّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكِتَابُ الَّذِي فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ كَحُرْمَتِهِ ، أَوْ يَكُونَ الْكِتَابُ اسْمَ جِنْسٍ يَعُمُّ كُلَّ مَا فِيهِ الْقُرْآنُ ، سَوَاءٌ كَانَ فِي السَّمَاءِ أَوِ الْأَرْضِ ، وَقَدْ أَوْحَى إِلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=2رَسُولٌ مِنَ اللَّهِ يَتْلُو صُحُفًا مُطَهَّرَةً nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=3فِيهَا كُتُبٌ قَيِّمَةٌ ) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=13فِي صُحُفٍ مُكَرَّمَةٍ [ ص: 385 ] nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=14مَرْفُوعَةٍ مُطَهَّرَةٍ ) فَوَصَفَهَا أَنَّهَا مُطَهَّرَةٌ ، فَلَا يَصْلُحُ لِلْمُحْدِثِ مَسُّهَا ، وَكَذَلِكَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُمَسَّ بِعُضْوٍ عَلَيْهِ نَجَاسَةٌ ، وَلَوْ غَسَلَ الْمُتَوَضِّئُ بَعْضَ أَعْضَائِهِ لَمْ يَجُزْ لَهُ مَسُّهَا حَتَّى يُكْمِلَ طَهَارَتَهُ ، وَلَوْ كَانَتِ النَّجَاسَةُ عَلَى عُضْوٍ جَازَ مَسُّهُ بِغَيْرِهِ ؛ لِأَنَّ حُكْمَ النَّجَاسَةِ لَا يَتَعَدَّى مَحَلَّهَا ، وَيَجُوزُ بِالتَّيَمُّمِ حَيْثُ يُشْرَعُ كَمَا يَجُوزُ بِالتَّوَضُّؤِ ، فَأَمَّا إِنْ حَمَلَهُ بِعَلَاقَتِهِ أَوْ بِحَائِلٍ لَهُ مُنْفَصِلٍ مِنْهُ لَا يَتْبَعُهُ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْإِقْرَارِ وَغَيْرِهِمَا كَغِلَافِهِ أَوْ حَائِلٍ مَانِعٍ لِلْحَامِلِ كَحَمْلِهِ فِي كُمِّهِ مِنْ غَيْرِ مَسٍّ ، أَوْ عَلَى رَأْسِهِ ، أَوْ فِي ثَوْبِهِ ، أَوْ تَصَفَّحَهُ بِعُودٍ أَوْ مَسَّهُ بِهِ - جَازَ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ . وَعَنْهُ لَا يَجُوزُ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا مُنِعَ مِنْ مَسِّهِ تَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ ، وَاذَا تَمَكَّنَ مِنْ ذَلِكَ بِحَائِلٍ زَالَ التَّعْظِيمُ ، وَحَكَى بَعْضُ أَصْحَابِنَا رِوَايَةً أَنَّهُ إِنَّمَا يَحْرُمُ مَسُّهُ بِكُمِّهِ وَمَا يَتَّصِلُ بِهِ ؛ لِأَنَّ كُمَّهُ وَثِيَابَهُ مُتَّصِلَةٌ بِهِ عَادَةً ، فَأَشْبَهَتْ أَعْضَاءَهُ بِخِلَافِ الْعُودِ وَالْغِلَافِ ، وَحَكَى
الْآمِدِيُّ رِوَايَةً يَجُوزُ حَمْلُهُ بِعَلَاقَتِهِ وَفِي غِلَافِهِ دُونَ تَصَفُّحِهِ بِكُمِّهِ أَوْ عُودٍ . وَلَنَا أَنَّهُ لَمْ يَمَسَّهُ ، فَيَبْقَى عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ لَا سِيَّمَا وَمَفْهُومُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014681لَا يَمَسَّ الْقُرْآنَ إِلَّا طَاهِرٌ " جَوَازُ مَا سِوَى الْمُبَاشَرَةِ ، وَلَيْسَ الْمَسُّ مِنْ وَرَاءِ حَائِلٍ كَالْمُبَاشِرَةِ بِدَلِيلِ نَقْضِ الْوُضُوءِ وَانْتِشَارِ حُرْمَةِ الْمُصَاهَرِ بِهِ وَالْفِدْيَةِ فِي الْحَجِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَالْعَلَاقَةُ وَإِنِ اتَّصَلَتْ بِهِ فَلَيْسَتْ مِنْهُ ، إِنَّمَا يُرَادُ لِتَعْلِيقِهِ ، وَهُوَ مَقْصُودٌ زَائِدٌ عَلَى مَقْصُودِ الْمُصْحَفِ ، بِخِلَافِ الْجِلْدِ فَإِنَّهُ يُرَادُ لِحِفْظِ وَرَقِ الْمُصْحَفِ وَصَوْنِهِ ، وَتَجُوزُ كِتَابَتُهُ مِنْ غَيْرِ مَسِّ الصَّحِيفَةِ كَتَصَفُّحِهِ بِعُودٍ ، وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ اسْتَكْتَبُوا أَهْلَ الْحِيرَةِ الْمَصَاحِفَ ، وَقِيلَ : لَا يَجُوزُ الْكِتَابَةُ وَإِنْ أَجَزْنَا تَقْلِيبَهُ بِالْعُودِ ، وَقِيلَ : يَجُوزُ لِلْمُحْدِثِ دُونَ الْجُنُبِ كَالتِّلَاوَةِ .
وَمَا فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ حُكْمُهُ حُكْمُ الْمُصْحَفِ إِنْ كَانَ مُفْرَدًا ، فَإِنْ كُتِبَ مَعَ الْقُرْآنِ غَيْرُهُ فَالْحُكْمُ لِلْأَغْلَبِ ، فَيَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=25641مَسُّ كُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالرَّسَائِلِ الَّتِي فِيهَا شَيْءٌ مِنَ الْقُرْآنِ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مُصْحَفًا
[ ص: 386 ] وَقَدْ كَتَبَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ بِكِتَابٍ فِيهِ قُرْآنٌ ، وَكَانَ يَكْتُبُ فِي صَدْرِ كُتُبِهِ إِلَى أَهْلِ النَّوَاحِي " بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ " وَلِأَنَّ مَا فِيهَا مِنَ الْقُرْآنِ لَا يَثْبُتُ لَهَا حُرْمَةُ الْمُصْحَفِ ، بِدَلِيلِ جَوَازِ بَيْعِهَا وَشِرَائِهَا وَعُمُومِ الْحَاجَةِ إِلَى مَسِّهَا ، وَيَجُوزُ مَسُّ مَا كُتِبَ فِيهِ الْمَنْسُوخُ وَالتَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ، فِي الْمَشْهُورِ مِنَ الْوَجْهَيْنِ ، وَكَذَلِكَ مَسُّ مَا فِيهِ الْأَحَادِيثُ الْمَأْثُورَةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ هُوَ الْقُرْآنَ ، وَفِي
nindex.php?page=treesubj&link=25641مَسِّ الدَّرَاهِمِ الْمَكْتُوبِ عَلَيْهَا الْقُرْآنُ رِوَايَتَانِ ، وَفِي مَسِّ الصِّبْيَانِ أَلْوَاحَهُمُ الْمَكْتُوبَ فِيهَا الْقُرْآنُ وَجْهَانِ ، وَقِيلَ رِوَايَتَانِ ، وَوَجْهُ الرُّخْصَةِ عُمُومُ الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ ، وَلَا يَجُوزُ
nindex.php?page=treesubj&link=18660_23302تَمْلِيكُهُ مِنْ كَافِرٍ وَلَا
nindex.php?page=treesubj&link=17911السَّفَرُ بِهِ إِلَى بِلَادِهِمْ ؛ لِمَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16014682لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إِلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ مَخَافَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ " رَوَاهُ
أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ ، وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=23302مَلَكَ الذِّمِّيُّ مُصْحَفًا بِالْإِرْثِ أُلْزِمَ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ عَنْهُ ؛ لِأَنَّهُمْ يَتَدَيَّنُونَ بِانْتِهَاكِهِ وَانْتِقَاصِ حُرْمَتِهِ .