سابعا: إشكالية الصراعات والخلافات بين البلاد العربية والإسلامية
إنه على الرغم من كل عوامل التوحد والانسجام التي تظلل المنطقة العربية منذ ظهور الإسلام حتى الآن، إلا أن الخلافات بين النظم العربية في العصور المختلفة كانت هـي السمة المميزة لهذه الأمة، فبمجرد أن يزول الإحساس بالخطر المباشر الذي يهددها في وقت من الأوقات، تظهر بوادر الخلاف بين بعضها لأسباب واهية، ترتبط في أغلب الأحيان بصراع الزعامات على حكم هـذه البلاد.
واتسمت العلاقات العربية بالانفعال والضوضاء، وممارسة دور الرقابة والمنع، فأساء العرب إلى أنفسهم أكثر مما أساء لهم الآخرون، فما أن تنشأ خصومة أو خلاف بين دولتين عربيتين أو إسلاميتين حتى تتحول العلاقة من تبادل القبلات والعناقات وعبارات المديح والثناء إلى الشتائم والقذف والتجريح، وتصل أحيانا إلى الصدام المسلح.
وقد استفاد أعداء الإسلام من هـذه الخاصية المميزة للشخصية العربية، فبدأوا منذ الحروب الصليبية في تغذية أسباب الخلاف، لإثارة الفتن، وتوجيه قوى الأمة لما فيه دمارها وتخلفها. وتمارس أجهزة الدعاية الدولية هـذه الأساليب بكل شراسة ضد المسلمين، بهدف تشكيكهم في دينهم، واعتبار الإسلام هـو السبب الرئيس في تخلفهم، ويبرهنون على ذلك بأن أكثر شعوب العالم فقرا وتخلفا وتشرذما وكراهية لبعضها، هـي [ ص: 125 ] الشعوب الإسلامية، وأكثر أنظمة الحكم استبدادا وظلما وقهرا لشعوبها هـي الأنظمة التي يقودها مسلمون.. وفي هـذا الإطار تستخدم الأنظمة الإعلامية المعادية عدة أساليب لتفتيت وحدة الأمة العربية وإضعافها، باعتبارها الحصن الأول للإسلام، من أبرزها ما يلي: [1] 1- اختلاق المشاكل السياسية على الحدود، أو على الثروة، أو نظم الحكم، لإثارة الفتن وبث الشائعات، والعمل على الإفادة من التناقضات الموجودة، وتزكية هـذه الخلافات واستغلالها، ولعل من أبرز هـذه الخلافات ما انتهى إلى غزو العراق للكويت، وما تبع ذلك من انقسام الأمة، وتبديد طاقاتها واستنزاف مواردها التي ظلت تبنيها خلال عشرات السنين، وبالإضافة إلى ذلك فقد عمقت هـذه الخلافات النفوذ الصهيوني في المنطقة العربية، وحطمت – إلى فترة طويلة – الآمال التي كانت معقودة عليها لمواجهة التحديثات التي تواجهها، وإعادة بناء الإنسان المسلم على أسس صحيحة، كما أن هـذه الصراعات قد تركت آثارها السلبية على العلاقات العربية والإسلامية.
2- العلم على إغراق المنطقة العربية بالخمور والمخدرات، ففي إطار المخطط المعادي للإسلام والمسلمين بلغت جملة الإنفاق على المخدرات والخمور في العالم العربي حسب الإحصاءات الرسمية الدولية، 64 ألف مليون دولار سنويا. [ ص: 126 ]
3- استغلال الأوضاع السياسية والاقتصادية المتردية في كثير من البلاد الإسلامية التي تقع تحت خط الفقر، وحاجة كثير من أفرادها إلى العون المادي، لتوجيه سياستها والتحكم في قرارها.
وتستثمر الخطط الدعائية المعادية، الجوانب السلبية الظاهرة، وتوظفها لتشويه صورة العرب والمسلمين، ومن أبرز هـذه الجوانب ما يلي:
أ- ارتفاع نسبة الأمية، وانتشار الأمراض المتوطنة والمزمنة، دون مواجهة فعالة من جانب الحكومات للتصدي لهذه المشكلات.
ب- غلبة الأنظمة السياسية المتسلطة التي تفتقر إلى احترام الحريات الفردية، والتي لا تحفل بالشورى، ولا تعتمد الديمقراطية منهاجا لها.
جـ- التخلف الإداري الذي يلقي بظلاله على معظم المؤسسات القائمة في العالمين العربي والإسلامي، وانتشار الرشوة والفساد والتواكل والسلبية واللامبالاة في كثير من قطاعات العمل والإنتاج.
دـ السلوك غير السوي لبعض العرب والمسلمين في الدول الغربية، الذي يدعم الصورة النمطية السلبية التي تركز عليها وسائل الإعلام المعادية، وتعمل على إبرازها، وهي صورة تتناقض مع روح الإسلام، مما يؤدي إلى تشويه صورة المسلمين، والإساءة إلى ماضيهم وحاضرهم.
وتتحمل أجهزة الحكم ووسائل الإعلام ورجال الفكر، مسئولية تصحيح هـذه الصورة، وتعريف العالم بهويتنا الإعلامية والثقافية. [ ص: 127 ]
لقد آن الأوان لأن ينظر المسلمون إلى بعضهم في صفاء وتسامح دون تعصب، وأن ينبذوا عوامل الفرقة والتشتت، ويرسخوا أسباب الوحدة والتآلف، لتقديم صورة جيدة لواقع مشرق يسوده الوئام والحب والإخاء، من خلال تخطيط إعلامي مشترك يستفيد من الإمكانات المتاحة كافة.