الجمع بين النصوص الصحيحة
فإذا تحقق التوثيق، وتيقن الناظر من صحة الروايات في الموضوع [ ص: 36 ] الذي يدرسه، فإن المنهج الصحيح في النظر أن يجمع بين هـذه الروايات، وذلك بحسن توجيهها في الموضوع الذي وردت فيه - بلا تعسف - ودون أن يهمل رواية منها، فالجمع بينها مقدم؛ لأن إعمال النص الصحيح خير من إهماله. وهذا يقتضي من الباحث سعة العلم، وحسن الفهم، حتى يكون تأويله لها صحيحا، وحتى يكون جمعه فيما بينها موفقا غير متكلف، وغير متناقض، مع المعاني القرآنية الكريمة، والمقاصد الشرعية المستنبطة من الكتاب والسنة.
وهذا الجمع بين الروايات له أهميته؛ لأنه يدل على استيعاب السنة لجوانب الموضوع الواحد، على الرغم من ورود الروايات على لسان رواة متعددين، وفي مواقف متعددة، وفي أزمان متعاقبة.
فطبيعة البيان النبوي، تقتضي هـذا التعدد حسب المبين لهم، وعلى مقتضى الحال، الذي يقدم فيه البيان، وبجمع هـذه الروايات في الموضوع الواحد، يتبين للعلماء كيف أحاطت السنة بجوانب الموضوع، مما يؤكد جانب الوحي فيها.
فضلا عن أن هـذا الجمع بهذا التتبع، يتيح الفهم الدقيق لكل رواية على حدة، لارتباطها بموقفها وظروفها وملابساتها، قبل أن تنسجم في بناء الموضوع الواحد. وأقدم لبيان ذلك تطبيقا؛ لبيان كيفية الجمع بين الأحاديث الواردة في الغنى والفقر، وما يتصل بذلك من المعاني. [ ص: 37 ]