تقديم
عمر عبيد حسنة الحمد لله الذي جعل تكريم الإنسان وتميزه عن سائر الخلق أهليته لحمل الأمانة؛ والأمانة إيمان وعمل، وتحمل للمسئولية،
قال تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان ) (الأحزاب:72)
فالأمانة تتطلب أداء، والمسئولية تقتضي الاضطلاع بتكليف وحمل رسالة، وللتكليف هـدف، وللرسالة مقصد، وللحياة غايات تصير إليها.. فالتوجه صوب هـدف، والعمل على تحقيقه، هـو الذي يعطي الحياة طعما ومعنى، والأحياء قيمة.. والتحرك صوب الهدف هـو الروح التي تسري في الحياة وتحرك مفاصلها، وهو البوصلة التي تحدد وجهتها وتنظم حركتها؛ والهدف هـو الذي يضبط المسار؛ والحرص على بلوغه يشحذ الهمة، ويجمع الطاقة، ويدفع إلى إبداع الوسائل، وإنتاج الآليات، واستكمال الحاجات واستدراكها من (الآخر) ، وإلا تحولت الحياة إلى عبث من العبث، يقول تعالى في بيان هـدف الحياة والأحياء وسبب انتظام الكون وتوازنه واستشعار المسئولية عن الفعل:
( أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وأنكم إلينا لا ترجعون ) (المؤمنون:115) ،
ويقول مبينا الغاية من الخلق: ( وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ) (الذاريات:56) . [ ص: 5 ]
فما هـي أبعاد هـذه العبادة التي خلق الإنسان من أجل أدائها؟ ما هـي آفاقها، التي تشكل رسالة الإنسان في الحياة، وتحقق هـدفه، وتشعره بالمسئولية تجاه أدائها، وتغريه بالثواب على الفعل، وتحذره بالعقاب على الترك؟ وما هـي طبيعة التكاليف المنوطة به؟ وكيف تتحقق له معرفتها وإدراكها؟ كيف يتلقى هـذه الرسالة، ويستشعر تلك المسئولية؟ وما هـي الأدوات والوسائل، التي يتعرف بها على مراد الخالق، ليكون في مستوى التكليف والمسئولية، ويتحقق بتحمل الأمانة، ويبصر أهدافه بدقة، تلك الأهداف التي تشكل له المنطلق، والمقصد، والضابط، للمسيرة الحياتية؟
ونسارع إلى القول: إن اللغة وإدراك دلالاتها ومعانيها والإحاطة بأبعادها هـي الوسيلة، أو هـي وسيلة الوسائل جميعا، لإبصار حدود المسئولية، ورؤية أبعاد التكليف، ومقاصده، ومعرفة مراد الله، ومن ثـم الالتزام بالأحكام، للخروج من عهدة التكليف، وأداء الأمانة؛ فاللغة هـي أم الوسائل جميعا، فلا يمكن لوسيلة أو أداة أن تكون فاعلة مؤدية لوظيفتها، إلا من خلال اللغة وسيلة إدراكها، وفهمها، وتجسير التفاهم والتعارف بين القائمين عليها؛ فاللغة وعاء الحركة والإبداع والاجتهاد.
ولقد عرف الإنسان وتميز عن غيره بأنه مخلوق مكلف، مخلوق مسئول، والمسـئولية من لـوازم حرية الإرادة والاختيار، فلا مسئولية بلا حرية، ولا مسئولية بدون تكليف، فالمسئولية تكليف وتشريف. [ ص: 6 ]
والصلاة والسلام على النبي العربي، المبين عن ربه ما نزل إليه، الذي تمحورت رسالته حول بيان مراد الله وحدود التكليف للناس،
قال تعالى: ( وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ) (النحل:44) ،
وتمخضت مهمته بالبلاغ المبين وعدم الإكراه،
قال تعالى: ( وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) (العنكبـوت:18) ،
فالبـلاغة والإبانـة، تبقى وسيلتها الأساس هـي اللغة، بكل مكوناتها ودلالاتها؛ وحيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم هـو محل الإبانة للناس والبلاغ للرسالة الإلهية، لذلك كان من لوازم هـذه الإبانة أن يكون في الذروة من العرب فصاحة وبلاغة ونسبا وسموا؛ كيف لا يكون ذلك وهو محل تلقي القرآن، الذي نزل بلسان عربي مبين؛ وكان معجزة الرسالة الخاتمة، التي انتهت إليها النبوة التاريخية واكتملت بها، ذلك أن محل الإعجاز المنوط به إبلاغه للناس يتطلب أن يمتلك الحكمة وفصل الخطاب، وأن يؤتى المؤهل المطلوب للمهمة من امتلاك جوامع الكلم.
وبعد:
فهذا «كتاب الأمة» السابع عشر بعد المائة: «النص الشرعي وتأويله.. الشاطبي أنموذجا» للدكتور صالح سبوعي، في سلسلة «كتاب الأمة» التي يصدرها مركز البحوث والدراسات في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة قطر، في سعيه الدائب لإعادة بناء الإنسان [ ص: 7 ] الرسالي الهادف المسئول، ومعاودة إخراج الأمة الوسط، التي تؤهلها وسطيتها للشهادة على الناس، تحمل الخير والرحمة للعالمين، وتوجه البشرية للصلاح والإصلاح، وقبل ذلك كله ترميم الشخصية المسلمة، التي أصابها ما أصابها من الرضوض والكسور والتشويه، كأساس لإخراج الأمة وبناء مقوماتها، واسترداد فاعليتها، وجمع قواها، وتنمية وعيها بالمهمة الرسالية العالمية المنوطة بها، واستشعارها المسئولية، وإدراكها أبعاد التكليف، للخلوص من الحالة الغثائية، التي ما تزال تورث البعثرة والعشوائية والارتجال، والوصول إلى القناعة وعلم اليقين بأهمية التقويم والمراجعة لوسائل الدعوة وآليات الخطاب والبلاغ، واختبار مدى تحقيقها للأهداف والمقاصد.
ولعل في مقدمة الأولويات استدعاء فروض الكفاية إلى ساحة الاهتمام، كأحد الانهدامات الكبيرة في بناء الأمة، وإحياء مفهومها، وإشعار الأمة بالمسئولية الجماعية، وإشاعة مناخ التخصص في العلوم والشعب المعرفية جميعا، وكسر حواجز التدين المغشوش، التي هـمشت فروض الكفاية ولم تعتبر طلبها من الدين؛ هـذا الانهدام الذي أدى إلى تراجع الأمة وتخلفها وجعلها عالة على (الآخر) الذي يقبض على عقولها اليوم ويتصرف بمقدراتها وخاماتها وإمكاناتها جميعا؛ لأنها في حالة إفلاس علمي وثقافي لا تمتلك الخبراء ولا المتخصصين الذين يقومون بحياتها، علما بأن فروض الكفاية هـي دين من الدين، أو هـي تدين لا يقل قيمة وثوابا [ ص: 8 ] عن الفروض العينية، إذا لم يتجاوزها؛ لأن نفع وثواب فرض العين يعود على الفرد، فهو في المحصلة واجب فردي، بينما فروض الكفاية هـي واجبات اجتماعية، تتطلب قدرا كبيرا من الإخلاص والإيثار والاحتساب لأن نفعها وثوابها يعود على الأمة جميعا، ويخلصها القيام بها من الإثم والمسئولية وما يورث التساهل بشأنها من الوهن والبوار، هـذا إضافة إلى أن فرض الكفاية يتحول إلى فرض عين بالنسبة لمن اختاره وارتحل إليه وتخصص فيه.
لذلك فقد لا نستغرب، ونحن نعاني من حالة التخلف، ونعيش مرحلة التخلف، أن تفرز ذهنية التخلف وتدين التخلف شيئا من الأنانية والانكفاء على الذات وتعطيل الإحساس بفروض الكفاية، والحيلولة دون التوجه إليها، وإدراك قيمتها في عملية تحقيق الاكتفاء الذاتي للأمة وبناء منعتها وكفايتها، وتمكينها من أداء دورها الرسالي من على منابر متنوعة ومتعددة ومؤثرة، وهي المنابر التخصصية.
فالمأساة الحقيقية اليوم أن ذهنية التخلف قد وصلت ببعضهم إلى الاستشعار بالذنب من التوجه إلى هـذا التخصص أو ذاك، والعزم على مغادرة هـذه الفروض والتخصصات، التي قد أخذت من عمره سنوات وأموال، إلى التكدس في المسـاجد وساحات الدعوة والإرشاد، التي قد لا يحسنها، وكأن تلك التخصصات لا تحقق له التأثير والدعوة والإرشاد، [ ص: 9 ] لكن بوسائل وأدوات فاعلة في المجتمع (!) ولا يمكن أن نعزو ذلك إلا إلى التخلف والعجز الذي أفرز الإنسان (الكل) ، العالة على أمته ومجتمعه، حتى ولو تحصل على بعض التخصصات المعرفية؛ لأن كل فاقد للبوصلة ودليل العمل يصبح عاجزا عن إبصار مهمته ودور تخصصه في التغيير، عاجزا عن رؤية الآليات والوسائل التي تجعله قادرا على وضع تخصصه في خدمة دعوته وعقيدته.. كما أن التخلف والعجز، الذي يفرز الإنسان (الكل) يغيب، في الوقت نفسه، الإنسان (العدل) ، الذي يبصر أهدافه ومقاصده في الحياة، وينبت حيث يزرع، وينتج حيث يوضع.
وما أزال أذكر، بهذه المناسبة، أثناء زيارتي لأمريكا ، في أوائل الثمانينيات، ودعوتي من قبل بعض الدارسين لبعض التخصصات العلمية المتقدمة، الذي ابتعثته دولته وأنفقت عليه آلاف الدولارات ليعود مؤهلا لتغطية حاجات بلده من القيادات التخصصية، كيف كان هـذا يشعر بعقدة الذنب من هـذه الدراسة، ويقسم أنه سوف لا يقع بالخطأ الذي وقع فيه والده، وسوف يصوب هـذا الخطأ بالحيلولة دون أولاده وهذه التخصصات، ليكونوا دعاة.. وقد لا نستغرب أنه بعد هـذا التخصص وهذه الأموال التي أنفقت عليه غادر تخصصه وترك الساحة إلى الأجنبي، وتحول ليصبح داعية، قد يعلم الناس ما لا يعلم؛ فلقد ترك ما يعلم في تخصصه إلى ممارسة ما لا يعلم (!) [ ص: 10 ] وقد يكون لذلك بعض المسوغات في مجتمع التخلف وما يعتري أهله من الإصابات، ذلك أن الطريق إلى الظهور والزعامة واعتلاء المنابر قد لا يتطلب من المؤهلات إلا ارتفاع نبرة الصوت، وسماكة الحنجرة، وحركة اليد، والتحكم بملامح الوجه، شدة وانقباضا وانبساطا له، ذلك أن الطريق إلى المنابر قصير وسهل، أما رحلة العلم والتخصص فتتطلب الكثير من الصبر، والمعاناة، ونكران الذات، والابتكار، والبعد عن الأثرة، والاحتساب، ونمو الحس الاجتماعي، لذلك نجد، في مجتمعات التخلف، أن زعامة الخطبة ما تزال هـي المحور.
وقد تكون الإشكالية الكبيرة، أو الخلل الخطير بالأصل في مناهج التربية والتعليم والإعلام، وعلى الأخص فيمن يتولون شأن الأمور الشرعية، حيث نجد بعضهم يتساهلون في التنبه والتنبيه إلى أهمية هـذه الفروض الاجتماعية، وخطورة عدم الاضطلاع بها، ليندفع الناس إليها، وتنمية حسهم الديني بها، وذلك في سبيل إرضاء العامة وإثارة عواطفهم وحماستهم، وبالتالي تكثير الأتباع وتحشيد الجماهير وبناء الزعامات في الفراغ؛ والكثير منهم قد لا يدرك أهميتها فيوجه إليها، وبذلك يبقى جسم الأمة هـشا، غثائيا، استهلاكيا، عالة على الآخرين.
وما لم نتخلص من ذهنية فصل الدين عن الحياة عمليا، كما نزعم نظريا من أن الإسلام دين الحياة الشاملة، في كل أنشطتها وشعبها [ ص: 11 ] ومجالاتها، ونستشعر المسئولية عن هـذه المجالات، وأنه يمثل القيم الضابطة لرحلة الحياة، وتحقيق مقاصدها، وأن الدين إنما شرع لبناء الدنيا وإقامة عمرانها، بكل مكوناتها، وأن سلامة هـذا البناء هـي -دون سواها- الموصلة إلى الحياة الطيبة في الآخرة، فسوف تستمر حالة الخبال والضلال والضياع، ونحن نظن أننا نحسن صنعا.
إن توسيع مفهوم العبادة نظريا وعمليا وتربويا، ليشمل سائر التخصصات المعرفية المطلوبة لبناء الحياة وإقامـة العمران، وتقديم نماذج تثير الاقتداء، لتحقيق النقلـة الذهنية واليقين بأن استدراك الفروض الكفائية من التحقـق بالتخصصات المتعددة المترافق مع المرجعية الشرعية، هـو الذي سوف يردم هـوة التخلف، ويعيد البناء، ويجعلنا في مستوى إسلامنا وعصرنا.
فإذا جاز لنا أن نقول: بأن طلب العلوم الشرعية والالتزام بالفروض العينية هـي الأساس، الذي يجعل الفرد في مستوى إسلامه ويؤهله ليكون لبنة صالحة فاعلة في الأمـة والمجتمـع، فإن اسـتدراك التخصصات جميعا وإحياء الفروض الكفائية هـي التي تجعل الأمة في مسـتوى عصرها، وهي التي تضع الأفراد الذين تحققوا بالفروض العينـية في المواقع الفاعلة والمؤثرة في التخصصات المعرفية أو الفروض الكفائية، وبذلك نقدم حلا عالميا للمعادلة الصعبة، حيث يحكم العالـم اليوم علم بلا دين، لا ينتج [ ص: 12 ] إلا وسائل الدمار والهيمنة والبغي، ودين بلا علم يغيب العقل ويعطل الوعي ويكرس الكهانة والخرافة والشعوذة والأسطورة.
ولعلنا نقول هـنا: بأن النفرة للتبحر في قراءة النص الشرعي، والنظر في أحكامه، واستنباط مكنوناته وأسراره، ومعرفة عواقبه ومآلاته (تأويله) وإدراك مقاصده، هـي من الفروض الكفائية، كسائر التخصصات في الشعب المعرفية المطلوبة،
يقول تعالى: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) (التوبة:122) ،
ذلك أن النفرة لاستدراك الفقه في التخصصات الأخرى قد لا تقل أهمية عن النفرة إلى التفقه في النص الشرعي، بل قد تكون من لوازم النفرة إلى الفقه بالنص الشرعي، لما لها من ضرورة للقيام بأعباء الاستخلاف الشرعي في الأرض وإقامة العمران؛ وضرورتها لم تعد خافية لمعرفة الواقع، وتحديد أبعاد استطاعة الإنسان، محل التكليف الشرعي، إذ لا قيمة للحكم المجرد إذا افتقد الإحاطة بعلم المحل أو المكان، الذي هـو الإنسان.
ففهم الإنسان واستطاعته لا تقل أهمية عن فقه النص الشرعي والنظر في مآلاته، ذلك أن إسقاط النص على المحل دون إدراك حدود الاستطاعة التي يمتلكها الإنسان هـو نوع من التعسف والإساءة لمقاصد الحكم الشرعي، التي سوف تفوت حتما، كما أنها إساءة للإنسان الذي سوف يلقى العنت من التعامل مع النص الشرعي، لذلك كان لا بد من فهم [ ص: 13 ] الواقع والمحل، وسبيل ذلك هـو تحصيل العلوم الإنسانية والاجتماعية، إضافة إلى فقه النص، وسبيل ذلك الاجتهاد الشرعي؛ وبذلك نكون في مستوى إسلامنا فقها، وفي مستوى عصرنا فهما للواقع وكيفية التعامل معه، لأن آليات فهم الواقع وأدواته هـي العلوم بشتى فروعها، وبذلك فقط نتحول من إسقاط الأحكام بعيدا عن النظر في محالها وفي إمكانية تحقيق مقاصدها إلى تنـزيل الأحكام في ضوء واقع الحال وضوء الاستطاعات، التي تشكل أساس التكليف.
إن من الخطورة بمكان غياب المقاصد، وغياب الإجابة عن السؤال الكبير دائما: لماذا هـذا العمل، وكيف يكون الأداء، وما هـي العواقب المحتملة له؟ ذلك أن غياب النظر في الحكم والعواقب والمآلات، والنظر إلى الأحكام على أنـها قواعد ذهنية مجردة تمارس بشكل آلي بعيدا عن إدراك ما يترتب عليها انتهى بالاجتهاد إلى العزلة عن واقع الحياة وتحقيق مصالح العباد.
ولعلنا نقول: إن إبصار المقاصد وإدراك العواقب وحسن تقدير المآلات يشكل، من بعض الوجوه، معيارا دقيقا لاختبار حسن تنـزيل الحكم على محله؛ يشكل قياسا موضوعيا للفعل الفقهي أو للاجتهاد الفقهي؛ لأن المقايسة المجردة بشكل آلي قد تخرج الحكم عن حكمة تشريعه ومقاصده في الخلق، فيتحول من تهذيب للإنسان إلى تعذيب له.. لذلك رأينا الفقهاء يعدلون في كثير من الأحيان عن القياس، الذي هـو [ ص: 14 ] قياس فرع على أصل لاتحاد العلة بينهما، إلى الاستحسان وهو العدول عن القياس لحكمة أو مصلحة تقتضي ذلك العدول؛ لأن تطبيق القياس بإطلاق، بشكل آلي، دون هـذا الملمح قد يفوت المصلحة، وهكذا.
فالمقاصد من جهة، والمنطلقات الشرعية من جهة أخرى يشكلان المعيار المنهجي وضابط الإيقاع العملي للحيلولة دون الخلل وتفويت المصالح لعملية الاجتهاد الشرعي.
فالمقاصد تشكل الرؤية الكلية، والمحور الذي تدور في فلكه جميع فروع الفقه ومسائله، ولا تند عنه، وهي التي تخلص الاجتهاد من البعثرة والجنوح، بسبب من المقايسة المجردة بعيدا عن استصحاب الغايات، تلك المقايسة التي تخرج في كثير من الأحيان عن الأهداف، التي من أجلها كان التشريع، لذلك نرى أنه إذا كان للقياس والاجتهاد مقوماته، فإن من شروط ذلك تحقيق المقاصد والوصول إلى الأهداف، فتحقيق المقاصد هـو معيار اختبار دقة المسيرة الاجتهادية.
إن الكثير من العلماء في تراثنا الفقهي تبحروا وامتدوا بالفروع والقياس والاجتهاد، والقليل القليل جدا الذين توجهوا إلى استصحاب المقاصد من النص الشرعي.. ولئن كانت المقاصد مدركة عند الكثير من أئمة الفقه العظام دون أن يدونوها ويفردوها بأبواب خاصة من فقههم، فإن الفضل في هـذا الباب يرجع إلى الإمام الشاطبي ، رحمه الله، الذي جاء [ ص: 15 ] في القرن السابع الهجري، حيث أفرد لهذا الفقه، فصولا خاصة به، وجعله بابا من أبواب أصول الفقه، انعكس على كثير من قواعد الأصول، بما في ذلك التعامل مع دلالات اللغة؛ بل لعل دلالات اللغة كانت خير معين له لاكتشاف هـذا النظر الفقهي الدقيق؛ ونظرا لأهمية مباحث المقاصد، التي أصل لها ومهد الطريق إلى إدراكها الإمام الشاطبي فقد جعلها الإمام الطاهر بن عاشور ، رحمه الله، علما قائما بذاته، وليست أحد مباحث أصول الفقه.
وبالإمكان القول: بأن لفت النظر إلى أهمية مقاصد الشريعة، كثمرة لدلالات الألفاظ، وكمحور أساس للاجتهاد، أحدث تغييرا مهما في شروط الاجتهاد وأدوات المجتهد، ودفع الكثير من الطلبة والباحثين والدارسين إلى التنبه إلى هـذا الجانب المهم من العملية الاجتهادية، حيث شكلت المقاصد عند الشاطبي، وهي العقل، والدين، والنفس، والنسل، والمال، الذي جاء الشرع لحفظها وحمايتها، والتأكيد أن حياة الإنسان وسعادته لا تستقيم إلا بها؛ لأنها تشكل الضرورات الخمس ، أو مقاصد الشريعة في الخلق، الأساس الذي انطلق منه الباحثون والدارسون لبيان أبعادها في المجالات الإنسانية المتعددة ولمحاولة اعتبار أن الأولويات تقتضي الامتداد بالمقاصد وإدراك أبعادها فيما وراء ذلك، فالضروريات في الحياة تتغير، الأمر الذي يدفع للاجتهاد في كشف مقاصد جديدة، سواء في [ ص: 16 ] مجال الضروريات أو الكماليات أو التحسينات، فكان ذلك مرافقا لكل اجتهاد، مهما جل أو دق.
ولا شك أن العربية، أو معهود العرب في الخطاب، أو ما يمكن أن نطلق عليه دلالات الألفاظ هـو الأداة الأساس لفهم مراد الشارع وحدود تكليفه والتعرف إلى مقاصد هـذا التكليف.
وهنا إشكالية فكرية أو ثقافية قد يكون من المفيد التوقف عندها قليلا بمقدار ما يسمح المقام، وهي أن الإسلام رسالة عالمية وخطاب تكليفه عالمي للناس جميعا، وإن كان عربي الخطاب فهو عالمي الرسالة، وأن إدراك تكاليفه وفهم مقاصده إنما يتحدد من خلال العربية، لغة التنـزيل، وليس ذلك فقط وإنما تتحدد دلالات الألفاظ العربية في هـذا الخطاب من خلال ما كان معهودا للعرب في عصر التنـزيل من الدلالات والمعاني للخطاب،
يقول تعالى: ( نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) (الشعراء:193-195) .
ولدفع هـذه الإشكالية نسارع إلى القول: بأن اللغة، أية لغة، هـي فعل كسبي، يمكن أن يتحصل لكل إنسان يجد ويجتهد في تعلمها، وليس أمرا قسريا، وأنـها بمقدور كل إنسان، وليست حكرا على جنس أو لون أو قوم، وأن مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما نزل إليهم، وللناس لغات شتى ولهجات متنوعة، فكيف، والحال هـذه، يدركون الخطاب العربي ويلتزمون بتكاليفه؟ [ ص: 17 ] ونعاود القول: بأن الإجـابة عن ذلك أن اللغة أمر كسبي تعليمي، ولا أدل على ذلك من أن الكثير ممن أرادوا معرفة هـذا الدين وآمنوا به تسارعوا إلى تعلم العربية حتى صاروا علماء فيها ومعلمين لها، ينازلون أهلها، في أدق التفاصيل اللغوية، بل ويرتادون آفاقا لم يسبقوا إليها، ويقدمون إضافات ومدركات لافتة للنظر ومحركة للعقل، بل لعل وضع المعاجم التي تحدد دلالات الألفاظ وتعرف بمعهود العرب في الخطاب، وتحمي اللغة من التبعثر والانفلات، وبيان دلالات مفردات القرآن، والبحوث في الفروق اللغوية، والاجتهادات الفقهية، والتأويل والتفسير جاءت في كثير من الأحيان من غير العرب.
وعندما تكون اللغة هـي لغة العقيدة والحضارة والعلم يسارع الناس إلى التضلع بها وتعلمها، ولسنا بحاجة إلى لفت النظر اليوم إلى ما بلغته اللغة الإنكليزية، وكيف يتهافت الناس على تعلمها، ولو على حساب اللغة الأم؛ لأنها اليوم أصبحت لغة العلم والتكنولوجيا والدبلوماسية والسياسة والاقتصاد... وأن الكثير من المدركات العلمية والمصطلحات الدبلوماسية والقانونية والدولية اليوم لا يمكن أن تتحقق إلا بتعلم الإنكليزية، فهل يعيب العلوم والتكنولوجيا ويحاصر امتدادها أن لسانها إنكليزي؟ فالناس باتوا يقبلون على تعلمها، من حديثي السن حتى الكهولة؛ لأنها أصبحت حاجة معرفية وضرورة علمية وسمة حضارية، [ ص: 18 ] وأنـها بوابة العـلم والمعرفـة، وأن الإنتاج العلمي والثقـافي من أهلها أو المتحدثين بـها يستدعي الآخرين لتعلمها بأي ثمن، حتـى بات الذي لا يعلمها غريبا في قومه وليس في العالم؟
فما بالنا بالعربية، لغة العقيدة والرسالة والمصير.
فاللغات تحي الأمم وتحيا بها، وأن عجز الأمة وتخلفها وتراجعها ينعكس بالدرجة الأولى على اللغة.
وقد نرى هـنا أن العربية لولا أنها لغة العقيدة والعبادة والتاريخ والتراث والحضارة ولغة القرآن وهذا المخزون الحضاري الكبير والتاريخ العريق لأصبحت أثرا بعد عين، وعلى الأقل لغيبتها اللهجات العامية والألفـاظ الأعجـمية المولدة، وكأن اللغـة توبخ عجزنا وتقـول: ( ( فلا تلوموني ولوموا أنفسكم ) ) .
(ابراهيم :22) ولعل مما تميزت به العربية أهليتها لحمل الرسالة الخالدة الخاتمة، ذلك أن الخلود يعني القدرة على الإنتاج في كل زمان ومكان وإنسان، والاستيعاب لحركة الحضارة ومعطياتـها في كل زمـان ومكان، حتى يرث الله الأرض ومن عليها، فاختيار العربية لتكون لغة الرسالة الخالدة وما وسعته على القرون المتطاولة من العطاء العلمي والحضاري له دلالاته على قدرتها وحيويتها وخلودها أيضا؛ وأن العجز هـو في أهلها اليوم لأنها وعاء النص الخالد الذي وصل إلينا كما نزل بطريقة علمية ومنهجية [ ص: 19 ] متواترة تفيد علم اليقين، وأن من أعظم ما تمتلكه الأمة اليوم هـذا النص الإلهي الصحيح الخالد القادر على الإنتاج على الزمن كلما عاد المسلمون لاستلهامه واستنطاقه واستدعائه لحل مشكلاتهم.
ومن الميزات أيضا أن النص لم يقتصر على أنه وصـلنا كما نزل، وإنما امتد صوابه وحفظه ودلالته، حيث جاء الواقع وما بذل من جهود الحفظ والتدوين والجمع يجسد قوله تعالى:
( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (الحجر:9) ،
لأنه لا يعقل أن يخاطب الناس بنصوص محرفة مزيفة؛ وقد توقف التصويب بالنبوات، فالحفظ والصحة من لوازم الخاتمية، والعطاء الدائم من لوازم الخلود.
نقول: ليست الميزة بأن وصلنا النص كما نزل، بألفاظه وأسلوبه وفواصله ومخارجه وأصواته، وإنما أيضا كما فهم من النبوة، صاحبة مهمة البيان، الذي تحددت دلالاته من خلال معهود العرب في الخطاب، وهذه ميزة لم تتوفر لأي نص في التاريخ، سواء في ذلك وسائل الحفظ والتدوين أو من حيث تطور اللغات ومغادرتها لأصولها الأولى، والتقطيع والانقطاع والاغتراب بين أجيالها، الأمر الذي أدى إلى عدم وجود مرجعيات لرحلة اللفظ وتطور دلالته التاريخية. إن وجود المرجعية في اللغة العربية (معهود العرب في الخطاب) ، التي تحدد دلالات الألفاظ، وتشكل المعيار، الذي يحتكم إليه عند تناقض [ ص: 20 ] المفاهيم، يحول إلى حد بعيد دون التحريف الخفي للنص الديني، الذي لحق بأهل الكتب السماوية السابقة، حيث لا مجال للتحريف اللفظي.. فالتحريف الخفي هـو التأويل المزاجي، حيث الخروج بالمعنى عما وضع له اللفظ؛ إن المعنى الذي وضع له اللفظ يحدد من خلال (معهود العرب في الخطاب) ، ولعل هـذه المرجعية تعتبر إحدى الركائز الأساس لحفظ النص الإلهي وحمايته من التغيير والتحريف والحماية مما لحق بالنص الديني على مدار التاريخ، إضافة إلى مناهج الحفظ الأخرى.
فمعهود العرب في الخطاب، الذين نزل القرآن بلغتهم، هـو الذي يحدد دلالات الألفاظ، ويضبط استعمالها، ويحول دون العبث بالمفاهيم؛ فالنص الشـرعي حمى اللغـة من الاندثـار، وحمي بها من التحريف، ولا يحسبن أحد أن النص الشرعي حـال دون تطور اللغة أو تطويرها، أو أن الارتباط بمرجعية معهود العرب في الخطاب حاصر اللغة وحال دون امتدادها؛ وإنما الأمر الواضح أن النص الشرعي حفظها من جانب وطورها من جانب آخر، واستخدم معظم وسائل التطوير من الاشتقاق والتعريب والتولـيد للتعبير عن حالات نفسية وأخلاقية وتشريعية وقانونية وحضارية. فالنص الذي جاء معجزا لأهل اللغة، حاولوا بسبب إعجازه المقاربة والمطاولة، وبلغوا باللغة أمداء وأبعادا لم تبلغها أية لغة أخرى إلى اليوم، [ ص: 21 ] بفضل النص الإلهي المعجز البليغ، ونشأت عندهم علوم في النحو والصرف والبلاغة، وليس ذلك فقط بل استطاعت اللغة أن تكون وعاء النص الشرعي الخالد المعجز، ووعاء العقل المبدع، ووعاء العلم الممتد، ووعاء الحضارة العالمية.
والمرجعية (معهود العرب في الخطاب) لا تعني الحجر وإيقاف اللغة، بحال من الأحوال، وإنما تعني المنطلقات السليمة، والجذور الممتدة، التي تحول دون النمو السرطاني الذي يؤدي إلى مغادرة الأصل ولا يستصحبه، فالتطور الإنساني والإبداع العـلمي والعطاء الحضاري الممتد يتطلب التعبير عنه والتفاهم اللغوي حوله، والتواصل بين أجياله، فتوقف اللغة يعني الموت والتقطيع.
لذلك فالمطلوب التطور والتطوير المستصحب للأصـل والمرجعية، ولا أدل على ذلك من أن الإسلام نفسه استخدم دلالات ومصطلحات جديدة، وطور معاني للألفاظ، وفتح الباب للنمو والتقدم، فكثيرا ما نرى بعض الألفاظ تحمل دلالات شرعية إضافية أو عرفية إلى جانب دلالاتها اللغوية، وكثيرا ما نجد في كتب العلم الشرعي التأكيد على أن المفهوم اللغوي للفظ هـو كذا، والمفهوم الشرعي أو الاصطلاحي هـو كذا، والارتباط واضح بين المدلولين، بمعنـى أن التوليد أو إضافة معاني جديدة لم يغادر الأصل وإنما انطلق منه. [ ص: 22 ]
والذي نتصوره، أن ألفاظ اللغة يمكن أن تحتمل معاني كثيرة، وتكون حياتها مستمرة، مع الحفاظ على خصائصها الولادية، أو مرجعيتها، شريطة أن لا تعود على دلالاتها الأصلية بالنقض أو الإلغاء.
أما الذين يلقون بعجزهم عن الامتداد والتنمية والإبداع على اللغة فلا شأن لهم لا في اللغة ولا في غيرها من آفاق التقدم، ولا يخرجون عن أن تكون عقولهم في آذانهم يشكلون رجع الصدى (للآخر) ؛ لأن اللغة هـي الوطن، وهي الهوية، وهي الذات، وهي حاضن العقل، وأداة العلم، ووسيلة التواصل بين الأجيال، وهي الذاكرة، وهي محرك الإحساس والإدراك، وهي كائن حي ينمو ويستمر ويستعصي عن الموت.
وليس أقل من ذلك خطرا بعض الفلسفات الهزيمة، التي تشيع أن العربية لغة الدين وأن محلها المعابد، كالسريانية واللاتينية والرومانية القديمة، وأن الإنكليزية لغة العلم والحضارة؛ فالعربية لغة المعبد والإنكليزية لغة المعهد والمصدر، وكأن العربية لم تكن لغة العلم والمعهد والمسجد والحضارة والتقدم؛ لكنها إفرازات الهزيمة والوهن الحضاري، إضافة أن الذهاب وراء هـذا الرأي سوف ينتهي باللغة إلى ترانيم وأصوات محاصرة، لا تدرك ولا تفهم على الزمن من الجماهير التي ذهبت إلى لغات أخرى.
وشيء آخر لا يقـل إثما وخطـورة، وهو الفصل بين التفكير والتعبير وتجاوز دلالات الألفـاظ ومعهود العرب في الخطاب، والتقليل [ ص: 23 ] من شأن ذلك وأهميته، حيث القول: إن الأصل أن يكون التفكير إسلاميا مهما كان نوع التعبير، وبذلك يكتفى بحفظ الفاتحـة لأداء الصلاة (!) ولا ندري، أدوات التفكير وأوعيته ومحركاته ودقة التعبير عنه، من أين تأتي إن لم تتوفر من اللغة الأم، صوتا وإيقاعا ودلالة واستبطانا ومعيارا وأداة تواصل؟
فاللغة غذاء التفكير، وأداة التعبير، ووسيلة التواصل، وسبيل التفاهم وبناء النسيج الذهني الثقافي والاجتماعي، وبناء القاعدة المشتركة، وأهم عوامل تشكيل الأمم.
والإسلام لم يقم وزنا للون والعرق والجنس؛ لأنها أمور قسرية، لكنه لم يتنازل عن اللغة كأمر كسبي يحقق البناء الذهني والمعرفي أو التكاملي للأمة، ولعلنا نقول: إن الحالة الذهنية المبعثرة والفاقدة للهدف والمقصد، التي يعززها ويفرزها التخلف، تشكل هـذه الأعراض من الغثائية والوهن والتباس الوسائل بالأهداف.
وهنا قضية قد يكون من المفيد أن نعرض لها بالقدر البسيط، وهي أن النص الشرعي، القرآن والحديث، إنما يشكل بأصله خطابا عاما ميسرا للأمة،
يقول تعالى: ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) (القمر:17) ،
وهذا الخطاب العام للأمة جميعا، يشكل لها رؤية، وينتج ثقافة، ويشكل مناخا حاضا للتوجه والنفرة لجميع أنواع العلوم والمعارف، [ ص: 24 ] إلا أنه في الوقت نفسه يعتبر خطابا للنخبة القادرة على إدراك الدلالات واستنباط الأحكام وبيان مراد الله من عباده وبيان مقاصد التشريع؛ فالنخبة تنتج وتستنبط، والأمة تنجز وتنفذ،
استجابة لقوله تعالى: ( فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ) ،
وقوله تعالى: ( وإذا جاءهم أمر من الأمن أو الخوف أذاعوا به ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) (النساء:83) .
فكل مسألة ترد إلى أولي أمرها وأهل علمها، لتحليلها، واستنباط حلولها، وكيفية التعامل معها.
ويبقى معهود العرب في الخطاب يشكل تواصلا للأجيال، يمكنها من استيعاب تراثها، وتصور ماضيها، وامتلاك الثروة الكبيرة من الإمكان الفكري والعطاء الحضاري للامتداد صوب المستقبل.
وهذا الكتاب يضع لبنة منهجية في البناء العلمي والثقافي القاصد المرتكز إلى دلالة اللغة، ولا يمكن أن يعتبر إعادة إنتاج لعطاء قديم من القرن السابع عشر الهجري، وإنما هـو استدعاء لرؤية مبكرة، واستحضار لأنموذج كان صاحبه رائدا في تأصيل مقاصد الشريعة ، التي جاءت ثمرة لدلالات الألفاظ وأصبحت تشكل المحاور الرئيسة لكل فهم وفقه واجتهاد وتجديد وتطوير، ذلك أن الكتب المنهجية والتأسيسية والتأصيلية تبقى حية لايتجاوزها الزمن، وتشتد الحاجة إليها في حالة التبعثر والتضليل الفكري [ ص: 25 ] والثقافي، ومحاولات التطاول على المعرفة، وزيادة حملة الفقه وغياب الفقهاء، وبروز المتحمسين وغياب المتخصصين، للخروج من نفق التخلف والتراجع الثقافي.
إن مثل هـذه النماذج المنهجية تبقى مطلوبة لمعالجة الخلل، وإعادة حالة التوازن، التي تمكن من الرأي السديد والصائب، وتفتح نافذة في جدار التخلف والعجز، لعل الأمة تئوب إلى قيمها الخالدة، تستأنف إبصار مقاصدها، فتخف لاستدراكها، وتعزم على الإقلاع من جديد لإعادة البناء.
ولله الأمر من قبل ومن بعد. [ ص: 26 ]